رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 5453 - 2017 / 3 / 7 - 22:20
المحور:
الادب والفن
التماهي مع الأم عند
طالب السكيني
بكل تأكيد للأم مكانة لا يمكن لأحد أن يحتلها، وهذه المكانة لا تحتاج إلى تعليل، فلكلا منا مملكته الخاصة، ولكلا منا مكانته عند أمه، فهي شيء خاص واستثنائي لنا، ورغم الحنان والعطاء والحب الذي تعطيه للآخرين، يبقى عطاءها لنا/لي أنا استثنائي، فأجد فيه خصوصية مطلقة.
النص الذي يقدمه لنا الكاتب "طالب السكيني" يؤكد العلاقة الحمية التي تجمعنا مع الأم، فهي تمنحنا عناصر الحنان والحب بحيث نجد أثرهما علينا من خلال الكلمات التي نستخدمها:
"يا الله
أمي الشَفيفةُ كَنسمَة
والبَريئةُ كَتلويحةُ طِفل لطائرة" فالأم هي من منحت الكاتب هذه اللغة، هذا التعبير، ومن دونها ما كانت لهذه اللغة الناعمة أن تكون، وبما أننا نتحدث عن كاتب، أهم وسيلة لديه هي الكلمة، فالأم تكون هي الملهمة للكلمات التي يكتبها، بمعنى لا وجود ككاتب له بدون الأم، لأنه سيفقد أدواته الابداعية.
إذا ما توقفنا عند كلمة "شفيفة" نجدها اشتقت من أرفع مكانة من كلمة "شفاف" بمعنى الرقيق الناعم الذي لا يحجب الأشياء بل يعطيها صورة أجمل من خلال الإثارة التي يتركها العنصر "الشفاف".
وقد تألق أيضا عندما وصفها بجملة " والبَريئةُ كَتلويحةُ طِفل لطائرة" فهي نقية وصافية تماما، وبياضها ناصع، فهي مطلقة ـ ايجابيا ـ في كل ما فيها، وأثرها/فعلها/عطاءها/خيرها يتماثل مع فعل الرب:
" فالقَليل مِنها كَثير كثير جداً وفيه بَركة ،
لأنها لا مُتناهية كَرحمتكَ لَم تُقدّر أن تَستردّها كُلها مَرة واحدة"
لكن ما سيحل بنا أن أصاب أمنا مكروه؟ بالتأكيد ستحل علينا كارثة، فنحن الذين تعودنا أن نأخذ منها كل الحب والحنان سنفتقدها ونفتقد عطاءها، يقدم لنا الكاتب أثر تعب الأم علينا بهذه الصور:
"
في البِدء أخذتَ نَظرُها فابتليتني بتَشييع الألوان
ثُم أخذتَ قَدمَيها فَتوقفتُ أنا عَن المَشي !
هي سِدرةُ البَيت التي تَعرفُ أسراري وأسماء عَصافيري
يا ألله كَم أحتاج من القُبور العَمودية لأدفن الكَثير مِنها ،
انا الطفلُ الصَغيرُ الصَغير ….
وأنا الرجُل الرجل فَقط إن عِشتُ بَعدها"
بهذا الشكل يتماهى الكاتب مع أمه، وكأنهما أصبحا جسدا واحدا وروحا واحدة، وهذا ما جعل الحب بين الكاتب وأمه حبا صوفيا خالصا.
الكاتب يقدم لنا نص أخر يؤكد المكانة الخاصة والاستثنائية التي تحتلها، فيقول عنها:
"
لا أتقاسم فرحتي الصغيرة مع أحد
فهي لا تكفي لأكثر من شخص
إلّا أمّي
لأنها دائما ما تطعمني حصتها"
وهنا أيضا يؤكد الكاتب حالة التوحد بينه وبين أمه، يعلل لنا سبب هذا التوحد معها، بمنطلق الطفل الصغير، منطلق الطفل البريء، وهذا ما جعلنا نحترم ونقبل بهذا التعليل.
"يا الله
أمي الشَفيفةُ كَنسمَة
والبَريئةُ كَتلويحةُ طِفل لطائرة
من أي رُزّ خَلقتَها !
فالقَليل مِنها كَثير كثير جداً وفيه بَركة ،
لأنها لا مُتناهية كَرحمتكَ لَم تُقدّر أن تَستردّها كُلها مَرة واحدة
في البِدء أخذتَ نَظرُها فابتليتني بتَشييع الألوان
ثُم أخذتَ قَدمَيها فَتوقفتُ أنا عَن المَشي !
هي سِدرةُ البَيت التي تَعرفُ أسراري وأسماء عَصافيري
يا ألله كَم أحتاج من القُبور العَمودية لأدفن الكَثير مِنها ،
انا الطفلُ الصَغيرُ الصَغير ….
وأنا الرجُل الرجل فَقط إن عِشتُ بَعدها"
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟