|
ديوان -على شفا القيامة-في اليوم السّابع
رنا القنبر
الحوار المتمدن-العدد: 5462 - 2017 / 3 / 16 - 22:32
المحور:
الادب والفن
ديوان "على شفا القيامة"في اليوم السّابع القدس:16-3-2017 من رنا القنبر: ناقشت ندوة اليوم السّابع الثّقافيّة المقدسيّة ديوان "على شفا القيامة" للشّاعر المقدسيّ رفعت زيتون، ويقع الدّيوان الصّادر عام 2016 عن دار الجندي للنّشر والتّوزيع في القدس في 104 صفحات من الحجم المتوسّط. ويحمل غلافه الأوّل لوحة للفنّان التّشكيليّ الفلسطينيّ العالميّ جمال بدوان. قال جميل السلحوت: "على شفا القيامة" هو الدّيوان الشّعريّ الثّالث للمهندس الشّاعر رفعت زيتون. ويؤكّد الشّاعر زيتون في هذا الدّيوان مقولة "أنّ الشّعر لحظة شعور"، فقصائد الدّيوان ألحّت على الشّاعر في لحظة شعور معيّنة، ولا غرابة في ذلك، فالشّاعر هو ابن بيئته، وهو ابن فلسطين أيضا التي خاب رجاء أبنائها بأبناء أمّتهم الذين يدمّرون أوطانهم، ويقتلون بعضهم بعضا، لذا فهو حزين وغاضب على ما يجري من قتل وتدمير في سوريا والعراق وغيرهما، تماما مثلما هو غاضب ممّن يتنّكرون لحقوق شعبه، وحقّهم في تقرير مصيرهم وبناء دولتهم المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف، ومن هنا جاءت قصيدته الغاضبة الأولى"جميع التّراب ترابي". فيقول: "أحبّك ليلى، وأقسم أنّ، جميع التّراب ترابي، من الماء للماء لليابسة"ص6. لكنّ اللافت في هذا الدّيوان أنّه يختلف عن الدّيوانين السّابقين: "حروف مقدسيّة على السّور الجريح" و"نوافذ" فكلا الدّيوانين السّابقين يعجّان بالقصائد عن مدينة القدس، لكنّ القدس في هذا الدّيوان غُيّبت، أو تنحّت جانبا؛ لأنّ ما يسمّى بالرّبيع العربيّ قد جاء بويلات ونكبات تفوق كلّ خيال، وقد تكون سببا في ضياع طويل للقدس ولغيرها من عواصم عربيّة تسرع هي الأخرى في طريق الضّياع. ومن الأمور اللافتة في هذا الدّيوان أنّ بعض قصائده جاءت كردّة فعل أو تساوق من الشّاعر مع قصائد أخرى لشعراء عرب مثل أحمد مطر، محمود درويش ولقمان ديركي، وهذا التّكثيف بالاستيحاء من قصائد لشعراء آخرين، وفي ديوان واحد ليس في صالح الشّاعر. ويلاحظ مدى تأثّر الشّاعر بالشّاعر مظفر النّواب، خصوصا في قصيدة "أكاد أموت اختناقا" ص 14. وكتبت آمال القاسم: هل هي رسائل حبّ حقيقة التي يرسلها الشّاعر من خلال قوله (سأبقى على الحب) أم تراه يرثي عروبة اهتزت عروشها، وتبدّلت غزلانها بقرودها، أم أنّه ينشد حلما عربيّا؟ لم يخف قوميته العربيّة والوفاء لها، وأظهر ملامحه الشّرقيّة، هل هو غرور الشرقيّ؟ فهو وفيّ بطبعه مخلص لشرقه وشرقيّته. أراه يبكي أمجاد عروبته المسلوبة في عيون العراق والشّام وتونس. البعد السّياسيّ والحلم العربيّ يطغى عليه، يراوده في الأحلام ويوقظه رعب الحرب الدّامية في اليمن وبلاد الشّام. رسم شاعرنا بقلمه من جديد ألوان الوطن العربيّ، أنهاره حمراء وسماءه دخان المدافع. نزعة تشاؤميّة تسيطر عليه: الشّمس آلت للغروب، ولم نصلّ العصر، لم يرفع الأذان، نعم صحيح في القدس كبّلت المآذن وختم عليها بالشّمع الأحمر. يستغيث شاعر فلسطين المقدسيّ بشاعر النّهرين العراق الشّقيق المذبوح من الوريد للوريد، يطلب منه أن يعيد الفرح والمجد للأمّة، يدعوه ليضخ في عروقنا الجافّة دماء العروبة المهدورة، يبحث عن الأمل. يخفي غضبه ويمسك بكبريائه، لا يئن، لا تصدر عنه الآهات، لا يطول صمته، سرعان ما يعلن غضبه، يطلق سهامه على كلّ الولاة في الأرض والطّغاة؛ لينتصر للجياع ويعلن وفاتهم. ليلى هي حبيبته، يعلن هذا بوضوح، يتغزّل بقوامها وعيونها وشعرها بدون خجل، فليلى هي الوطن العربيّ الذي تغيرت معالمه، أرّق مضاجع شاعرنا ذلك الربيع المزعوم، ويبكي حال الوطن الذي تقطعت أوصاله، فلا مصر لشام ولا عراق لبغداد والنّسور غادرت عروشها. الأحلام أحلام فلا تستغيث بها سائلا عن عهد المغول والتّتار وعن العيون الزّرقاء، الحلم يأمره بالصّمت والصّمت عار. ينتقد الشّاعر النّزعات الدّينيّة التي انتشرت بقوّة، ولا يتعدّى دورها تكرار قواعد الوضوء ليعلي صوت الفقراء من جديد، يريد خطابا من خبز لكلّ الجياع. 18 يتبدّد اليأس تدريجيّا، ينبعث الأمل من جديد، فيد تحمل سيفا ويد تحمل سنبلة والموت حتما لن يطول وبشّرنا بالحياة. في ليلى الصّغيرة لم تنم وجدت المدينة التي لا تهدأ ولا تنام، وجدت القدس تتأجّج فيها نار الثّورة، القدس تريد أن تقول كلمتها، القدس التي كانت قربانا للعروبة ولا زالت تقدّم التّضحيات دفاعا عمّا يسمّى شرف العروبة، قتلتنا ردّتهم، تعب المشوار يطلب السّكينة،يبحث عمّن يضمّد جراحه النّازفة، يشكو من الأرصفة والتّشرّد، يبحث عن ابتسامة الأطفال، يعزف على ناي مشروخة لا يطمح لسواها. ياخذنا الشّاعر بالذّاكرة إلى حرب حزيران عام 1967 عندما وصل مسامعنا أنّ الجيوش العربيّة قادمة لنصرتنا؛ فابتهجنا ونهضنا من غبار الحرب، وقامت إحدى الجارات باعداد الطعام لاستقبال الجيوش العربيّة، بينما أخرى قدّمت الطعام لشهيد جلس مقابل بيتها، ظنّا منها أنّه غافٍ في استراحة المحارب. "سمعت صهيل الخيول وصليل السّيوف ألا صدقيني هم خلف تلك التّلال تعالي لنحضر ماءً وأكلا سيأتون جوعى وعطشى" تقول توقف حبيبي 24 تنقذه حبيبته من هذيان الجنون، فالانتصار بالحرب أصبح ضربا من الجنون، بل إن الثّقة بالعروبة أصبحت في خبر كان. ص 29 شاعرنا المثقف الحالم يسير الآن باتّجاه الياسمين معبّرا عن خيبة أمله بكلّ ما يجري ويسير نحو الأمل اغمض عينيك ثم ابصر عبر قلبك لبّ النداء وسر باتّجاه الياسمين لا يفقد الأ،مل من جديد يتوجّه إلى المجتمع الدّوليّ يدقّ كلّ الأبواب؛ فلعل أحدها يفتح أمامه، يخاطب بان كي مون، يوبّخه ويحذّره، ليس الجوع الذي يبكي مآقينا ويطرده من المدينة؛ ليطلب الرّاحة والسّكينة لأطفال المدينة الذين لا تزال جثامينهم محتجزة ص33 ص 34 تعود الحياة إلى طبيعتها، ضجيج النّهار وقهوته والشّوارع تنتقل بنا من ضجيج إلى آخر، يتأخّر فصل الرّبيع ولكنّه في النّهاية ياتي. هنا ألمس إشارته إلى ربيع فلسطين، فكل العواصم أقبل ربيعها، وأدبر إلا ربيع فلسطين يتأخّر ويتأخّر، هل هو درب من سراب أو أكثر؟ ربيع فلسطين مختلف يأتي بالفراشات والبنفسج ويغيب نهار آخر ونعود إلى قصص ألف ليلة وليلة، وتغفو المدينة ويأتي نهار جديد والحلم لم يتحقّق. لا يكفّ شاعرنا من اللجوء إلى أيّ شي يأخذه للربيع الذي تأخر. ص 38 تخلى عنه الجميع يخاطب ظلّه يحثّه على السّير نحو الرّبيع الذي تأخّر.
وقالت هدى عثمان: غضب رفعت زيتون في "على شفا القيامة" " ما زلتُ أُتابع هذا المشهد ،من تاريخ الشرق الذابل مذهولا ،يقتلني المشهد...يقتلني أحزن ،أصمت ،أبكي...أصرخ"ُ . ص48 يبدأ الشاعر مجموعة ديوانه بقصيدة "جميع التراب ترابي" ، ليؤكد على حبه وانتمائه الوفي للشرق، فيقسم جميع التراب ترابي من الماء للماء لليابسة . ومن ثم يبدأ الشاعر بالتعبير عن وجعه وألمه لما يجري في الوطن العربي من تمزق وحروب، بعد ما يسمى بالربيع العربي وكأنه حلم . ففي قصيدة" وطن ذبيح" يرى الوطن يُذبح من خلال حلم ويصحو من كابوسه كالمركب المثقوب يسبح بالدماء . يزداد وجع وألم الشاعر لدرجة الشعور بالإختناق والكفر بكل الولاة، فيقول في قصيدة "أكاد أموت إختناقا " كفرت بكل الولاة وجند الولاة عروشٌ من الريش نامت فوق عروش الجِياع جُناة طُغاةٌ ص14 . وفي قصيدة" لن يطول الموت " تحث الصّبارة الشاعر على الصبر فيقول : "يا أيها المحمول فوق البرد ،حتما لن يطول الموت أبشر بالحياة "..ص19. أما الأمل نجده في قصيدة" سر باتجاه الياسمين" وفي قصيدة" إلى رقة ِ النّايِ خُذني" . بعض القصائد في الديوان مستوحاة من قصائد لشعراء كبار أمثال" أحمد مطر" "ولقمان ديركي" و" محمود درويش". وهذا التكرار من الإيحاء يدل على درجة غليان غضب الشاعر، لكن مثلث الإيحاء لا يمنح للقصيدة خاصيتها وملكيتها. يرد الشاعر رفعت زيتون على قصيدة" تهانينا" لأحمد مطر ويستنكر تلك التهاني المزيفة، ويعبر عن حالة الإحباط النفسي والغضب من حالة التمزق والإنهيار في الوطن العربي فيقول: "أقلت لهم تهانينا على ماذا على الأمجاد تُمحى من دفاترنا". ويقول مخاطبا الشاعر "أحمد مطر " : "ألا يا شاعر النّهرين جفّ النّهر في مجرى مآقينا . .......حزن ووجع ألا يا شاعر النّهرين ِ فقدٌ أصبحت أيامنا فقدٌ" . وفي إحدى قصائده" بان كي مون" يصب الشاعر غضبه على الرئيس الكوري رئيس المنظمة الدولية يهاجمه، يعاتبه لعدم إهتمامه بما يجري للوطن العربي فتصبح القصيدة ثورة غضب من نار . إستخدم الشاعر الشعر الحر والعمودي، وعبّر الشاعر عن اُمنياته لسلامة الأوطان ورؤيته المستقبلية لها، وتمنياته بمجيئ الحرية، فتساءل في إحدى قصائده" قولوا متى سوف نشدو بصوت العصافير لحنَ الحياة ". وعبّر عمّا يحدث من ذل وظلم من الحكام، واستنجد بسيف هارون الرشيد؛ ليعيد للدم المراق وللشهداء الأطفال الكرامة بعد أن أصبحنا عبيدا لأمراء الفرنجة، وتمنى لو أنه ظفر بأبي تمّام للإشارة إلى حالة النصر في قصيدة فتح عمورية، كما واستنجد بعصا موسى للخلاص من الهزائم، وفتح المسَرّة، وعبّر عن خيبته من الربيع العربي، وتمنى لو أنه لم يأتِ بعد أن استبشروا برحيقه. كذلك عبر عن وجعه لمشهد الشهداء الذين يستشهدون على الشواطئ الأوروبية، كما وأشار إلى المعتقلين ووصفهم بالأُمراء خلف قضبان الحرية، فمدحهم وعزز من معنوياتهم الروحية في قصيدة جميلة من الشعر العمودي. وبرغم الجراح فإنه يؤكد وَلائه للشرق في قصائد متشابهة، فمرة يقول سأبقى على الحب عهدا قديما( ص5)، وفي قصيدة أخرى(92) يقول الكل غيّر ثوبَه الشرقيَّ، لم يبقَ سواي متيّمٌ بالشرقِ، وأنهى الشاعر مجموعة ديوانه بقصيدة تحمل عنوان الديوان "على شفا القيامة " ليقول بعد كل هذا الوجع كأنه رأى القيامة تخرج من تلك الأوطان المعذبة، وهي ما زالت تنتظر الخلاص ومجيئ المسيح المنتظر. يبدو التناص من القرآن الكريم من سورة يوسف جَليا في قصيدة" ليتني كنت ترابا" للإشارة للخذلان العربي . سيطرت على الشاعر في قصائده عاطفة الغضب التي تمثل حالة الشاعر المجروح من الوضع في العالم العربي ففي قصيدة "إلى رقةِ النّاي خُذني " تبدو العاطفةُ واضحة . يقول " أنا ثورةُ الجرحِ ذاك سبيلي أُريد خروجا منَ الدمِ" . كما تبدو عاطفة الحنان في اختياره للألفاظ التي توحي إلى ذلك" أُهديهم عينيَّ وقلبي رغيفا. " في قصيدة عيد الحب ستخدم الشاعر الأُسلوب الإنشائي، فكثرت التساؤلات والحوار الداخلي ليؤكد على نفسية الشاعر المقهور وأُسلوب الخطابة ليثير في القارئ زلزلة المشهد المأساوي. كما واستخدم أُسلوب لسان الأنا المتكلم ليؤكد تأثره النفسي العميق من قيامة وطن. وكتب عبدالله دعيس: هل يقف العالم العربي على شفا جرف هار؟ هل سيهوي العرب في أتون الحرب والفرقة والنزاع؟ أم أنّ ما يشهده العرب هو بداية لنهوض جديد؟ وكيف يشعر العربيّ وهو يعيش هذا العصر المضطرب، وهذا الصراع الذي يجعل الحليم حيرانا؟ هل يقف متفرّجا مهتمّا بشأنه الخاص، أو الوطنيّ الضيّق، أم يحمل هذا العبء الذي تنوء به الأنفس؟ هل يفقد الأمل ويركن في زوايا اليأس؟ أم ينهض لتغيير واقع ولو بالنزر القليل من الجهد، حتى ولو بكلمة؟ هنا وعلى هذه الحافّة، يقف الشاعر، رفعت زيتون، يحمل عاطفة قوميّة جارفة، لا ينظر من منظار العائلة أو المدينة أو حتّى الوطن، بل يحمل همّ أمّة بدأ الكثيرون يكفرون بإمكانيّة وحدتها وقدرتها على النهوض. فيقول (جميع التراب ترابي) متمسّكا بوحدة الوطن العربي من الماء إلى الماء، رغم ظروف الفرقة. ويبدو الشاعر منشغلا بهمّ العرب، متألّما لما آل إليه وضعهم، لكنّه لا يسلك دروب اليأس، فيعود بذاكرته إلى كلّ ما مرّ على هذه الأمّة من مآسٍ عبر التاريخ، ويستعرض ما لاقاه هذا (الوطن الذبيح) في تاريخه من ويلات الغزاة وتسلّط الحكام، فتشتعل شعلة الأمل في نفسه، وإن كانت خافتة؛ فهذه الأمة استطاعت دوما أن تنفض غبار الضعف وتتعافى من جديد. لكن الأحداث ما تلبث أن تطغى على نفسه المرهفة، ويستذكر مشاهد الموت والدمار، ليصبّ جامّ غضبه على الحكّام الذين قادوا الأمة إلى هذا المصير، وينحى منحى الشاعر العراقيّ أحمد مطر ويقول: "أقلتَ لهم تهانينا؟ على ماذا ؟ على الأمجاد تُمحى من دفاترنا بأيدينا!" ثمّ يلتفت إلى علماء السلاطين الذين يزيّنون للحكام سوء أعمالهم، حتّى يكاد (يموت اختناقا) من شدّة الحنق. لكنه لا يفلت خيوط الأمل فيقول (لن يطول الموت) ويبدو متفائلا بمستقبل مشرق ما دام هناك صبر وعمل، ويشير إلى ضرورة التعاون والعمل الجماعي من أجل النجاح. ويفرد الشاعر قصائد كثيرة ليرسم صورا قاتمة لمعاناة اللاجئين الذين يفرّون من الموت في أوطانهم إلى الموت على شواطئ الغربة وفي عباب البحار، وأكثر ما يؤلمه هم الضحايا الاطفال الذين يمثلون مستقبلا مهدورا على مذابح أطماع الكبار، ويحلم بحياة هانئة للأطفال حيث لا تحل الأزمات بالحروب، فيقول (إلى رقة الناي خذني). ومع أنّ الشاعر يتألم لألم الذين هجّروا من ديارهم ونزحوا نحو (شاطئ الموت) في الغرب طلبا لبرّ الأمان، ويصف جراحاتهم ويتأوه بآلامهم، إلا إنّه لا يعفيهم من المسؤولية، ويأخذ عليهم ترك رمال الوطن التي لم تستطع أن تحملهم وكوتهم بنيرانها الحارقة، إلى أمواج البحر الغادر، وإلى أحضان شواطئ العدو الذي كان سبب مأساتهم؛ فلم يعد همّ المهاجر البحث عن الرغيف، بل أصبح يبحث عن قطعة خشب تنشله إلى حياة على أي شاطئ غريب. وعواطف الشاعر متذبذبة حسب الحالة النفسية له، وربما حسب الظرف الذي كتب فيه القصيدة، والأحداث الجارية حينها، فهو يراوح بين التفاؤل والتشاؤم، وبين الاعتزاز بماضي الأمّة واليأس من مستقبلها، وبين التعاطف مع الضحية وإلقاء بعض المسؤولية عليها. ولكن، وعلى الرغم من إظهاره لبشاعة الأنظمة العربية وجبروتها، إلا أنّه لا يلجأ إلى جلد الذات، ولا ينحدر في مهاوي التشاؤم المطلق، ويرى النّور في نهاية النفق، ويوجّه الجيل أن (يسير باتجاه الياسمين). وحتى لو تأخر الربيع، فإن (حديث الرياح) يبشرّ بأنّه قادم وسيمكث عاما بعد عام. ويتناص الشاعر مع القرآن الكريم، فرحلة يوسف عليه السلام عبر الجبّ لا تشبه رحلة اللجوء، حيث لا سيّارة تنتشل المشرّدين، وسفينة نوح تتقاذفها الأمواج، لكن لا يقودها نوح إلى برّ السلام. وإن كان التغيير لا بد قائمن فإن إرهاصاته جارفة، جعلت الشاعر يتمنى أن لم يحدث أي حراك قائلا: (يا ليت لم يأت عمر) فالفرح بإمكانية التغيير لم يدم طويلا. وتتجلّى الروح القومية الهادرة لدى الشاعر عند رثاء بغداد في (سقوط الرشيد) فيصرخ قائلا: "بغداد إذا ذبلت تمتْ في شرقنا الأزهار." وينعى الشاعر الذين يتخلون عن حبهم لعروبتهم في هذا الوضع القاسي، ويبقى على حبّه القديم. "لم يبق سواي متيّم بالشرقِ، كنت أحبّه، وأنا على حبّي القديمِ وسوف أبقى عاشقا للنخل وحدي، ليس يخدعني الغراب." بكلمات بسيطة عذبة، وصور بسيطة، ومعان واضحة تفصح عن نفسها، يبحر القارئ في بحر متلاطم من العواطف الجيّاشة، فتارة يغوص إلى أعماق اليأس والالم، وتارة يطفو على قارب نجاة الأمل، ليصل إلى نهاية الديوان مرهقا بأعباء أمّة ترزح تحت وطأة الواقع، وضبابيّة المستقبل. وكتبت هدى خوجا:
تتضمن المجموعة الشعرية اثنتين وأربعين قصيدة،تبدأ في جميع التراب ترابي وتنتهي في على شفا القيامة. على ركب مركب في شواطئ الدّم تنقل بين الحروف مابين اليمن والشّام وحلب والعراق والأنبار، تئن الحروف وتبكي الكلمات؛ وفجاة يمتلئ الدّم من جوفه وليلى الصّغيرة تصرخ وتصرخ في شفا القيامة. أبدع الشّاعر في انتقاء الألوان في الوصف من ربيع ومحيط عربي، وأمواج سوداء " يسير الموت في الطرقات كالأمواج ، سوداءٌ هي الأمواج فوق محيطنا العربيّ من ألف الحروف إلى حدود الياء " ص86 وهنا أيضا اختيار اللون الأسود والنفسجي رمز الحزن والتشاؤم " تبدو طريق البنفسج أبعد من نجمة، في سوداء السّماء "ص88 ص" لم السّكوت على ظلام البحر؟ أصرخ بوجه العتمتين70 والليل سار بعتمتين" ص38 " غادر سوادك يا رفيق الظّل" أمّا الأحمر فبرز جليا في ص8" يرشدني إلى النّهر الكبير بلونه الدّموي" ص14 تقص الحكايا احمرارا وأحيانا لا لون يظهر ص16 " لا لون يظهر إن بدا من غير لون يظهره" ص32" لو كنت تعرف كيف تغلي قطرة الدّم في زفير الفاقدين" ص44 في يوم الحبّ، أطالب كل فراشات الكون بأن يأتين بكلّ الورود وبالجوريّ فقد يتذكر طفل أن الأحمر يعني شيئا غير الموت" أمّا اللون الأخضر ص85"أعيديني إلى لغتي التي كانت بلا ألم، إلى ألوانها الخضراء.. إلى عينيك" كان هنالك تناص مثال قصيدة" لم يكن نوح على وجه السّفينة"ص68-69-70 لماذا نوح؟ ولمن السّفينة؟أهي غربة أم غربتين؟ سورة نوح تقع في الجزء التاسع عشر من القرآن الكريم آية4-6 من سورة نوح "قال رب إنّي دعوت قومي ليلاونهارا "فلم يزدهم دعائي إلا فرارا"5 الصبر وتنوع الأساليب لدعوة قومه واصراره ودعوتهم في كل مناسبة ليل نهار وسرّا وعلانية جهارا، ولكنهم عصوه وكذبوه،ومع ذلك استمر نوح في دعوته. حيث استخدم سيدنا نوح في الدّعوة الترغيب ثم الترهيب واستمر في صبره تسعمئة وخمسون عاما950 "ها أنت لا بحرولا أرض ولا رمل ، ولا حلم تحققه كأنك في مكانك" الأسلوب سهل ومناسب للقراءة الكلمات مترابطة وتخدم المعنى، الغلاف متوافق مع محتوى المجموعة الشعريةوخاصة على شفا القيامة.
#رنا_القنبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سقوف الرّغبة على طاولة اليوم السابع
-
ندوة اليوم السابع الثّقافيّة تحتفل باطفاء شمعتها السّادسة وا
...
-
مزاج غزّة العاصف في اليوم السابع
-
عذارى في وجه العاصفة في اليوم السابع
-
مشكلة النّشر في ندوة اليوم السابع
-
-مشاعر خارجة عن القانون في اليوم السابع -
-
رواية تراحيل الأرمن في ندوة مقدسية
-
سبيريتزما عزام أبو السعود في اليوم السابع
-
الحرمان يقتل الابداع
-
رواية مسك الكفاية في اليوم السابع
-
حدائق الكريستال في اليوم السابع
-
يوميات الحزن الدامي في اليوم السابع
-
مفهوم التطبيع على طاولة ندوة اليوم السابع
-
قصص صابرين فرعون في اليوم السابع
-
شهادة محمد القراعين في ندوة اليوم السابع
-
نجمة نمر د. محمد هيبي البيضاء في ندوة مقدسية
-
الاعلام الفلسطيني في ندوة مقدسية
-
سمير سعد الدين في رحاب القدس
-
شامة بيضاء في اليوم السابع
-
ثقافة المقاومة ومفهوم الأدب المقاوم في اليوم السابع
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|