|
الشعر الشعبي العراقي... سيرة
قاسم علوان
الحوار المتمدن-العدد: 1435 - 2006 / 1 / 19 - 08:16
المحور:
الادب والفن
في العام 1975 شرّع (مجلس قيادة الثورة) المنحل بعد سقوط النظام، شرع قانون (قانون سلامة اللغة العربية..) والذي منع بموجبه تقديم أو تداول أو نشر الشعر الشعبي العراقي عبر وسائل الأعلام كافة المقروءة والمسموعة والمرئية، بما في ذلك طبعه أو أقامة المهرجانات له. بل سمح بعد نشر ذلك القانون وبشكل غير معلن بقراءة بعض أنواع الشعر الشعبي الذي ينتهي بالأهازيج (الهوسات) على هامش الاحتفالات والمؤتمرات الرسمية وغير الرسمية. وهنا لابد أن نشير الى أن ذلك القانون.. على أنه جاء كرد فعل على أثر انتشار القصيدة الشعبية (المعارضة) الحديثة، ذات المضامين الثورية والإنسانية التقدمية بين أوساط القراء في المدن، على أنقاض أشكال القصيدة الشعبية القديمة بأوزانها التقليدية الشائعة على المستوى العشائري والريفي، إذ أن تلك القصيدة الريفية لم تكن تتداول في المدينة إلا نادرا أو على حوافها... وتحديدا كانت مهمة ذلك القانون لمنع تداول شعر مظفر النواب بعد طبع ديوانه المعروف (الريل وحمد) في نهاية الستينات في بيروت، وتوزيعه في العراق بشكل واسع بعد ذلك آنذاك. وقبل كل ذلك تسربت قصائد الشاعر النواب من سجن الحلة قبل هروبه الشهير منه وبعده، وتداولها عدد كبير من المثقفين العراقيين وأصدقائهم بشكل عام، وخاصة في المنطقة الوسطى والجنوبية من العراق، ومن ثم انتشار هذا النوع الجديد من الشعر الشعبي (المدني) في ذلك الوسط من المثقفين، متمثلا في شعر كل من شاكر السماوي وعلي ألشباني وطارق ياسين وعزيز السماوي ورياض النعماني وأبو سرحان وآخرين غيرهم. على أنه أصبح الآن شعر مدينة حصرا. كما طبعت ووزعت العديد من المجاميع الشعرية لأولئك الشعراء فيما بعد، لذا قرر (مجلس قيادة الثورة) في قراره آنف الذكر منع تداول هذا النوع من الشعر الشعبي تحت ذريعة سلامة اللغة العربية التي لا يجيدها معظم أعضاء ذلك (المجلس) لا قراءة ولا كتابة...!! ولكن في الوقت نفسه بدء يظهر على الساحة العامية، وفي المدينة أيضا، وبغداد حصرا، في ضوء ذلك الهامش المسموح به عمدا من قبل السلطة السياسية القائمة، والذي أشرنا أليه آنفا نوع من الشعر الشعبي (الجديد) أيضا، يتغنى بمنجزات (الثورة وقيادتها الحكيمة) فرفع الحظر عن هذا النوع من الشعر الشعبي تدريجيا وبشكل غير معلن، أي غير قانوني، بدءا بمهرجانات (الاتحاد الوطني لطلبة العراق...) الشائعة آنذاك، واستضافتهم لأنواع الشعراء الشعبيين، ثم احتفالات (الحزب) المختلفة بمناسباته العديدة وحروبه و(انتصاراته) فيما بعد، وكذلك على أشرطة الكاسيت في محلات (باعة الشربت..) تحديدا في ذلك الوقت... وهكذا ساد هذا النوع من الشعر الشعبي (السياسي) على الساحة الثقافية بشكل عام وبدون منازع الى غاية السقوط في 9 / 4 / 2003 . فقد وصل أولئك الشعراء الى مكتب (السيد الرئيس) بسهولة وقبل ذلك عندما كان يمثل ذلك السيد شخصية (السيد النائب..) بعد أن تغنوا بخصاله (الثورية وشهامته ورجولته) الزائدة عن اللزوم...! وكذلك تكاثر هؤلاء الشعراء وتناسخوا بشكل سريع ومريع...!! وذلك بازدياد عدد المهرجانات الرسمية المقامة لهذا الشعر بمناسبة وبغير مناسبة، طرديا مع المنح والمكرمات والذهب والمسدسات التي كانت تمنح لأولئك...! وكذلك تعددت وتناسخت القصائد (العصماء) وتوالدت، صار القسم الأعظم منها شائعا متكررا عند الجميع بتكرار القسم التالي بـ ( شيلة أمي وعصابة جدتي ودشاداشة أختي وجرغد عمتي ) الحمد لله لم يصل ذلك اليمين الى ملابس تلك النسوة الداخلية...!! دع عنك ألفاظ من مثل أبو الشيمة وأبو الغيرة وأبو العزة والعزيمة وما الى ذلك من صفات فحولية يضفونها على شخص (السيد الرئيس) وبالتأكيد يفتقر أليها الموما إليه والموما أليهم معا. ثم لتنهال عليهم العطايا والمكرمات السخية، والهدايا غالية الثمن بدون حساب.. على أولئك الشعراء من لدن (القيادة السياسية للحزب والثورة) إلى حد الإغراق والإسفاف. أو إلى الحد الذي يتجرأ فيه أحد الشعراء الشعبيين وهو المقرب من (السيد الرئيس) ويطلب من (سيادة المحافظ) في أحدى المحافظات الصغيرة بعد أن استهان بهديته التي ينوي ذلك المحافظ أن يقدمها لهم.. هو وزملائه بعد أن تغنوا وهوّسوا لسيدهم (القائد الفذ الضرورة...) بأن يطلب ذلك الشاعر من (السيد المحافظ) أن يستبدل الساعات تلك بهدايا أخرى (لأن الساعات صارت كثيرة لديهم وما عادوا يعرفون هذه الساعة لمن تعود من تلك الأخرى...!!) كما أن هدايا (القائد) ومكرماته تجاوزت تلك الخردوات الى قطع الذهب الثقيلة الوزن والمسدسات والبنادق والسيارات والملايين من الدنانير العراقية...!! في الوقت نفسه كانت غالبية كبيرة من الشعب العراقي تعيش تحت الخطوط الحمراء من الفاقة والفقر والعوز المضني وخاصة في سنوات النظام الأخيرة. وتحت ثقل سعة هذه الظاهرة تحتم ظهور نوع من الوسطاء أو المكاتب التي تختص بإيصال هذا الشاعر أو ذاك وتقديمه الى القصر مقابل عمولة تمثل جزءا من الهدية ربما تصل الى النصف...!! وغالبا ما يكون أولئك الوسطاء من أفراد حماية (السيد الرئيس) نفسه أو المقربين منه أو منهم...!! كما أن هناك من هو متخصص بكتابة أي قصيدة تريد...!! وحسب الطلب وبأي مناسبة كانت...!! لغرض الوصول الى حضرة (السيد الرئيس) فهناك أصحاب الحاجات أو من ذوي المعتقلين عشوائيا ممن يرغب بعضهم بعرض مشكلته على (السيد الرئيس) شخصيا، وليكحل ذلك العرض بقصيدة شعبية...! وتنوعت نوعية أولئك الشعراء وفئاتهم، فهذه فئة جديدة من الشعراء الشعبيين تتمثل في عدد من كبار ضباط الجيش العراقي، أخذت تكتب الشعر الشعبي لتنشده في حضرة الرئيس...!! وكذلك شيوخ العشائر والقبائل الجدد الذين أخذ بعضهم يكتب هذا النوع من القصائد العصماء إضافة الى وظيفته كشيخ عشيرة أو فخذ...! كما أن هناك بعض من الشعراء المحدثين في الشعر العراقي المعاصر ممن ترك بصماته على القصيدة الحديثة، تهافت هو الآخر على كتابة الأغاني التي تمجد (السيد الرئيس القائد) وتتغنى بطويل عمره الذي أرهقنا وقصر في أعمارنا...!! وهكذا تدافع (شعراء الشعب) كما أسماهم ( الرئيس ) نفسه رجالا ونساء بمناكبهم للوصول الى حضرته البهية والمثول بين يديه! لا بل انتشى القائد في أحد المرات تحت سيل الأكاذيب تلك وقال عنهم ( ذوله بس ربعي ) لأن قال له مرة أحد هؤلاء الكذابون من الشعراء ( أشم فيك رائحة نبيّ ) كما ظهر التنافس والحسد والمكائد بين أولئك الشعراء للفوز بالغنيمة الدسمة، كما شكلوا منظماتهم المهنية ومقراتهم العلنية أسوة بالمنظمات البوليسية الأخرى، ليؤجروها فيما بعد صالات للعب القمار والبليارد...! وأستمر تاريخ الشعر الشعبي العراقي على ذلك المستوى... ولغاية سقوط تماثيل هبل.. إذ أنكفأ بعدها بعضهم على نفسه خجلا منها، أو من الآخرين في بيته، وذلك لفترة قصيرة، ثم خرج الى العلن ليعلن معارضته للنظام السابق!! كما أن هناك من غيّر في بعض مفردات أسمه بالحذف أو بالإضافة تماشيا مع المرحلة الديمقراطية... الطائفية الجديدة... فتحول الى شاعر جديد للمرحلة الراهنة...!!باسم (خادم أهل البيت...) وأهل البيت منه براء....! إذ فجأة تغنى أولئك بأمجاد رموز دينية قديمة ممجدا ببطولاتها العظيمة فيما مضى، وأخرى جديدة معلنة حديثا، لا بل أن أحدهم سارع لشتم صدام حسين بسرعة تفوق سرعة الصوت، أو الى الحد الذي لا زال فيه يأكل من مكارم سيده السابقة التي لم تنفذ بعد من كيسه، وذلك بعد أن دعت ( CBA ) السابقة سيئة الذكر.. وغيرها من الجهات لعقد المهرجانات الشعرية الجديدة وبيافطات التكسب من النفط المعتق سواء من الجوار الذي يطل برأسه أحيانا علينا...!! أو من الداخل المظلم الذي لازال يتلمس طريقه، ولكنها وكما يبدو غير مجزية..!! مقارنة بمهرجانات ( السيد الرئيس ) السابقة..!! كما أننا ندرك جيدا الأهداف والغايات ( المهنية النبيلة ) التي دفعت بالبعض من ( المثقفين العضوين ) لبذل الجهد في تقديم أولئك الشعراء في مهرجانات شعرية ( كبيرة ) تضاهي مرابد الشعر القديمة...!! وكذلك أنشاء تجمعات ثقافية لهم بواجهات براقة فخمة، وتوزيع المناصب الى من يحتاج أليها لإثبات شخصيته، أو لتغري المسؤولين الجدد بأن أولئك الشعراء جاهزين لخدمتهم!! والوسطاء متوفرون والحمد لله!! وذلك خدمة للواقع الثقافي الجديد!! والأنكى من ذلك أن تفرد لهذا الشعر الشعبي بعض الصحف الجديدة صفحات كاملة ملونة، لتلك الأسماء الرثة وتنشر لها قصائدها القديمة، بعد الحذف والتعديل والتصليح والسمكرة والصبغ والتشطيب فيها لتوائم المرحلة الديمقراطية الجديدة!! لكنها أحيانا لم تنجح معها كل تلك العمليات فتظل محافظة على روحها القومية النضالية القديمة...!!
#قاسم_علوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كافكا وأرسون ويلز في( المحاكمة) سلطة الأدب وسلطة الكتابة
-
هل يوحد الأخوة الكورد (الأخوة) الفرقاء العرب...؟
-
بونويل رائد السينما السريالية
-
لوليتا... الرواية في السينما
-
أسطورة شارلي شابلن
-
السنما العراقية.. من اين الى أين...؟
-
أزمة هوية الحكومة العراقية المقبلة
-
مشروع الدولة القومية والعولمة
-
الدستور في ثقافة المجتمع المدني
-
محاكمة صدام.. ديمقراطية مية بالمية...
-
الانتخابات العراقية المقبلة
-
منظمات بلا حدود..!!
-
القوى الديمقراطية والخيار الصعب
-
أفق العلاقات العراقية الكويتية... من ما قبل اعلان الاستقلال
...
-
هيمنة فكرة التسلط
-
النهوض السياسي الجديد.. والجامعات العراقية
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|