عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب
(Abderrahim Tourani)
الحوار المتمدن-العدد: 5454 - 2017 / 3 / 8 - 14:50
المحور:
الادب والفن
أراد سين أن يبيع نفسه، فلم يلق مساوما. صار في شارع خال مقفر حتى نهايته. التفت يمينا وشمالا، ثم رفع عينيه إلى الشرفات والنوافذ المغلقة. وضع نفسه برفق شديد على الرصيف الواطئ، وجرى مبتعدا.
ولج أول بار. طلب كأسا وأشعل سيجارة. راح يفكر في نفسه، ترى هل سيلتقطها أحد المارة وينقذها، أم سيكنسها غدا منظفو الشوارع، ويلقونها في شاحنة قمامة، كما حصل مع بائع سمك في الشمال؟
لم يعرف سين كيف اقترب من البارميت ميم، ولا كيف صارا نديمين. في لحظة وجيزة لخصت له كتاب حياتها، وحكى لها بعض صفحات من دفاتر أيامه، لكنه كان حريصا على إخفاء واقعة فشله في بيع نفسه واضطراره للتخلص منها في شارع مقفر.
لحظة غابت عنه البارميت لخدمة زبون جديد، ثم عادت مسرعة نحوه لما سمعت صيحته الملتاعة
- آآه.. أينك يا نفسي...؟
ردت عليه ميم مستنكرة باسمة متدلعة:
- يبدو أنك سكرت يا حبيبي.. ما أنا معك..!
- لكني ضيعت نفسي...
- أنا نفسك يا نفسي..
قدمت له كأسا آخر، وصبّتْ لها، ثم بدأت تدندن مقتربة من وجهه أغنية أم كلثوم "أنت عمري"..
انتظر سين حتى ساعة الإقفال، أخذ ميم من ذراعها ومضى بها في اتجاه سكنه بضاحية المدينة.
في الصباح لما نهض في وقت متأخر من النهار، كان سين وحيدا، من تحت عتبة الباب التقط فاتورة الكهرباء والماء والهاتف، ومعها ورقة غريبة مطوية، فتحها وقرأ:
"في المرة القادمة لما تفكر في رمي نفسك على قارعة الطريق.. لا تتركها تسكر معك، ولا تنصت لغنائها، ولا تأخذها معك إلى البيت، ولا تكسر خاطرها"...
(التوقيع: أنا).
فتح سين الباب وطرد قطة تموء من الجوع.
أطل من النافذة فرأى ميم تحاول ركوب سيارة أجرة.
نزل مسرعا للحاق بها على دراجته النارية.
لاحقا، بعد أيام، أخبرته ممرضة تشبه ميم، أن سيارة إسعاف التقطته ليلا، من على رصيف واطئ في شارع مقفر، وجاءت به إلى المستشفى لعلاج كسوره.
أخذ سين يحدق في وجه الممرضة متسائلا في سره:
- كيف؟ تعمل ممرضة في النهار، وبارميت في المساء، وفي آخر الليل كاسرة ضلوع؟!..
انتبهت الممرضة، ابتسمت وضحكت، وهي تبتعد قالت:
- لست أول واحد يختلط عليه أمري، فعلا اسمي ميم، لكني لست التي ظننتها.. أنصحك فكر قليلا في نفسك.
ظل سين صامتا، يتابع بعينيه الضيقتين جسد ميم وهي تتلوى مثل عارضة حتى آخر الممر الطويل.
بيروت
#عبد_الرحيم_التوراني (هاشتاغ)
Abderrahim_Tourani#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟