أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - فيلم Elle سردية بصرية تخالف توقعات المُشاهدين















المزيد.....

فيلم Elle سردية بصرية تخالف توقعات المُشاهدين


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5451 - 2017 / 3 / 5 - 12:03
المحور: الادب والفن
    


لم يُحبِّذ المخرج الهولندي الأميركي بول فيرهوفن وضع فيلمه الجديد Elle ضمن خانة "الإثارة الإيروسية" لأنه يعتقد أن قصته السينمائية تدور ببساطة حول فكرة الاغتصاب التي تعاطى معها بطريقة غامضة تخالف توقعات المُشاهدين، فلقد اعتدنا أن تلاحق الضحية جلادها حتى تنتقم منه لكن المَجْني عليها في هذا الفيلم لا تريد الاقتصاص من الجاني، وإنما تلعب معه "لعبة القط والفأر" التي لا تنتهي، فثمة مطاردة مستمرة، واصطياد وشيك، وهروب متكرر الأمر الذي يضع المتلقين أمام مفاجآت لم يعهدوها من قبل. هذه التقنية ليست جديدة في أفلام فيرهوفن فقد سبق لنا أن شاهدناها في فيلم "كتاب أسود" الذي تتمحور قصته على مغنية يهودية تحاول أن تتجسس على أحد الضباط في المقر الإقليمي للغستابو لكنها تقع في حبه. ما يحدث في فيلم Elle أو "هي" يتنافى مع حدْس المُشاهد وتوقعاته حيث تتعرض ميشيل لوبلان "إيزابيل أوبّير" إلى الاغتصاب من قِبل رجل مقنّع يقضي وطره منها بطريقة وحشية ويغادر المنزل من دون أن يخلِّف أثرًا تاركًا إيّاها غارقة في الحيرة والذهول. هذه هي ثيمة الفيلم الأساسية، وهي ثيمة نمطية اعتدناها في عشرات، وربما مئات الأفلام حيث تسعى الضحية لاكتشاف الجاني كي ينال جزاءه العادل.
يستند فيلم Elle على رواية "أوه" للكاتب الأرميني الفرنسي فيليب جيان فيما أعدّ سيناريو الفيلم ديفيد بيركي الذي أضفى لمساته السينمائية على النص الروائي محوِّلاً إياه إلى نص بصري لا تجد الكاميرا صعوبة في تجسيده على شكل لقطات ومَشاهِد سلسة على الرغم من قساوة الثيمة، وعنف الشخصيات، ودموية الأحداث.
لاشكّ في أن الضحية تحاول أن تتعرف، مثلنا نحن المُشاهدين، على الجاني لكن الغريب أنها لم تتصرف كضحية فلقد نظّفت الزجاج الذي تكسّر في المنزل أثناء المداهمة، وذهبت إلى عملها في شركة ألعاب الفيديو، ولم تتصل بالبوليس وكأنّ شيئًا لم يكن!
تتكشف الوقائع والأحداث تباعًا فنعرف أن ميشيل منفصلة عن زوجها السابق ريتشارد وأن لديها علاقة حميمة مع روبرت، زوج آنا، صديقتها وشريكتها في العمل. وقد بدأت بعلاقة تبصصيّة جديدة مع جارها المصرفي باتريك "لوران لافيت" الذي يسكن في المنزل المواجه لمنزلها تماما. وأنّ أمها إيرين ليست أفضل حالاً منها فهي نرجسية جدًا ولديها علاقات حميمة مع رجال أصغر منها سنًا بكثير. أما ابنها فنسنت "جوناس بلوكيه" فهو مغفّل تخونه زوجته جوزي، وقد أنجبت منه طفلاً أسود البشرة يعتقد أنه نزل من صُلبه! بقي أن نشير إلى الأب لوبلان، الشخصية الأكثر وطأة على ميشيل، فهو قاتل متسلسل سبّب لها الكثير من المواقف المُحرجة وقلبَ حياتها رأسًا على عَقِب.
يبدو في هذا الفيلم أن غالبية النساء قويات، مهيمنات، ومتحررات من أسْر المؤسسة الزوجية، وأن معظم الرجال إمّعات، وتابعين إن لم يكونوا أذلاء يلبّون حاجة النساء وما تشتهيه أنفسهن ولكن ميشيل تظل ضعيفة إزاء الشخص المهاجم الذي لم نعرف هويته حتى هذه اللحظة. وحينما تتعرض لهجوم آخر وتشتبك مع المهاجم وتنجح في إزالة قناعه تكتشف أنّ مغتصِبها هو باتريك الذي أتيحت له غير مرة أن ينفرد بها في منزلها، ويوصد لها الشبابيك المفتوحة في أثناء العاصفة، ويكاد أن يقبِّلها ويضمها إلى صدره لكنها تنتبه إلى نفسها في اللحظات الأخيرة، وتضع حدًا لهذه النزوات المنفلتة.
وفي أثناء زيارتها لوالدها السجين الذي رفضت الشرطة إخلاء سبيله تكتشف أنه قد انتحر . وبينما هي في طريقها إلى المنزل تصطدم بأحد الغزلان وتخرج السيارة إلى جانب الطريق المُشجر ولم تتصل بالشرطة أيضًا وإنما اتصلت بصديقين كانت هواتفهما المحمولة مغلقة الأمر الذي يضطرها للاتصال بباتريك الذي سينتشلها من السيارة ويداوي جروحها البسيطة، ويبوح لها بالدافع الحقيقي الذي يحضّه على الاغتصاب فنفهم أن وراء هذا السلوك العدواني أسباب نفسية ينبغي أخذها بعين الاعتبار، فالتواصل الحميم مع أي إمرأة لا يحقق له اللذة ما لم يمرّ بعملية اغتصاب عنيفة فتتواطأ معه وتوافق على لعب دور الضحية رغم أنها ليست كذلك.
تتكشف خيوط اللعبة تباعًا في الحفل الذي أقامته الشركة لمناسبة إطلاق لعبة جديدة حيث تعترف ميشيل لـ "آنا" بأنها تمارس الحُب مع زوجها روبرت وتغادر المكان مع باتريك وتخبره بأنها تريد أن تتصل بالبوليس وتضع حدًا لهذه العلاقة الإشكالية ولكي تتقن تمثيل الدور فقد تركت بوابة المنزل مفتوحة في إشارة واضحة إلى استعدادها لأن تلعب دور الضحية من جديد لتحقق شيئين أساسيين وهي أن تنتقم من المغتصِب وأن تمنح ابنها العاجز فنسنت فرصة لأن يقوم بعمل بطولي واحد في حياته وينتصر على تبعيته وخذلانه المتواصلين.
لم تختلف نهاية الفيلم الدموية عن بدايته العنيفة حيث يموت باتريك على يد فنسنت الذي ضربه بهراوة على رأسه موقنًا بأنه قد أنقذ حياة أمه من جهة، ودافع عن شرفها الرفيع من الأذى من جهة أخرى، تاركًا للشرطة أن تحقق في تفاصيل الجريمة التي لعبت فيها ميشيل دور القط بينما أسندت لمغتصِبها دور الفأر الذي واجه، في خاتمة المطاف، مصيره المحتوم.
حينما ينجلي الغموض عن ثيمة الاغتصاب، وتنحل العُقدة التي نسج خيوطها البطلان باتريك وميشيل نفهم أننا إزاء "إثارة سايكولوجية" وأن الشخصيتين الرئيسيتين، في واقع الحال، مريضتان وبحاجة ماسة إلى علاج نفسي في الأقل، وأننا، كمشاهدين، نقف أمام كمٍ هائل من الشخصيات المضطربة، وغير السوية، بدءًا بالأب، القاتل المتسلسل الذي لوّث سمعه العائلة برمتها ثم مات منتحرًا، والأم النهمة التي لم تشبع هوَسَها الإيروسي من الرجال الشبان على الرغم من تقدّمها في السن وموتها لاحقًا بجلطة قلبية. لا تقل ميشيل اضطرابًا عن أبويها فهي نموذج مثالي للإثارة النفسية التي هيمنت على أحداث الفيلم وطبعته بطابعها السايكولوجي القلق الذي وضع المشاهدين في دائرة الحذر والترّقب والتشويق على مدى ساعتين وعشر دقائق بإيقاع متسارع لكنه يخلو من الرتابة والملل.
يعتقد النقّاد السينمائيون بأن أداء الفنانة إيزابيل أوبّير كان متميزًا جدًا إلى حدّ التفرد، وأن هذه التحفة السينمائية لن تكون كذلك لو جرّدناها من هذا الأداء الفني الذي تألقت فيه منذ بداية الفيلم حتى نهايته على الرغم من أنه فيلم عنيف، وقاسٍ، وملطخ بالدماء. تُرى، ما رسالة المخرج فيرهوفن؟ وما الذي أراد إيصاله إلى المتلقين بعيدًا عن مضامين الإثارة النفسية؟ هل أراد تعرية الطبقة الثرية، الميسورة الحال التي لا همّ لها سوى الفضائح، والاسترخاء في المطاعم والنوادي الليلية؟ أم أراد القول بأن المجتمع الفرنسي الراهن محاصر بمختلف عناصر الخوف والترويع والجريمة؟ لماذا يحطّ الفيلم من قدر الرجال والنساء معًا ولم نستمتع بمشاهدة شخصية طبيعية واحدة تذكِّر الإنسان بإنسانيته فقد تحول الجميع إلى مرضى يقيمون في مشفىً للأمراض النفسية؟ ثلاثة أجيال تغرق في الجرائم المروِّعة، والخيانات الزوجية المقيتة، والأمراض النفسية الخطيرة التي أشعرت المتلقين وكأنهم يعيشون في مصحّة موحشة.
تُعتبر إيزابيل أوبّير مرشَّحة قوية هذا العام لجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة على الرغم من أن هناك مُنافِسات كبيرات مثل ميريل ستريب، وإيما ستون، رُوث نيَغا، وناتالي بورتمان لكنها بشهادة النقّاد والمتلقين تستحق هذه الجائزة عن جدارة لما بذلته من جهد كبير أظهرها بهذه الطريقة المتألقة التي أبهرت الجميع. أما المخرج فيرهون فقد عرفناه في عدة أفلام مهمة أبرزها "البهجة التركية" 1973، و"روبوكوب" 1987، و "غريزة أساسية" 1992 وسواها من الأفلام التي رسّخت مكانته كمخرج عالمي كبير يفاجئ متلقيه دائمًا بأشياء جديدة سواء على مستوى التقنيات أو المقاربات الفنية التي لم يتطرّق إليها أحد من قبل.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيديل كاسترو: عدوّ أميركا اللدود
- النكهة المحليّة في قصص فاتحة مرشيد
- مانشستر على البحر: قوّة التقمّص وبراعة الأداء
- نساء في الظل يقوّضنَ جدران الفصل العنصري
- عفوية السرد وسلاسته في معارك الصحراء
- الحداثة: مقدمة قصيرة جدًا
- المصداقية والإبهار في فيلم مواقع مقدسة: البتراء
- الأدب الإنجليزي ومراحل تطوره عبر ستة عصور
- جيرنيكا: أيقونة الألم البشري
- جاذبية اللغة البصرية في فيلم يوم الملِك
- مُذكّرات صيّاد لتورغينيف: قرأها القيصر فألغى نظام القنانة في ...
- أنثولوجيا شعرية تدور في فلَك الأم
- المنحى العجائبي في رواية -ياقوت- لمريم مشتاوي
- الدَّادائية والسِّريالية: دعوة لتجاوز المتعة والتأثير في حيا ...
- البنية النفسية والثقافية في رواية عِشق لمريم مشتاوي
- جمالية اللغة البصرية في فيلم -بأقصى سرعة- لرينغر هوفل
- الشكل الفني الجديد في -جوهرة التَّعْكَر-
- إشكالات الحَبْكة في رواية سماء قريبة من بيتنا
- رحلة الفنان سعد علي من صندوق الدنيا إلى أبواب الفرج والمحبّة
- التشكيلي الهندي بُوبِن كاكار : إرضاء الجميع غاية لا تُدرَك


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - فيلم Elle سردية بصرية تخالف توقعات المُشاهدين