|
حين تلتهمنا الحضارة
كريم عبدالله هاشم
الحوار المتمدن-العدد: 5479 - 2017 / 4 / 2 - 00:21
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
نحن من الشعوب التي قطعت أشواطا طويلة ودفعت أثمانا باهضة في محطات الأنتظارات الطويلة لغد أفضل (( مزعوم )) كنا قد أخذنا الوعد والوعود به ، وجلسنا صامتين يتناوشنا بين الفينة والأخرى فقد من هنا وخسارة من هناك . وقد قادتنا العاطفة والحماسة – البديل الشرعي للجهل المدقع المستفحل فينا – الى تبني تلك الوعود والأوهام والمضي قرون طويلة بين تشابكات وتناقضات نسيجها وعلاتها دون أن نصل الى نتيجة أفضل أو الى قدر من تحقيق ولو جزء بسيط من أمانينا . فقد تجاذبتنا الصراعات والتيارات والأفكار ، وقد قادتنا النزعات المختلفة وأهمها النزعات العرقية والطائفية أو الحزبية الى منحدرات شتى من التشتت والفقدان ، وانحدرت بنا الى أسفل الترتيبات بين شعوب العالم . وهذه الصراعات والأختلافات والتجاذبات بكل مناحيها وبكل تأثيراتها الجانبية الملموسة وغير الملموسة ، كانت من العوامل الرئيسية التي جعلتنا عرضة في كل عصر وزمان الى أنواع مختلفة من الغزوات والأحتلالات ، وحولتنا الى مطمعة سهلة الهضم لكل غاز ومحتل وتحت أية ذريعة كانت . وكنا نتلقى الوعود بغد أفضل ومستقبل قادم أحسن في كل عصر وزمان ومع كل موجة أو غزوة أو محتل أو زعيم ثوري يدعي معرفة الأولين والآخرين ، ويدعي انه سيأتينا بخير وراحة لم تأتنا من قبل ، وانه سيقودنا الى البر الذي سنعبر فيه محطات الأنتظارات الطويلة ، وسيلبي احلامنا ويناولنا اياها على أطباق من الذهب والفضة . فيقودنا كالعميان خلفه ، يمضي بنا الى العبور المزعوم – كلهم كانوا يعبرون بنا - ، ولكن الى مآربه وغاياته وأمراضه النفسية والعقلية التي يحققها على ظهورنا تحت مسمى العبور . فنكتشف بعد فوات الأوان وعلى وقع أقدام وخطوات طامح جديد ، اننا كنا مجرد أغبياء في رقعة يحركها الدكتاتور أو الزعيم الطاغية المهووس بالسلطة والسلطان طيلة ماانقضى علينا من زمن . وتبدأ الدورة من جديد . . بوجه آخر . . بموجات جديدة من الأنسلاخات والتشرذم . . حتى ضاعت انسانيتنا ، وتمزقت ملامحنا الحلوة . . نكتشف بعد حين اننا كنا مجرد دمى أو أحجار بين الأصابع التي تحركها ، ولانقدم أية معالجة . في المقال المهم للأستاذ عبد الحميد الصائح (( العالم يتغير ، مقال مهم )) المنشور على شبكة الصدى نت بتاريخ 17نوفمبر2016 والمترجم عن الدكتور غولدمان . يضعنا الكاتب ويؤشر لنا الى نمط جديد ووجه آخر وموجة أشد اتساعا وتأثيرا حيث سنجد أنفسنا بشكل واضح اننا في قعر الدنيا والحياة كما كنا دائما . حين سيستولي العالم (( الرقمي )) وتطبيقات الهواتف الذكية على العالم بأسره . ستتحطم مصالح ، وتندثر مهن واختصاصات وشهادات مهمة نراها الآن ، وستنتهي فرص العمل بما نسبته 70-80% ، وتفلس شركات اسوة بما ذكره الكاتب عن افلاس شركة كوداك المعروفة التي كانت (( توظف 170 ألف موظف عام 1988 وتبيع 85% من الصور الورقية )) ، (( فالبرمجيات ستدمر كثيرا من الصناعات التقليدية )) و (( يغلب ذكاء الآلة على ذكاء البشر في عام 2030 )) وستتحكم الآلة حتى (( بمزاج الأنسان )) . ويتساءل الكاتب (( اذا كنا جاهزون )) لهذا التغيير القادم . انك لتشعر بالأحباط وخيبة الأمل الواسعة وانت تنتهي من قراءة المقالة وتتأمل نفسك على الأقل ، وهكذا بالنسبة لغيرك ، ولنا جميعا من أبناء هذا المجتمع الذي لم يتمكن من الأستفادة من كل المعطيات التي تتوافر لديه – من خيرات وطاقات وقيم بشرية ذات أصول حضارية ممتدة الى عشرات القرون - . وقد كان طيلة مسيرته مجرد لعبة أو دمية على رقعة (( حية ودرج )) يرفعه الدرج الى الأعلى وتبتلعه الحية لتعود به الى أسفل مما كان عليه . واليوم ، نحن أمام مواجهة فعلية لقدراتنا الحقيقية من أجل مواكبة هذا الركب العالمي الذي سيفرض نفسه ، والقادم بلاشك ، دون أن يمتطي جوادا أو يعتلي دبابة ، فقد زحف الينا وصار يتنفس بيننا اسوة بالعالم كله . هذا القادم تحت لافتة الحضارة والنمو والتطور البشري صار محتما ولاوسيلة للأختباء منه في قعر الدنيا ، فهي العولمة وتكنلوجيا المدنية الحديثة التي تدق على حواجز عزلتنا وستعصف عما قليل بالكثير من مقوماتنا الحالية ، فلم يعد العالم واسعا بما يكفي للهروب أو العزلة . هذا العالم الجديد الذي يحمل مايحمل من الفائدة بين ثناياه ، والكثير الكثير من المآرب والأحتكارات وتحول مراكز الأستقطاب والسياسة ومراكز القوة والتأثير والقرار . هذا العالم القادم الذي ستندثر فيه انسانيتنا ونتحول الى روبوتات متحركة تستولي عليها وتتحكم بها مراكز السيطرة الرقمية ، والذي سيرغمنا على مغادرة الكثير مما نألف وننسجم ونهوى ونحب ونكره واكتساب معالم جديدة وسلوكيات أخرى . اكرر ماقاله الكاتب عبد الحميد الصائح (( ان كنا جاهزون )) ؟ . . واتساءل الى أي مدى ؟ . . الى أي حد نحن قادرون على استيعاب ومواكبة ، والتفاعل ، مع مايتنفس بيننا الآن بهدوء ، وسينتفخ ويكبر عما قليل ليطغى على كل ماحوله ، فيغير العوالم والمعالم والملامح التي ألفناها ؟ . . الى أي مدى سنتمكن من أن نكون فاعلين ، ويكون لخيراتنا المتاحة وقدراتنا البشرية الممكنة أن تأخذ دورها في ركب المسير العالمي هذا ؟ . . وان لم يكن ، وانحسر دورنا ، وزلت أقدامنا مجددا عن جادة المنطق والصواب فلا يسعنا وقتذاك الا أن تعاد بنا دورة الفشل والأحباط المتراكم بشكل أشد قسوة وأمضى تأثيرا . ولن نكون وقتذاك الا مجرد حطام وحطب تلتهمنا هذه الآلة الناعمة (( البراقة )) الشديدة القسوة .
ملاحظة : لمن يرغب في الأطلاع على المقالة المذكورة أعلاه (( العالم يتغير ، مقال مهم / للكاتب عبد الحميد الصائح )) على الرابط التالي : http://elsada.net/21877/
#كريم_عبدالله_هاشم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أغبياء حسن العاني
-
ندوب حامد الياسري
-
ثقافة الفساد
-
ثقافة الشعارات
-
اسلامنا . . العقد والأصلاح
-
ثقافة التبرير
-
من أجل استعادتنا
-
حين قتلنا الحسين
-
تواقيع الشظايا (( عدنان حسين في أسفاره ))
-
خارطة الموت (( قراءة نقدية في رواية - مثلث الموت - للكاتب عل
...
-
وليمة الأله الجديد (( قراءة نقدية في المطولة الشعرية - خطبة
...
-
دخان 11 سبتمبر الكاذب
-
وهم الأنتخابات
-
كلمة للطرشان
-
لمواجهة الموت الجماعي
-
وطن ومواطنة : (( هاشم الزيدان نموذجا ))
-
الفلوجة
-
المطلوب : اعادة نظر
-
لاوجود لنا . . . (2)
-
لاوجود لنا . . . (1)
المزيد.....
-
كيف يستعد الجنود من المتحولين جنسيًا لمواجهة ترامب بإعادة تش
...
-
الصين تحتفل ببداية عام الأفعى وسط طقوس تقليدية وأجواء احتفال
...
-
توجيه إسرائيلي لمعلمي التاريخ بشأن حرب أكتوبر مع مصر
-
الجزائر تسلم الرباط 29 شابا مغربيا كانوا محتجزين لديها
-
تنصيب أحمد الشرع رئيسا انتقاليا لسـوريا
-
منتقدا الاحتياطي الفيدرالي ورئيسه.. ترامب يطلق العنان لمبادر
...
-
أمريكا.. السجن 11 عاما للسيناتور السابق مينينديز جراء إدانته
...
-
الرئيس السوري أحمد الشرع يطلب من روسيا تسليم الأسد
-
إصابة 24 شخصا بغارتين إسرائيليتين على النبطية.. -لم يستطيعوا
...
-
إعلام: المراحل المقبلة من وقف إطلاق النار في غزة تواجه عقبات
...
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|