|
محمود محمد طه (9) الجهاد - جزء ثاني
سامي الذيب
(Sami Aldeeb)
الحوار المتمدن-العدد: 5476 - 2017 / 3 / 30 - 20:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أشرككم هنا كما فعلت في المقالات السابقة وكما سأفعل في مقالاتي اللاحقة ببعض فقرات (غير نهائية) من كتابي الذي اعده عن المرحوم محمود محمد طه. ملاحظة: لكي أكون أمينًا مع فكر محمود محمد طه، أفضل اقتباس النصوص. فأفكاره خاصة ويصعب تلخيصها دون خيانتها. . الجهاد في فكر محمود محمد طه (الجزء الثاني: نقده لفكر الإخوان المسلمين في الجهاد) -------------- يوجه محمود محمد طه في كتابه "هؤلاء هم الإخوان المسلمون" نقدًا لاذعًا لهذه الجماعة لأنها ما زالت تتبنى فكرة الجهاد بالسيف: في هذا الوقت الذي تهيأت فيه البشرية للتبشير بالإسلام في مستواه العلمي القائم على الإقناع، والإسماح، والسلام، حيث اتجه الرأي العالمي إلى نبذ العنف، ولم تعد الحرب لتحل مشكلة من المشاكل، يجيء تنظيم الأخوان المسلمين ليدعو المسلمين إلى الجهاد! فها هو الشيخ حسن البنا، مؤسس الدعوة، يفرد رسالة خاصة بالجهاد، أسماها "رسالة الجهاد" أورد فيها العديد من النصوص التي تحّض على الجهاد، داعيا إلى إتخاذه أساسا لأسلوب الدعوة الإسلامية اليوم، وقد وجه في خاتمة هذه الرسالة هذه الدعوة إلى الأخوان المسلمين: (أيها الأخوان إن الأمة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا، والنعيم الخالد في الآخرة، وما الوهن الذي أذلنا الاّ حب الدنيا، وكراهية الموت، فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة) صفحة 6 – مجموعة رسائل حسن البنا. والشيخ البنا كثير الحديث عن "صناعة الموت" فقد كتب عام 1934 (مقالا عن الجهاد أسماه "صناعة الموت"، وفي أوج نشاط الجهاز السرّي وقوته أعاد البنا نشر نفس المقال بعد أن غيّر العنوان ليصبح أكثر غرابة "فن الموت") ص 132 من كتاب "حسن البنا متى. وكيف. ولماذا؟" للدكتور رفعت السعيد – أخذا عن جريدة "الأخوان المسلمون" عدد 16/8/1946. هكذا يدعو الشيخ حسن البنا إلى إتقان "صناعة الموت" او "فن الموت" في هذا العصر الذي يوجب علينا الإسلام أن نتعلّم "فن السلام"، وأن نعلّمه البشرية التي قضت تاريخها كله محاربة حتى لم تعد الحرب لتحل مشكلة واحدة من مشاكلها، وحتى صارت حاجتها إلى السلام هي حاجة حياة أو موت. لقد لبّست على الدعاة الأسلاميين، كالشيخ حسن البنا، أمر الجهاد تلك النصوص الصريحة المستفيضة في القرآن، والحديث الشريف التي تحض عليه. فخفيت عليهم حكمته، واتسامه بسمة الموقوتية. وفي أصل الدين، الذي لم تكن الظروف التاريخية، يومئذ، ملائمة للتشريع في مستواه، كما أسلفنا، فإن الحياة في سبيل الله أولى بالإنسان من الموت في سبيل الله. الحياة في سبيل الله تقتضي مجاهدة النفس، التي أسماها النبي الكريم الجهاد الأكبر، في مقابل جهاد الأعداء الخارجيين – الجهاد الأصغر – ذلك بأن أعدى الأعداء، بالنسبة لكل منّا، إنما هو نفسه. قال النبي الكريم (إن أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك) حتى لقد ذهب بعض العارفين يؤّل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار، وليجدوا فيكم غلظة، وأعلموا أن الله مع المتقين.) بأن من يلوننا من الكفار، وهم أقربهم إلينا، إنما هم نفوسنا. فالكفار في خارجنا إنما هم آيات آفاق، ويقابلهم الكفار في داخلنا – وهم نفوسنا. (سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق! أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد؟) هذا، والحياة في سبيل الله أصعب، وبما لا يقاس، من الموت في سبيل الله، ذلك بأن الحياة في سبيل الله تقتضي التطوّر، في مضمار النفس، من النفس الحيوانية إلى النفس الإنسانية. بترويض النفس، واستئناسها، وكبح جماح أهوائها، ومراغمة بدواتها. وهو عمل تربوي جد عسير، وجد طويل. فدعوة الشيخ حسن البنا إلى إتقان "صناعة الموت" إنما هي تنّكب عن أصل الدين، في وقت إستبعد فيه الفرد البشري، والمجتمع البشري، لأن يشرّع له في مستوى هذا الأصل الذي لم ينّزل عنه التشريع، إلى الفرع، في الماضي، الاّ بسبب حكم الوقت. فالدعوة إلى الحرص على الموت، كما جاء على لسان الشيخ حسن البنا: (وأحرصوا على الموت توهب لكم الحياة)، في هذا العصر، إنما هي دعوة إلى النصول عن الواجب الديني المباشر، وهو تسليك النفس، وفق المنهاج النبوي في العبادة، وفي العادة، وما تقتضيه من مجاهدة جادة، وطويلة. ويلبّس هذا النصول عن هذا الواجب بطلب الإستشهاد! مع أن طلب الإستشهاد، مع غياب حكم الوقت الذي يقتضيه، إنما هو استجابة لحظ من حظوظ النفس، وهو من أهوائها، هو اصطناع البطولة، وتصيّد السمعة. ومع أن مفهوم الجهاد، عند الأخوان المسلمين، مستمد، أساسا من مؤسس الدعوة الشيخ حسن البنا، الاّ إن كتابات الأستاذ سيد قطب هي التي بلورت هذا المفهوم، وركزت عليه، أشد التركيز. قال في كتابه "معالم في الطريق": "إن الجهاد ضرورة للدعوة إذا كانت أهدافها هي إعلان تحرير الإنسان إعلانا جادا يواجه الواقع العملي بوسائل مكافئة له في كل جوانبه، ولا يكتفي بالبيان الفلسفي النظري! سواء كان الوطن، الإسلامي – وبالتعبير الإسلامي الصحيح: دار الإسلام – آمنا أم مهددا من جيرانه"! هذا ما قاله الأستاذ سيد قطب. وهي قولة تحتاج إلى قدر كبير من المراجعة. فتحرير الإنسان في هذا العصر، لا يتم عن طريق الجهاد، وإنما يتم عن طريق تقديم الإسلام كعلم نفس، يحرّر الإنسان من الجهل بحقيقة الوجود، ومن الخوف الموروث، والمكتسب، نتيحة لذلك الجهل. أكثر من ذلك! فإن الجهاد كأسلوب للدعوة الإسلامية، في هذا العصر، إنما هو معوّق، أشد التعويق، لتحرير الأنسان – الذي أخذ يشب عن طوق الوصاية في شتى صورها. وما هو "الواقع العملي" الذي يعنيه الأستاذ سيد قطب، وهو يتحدّث عن الجهاد كأسلوب للدعوة، "يواجه الواقع العملي بوسائل مكافئة له في كل جوانبه"؟ أليس هو الواقع العملي للحياة المعاصرة الذي لم تعد فيه الحرب بقادرة على حل المشاكل، وأصبح قصاراها أن تسوق المتحاربين إلى تربيزة المفاوضات لحل مشاكلهم بالتفاوض؟ أليس هو الواقع العملي للحياة المعاصرة الذي تطوّرت فيه أسلحة الحرب تطوّرا جعل الجهاد "عمليا" غير ممكن، إلى جانب أنه دينيا غير مطلوب؟! وسيد قطب، وهو يرى أن الجهاد ضرورة لا تنفك للدعوة لتحرير الإنسان، في هذا العصر، إنما يلتقي تماما، ومن غير وعي منه، مع الماركسيين، الذين يرون أن العنف، والقوة، شرطان ضروريان لإحداث أي تغيير إجتماعي أساسي! هو يلتقي بهم هذا الإلتقاء في أمر العنف وذلك بعد أن خلّفت البشرية عهد التغيير بالعنف، وأخذت تستقبل عهد التغيير الفكري. أو "الثورة الفكرية". والأستاذ سيد قطب إذ يرى أن الجهاد "ضرورة" للدعوة الإسلامية، لا ينفك عنها، على الإطلاق، كأنه يرى أن ليست ثمة صورة يقدم فيها الإسلام إلى البشرية المعاصرة سوى صورة الوصاية. وها هو الشيخ البنا يقرّر ذلك بصورة مباشرة فيقول، بعد أن أورد نصا من نصوص الجهاد: (ومعنى هذا أن القرآن الكريم يقيم المسلمين أوصياء على البشرية القاصرة، ويعطيهم حق الهيمنة والسيادة على الدنيا لخدمة هذه الوصاية النبيلة. وإذن فذلك شأننا لا من شأن الغرب ولمدنية السلام لا لمدنية المادة) – مجموعة رسائل حسن البنا – ص 127 – هذا ما قاله الشيخ حسن البنّا، وهو لا يرى للدعوة الإسلامية من صورة، الاّ صورة الوصاية. أكثر من ذلك! فإنه يرى أن المسلمين أولى بأن يكونوا أوصياء على البشرية المعاصرة من الغرب! مفترضا أن هذه البشرية قاصرة! مفترضا أنها ستذعن لوصاية المسلمين، بعد أن تتحرّر من وصاية الغرب! فهل يمكن أن يقبل الإنسان المعاصر، بذكائه، وتفتحه، على دعوة تعلن هذا الرأي الغريب عنه؟ ثم يتحدّث الشيخ البنا عن "مدنية الإسلام" و"مدنية المادة"، وهو يخلط بين المدنية والحضارة خلطا واضحا. فإن ما عليه الغرب اليوم من تقدّم مادي إنما هو حضارة وليس مدنية. فالحضارة هي هذا الإرتفاق بوسائل الحياة الحديثة التي أنتجها العلم الحديث، والتكنلوجيا، بينما المدنية هي الإلتزام الأخلاقي الذي ينم عن حرية الفرد الداخلية. ولذلك فإن عبارة الشيخ البنا "مدنية المادة" عبارة تحتاج إلى قدر كبير من المراجعة. ومفهوم الجهاد عند الأخوان المسلمين لا يقف عند حد الحرب لنشر الدعوة الاسلامية، وإنما هو عبارة عن عملية تحطيم شاملة! فقد قال الأستاذ سيد قطب: (وكما أسلفنا فإن الإنطلاق بالمذهب الإلهي تقوم في وجهه عقبات مادية من سلطة الدولة، ونظام المجتمع، وأوضاع البيئة، وهذه كلها هي التي ينطلق الإسلام لتحطيمها بالقوة!) وأعمال العنف التي يسميها الأخوان المسلمون جهادا في سبيل الله، ويسمون الموت فيها استشهادا، إنما هي موجهة أساسا للمسلمين! هذا في حين أن الأمر للنبي الكريم بالقتال إنما هو يعصم دماء، وأموال، الناس إذا ما شهدوا الشهادة، وأقاموا أركان الإسلام الأخرى. حتى ولو كانوا بذلك منافقين! كما قرّر الإسلام، بصورة لا لبس فيها ولا غموض، أنه: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه، وأن يظن به ظن السوء!) وقد نهى النبي الكريم، نهيا قاطعا، عن قتال أي فرد يشهد الشهادة، حتى ولو كان إنما يشهدها تقية منه للقتل! رويّ أن أحد الأصحاب قال: (يا رسول الله أرأيت لو أن مشركا قاتلني، فضرب يدي، فقطعها، ثم لاذ بشجرة، وقال: "أشهد الاّ إله الاّ الله، وأشهد أن محمدا رسول الله." أأقتله؟ قال: لا! قال: ولكنه إنما قالها ليحمي نفسه مني! فقال: لا تقتله! فإنك إن تقتله تكن في مكانه قبل أن يقولها، ويكن في مكانك قبل أن تقتله!). وقال النبي الكريم: (إنه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد بريء، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع! قالوا: يا رسول الله الا نقاتلهم؟ قال: لا! ما أقاموا فيكم الصلاة!) ومن هنا تبرز مفارقة الأخوان المسلمين التامة لأحكام الجهاد. فالجهاد إنما كان موجها أساسا لغير المسلمين، ثم إنه كان لا يقوم على الغدر، وأسلوب الإغتيال الذي يمارس الأخوان المسلمون اليوم. وسنرى في الباب الثاني من هذا الكتاب: (الأخوان المسلمون في مجال الممارسة) كيف يمارس الأخوان المسلمون أسلوب الإغتيالات الفردية للمسلمين، وكيف اشتركوا في تخطيط، وتنفيذ الغزو الأجنبي، والمؤامرات الدموية التي راح ضحيتها عشرات المسلمين! . ويبين محمود محمد طه الأساليب التي تغذّي روح العنف عند الأخوان المسلمين: هكذا يلتقي الأخوان المسلمون، من حيث لا يشعرون، في ضرورة أسلوب العنف لإحداث أي تغيير أساسي في المجتمع، مع الماركسية التي يعادونها بغير وعي. وقد ظلّ العنف هو السمة الملازمة لسلوك الأخوان المسلمين، كتنظيم، وكأفراد، منذ أن نشأت حركتهم في مصر، في حوالي عام 1928. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، منها ضعف التوحيد عند أساتذتهم، مما جعل دعوتهم تقوم على فهم خاطيء للجهاد، كما رأينا، ومنها غياب المذهبية الفكرية المحددة، ومنها إغفال أساليب التربية، والتسليك الديني، والإستعاضة عن كل أولئك بالحماس العقيدي. ثم أن هناك عدة روافد غذّت هذا الإتجاه إلى العنف عند الأخوان المسلمين. منها، مثلا، أن أغلبية الذين ينتمون إلى تنظيمهم من الطلاب، ومن الشباب، ممن يعيشون في مرحلة المراهقة، أو ممن يتأثرون بآثارها، وهم، بذلك، إنما يميلون إلى الإندفاع، والحماس، ويملكون من الطاقات الجسدية، والعاطفية، ما لاتجد، عند تنظيم الأخوان المسلمين، المنهاج التربوي الذي يستوعبها، ويهذبها، ويحد من إندفاعاتها. بل، على العكس من ذلك تماما، فهي لا تجد عند هذا التنظيم الاّ الإثارة التي تغذيها، وتلهبها، وتبرّر إتجاهها إلى الحماس الطائش! أضف إلى ذلك الملابسات التاريخية التي نمّت عند هذا التنظيم روح العنف، ولبسته عليه بمفهوم الجهاد في البعث الإسلامي الأول. تلك الملابسات التي صحبت نشأة هذا التنظيم في مصر من المشاركة في بعض الأعمال العسكرية في حرب فلسطين، وحرب السويس. ومن الصراع العنيف الذي دار بينهم وبين الحكومات المختلفة في مصر، وما تعرضوا له من إضطهاد وتصفية، وما قاموا به من محاولات للوصول إلى السلطة عن طريق القوة، ومن محاولات لإرهاب، أو أغتيال، خصومهم السياسيين. ومن العوامل التي تغذى اتجاهات العنف عند الأخوان المسلمين أساليب التعبير. فهي أقرب إلى الأحاديث الإنشائية الأدبية منها الى التعبير العلمي الذي تصحبه الضوابط الفكرية. فهم شديدو الإهتمام بالخطابة، وبالشعر الحماسي، مما يحد من الفكر الموضوعي، ويذّكي الإندفاعات، والإنفعالات العاطفية. كما ظلّ الأخوان المسلمون، دائما، شديدي الإهتمام بضروب التدريبات العسكرية والرياضة البدنية، التي تعدّهم لأعمال العنف. وهم إنما يتخذون من أشكال التنظيم ما يتمشى مع روح العسكرية، عندهم، فيقسمون أنفسهم إلى وحدات، مثل: "الأسرة" و"الكتيبة". بل أن لهم فرقا عسكرية بحتة مثل: "فرق الجوّالة"، و"الكتائب"، ولهم تنظيمات فدائية معدّة بالسلاح، وبالتدريب على استعماله، كما أن لهم تنظيما سريا كان يسمى عندهم في مصر "بالنظام الخاص" حيث كانوا يتخذون من الأناشيد الحماسية ما يغذي فيهم روح العنف، مثل هذه الأبيات من نشيد "الكتائب" – كما جاء في مجموعة رسائل حسن البنا: هو الحق يحشد أجناده ويعتد للموقف الفاصل فصفوا "الكتائب" آساده ودكوا به دولة الباطل تآخت على الله أرواحنا إخاء يروع بناء الزمن وباتت فدى الحق آجالنا بتوجيه "مرشدنا" المؤتمن أخا الكفر إما اتبعت الهداة فأصبحت فينا الأخ المقتدى وإما جهلت فنحن الكماة نقاضي الى الروع من هددا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ولن تنجدا! والأخوان المسلمون يعتبرون أنفسهم "جنودا" للدعوة، ويسمون دعوتهم غيرهم للإنضمام إليهم "تجنيدا". وهكذا فإن مفهوم الدعوة العقيدي البحت، وأشكال التنظيم فيها، والظروف التاريخية التي مرت بها، وأسلوب التعبير، والإصطلاح، إنما هي، جميعا، تغذّي ذلك الإتجاه الى العنف، والإرهاب، وتنميه. كما يربط الأخوان المسلمون إتجاه العنف عندهم بتصوّر خاطيء للبطولة، مما يزيد إغراء المراهقين بهذا الإتجاه. وحسب "البيعة"، وهي قسم الولاء الذي يؤديه الأخوان المسلمون، يصبح الجهاد في سبيل الله هو الجهاد في سبيل دعوتهم! وقد أورد الدكتور رفعت السعيد، نص البيعة، كما يلي: (أعاهد الله العلي العظيم على التمسّك بدعوة الأخوان المسلمين والجهاد في سبيلها والقيام بشرائط عضويتها والثقة التامة بقيادتها، والسمع والطاعة في المنشط والمكره، وأقسم بالله العظيم على ذلك، وأبايع عليه. والله على ما أقول وكيل) ص 52 من كتاب (حسن البنا متى. كيف. ولماذا؟). ويزيد من خطر هذه البيعة أنها – كما هو واضح من نصها – إنما هي بيعة بالولاء لتنظيم الأخوان المسلمين، وليس للإسلام. وهي بيعة غير مشروطة! فهي لا تنص صراحة على اشتراط الا تحيد دعوة الأخوان المسلمين عن مباديء الإسلام، وذلك مما يجعل المبايع ملتزما بحرفية هذه البيعة، وإن حادت الدعوة عن مباديء الإسلام، ومما يجعله مطيعا لقائده وإن كانت أوامر، وتوجيهات هذا القائد مفارقة للدين. وهذا ما حدث بالفعل كما سنرى في هذا الكتاب. هذا مع أن البيعة في العهد الأول إنما كانت تقوم على الطاعة في المعروف، وليست على الطاعة المطلقة: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّـهِ شَيْئًا، وَلَا يَسْرِقْنَ، وَلَا يَزْنِينَ، وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ، وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ، وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ، فَبَايِعْهُنَّ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّـهَ، إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). تأمل! (ولا يعصينك في معروف!) هذا حديث يساق للنبي نفسه! ولقد سار على هذه البيعة أبوبكر حينما ولي أمر المسلمين، فقال: (لقد ولّيت عليكم، ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسددوني! أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم)! هذه هي شروط البيعة في الإسلام. إلتزام من جانبي البيعة على طاعة الله. وشعار مجلة "الدعوة" التي تصدر الآن، بمصر، إنما يعبّر، تماما، عن روح العنف التي يقوم عليها تنظيم الأخوان المسلمين، ويغذيها، وينميها بين أعضائه، فهو عبارة عن صورة "حمراء" للمصحف فوق سيفين مشرعين، تحتها عبارة "وأعدوا" وهي مأخوذة من آية من آيات الجهاد هي (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم). وهو استخدام خاطيء للآية الكريمة. إذ هو استغلال للجهاد، بعد إنصرام حكم وقته، في الأغراض السياسية. بينما نزلت الآية تحض على الإعداد للجهاد حينما كان للجهاد حكم الوقت، وحيث استخدم أحسن الإستخدام في سبيل نشر الإسلام. . وقد كال الإخوان المسلمون الكيل كيلين لمحمود محمد طه من خلال داعيتهم المصري الشيخ المطيعي الذي ارسله الأزهر للتصدي له، بسبب دعوته للعودة لقرآن مكة المسالم. ونذكر هنا ما جاء في كتاب "الهوس الديني يثير الفتنة ليصل إلى السلطة": يقول الشيخ المطيعي، في نفس الخطبة أيضا: (يقولون ـ يعني الجمهوريين ـ نرجع للقرآن المكي، وذلك لأنهم يريدون الذل للمسلمين، ويريدون لنا أن نرجع لعهد مكة حيث الهوان وعدم الدفاع عن النفس) انتهى. فالشيخ المطيعي يرى أن المسلمين بمكة قد كانوا في ذل وهوان! وهذا فساد في العقيدة لا يعطي صاحبه الحق في الخوض في أي أمر من أمور الدين. فالنبي الكريم وأصحابه إنما كانوا، وهم يتحملون أذى كفار مكة في صبر، يمتثلون للأمر الإلهي لهم، بمثل قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة، والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن. إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين * وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به. ولئن صبرتم لهو خير للصابرين * واصبر! وما صبرك إلا بالله. ولا تحزن عليهم، ولا تك في ضيق مما يمكرون * إن الله مع الذين اتقوا، والذين هم محسنون) وبمثل قوله (فذكّر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر)، وبمثل قوله (وقل الحق من ربكم! فمن شاء فليؤمن! ومن شاء فليكفر!) أليس في مجرد هذا الامتثال للأمر الإلهي العزة كل العزة، والشرف، كل الشرف للنبي الكريم، ولأصحابه؟ قال تعالى: (ولله العزة، ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) وقال: (ولا تهِنوا، ولا تحزنوا، وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين). أليست في معية الله للنبي، ولأصحابه العزة، كل العزّة، والشرف، كل الشرف، وهو يقول لهم (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)؟ ثم أليس الانتصار في الجهاد الأكبر ـ وهو جهاد النفس، أكبر من الانتصار في الجهاد الأصغر، الجهاد بالسيف؟ ألم يكن النبي يقول لأصحابه عقب كل غزوة من غزواته (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ـ جهاد النفس)؟ وجهاد النفس أشق من الجهاد بالسيف، والانتصار فيه انتصار على أعدى الأعداء، قال النبي الكريم: (إن أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك). ثم أليس الدعوة إلى الرجوع إلى قرآن مكة دعوة إلى أصل الدين المتمثل في الحرية، والإسماح، والذي ما نزل القرآن عنه إلى الفرع، وهو الوصاية، والإكراه، إلا لحكم الوقت المتمثل في قصور تلك البشرية عن مستوى الدعوة بالحرية، والإسماح؟ ومن ههنا تجيء الحكمة من مرحلية الجهاد. وإذا كان هذا العصر هو عصر الحرية، والإسماح، وإذا كانت البشرية تستجيب للدعوة في مستوى الحرية، والإسماح، أفلا يكون من أسباب عزة المسلمين وشرفهم أن يقدموا الإسلام في هذا المستوى؟ أليست الكرامة البشرية تتحقق أكثر وتتأكد أكثر إذا دُعيت البشرية في مستوى الحرية، والاسماح، فاستجابت للدعوة؟ فالشيخ المطيعي إنما يدعو دعوة الجماعات المتطرفة بمصر، إلى الجهاد بالسيف، الذي انتهى إليه القرآن المدني، فيرفض الرجوع إلى القرآن المكي الذي يقوم على الدعوة بالاسماح، والاقناع، والتي بدأت بها الدعوة بمكة. فقد جاء في كتاب "الفريضة الغائبة" وهو مذهبية هذه الجماعات،: (فنحن لا نبدأ بما بدأ به النبي، ولكن نأخذ بما انتهى إليه الشرع) انتهى. يجري ذلك من هذه الجماعات ومن الشيخ المطيعي من غير فهم لمرحلية الجهاد الأصغر ـ الجهاد بالسيف . ويبين كتاب "اﻟﻬﻮس الدﻳﻨﻲ يهدد أمن ووحدة الشعوب ويعوق بعث الإسلام"، الذي صدر في يونيو 1980 تحت اشراف محمود محمد طه، كيف يقوم الإخوان المسلمون بتجنيد الشباب وإراسلهم للقتال، معطيًا مثل شاب مصري تم التغرير به وإرساله لسوريا حيث قتل فأعتبروه شهيدا. وهو ما يقوم به المسلمون اليوم أيضًا. ويستنكر فعلهم هذا قائلًا "هذا عمل منكر وليس جهادًا": هكذا يجزم تنظيم الأخوان المسلمين بأنّ أعضاءهم الذين يمارسون عمليات الاغتيال، والغدر، ويقاتلون المسلمين، هم مجاهدون وشهداء تتلقّاهم الملائكة حينما يقتلون! بينما أمر الجهاد، وأمر الشهادة في الإسلام ليس بهذه السهولة. فحتّى في أيّام مشروعية الجهاد، على عهد النبي، فإن المجاهد الغازي إذا فرّط في أي شرط من شروط الجهاد، أو إذا لم يخلص النية لله، لا يحسب مجاهداً أو شهيداً، بل قد يحسب من أهل النار. إنّ الأمر بهذا المستوى من الدقة والخطر. وفي هذا الصدد روى أسامة بن زيد قال: «بعثنا رسول الله، سرية إلى الحرقات، فنذروا بنا، فهربوا، فأدركنا رجلاً، فلمّا غشيناه قال: (لا إله إلا الله) فضربناه حتّى قتلناه، فذكرته للنبي فقال: (من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟) فقلت: (يا رسول الله: إنّما قالها مخافة!) قال: (أفلا شققت قلبه حتّى تعلم من أجل ذلك قالها، أم لا؟! من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟) فما زال يقولها حتّى وددت أنّي لم أسلم إلا يومئذ». هذا هو الحال مع الكافر كفراً صريحاً. فما بال الأخوان المسلمين يعدّون أنفسهم مجاهدين، وشهداء، إذ يستحلّون دم من هم مسبقاً مسلمون، يشهدون «الا إله إلا الله، وأنّ محمّداً رسول الله»؟. « من لهم بلا إله إلا الله يوم القيامة»؟ إنّ هذه التربية السيئة، والاستغلال البشع للعاطفة الدينية لدى الشباب، ثم الانحراف بها إلى أعمال القتل والتخريب، ووسم ذلك بميسم الجهاد، كل هذا إنّما وضع أساسه الشيخ حسن البنّا. يتّضح ذلك من قوله الذي أوردناه آنفاً عن الانتقال من «الدعوة العامة إلى الدعوة الخاصة»، كما يتّضح من هذه العبارة التي نطق بها الشيخ حسن البنّا أيضاً، ونقلتها النشرة الأخبارية لتنظيم الأخوان المسلمين السوريين «النذير» عدد ١٢/٣/١٩٨٠ كما يلي: من أقوال الشهيد حسن البنّا: (يا أخي لا بد من الموت فاجعله في سبيل الله، وإنّك حين تموت شهيداً إنّما تكسب الأجر والشرف والخلود على أنّك لم تخسر شيئاً). إلى هذا الحد يهوّن البنّا من أمر الموت في سبيل الله. فقط يكفي ان يكون الأخ المسلم عضواً في هذا التنظيم الرهيب فينفّذ ما يؤمر به من عمليات الاغتيال والتخريب فإذا لقي مصرعه فيها فهو شهيد! هكذا! انطلقت موجة الهوس الديني لدى الأخوان المسلمين منذ فجر حركتهم. ففي حياة البنّا جرت على أيدي شبابهم عدّة اغتيالات كما ذكرنا من قبل، حتّى أصبحت ممارسة العنف، والقتل، عند الأخ المسلم، أهون من تسطير مقال! . ويعطي الكتاب عدد من الأعمال الإرهابية التي يقوم به الإخوان المسلمون في سوريا، وكأن ما كتب عام 1980 هو ما يجري اليوم في وسوريا. ويضيف الكتاب: إنّنا لا ندافع عن نظام الحكم في سوريا، بل، على النقيض من ذلك، نعتبره من أسوأ أنواع الحكم في البلاد العربية. ولقد وجّهنا إليه نقداً موضوعياً قوياً في كتبنا التي تعالج مشكلة الشرق الأوسط. ولكن هذا كلّه لا يجعلنا نجيز هذا الهوس الديني الذي يفرزه تنظيم الأخوان المسلمين بدعوى معارضته لحكم حزب البعث، كي يصوّر للناس أنّه إنّما يحارب الكفّار باسم الإسلام، وينفّذ فيهم حكم الله، بصورة لا تجافي قيم الإسلام، وقواعد الجهاد في شريعته المرحلية وحسب، بل تجانب أبسط القيم، والأعراف المرعية في المجتمعات الإنسانية المختلفة. ولقد بلغ بهم هوسهم الديني، وإهدارهم للقيم، أن يوجّهوا إنذاراً لمديرات ومعلّمات المدارس في سوريا، ويطالبوهن بمطالب فوق طاقتهن وخارج صلاحياتهن ويهدّدوهن بتنفيذ حكم الله فيهن إن هن لم يذعنّ لأوامرهم!. وهم بذلك يضعوهن بين قطبي الرحا، فمن أعلى حكم «البعث»، ومن أسفل إرهاب، وعنف الأخوان المسلمين! فهن بين خيارين، أحلاهما مر. وهم بعد متوهّمون أنّهم إنّما يمارسون الجهاد. وضد من؟ ضد نساء بريئات! وهم ينفّذون فيهن ما يزعمونه حكم الله. وهم يعنون به هنا الإعدام، كما رأيناهم ينفّذونه في الحالات التي نقلناها آنفاً عن نشرتهم النذير! إنّ الجهاد في الإسلام أمر مرحلي ولكنّه، حتّى في مرحليّته، لا يبيح قتل النساء، ومعاملتهن بهذه الصورة الهمجية، الغليظة. فعن عبد الله بن عمر أنّ امرأة وجدت في بعض مغازي النبي صلّى الله عليه وسلّم مقتولة فأنكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قتل النساء والصبيان. إنّ الأخوان المسلمين لم يعطّل الهوس الديني ملكاتهم الفطرية وحسب، بل أفقدهم قيم الرجولة، والمروءة التي لا تعوز الرجل العادي البسيط. . النبي د. سامي الذيب مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية للقرآن بالتسلسل التاريخي: https://goo.gl/72ya61 كتبي الاخرى بعدة لغات في http://goo.gl/cE1LSC يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb
#سامي_الذيب (هاشتاغ)
Sami_Aldeeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محمود محمد طه (8) الجهاد - جزء أول
-
الإسلاموفوبيا موقف سليم
-
محمود محمد طه (7) اتهامه بهدم اركان الإسلام
-
محمود محمد طه (6) الأضاحي مخالفة للدين
-
محمود محمد طه (5) الحجاب والإختلاط
-
الكراهية 17 مرة في اليوم
-
محمود محمد طه (4)
-
محمود محمد طه (3)
-
محمود محمد طه (2)
-
محمود محمد طه (1)
-
توحيد النص القرآني
-
تغيير تصرفات المسلمين بتغيير ترتيب القرآن
-
كيف تغير المسلمين How to change Muslims
-
هل نحرق القرآن؟
-
الشيخ ميزو أمام محاكم تفتيش الأزهر الشريف
-
عثمان حرف القرآن... وحفص كذاب
-
الف نعم لدولة واحدة
-
سخافة فصل المقابر وفقًا للديانات
-
اخطاء القرآن: التكرار والتشتت والحشو
-
الدين بين الجد والهزل
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|