|
تَبْرِيريٌّ للإمبريالية: سلافوي چيچك وحرب الناتو في يوغوسلافيا*
حاتم بشر
الحوار المتمدن-العدد: 5473 - 2017 / 3 / 27 - 11:33
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
هُوَ في نظر الكثيرين واحدٌ مِن أكثر الفلاسفة الأحياء أهميِّة؛ سلافوي چيچك، فيلسوف التحليل النفساني الذي يطرح نفسه كهيغلي ماركسي، هو تجسيدٌ لعقلية اليسار الزائف. قبل بضعة أشهر أيّدَ چيچك الملياردير دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية. وقبل بضع سنواتٍ كان الدّجال نفسه يُشجِّع ويذُود علَناً عن الخطاب الإنتهازي لأليكسيس تسيبراس من حزب سيريزا، حيث كان بمثابة "المُرشِد الفكري" لزعيم حزب المعارضة اليوناني لحظتئذ. في عام 2015، اقترح چيچك عسكرة المجتمع، كَتِرْياق لأزمة الرأسمالية العالميةٌ. وعلى نحو أكثر تحديداً راح يكتب: ” فيما يبدو، فإن الحركات الشعبية المَحْثُوثَة ديموقراطيّاً محكومة بالإخفاق، لذا، فربما كان من الأفضل من أجل تحطيم الحلقة المفرغة للرأسمالية العالمية عن طريق "العَسْكَرةْ"، وهو ما يعني تعليق قُوّة الإقتصادات ذاتية التنظيم“. [سلافوي چيچك: عقب هجمات باريس يتعيِّن على اليسار أن يُعانق أصوله الغربية الراديكالية ، 16نوفمبر 2015]. في وسع المرء أن يذكر حالات عديدة كَشَفَ فيها چيچك عن وجهه السياسي الحقيقي كمثقف ماركسي_زائف. وبالرغم من هذا، وبمناسبة مَضِيِّ 18 سنة على اندلاع الجريمة المُروِّعة لحلف شمال الأطلسي في يوغوسلافيا، نستعرض الآراء التي تقدّم بها سلافوي چيچك نفسه على الملأ. فبينما كانت قنابل الإمبرياليين تقتل مئات المدنيين في بلغراد، ونوفي ساد، و بريشتينا، كما في جميع أنحاء صربيا، كان الفيلسوف السلوفيني يُروِّج لمهمة الناتو. في مقاله الموسوم بـ” الناتو، اليد اليُسرَىَ للّه“(1999)، يذكر چيچك من بين جُملة أمور أخرى: ”اليوم، في استطاعتنا أن نرى أن المُفارقة في قصف يوغوسلافيا، ليست تلك التي يتذمّر منها دُعاة السّلام الغربيين--أنَّ الناتو قد ارتكب تطهيراً عِرْقيّاً كان يُفترض أن يحوُل دون وقوعه. كلاَّ، بل إن أيديولوچية استقصاء الضحايا لهي المشكل الحقيقي. إنـه لمـن الرائـع تمامـاً تقديـم يـد العـون للألبانيين المغلوبين على أمرهم ضِدّ الوحـوش الصربيـة. ولكن لا ينبغي-تحت أي ظرف من الظروف- أنْ يُسْمَح لهم بالتّخلُّص من هذا العجْز إليَ الحدّ الذي يستقلون بأنفسهم كمواطنين سياسيين ذوي سيادة واستقلال[... ]عدا أن الناتو ليس وحده الذي فرّغ الصراع من مضمونه السياسي[... لذا فهو يُجابَهْ بمعارضيين من اليسار_الزائف[...]بالقياس إليهم، يُعَدّ قصف يوغوسلافيا بمثابة الضّربة النهائية في عملية تقطيع أوصال يوغوسلافية تيتو. بمثابة نهاية الوعد، انطواء اليوتوبيا العديدة الأعراق والإشتراكية المُنْتَظَرَةْ في سديم الحرب العرقية. على الرغم من ذلك، فإن فيلسوفاً سياسياً ثاقب النظر كمثل آلان باديو ما يزال على مُصِرّاً على أن سائر الأطراف مُذْنبة بنفس القدر. هناك مُطَهِّرون عِرقيون في كل جانب_كما يقول_ بين الصِّرب، والسلوفيين، والبوسنيين[...]يلوح لي أن هذا يمثل توقاً يسارياً إلى يوغوسلافيا المفقودة. النُّكْتة، أن هذا الحنين يَعتبِر سلوبوفان ميلوسيفيتش الصِّربي وريث تلك اليوتوبيا--أي، بالضبط، هذه القوى التي قضت على تلك اليوغوسلافيا الغابرةفضلاً عن هذا، كان چيچك يشير أيضاً إلى أن: ” تهديد القومية الصربية، وحتى القومية السلوفينية والكرواتية يحافظ على اجلال يوغوسلافية تيتو، مبدأها الأساسي على أي حال، أي الاتحاد المتكافيء للدول المُكوُّنة المتمتعة بالحقوق الكاملة، بما في ذلك الحق في الإنفصال. وكل من يغض الطرف عن ذاك، كل من يختزل الحرب في البوسنة إلى حربٍ أهلية بين مختلف "المجموعات العرقية" ، يصطف فعلا إلى جانب الصرب[...]لقد كان العدوان الصربي وحده وليس الصراع العرقي هو ما أشعل فتيل الحرب “. إن موقف چيچك المؤيِّد للإمبريالي في واقعة قصف يوغوسلافيا كان وقحاً ومقززاً. إليكم ما كتبه في مقالة أخرى حملت عنوان"ضد الإبتزاز المزدوج"(1999): ”هكذا، لدينا، من جهة، بذاءة بروباغندا الدولة الصربية. إذ أنها تُشِير بإنتظام إلى كلينتون ليس بوصفه "الرئيس الأمريكي"، وإنما بإسم"الفوهرر الأمريكي ".. نموذجان من الدعاية المكشوفة لنظام دولتهم ضد الناتو:" كلينتون، تعال إلى هنا، ولتكن (مونيكا)ــ(ـتنا)" ((أي: تَمُصّ لنا)). و"مونيكا، هل تمُصّ دماغه أيضاً؟ ". الجوّ في بلغراد، على الأقل في الوقت الراهن، كرنفالي بطريقة مصطنعة__يرقص الناس في الشوارع على ايقاع موسيقى الروك أو الموسيقى العرقية، تحت شعار" مع الشِّعر والموسيقى ضد القنابل! ". إنهم يمثلون دور الأبطال الشُّجعان(لأنهم يعرفون أن الناتو لا يقصف حقاً أهدافاً مدنية، ومن ثم، فهم آمنون). هذا هو الموضع الذي يُخطِيء فيه مُخَطِطو الناتو؛ فما كانت خططهم الإستراتيجية قادرة على التنبؤ بأن ردة فعل الصرب على القصف، سيكون اللجوء إلى الكرنفالية البختينية المشتركة للحياة الإجتماعية.. هذه المسرحية العرقية-الزائفة، على الرغم من كونها سَحَرَت بعض اليساريين المشوَشين، إلاّ أنها عرضت على البعض الآخر، الجموع، وجه التطهير العرقي: في بلغراد الناس يرقصون رقصا جماعيا في الشوارع، بينما علي مبعدة 300كم إلى الجنوب، ثمة إبادة جماعية بمقاييس افريقية تدور رحاها... ". لم يكن المشعوذ المدعو چيچك تبريريّاً بائساً لجريمة الناتو المروعة ضد شعب يوغوسلافيا وحسب، بل لم يكن راضياً بما فيه الكفاية عن وحشية الجيش الإمبريالي، لقد طلب المزيد من القنابل. " لهذا، وبوصفي يساري على وجه التحديد، فإن إجابتي على مُعْضلة” قُنبلة أم لا؟ “، ستكون كالآتي : لم يُقْصَف ما يكفي من القنابل بعد، ولقد تأخرَت جداً". بعد مرور 4سنوات من حرب الناتو في يوغوسلافيا، قال (الفيلسوف) السلوفيني أثناء لقاء معه:” بالنسبة لرعب العديد من اليساريين، فإني وقد أبديت قدراً من التفهم لقصف الناتو ليوغوسلافيا السابقة؛ آســـــف، فإن هذا القصف لم يضع حدّاً للصراع الرهيب“. هذا هو الوجه الحقيقي لسلافوي چيچك السيء السمعة. لقد أشاد به العديد من الناس على وجوه مختلفة__فلقد دعاه الناقد الأدبي اليساري تيري ايجلتون بالفيلسوف”الأشد ألَقَاً بصورة باهرة“في أوروبا. والواقع، برغم هذا، أن چيچك لا يزيد عن مجرد مشعوذ فكري مبهرج، أصبح-تحت قناع زائف من الماركسية-واحداً من أبرز التبريريين للإمبريالية، ومكافح مستتر ضد الشيوعية.
*المقالي الأصلي منشور باللغة الإنجليزية في IN DEFENSE OF COMMUNISM. بتاريخ Friday, March
#حاتم_بشر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الناصرية، من منظور سمير أمين(الجزء الثالث)
-
الناصرية، من منظور سمير أمين. (الجزء الثاني)
-
الناصرية، من منظور سمير أمين. (الجزء الأول).
-
مفهوم النقد في الماركسية
-
جوهر التضخم النقدي وطرائق تثبيت العملة.
-
قانون التفاوت: نحو فهم مادي تاريخي للنشاط العسكري الدولي في
...
-
محاضرات في الإقتصاد السياسي للرأسمالية-المحاضرة الثانية: الس
...
-
كيف دحض الدكتور إمام عبد الفتاح المادية؟!
-
محاضرات في الإقتصاد السياسي للرأسمالية - المحاضرة الثانية: ا
...
-
محاضرات في الإقتصاد السياسي للرأسمالية - المحاضرة الثانية: ا
...
-
محاضرات في الإقتصاد السياسي للرأسمالية المحاضرة الأولى: الإن
...
-
2- محاضرات في الإقتصاد السياسي للرأسمالية- المحاضرة التمهيدي
...
-
محاضرات في الإقتصاد السياسي للرأسمالية
-
نقد المفهوم الميتافيزيقي للأزمة الرأسمالية
-
كارل ماركس: دياليكتيك الهجرة إلى أميركا
-
المادية الميتافيزيقية واللعب بالوقائع
-
-الإنتهازية- بوصفها ركيزة للإمبريالية
-
الدياليكتيك والإنتقائية (2)
-
لينين: الدياليكتيك والإنتقائية(1)
-
بأي معنى يمكن الحديث عن احتضار الرأسمالية؟
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في غزة.. نصر فلسطيني جزئي بعد خسائر لا يمكن
...
-
خواطر واعتراض واحدة من “أطفال يناير” على ميراث الهزيمة
-
الانتخابات الألمانية القادمة والنضال ضد الفاشية
-
م.م.ن.ص// رقم إضافي لقائمة حرب الاستغلال البشع للطبقة العامل
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تدعو إلى التعبئة قصد التنزيل
...
-
غضب صارخ عند النواب اليساريين بعد تصريحات بايرو عن -إغراق- ف
...
-
النهج الديمقراطي العمالي يحيي انتصار المقاومة أمام مشروع الإ
...
-
أدلة جديدة على قصد شرطة ميلان قتل المواطن المصري رامي الجمل
...
-
احتفالات بتونس بذكرى فك حصار لينينغراد
-
فرنسا: رئيس الوزراء يغازل اليمين المتطرف بعد تصريحات عن -إغر
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|