|
لاجئون لوطن العناق
لارا رمضان أيوب
الحوار المتمدن-العدد: 5461 - 2017 / 3 / 15 - 01:42
المحور:
الادب والفن
كثيراً ما قرأنا أو تناول مسمعنا قصص حبّ بدأت وأنهتها متاهة الحرب، لكن لم نسمع "إلا قليلاً" عن قصة حبّ تبدأ مع الحرب، ولأن طبول الحرب ترفض الرحيل إلى اليوم ، لم نعد نستغرب من سماع قصص رهيبة "قد كانت سابقاً مجرد خرافة". جوان وسارا أبناء مدينة واحدة ومن أديان مختلفة، التقيا "صدفة" في طريق النجاة من الجحيم، مع مجموعة من الهاربين على مقربة من الشاطئ. كانت الساعة تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل، حين نادى صاحب (البلم) عليهم: "هيّا، فقد حان موعد الرحيل". لكلّ منهم قصص موجعة وفظيعة في التعبير، سيرمونها في سلّة النسيان بعد العبور إلى ما وراء البحر. وكلّ منهم يحمل متاعه، وحده الرجل العجوز يحمل قميصاً ملطخة بالدم..
يسأله جوان "والغرابة ترسم نفسها على وجهه": "ما هذا ياعمّ ؟". يجيبه العجوز : "بعد أن غطت عينيه بالدموع": هذا القميص الأخير الذي ارتداه ولدي.. ذهب يريد الحريّة، فعاد حراً ..شهيداً ! تتقدم سارا لمواساته : "لا تبكي ياعمّ، أنا فقدتُ والداي هناك، وكلُّ من جاء إلى هنا تنقصه قطعة من روحه، أعطيني يدك ودعنا نرحل إلى سبيلنا" بقي جوان واقفاً "ومطر ما يتساقط من عينيه " وهو يقول للمدى : "فقدتُ أمّي بعد أخي بأيّام...".
كلهم رحلوا تاركين أرواحهم خلفهم، لكلّ منهم قصة أليمة، ولكلّ منهم دمع يخبئه في وسط البحر، أمضى حالهم يشبه كلّ شيء إلا "الحياة"، يبدو أن خريطة العالم أصبحت صغيرة، سيقطعون حدود عدّة دول، لتستقبلهم دولة ما. ويبدو أن البشر لم يعودوا يتذكرون الكلمة الجميلة، ليخففوا عن بعضهم هول مصيبتهم.
يتابع جوان بعد أن فقد السيطرة على دموعه: أنا راحل وهناك دفنتُ أمّي، لا أملك الآن من يقل لي (أعتنِ بنفسكَ ياجوان، فأنت كبدي). تقدمت سارا إليه قائلة: الحياة لا تنتهي ، كلنا الآن معك وأنا معك..
لم تكن سارا تدري أن تلك الكلمة سوف تولد في قلبه شعاع أمل "ولو كان بسيطاً". في البحر، الصمت يملأ هذا البلم البسيط، وهم يدركون إنّ معيشتهم هناك ستكون سنوات طويلة من الصمت. لم يكونوا خائفين، فقد عاشوا كلّ أنواع الخوف في وطنهم، وإنني أجزم، أن الأسماك تخاف من إبراز رأسها أمام ثقل همومهم. أنهوا الرحلة بسلام . لأول مرة يَرون جنوداً يتقدمون لإستقبالهم، في وطنهم كان الجنود يتقدمون لقتلهم!!
في مكان تواجدهم، في إحدى القرى التابعة لدولة أوروبية، حضّروا لهم أماكن للنوم وقاموا بتقديم الطعام والاعتناء بهم، وهكذا مضيت الساعات إلى أن وصلوا المكان الثاني بعد منتصف الليل، كانوا جميعاً مجتمعين في طرف ذاك الحيّ المسمى بـ "كامب".
العجوز يشعل سيجارته ويقول كان ولدي الشهيد قد أنهى دراسة الدكتوراه والتحقٓ برفاقه الذين خرجوا مثل المجانين، عشاق الحرية والحياة، لكن الرصاصة الطائشة كانت من نصيبه. يفتح جوان الحديث عن عمله: كنتُ مع رفاقي الجامعيين نستعد لاعتصام لأجل المعتقلين ، كنّا نحمل لافتات مكتوبة عليها ( السلام ) ، فوصل الخبر إلى رجال الأمن، وتسبب هذا العمل في مقتل أمّي سهواً، علماً أن الأمن حاولوا الوصول إليَّ، فكانت أمّي الأقرب. تأخذ سارا الحديث: أما أنا كنتُ أبنة عائلة فقيرة، وكنتُ أعمل في لجان حقوق الإنسان في مدينة اللاذقية، وذقت مرارة التخفي عن الأنظار وحين فشلت محاولاتهم في القبض علي، كانا والداي لقمة حقدهم. وما أن أنهت حديثها حتى كانت الشمس تشرق عليهم من جديد، يومٌ جديد، بلدة جديدة، تفاصيل جديدة ، حزن قديم ...
مرت الأيام وكان جوان في صحبة سارا في رحلة هروبهم وكان قلبه يتعلق بها أكثر، حتى أنه ذات يوم سألها: ما رأيكِ في قصة حب بين اثنين ليسا من دين واحد ؟ غمر الفرح قلب سارا المليء بالحزن ، لم تجاوبه إلا بابتسامةٍ جميلة، رسمتها على شفتيها الجميلتان. كان مقصدهم ألمانيا لطلب اللجوء هناك، وما إن أشرفوا على الوصول إليها لم ينم جوان في تلك الليلة، فهو يعلم ما أن تشرق الشمس ستنتهي رحلته مع سارا وسيذهب كلٌ منهم في دربه. ذهب إلى باب غرفتها في ساعة متاخرة من الليل، صدمها وقوفه حزيناً. " ما بك ياجوان؟" قالتها سارا باستغراب _" غداً آخر يوم لوجودي معكِ ياسارا، ستنتهي الرواية التي تجاوزت جملها بألف دمعٍ من أعيننا ولكن آخر جملة من الرواية هي أني أحبكِ. ربما يَكُونُ كلامي لكِ صادماً بعض الشيء لكن هذه هي الحقيقة" _صمتت سارا أكثر وأكثر لترتمي في عناقه ، وهي تقول: " هناك في وطني يقتلوننا ويقتلون الحب، وهنا في ما يسمونه ببلاد الغربة يولد لنا حب جديد وحياة جديدة " مضيا معاً للغد ، ربما كانت شمس الغد تحيك النور الأبد حين أشرقت ولمحتهما من بعيد وقد أشرقا قبلها يزرعان الانتماء من جديد .. الحب الذي بقيّ ينتصر على قصص الحروب . هو نفسه الحب الذي يصنع من المنفى وطن.
#لارا_رمضان_أيوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لن ينتهي الإنتظار.. قصة قصيرة.
المزيد.....
-
بليك ليفلي تتهم زميلها في فيلم -It Ends With Us- بالتحرش وال
...
-
“الأحداث تشتعل” مسلسل حب بلا حدود الحلقة 47 مترجمة بالعربية
...
-
في ذكرى رحيله الستين.. -إيسيسكو- تحتفي بالمفكر المصري عباس ا
...
-
فنان أمريكي يتهم الولايات المتحدة وإسرائيل بتنفيذ إبادة جماع
...
-
-الناقد الأكثر عدوانية للإسلام في التاريخ-.. من هو السعودي ا
...
-
الفنان جمال سليمان يوجه دعوة للسوريين ويعلق على أنباء نيته ا
...
-
الأمم المتحدة: نطالب الدول بعدم التعاطي مع الروايات الإسرائي
...
-
-تسجيلات- بولص آدم.. تاريخ جيل عراقي بين مدينتين
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
السكك الحديدية الأوكرانية تزيل اللغة الروسية من تذاكر القطار
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|