أبو مريم الشمالي
الحوار المتمدن-العدد: 5467 - 2017 / 3 / 21 - 23:06
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
الحلقة الأولي
...
" ان الذي خلقهما من البدء خلقهما ذكراً وأنثي وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته ويكون الإثنان جسداً واحداً. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان "
(مت4:19-6).
* تعتقد الكنائس التقليدية غير الإنجيلية (الكاثوليكية والأرثوذكسية), وعلي رأسها في مصر, الكنيسة الأرثوذكسية التي يتبعها الغالبية العظمي من المسيحيين المصريين؛ أن الزواج سر كنسي من أسرار الكنيسة السبعة, بمعني أنه لا يكون صحيحاً وشرعياً عندهم, بدون المراسم الدينية الكنسية, التي تتم بيد أحد كهنتهم (بطريرط أو أسقف أو قس) , وعن طريق هذه المراسم يوحد الله الزوجين فيصيرا واحداً , وهذا هو السر في عقيدتهم, فالسر الكنسي عندهم هو عمل إلهي أو عطية أو نعمة إلهية ينالها أبناء الكنيسة, من الله بيد الكاهن سراً أي بطريقة غير منظورة، عن طريق طقوس منظورة أو مادة مسوسة وملموسة, وفي سر الزواج, بحسب فكرهم, تلك النعمة هي الإتحاد أو الوحدة التي يصنعها الله بين العروسين بيد الكاهن, فيصيرا واحداً وليس بع إثنين , وهي نعمة غير منظورة , ينالونها من خلال طقوس منظورة, ويستندون في إعتقادهم هذا علي قول الكتاب المقدس علي لسان الرب يسوع: " ان الذي خلقهما من البدء خلقهما ذكراً وأنثي وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته ويكون الإثنان جسداً واحداً. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان " (مت4:19-6).
والسؤال هنا هو كيف يجمع الله العروسين, وما هو نوع الوحدة التي يجمعهما الله من خلالها, والتي ينالونها سراً (أي لا يراها أحد) بواسطة السر الكنسي المزعوم, وبيد كاهن الكنيسة ؟.
والحقيقة أن الزواج ليس سر, لأن الوحدة التي تتم بين الزوجين, هي وحدة جسدية منظورة لكليهما تتم في مضجع الزوجية, عن طريق الإتصال الجنسي بينهما, والذي فيه يلتصق الجسدان ويصيران جسداً واحداً, ولا علاقة لا للكاهن ولا للكنيسة ولا للطقوس بهذه الوحدة الجسدية التي تتم بين الزوجين بالإتصال الجنسي, وهذه الوحدة تحدث بين كل الازواج بغض النظر عن عقيدتهما أو ديانتهما, سواء أكانوا مسيحين تقليدين أو إنجيلين أو مسلمين أو يهود أو يتبعون أي دين آخر أو حتي لو كانوا ملحدين ولا يتبعون أي ديانة, فجميع هذه الزيجات صحيحة ولا تعتبر زني لا في نظر الله ولا المجتمع و لا القانون, وإلا فالكنائس التقليدية تَعْتَبِر كل الأزواج من غير أبناءها, زناة وزيجاتهم غير شرعية أو صحيحة, وبهذا يصبح غالبية أفراد المجتمع المحيط بهم, هم زناة أو أبناء زني, وهذا فكر متخلف بل و مجنون أيضاً ولا يمكن أن يقبله إنسان عاقل.
فهذه الوحدة التي تجمع الزوجين جسدياً , هي العمود الفقري للزواج لأنها هي التي تميز العلاقة الزوجية عن كافة العلاقات الإنسانية الأخري كعلاقات القرابة المتنوعة مثل الأبوة والبنوة والأخوة وباقي أنواع القرابة بين الشخص و باقي أفراد عائلته, أو كعلاقة الصداقة أو الزمالة أو الشركة في العمل أو في أي نشاط آخر, فالزواج ينفرد دون كل هذه العلاقات الإنسانية الأخري بالإتحاد أو الإتصال الجنسي الجسدي بين الزوجين.
والخلاصة هي أن الزواج ليس سر كنسي بل هو بالدرجة الأولي علاقة إنسانية يميزها عن غيرها من العلاقات الإنسانية الأخري الإتحاد الجسدي بين الزوجين والذي يصيرهما, وليس الكاهن أو الطقس أو الكنيسة, واحداً من جهة الجسد, والأدلة علي ذلك كثيرة منها :
أولاً – الإتحاد الزوجي هو بالأساس جسدي محسوس وليس سر روحي غير منظور وإن كان لايقف بالضرورة عند حد الجسد:
فإذا رجعنا إلي النص الكتابي السابق (مت4:19-6), نلاحظ الآتي:
1- لم يقل الوحي الإلهي: " ويكون الإثنان روحاً واحداً " بل قال : "ويكون الإثنان جسداً واحدً. إذاً ليس بعد إثنين بل جسد واحد"(مت4:19-6), فبحسب هذا النص الوحدة أو الإتحاد الزوجي هنا هو جسدي أي ملموس ومحسوس ومنظور من كلا الزوجين وليس فيه أي سر أو غموض أو شيء غير منظور, ولا يلزمه لا كاهن ولا طقس ولا سر كنسي ولا حتي كنيسة, بل يلزمه مضجع الزوجية, ويتم ويتحقق بالإتصال الجنسي بين الزوجين, عبر التصاق الأجساد وتداخل الأعضاء.
2- عبارة " وما جمعه الله لايفرقه إنسان " التي جاءت في هذا النص تعقيباً علي عبارة "إذاً ليس بعد إثنين بل جسد واحد" تعني أن الطريقة التي يجمع بها الله الزوجين هي عن طريق صيرورتهما جسدً واحداً, أي عن طريق العلاقة الجسدية الجنسية التي تحدث بينهما في الزواج بواسطة الأعضاء الجنسية التي خلقها الله بيدية الطاهرتين, في كل البشر بمختلف عقائدهم ودياناتهم, لغرض الوحدة بين الزوجين التي تتم وتتحقق بالإنحاد الجسدي في الأساس, وإن كانت لاتقف بالضرورة عند حد الجسد, وهذه هي الطريقة التي وضعها الله والتي بها الزوجين هي عن طريق صيرورتهما جسدً واحداً, أي عن طريق العلاقة الجسدية الجنسية التي تحدث بينهما في الزواج بواسطة الأعضاء الجنسية التي خلقها الله بيدية الطاهرتين, في كل البشر بمختلف عقائدهم ودياناتهم, لغرض الوحدة بين الزوجين التي تتم وتتحقق بالإنحاد الجسدي في الأساس, وإن كانت لاتقف بالضرورة عند حد الجسد, وهذه هي الطريقة التي وضعها الله والتي بها يجمع أي زوجين, بغض النظر عن عقيدتهما, وبغض النظر عن ممارستهما لطقوس الزواج في الكنيسة من عدمه.
3- عبارة " يكون الإثنان جسداً واحداً " تسبقها عبارة " من أجل ذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته " ومن البديهي ان الرجل لا يترك أباه وأمه روحياً ولا نفسياً ولا عاطفياً , بل فقط جسدياً فينتقل من مسكنهما أو من معيتهما بالجسد إلي معية زوجته ليلتصق بها جسدياً, فهو يترك أهله بالجسد ليلتصق بزوجته بالجسد أيضاً, لأن الترك الروحي أو النفسي أو العاطفي للأهل ليس ضرورياً ولا ملزماً لكي يلتصق الرجل بزوجته جسدياً. فلو كان الإتحاد الزوجي المقصود هنا ليس جسدياً بل روحياً سرياً غير منظور كما تدعي الكنائس التقليدية, لما كان هناك داعٍ لترك الأهل, فهناك علاقات أخري عديدة غير جسدية بل روحية أو نفسية أو عاطفية لكل إنسان, ولا يلزم من أجلها ترك الأهل بل العلاقة الزوجية الجنسية الجسدية هي التي يلزم من أجلها ترك الأهل للإنفراد جسدياً بالزوجة. في مكام مستقل هو عش الزوجية الذي يخصهما وحدهما فقط , حتي لو اقتصر علي غرفة النوم, حيث مضجع الزوجية.
4- نلاحظ أيضاً في النص السابق أنه يُرجع سبب ترك الرجل لأبيه وأمه لكي يلتصق بإمرأته , لكون الله خلقهما ذكراً وأنثي, حيث يقول : " ان الذي خلقهما من البدء خلقهما ذكراً وأنثي وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته ", اي لكونهما قطبان مختلفان علي مستوي الجسد(ذكراً وأنثي), لذلك فهما يتجاذبان, لأن الأقطاب المختلفة تتجاذب والمتشابهة تتنافر بحسب القاعدة المغناطيسية, ولما كان الغختلاف الأساس والأكبر بين الذكر والانثي هو علي مستوي الجسد لذلك فإن التجاذب ثم الإتصاق الذي يحقق الغتحاد يتم بالأساس علي متوي الجسد ؛الذكر والأنثي.
5- وإذا رجعنا إلي النص الأصلي الذي إقتبس منه الرب يسوع كلامه هنا الذي نحن بصدد شرحه (مت4:19-6), هذا النص الاصلي ورد في سفر التكوين كالآتي: " فأوقع الرب الإله سباتاً علي آدم فنام. فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً. وبني الرب الإله الضلع التي اخذها من آدم إمرأة وأحضرها إلي آدم. فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي. هذه تدعي امرأة لأنها من امرء أخذت. لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته. ويكونان جسداً واحداً. وكانا كلاهما عريانين آدم وإمرأته وهما لا يخجلان" (تك21:2-25), ونلاحظ أن هذا النص يبدأ بعبارة آدم التي استقبل بها زوجته حواء بعد أن خلقها الله من ضلعه وأحضرها له "فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي. هذه تدعي امرأة لأنها من امرء أخذت" , وعلق الوحي الإلهي علي قول آدم هذا الذي يؤكد فيه أن حواء عظم من عظامه ولحم من لحمه أي من جسده, فعلق الوحي الإلهي بقوله : " لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته. ويكونان جسداً واحداً ", أي أن الرجل يترك أباه وأمه ويلتصق بإمرأته لأنها تشترك معه في نفس الجسد الإنساني الواحد المكون من العظم واللحم, ولذلك يتوق لأن يتلصق ويتحد جسده بجسدها الذي هو من نفس طبيعته الجسدية الإنسانية الواحدة, وذلك بفعل الغريزة الجنسية التي تعمل من خلال الجسد, وبالدرجة الأولي من خلال الأعضاءه الجنسية, وتدفعه للإنجذاب نحوها والإلتصاق بها جسدياً, فسر الإنجذاب ليس لكونهما لهما نفس الروح بل لكونهما لحهما نفس الجسد , من نفس العظم ونفس اللحم, كما ان المغناطيس الحديدي يجذب أو ينجذب إلي الحدي الذي من نفس طبيعته الحديدية.
6- طبق الوحي الإلهي علي لسان بولس الرسول نفس عبارة : "يكون الإثنان جسداً واحداً " الواردة هنا في هذا النص, طبقها أيضاً علي العلاقة الجنسية غير المشروعة خارج اطار الزواج أي علاقة الزني حيث قال : " ان من التصق بزانية هو جسد واحد لأنه يقول يكون الإثنان جسد واحد" (1كو16:6), ونستنتج من ذلك أن عبارة " يكون الإثنان جسداً واحداً " تخص الوحدة الجسدية التي تتم بين الرجل والمرأة عن طريق الإتصال الجنسي حتي لو كان خارج اطار الزواج ولا تعني أي وحدة سرية من أي نوع آخر تتم بسر كنسي بيد كاهن الكنيسة , فحتي الزناة, وليس فقط المتزوجين خارج الكنيسة, تنطبق عليهم أيضاً هذه العبارة "يكون الإثنان جسداً واحداً", ومن البديهي أن كينونتهما جسد واحد في حالة الزني تتم بالعلاقة الجسدية الجنسية المنظورة والمحسوسة فقط, و بدون كاهن أو طقس أو سر كنسي أو حتي كنيسة.
7- بالمفارقة مع هذا الإتحاد الجسدي بين الرجل والمرأة سواء في إطار الزواج أو خارجه, يتحدث بولس الرسول عن إتحاد من نوع آخر مختلف؛ هو الإتحاد الروحي بين الإنسان وربه, حيث يقول: "ان من التصق بزانية هو جسد واحد لأنه يقول يكون الإثنان جسداً واحداً. وأما من التصق بالرب فهو روح واحد. اهربوا من الزني" (1كو16:6-18), وتضح من هذه المفارقة أن الإتحاد الزيجي ليس روحي في الأساس بل هو اتحاد جسدي وبالتالي فهو ليس سر غير منظور, بل منظور ومحسوس وذلك بالمفارقة مع إتحاد المؤمن بربه الذي هو اتحاد روحي غير منظور ولا مدرك بالحواس الجسدية بل الروحية, ويتضح ذلك من كلمة "أما" التي تفصل وتفرق وتميز بين هذين النوعين من الإتحاد:الجسدي بين الرجل والمرأة من ناحية, والروحي بين المؤمن وربه من ناحية أخري.
8- يقارن الرسول بولس بين العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة وبين العلاقة بين المسيح والكنيسة فيقول: " يجب علي الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم. من يحب إمرأته يحب نفسه. فإنه لم يبغض أحد جسده قط بل يقوته ويربيه كما الرب أيضاً للكنيسة. لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه. من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته ويكون الإثنان جسداً واحداً . هذا السر عظيم ولكنني أقول من نحو المسيح والكنيسة. وأما أنتم الأفراد فيحب كل واحد إمرأته هكذا كنفسه وأما المرأة فلتهب رجلها " (أف28:5-33). ونلاحظ هنا أن عبارة هذا السر عظيم التي يقولها بولس هنا لا تخص العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة , والتي تبني أساساً علي العلاقة الجسدية التي بها يتم ويتحقق الزواج, فيصير الإثنان جسداً واحداً, وهذا الإتحاد الجسدي ليس فيه سر غير منظور بل هو منظور وملموس من الزوجين , أما السر العظيم الذي يتحدث عنه بولس الرسول هنا هو من جهة المسيح والكنيسة كما قال هو نفسه هنا بالنص, لأن الإتحاد بين الميسح والكنيسة أي جماعة المؤمنين هو اتحاد روحي وليس جسدي, ولانه روحي فهو سر أي غير منظور ولا مرأي , وقد أكد ذلك بولس الرسول نفسه أيضاً في رسالته الاولي إلي كورنثوس قائلاً: "ان من التصق بزانية هو جسد واحد لأنه يقول يكون الإثنان جسداً واحداً. وأما من التصق بالرب فهو روح واحد. اهربوا من الزني" (1كو16:6-18), وهنا قد أوضح الفرق بين العلاقة بين الرجل والمراة الي بها يصيران جسداً واحداً, أي اتحاد جسدي بالطبع منظوروملموس, ومن ناحية أخري العلاقة بين المؤمن (أو جماعة المؤمنين أي الكنيسة) بالمسيح الرب , والتي بها يصيران روح واحد غير مرأي بالطبع لذلك دعي بولس هذه العلاقة بين المؤمن والمسيح "سر عظيم".
المصدر
Henien Abdelmaseeh
https://www.facebook.com/notes/henien-abdelmaseeh/%D9%86%D8%B9%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%B2%D9%88%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%86%D9%8A-%D9%81%D9%82%D8%AF-%D8%AE%D8%AF%D8%B9%D9%88%D9%83-%D9%81%D9%82%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%88%D8%A7%D8%AC-%D8%B3%D8%B1-%D9%83%D9%86%D8%B3%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%8A/10150162622516359/
#أبو_مريم_الشمالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟