|
الشيوعيون و قضية فلسطين
غسان صمودي
الحوار المتمدن-العدد: 5455 - 2017 / 3 / 9 - 12:45
المحور:
القضية الفلسطينية
إن كشف لينين عن طبيعة الصهيونية، و إدانتها منذ البداية كحركة رجعية و منظمة شوفينية للبرجوازية اليهودية، و أداة للإمبريالية، ارتبطت و واكبت حركة الإستعمار الكولونيالي و الإمبريالي منذ أواخر القرن التاسع عشر يبين لنا موقف الشيوعيين من الصهيونية، إذ هي بالأساس نزعة عنصرية و شوفينية. و قد أصبحت في عصرنا، واجهة الإستعمار الجديد و سلاحه المفضل في ضرب القوى الثورية، و قاعدته الرئيسية في العدوان على الشعوب العربية و في التسلل إلى الدول النامية في آسيا و إفريقيا. لكن حقيقة المشروع الصهيوني و طبيعته الإمبريالية العدوانية أخفيت بمهارة وراء الأهداف الإنسانية و الإشتراكية الكاذبة، و باستغلال آلام اليهود و المذابح و الإضطهادات العنصرية التي تعرضوا لها ، خاصة في شرق أوروبا في القرن الثامن عشر و أوائل القرن الماضي و بصفة خاصة على أيدي النازيين. و نجح القادة الصهيونيون و الرأسماليون اليهود المرتبطين بالإحتكارات الإمبريالية في شد قطاعات من جماهير اليهود المعدمة و الفقيرة و جلب البرجوازية الصغيرة إلى عجلة أغراضهم الإستعمارية الكولونيالية. و أضفت إيديولوجية "الرواد" الصهيونيون الأول في فلسطين على المشروع الصهيوني منذ القرن التاسع عشر طابعا تقدميا زائفا، بخيالاتها و أحلامها في الخلاص و الإشتراكية البرجوازية الصغيرة الممتزجة بمفاهيم القومية الرجعية الشوفينية. و قد نشأ مشروع الوطن القومي اليهودي و الدولة اليهودية الصهيونية في القرن التاسع عشر في ارتباط بكل مشروعات الإستيطان الأوروبي الكولونيالي في تلك الفترة التاريخية. و "هيرتزل" لا يخفي هذه الحقيقة في كتابه "الدولة اليهودية" و في حركته السياسية قبل و بعد المؤتمر الصهيوني المنعقد في "بال" عام 1897. و قد عقد القادة الصهيونيون أوثق العلاقات بقادة الإستيطان العنصري الأوروبي من أمثال "سيسل رودس" بجنوب إفريقيا و بالدوائر الإستعمارية الألمانية و البريطانية و الفرنسية و العثمانية في أوروبا. لفد تظافرت الجهود الصهيونية و الإمبريالية لإخفاء هذه السمة الأساسية للمشروع الصهيوني، و إضفاء طابع الحركة القومية، و التطلعات القومية المشروعة و الطابا الإنساني على الهجرة اليهودية إلى فلسطين. و لكن قيام المشروع على إجلاء السكان الأصليين الفلسطينيين و طردهم بالقوة و إغتصاب الأرض بالتعاون مع المستعمرية البريطانيين و الإقطاعيين العرب، و خلق المجتمع اليهودي المنعزل على أنقاض المجتمع الفلسطيني، كل ذلك فضح الدعاوي القومية الكاذبة، التي لم تكن تنتمي بحال إلى حركة القومية الثورية في أوروبا في القرن الماضي، بل كانت و لا تزال جزءا لا يتجزأ من القومية الشوفينية الرجعية للطبقات الإحتكارية الإمبريالية و التي تدفعها أهداف القهر و الإستعباد القومي و العنصري لشعوب الشرق. و حاولت الصهيونية تصوير حرب 1948 على أنها حرب وطنية تحريرية، خاضها "الشعب اليهودي" ضد الوجود البريطاني و التهديد العربي، لكن حرب 1948 لم تكن حربا بين قوميتين أو أمتين، بل عدوانا إمبرياليا تم بالتواطؤ بين الإستعمار و الصهيونية و الرجعية العربية، استهدف حركة الشعب الفلسطيني الوطنية و حركة التحرر الوطني العربية عامة. أما المصالح الحقيقية للعرب و اليهود في فلسطين، فقد تمت التضحية بها على مذبح المصالح الإمبريالية الصهيونية. و لم تكن أعمال العنف و القتال التي قامت بها العصابات الصهيونية الإرهابية ضد البريطانيين حربا وطنية أو تحريرية في حقيقتها، بل تناقضات في صفوف العدو بين الصهيونية و الإمبرياليين البريطانيين، و بين الإستعمار البريطاني و الوافد الأمريكي الجديد. كانت إرهابا يستهدف في الأساس العدوان على الشعب العربي في فلسطين و على حقوقه الوطنية المشروعة و ضرب الحركة الوطنية التحريرية. كان الهدف هو غرس المشروع الصهيوني و إقامة الدولة الصهيونية بقوة السلاح و القهر. و السياسة التي انتهجتها الدوائر الصهيونية الحاكمة في اسرائيل منذ قيام الدولة، تكشف بوضوح عن هذه الطبيعة العدوانية الإمبريالية العنصرية للدولة. فبرغم كل مقررات هيئة الأمم و المنظمات الدولية، و كل جهود قوى التحرر و السلام، ظل العدوان على حقوق الشعب الفلسطيني، و ملاحقته و طرده و إبادته يمثل سياسة ثابتة. و ظل التوسع و العدوان على الشعوب العربية المحيطة و محاولة الإلحاق للأراضي هو السياسة الثابتة للدولة. و تلك هي خبرة اعتداءات 1955 و عدوان 1956 ثم 1967 ، و السلسلة الطويلة من أعمال "الزجر و التأديب" ضد الشعوب العربية، و أبرزها سوريا تحت دعاوي الأمن. إن المهمة الأساسية للقوى الوطنية العربية و قوى الثورة العالمية هي التصدي لتلك الطبقة الإمبريالية العنصرية و تعريتها و النضال لإقتلاع جذور المؤسسة الصهيونية. بالنضال ضد عدوانية إسرائيل و مطامع الصهيونية جزء لا يتجزأ من النضال ضد الإستعمار العالمي. و نضال الشعب الفلسطيني العادل و المشروع هو جزء من حركة التحرر الوطني العربية و العالمية. و من حق الشعب الفلسطيني أن يستخدم مختلف وسائل النضال و المقاومة الشعبية بما في ذلك الكفاح المسلح و العمل الفدائي ضد العدو الإستعماري الصهيوني و الرجعية العربية المتحالفة معه. إن كل القوى الثورية و التقدمية مطالبة بالمشاركة في الكفاح المسلح جنبا إلى جنب مع قوات المقاومة الفلسطينية التقدمية. إن تأييد المقاومة الفلسطينية المسلحة و دعمها ماديا و معنويا و حمايتها ضد مؤامرات التصفية هي مهمة كل القوى الثورية في البلدان العربية و على النطاق العالمي. و في طليعة هذه القوى الحركة الشيوعية العالمية و البلدان الإشتراكية. إن وحدة القوى الثورية العربية و كل القوى المعادية للإمبريالية هو شرط ضروري للنضال الظافر ضد إسرائيل. و النضال ضد الصهيونية يرتبط إرتباطا عضويا بالنضال ضد القوى و الأنظمة العربية الرجعية الموالية للإمبريالية. النضال من أجل إطلاق مبادرات الجماهير الشعبية و حريات التعبير و التنظيم و كفالة الديمقراطية للجماهير الشعبية الكادحة و حقها في تشكيل اللجان الوطنية بمختلف وظائفها من الدفاع المدني و التعبئة السياسية حتى الكفاح المسلح. و على الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية مهمة ملحة، التكتل في جبهات ثورية من أجل الوحدة و النضال ضد أنظمة الرجعية العربية و الوصول إلى السلطة و تكريس نظام إشتراكي معادي للنظام الرأسمالي. مهمة ملحة على عاتق كافة القوى الثورية المحلية و العالمية، الإعداد للثورة. و القوة الأساسية التي ستقود بالضرورة هذه الثورة، تحالف العمال و الفلاحين. إن ضمان تحقيق هذه المرحلة تتوقف على تدعيم هذا التحالف و توطيده. و تلعب الطبقة العاملة دورا قياديا في هذا التحالف، و يقود الطبقة العاملة حزبها الطبقي المعبر الحقيقي عن مصالحها المسترشد بالتعاليم الماركسية اللينينية الخلاقة. و في تونس، الطبقة العاملة مؤهلة تماما للإضطلاع بالدور الطليعي في النضال الثوري لإستكمال مهام الثورة الوطنية الديمقراطية باعتبارها الطريق المؤدي إلى الثورة الإشتراكية، و بذلك تعرية النظام الصهيوني و الدولة العنصرية و فضحها، من أجل محاصرة النظام الإستيطاني و دحره. هذه الإستراتيجية الثورية هي التي تخدم قضية التحرر و السلام العالمي.
#غسان_صمودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجماهير و الطبقات و الأحزاب و القادة
-
ثورات التحرر الوطني و استمرار الصراع
-
المركزية الديمقراطية و سيرورة التطور
المزيد.....
-
توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين مصر والكويت
-
مشاهد من تحرير الجيش الروسي نوفوفاسيليفكا في جمهورية دونيتسك
...
-
حريق مفاجئ في مطار رفيق الحريري من دون تسجيل إصابات
-
الشرع يناقش مع ولي العهد السعودي تعزيز العلاقات ومستقبل سوري
...
-
بوندسليغا.. ليفركوزن يفوز بعشرة لاعبين ويواصل مطاردة بايرن ا
...
-
روبوت سداسي الأرجل صيني يؤدي مهمات في القطب الجنوبي
-
بوتين: نخب أوروبا ستخضع لأوامر ترمب
-
إيران تزيح الستار عن صاروخ -اعتماد- الباليستي بمدى 1700 كيلو
...
-
-تلفزيون سوريا-: ظهور شقيق للرئيس أحمد الشرع علنا في السعودي
...
-
الرئيس البنمي يعلن إنهاء مشاركة بلاده في مبادرة الحزام والطر
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|