|
مرثية على جدران العروبة
عادل محمد - البحرين
الحوار المتمدن-العدد: 5452 - 2017 / 3 / 6 - 11:16
المحور:
الادب والفن
يوما كانت العروبة حجرا دارسا وأطلالا وجدرانا يعلق عليه الشعراء معلقاتهم في سوق عكاظ ، وحلما يتغزلون به في المربد ، وحالا من أحوال العشق في الحدائق السوريالية .. وكان العرب في الجاهلية يسمون يوم الجمعة بيوم العروبة .. يوم كانت العروبة عروسة سمراء يشبه وجهها الأبنوس وقد مرت بهودجها كإعصار ، تحمل الرايات في يدها اليمنى ، وتكتب باليسرى قصة الآتين بالنار ، ثم لم يبق من العروبة وأخواتها سوى دم ، ودموع ، وبقايا سور ، وقصائد عصماء معلقة على الجدران .
وترجلت الفرسان عن جيادها ، وتجردت السيوف عن أغمادها ، وتنازلت الرماح غير العوالي ، وتنافست المشيخات على الزعامات، واختلفت على الديات ، وتقاتلت العروبة وأخواتها ، بين عبس وذبيان ، وسال دم أبناء العمومة والخؤولة أربعين سنة في حرب البسوس ، وتقاتلت البطون والأفخاذ في القبيلة العربية الواحدة حتى قال قائل منهم لما طلبت حبيبته الأخذ بثأر أخيه : ( قومي همو قتلوا أميم أخي .... فإذا رميت يصيبني سهمي ) .. وتذكرت القربى يوسف الذي ألقاه أخوته في غيابة الجب ، وقالوا أكله الذئب ، ففاضت دموعها .
ويوما كان العرب ينجدون في تهامة ، ويتهمون في نجد ، ويعرقون في الشام ، ويشأمون في اليمامة ، ويتبغددون في المدينة المنورة ، ويتمدنون متنورين في بغداد ، يوم كان الفرات والنيل وبردى والليطاني ونهر الأردن متعانقين كالعشاق المعاميد ينبعون من القلب العربي ويصبون في القلب العربي . ووقفنا يوما مع شاعر العروبة سليمان العيسى ، منشدين : ( ناداهم البرق فاجتازوه وانهمروا ) وكانت قصيدته مثار اهتمامنا ونحن طلاب ، نالها الكثير من التأويل والشرح والإعراب .. وحفظنا عن ظهر قلب قصيدة عبدالله البردوني ( زحف العروبة ) ، وفيها يقول : ( فكأن صنعا في دمشق روابي .... وكأن مصر وسوريا في مأرب ) ، وانتسبنا إلى الشاعر القروي المهجري رشيد سليم الخوري ، وهو يشدو من غربته : ( بنت العروبة هيئي كفني ..... أنا عائد لأموت في وطني ) .. ولم أكن أعرف لحظتها لماذا لا تكون بلاد العروبة جديرة بالحياة بدلا من الأكفان ، وتزهو بأوطانها وأبنائها ، أم أن العروبة يتيمة ، فلا أم ، ولا أب ، ولا شقيق واحد لها ، ولا شقيقة ؟!. وأمسكنا نجوم السماء ، وكدنا نقطف الشمس والقمر معا ، وصفقنا بدفء العشق والشوق ، وتسمعنا على نبض القلب ، واحتفينا بنزار قباني ، وهو يلقي في بغداد قصيدته الميمية الرائعة ، التي مطلعها : ( أيقظتني بلقيس في هدأة الفجر .... وغنت من العراق مقاما ) ( قبل عصر التوحيد نحن اتحدنا .... وجعلنا راوه دمشق الشاما ) ، وتقاسمنا أوجاعه ، وهو يشكو ( أنا يا حبيبة متعب بعروبتي .... فهل العروبة لعنة وعقاب ) ؟!.
وكنا نقف في الصباحات الشتائية ننشد قصيدة فخري البارودي ( بلاد العرب أوطاني ) ومن أين إلى أين ( من الشام لبغدان ... ومن نجد إلى يمن ... إلى مصر فتطوان ) وكيف تكون الأوطان ملكنا ، وقد قطعوها مثل كعكة على حافات السكاكين في سايكس بيكو قطعا متناثرة .. فمـن المطالب والقتيـل القاتـل ؟. كان المحيط هادرا في يوم من الأيام ، وكان الخليج ثائرا ، وكانت أحلامنا فوارة ، وكنا شبابا حالمين نثور مع الخليج العربي ، ونغضب كلما تلاطمت أمواج المحيط .. فماذا جرى الآن للمحيط ؟ وماذا جرى الآن للخليج ؟ وماذا جرى لأحلامنا الفوارة ؟ ماذا جرى لنا ؟.
وجاء زمن استعنا بالغريب على أخينا وابن عمنا ، ( وأحيانا على بكر أخينا .... إذا ما لم نجد إلا أخانا ) ، واستبدلنا كتاب القومية العربية بكتب التربية الوطنية ، ثم ألغينا هذه الوطنية من ثقافتنا التربوية .. وكم كنا نقرأ لمفكري العروبة شبلي شميل ، وفرح انطون ، وانطون سعادة ، وساطع الحصري ، وغيرهم العشرات ، من الطهطاوي إلى محمد عبده ، إلى علي عبد الرازق ، والبساتنة ، وناصيف وإبراهيم اليازجي ، الذي أطلق إنذاره الشهير للأمة بقوله : ( تنبهوا واستفيقوا أيها العرب ..... فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب ) ولم تنتبه الأمة الى الذؤبان والخصيان والشطار والعيارين والمماليك والنوكى ، وظلت عروبتها تغفو على الضلال في عالم محنط الرجال .
ثم أصبح العربي يتلمس تذكرة السفر ، وتأشير الدخول إلى بلد عربي مجاور ، كما يتلمس رسالة غرام لم يفتحها بعد ، وينهض كالغزال الشارد ، وعيناه مفتوحتان على الحدود ، أما قلبه فيكاد من شدة عنفوانه أن يطير .. ولكن إلى أين ، وهو لن يجد من يستقبله ، أو ( طويل العمر ) الذي يقول له ( يا مرحبا ) ، ولا ذلك البدوي الذي يقدم له فنجان قهوة مرة ، وكل المدن العربية فنادق صالحة للمبيت ليلة واحدة .. أو ليلتين على الأكثر ؟!. فهل نقيم مأتمنا على روح عروبتنا ونتقبل التعازي ونقرأ سورة الفاتحة ، ونكتب في رثائها معلقتنا الأخيرة .. فربما إذا كتبنا نتطهر من الخطايا ؟!. بقلم رباح آل جعفر شبكة المنصور ---------- مقال للأستاذ " رباح آل جعفر " بصوت : فارس العبيدي ومونتاج https://www.youtube.com/watch?v=nEzGRlwC1_s
#عادل_محمد_-_البحرين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإخوان الشياطين.. طاعون المسلمين!
-
عصابة ولاية الفقيه وافتعال الأزمات!
-
الشيخ احمد جابر الصباح مع الحاج محمد علي زينل في الهند عام 1
...
-
نبارك للشعب السوري والإيراني على جائزة الأوسكار
-
استغلال الأطفال في القتال.. من الإمام الإيراني إلى شبه الإما
...
-
نظام عصابة ولاية الفقيه... التعذيب من السجون إلى المدارس!
-
الدكتور علي نوري زاده ويوسف عزيزي ضيفا برنامج بانورما
-
الكاتب البحريني د. عبدالله المدني ضيف برنامج -حديث الخليج-
-
التضليل الإعلامي... في مواقع التواصل الاجتماعي
-
الكاتب الروسي الكبير مكسيم غوركي
-
أكبر حدائق ورود في العالم في إمارة دبي وهولندا
-
اغتيال اردشير حسين پور.. عبقري صناعة الصواريخ في إيران
-
علاقات مشبوهة بين مغتصب الأطفال والمرشد خامنئي ونجله؟!
-
محنة العقل مع التراث الإسلامي
-
بيل كلينتون: يا ليت الشباب يعود يوماً!؟
-
التقليد الأعمى... من النقاب إلى السروال الممزق!؟
-
غجر البحر .. حياة كاملة على الماء
-
المعارضة الإيرانية: الحرس الثوري فجر مبنى پلاسكو!
-
نكتة السنة الجديدة: النبي محمد سيتزوج السيدة مريم في الجنة!؟
-
رفسنجاني وخامنئي وجهان لعملة واحدة!
المزيد.....
-
شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43
...
-
اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
-
ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران-
...
-
80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع
...
-
بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب
...
-
مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند
...
-
كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت
...
-
إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
-
هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف
...
-
كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|