محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 5446 - 2017 / 2 / 28 - 01:50
المحور:
الادب والفن
لما لا .. !؟
الفصل الأول
2
مازالت تحدث نفسها وهي تتهادي مسرعة علي درجات السلم المتهالك في عمارة حديثة العهد بسكانها , ولكن تهالكت درجات السلم بسبب الجشع والطمع والأثرة والأنانية المفرطة لمالك العقار فقد مارس الغش في كل مكونات تلك العمارة , كما يمارس زوجها الغش والأثرة والأنانية في البنيان الأسري وكأنه يريد عن عمد هدم تلك المؤسسة الأسرية التي أرادت للحب والسكينة ان يكونا جناحين يرفران عليها , ولكنه كمالك العمارة وأشقي منه , ولا يهمه سوي الإرتفاع لأعلي وأعلي ليرتفع عدد الشقق التمليك أو السكنية بالإيجار الجديد محدد المدة , وكانت تهبط علي هذا السلم كمن تهبط روحه في جب عميق , فروحها صارت معلقة في ساقيها وتكاد تهبط إلي أصابع قدميها الواهنتان من الإحساس بالإختناق والشعور بالضياع في مجتمع صار لايؤمن إلا بالأقوياء والأثرياء , ولايعطي لمنظومة القيم الأخلاقية ثمة اهتمام , ويزدري القيم العقلية المبنية علي شرف العقل وكرامته ووعوده القاطعة في الصدق والنفاذ , فهذا صار لايهم في مواجهة النهامة والجشاعة للمال وتكدس الثروات الحرام , صارت تحدث نفسها وتتوالي العبرات ملتهبة وتحاول جاهدة أن تتخفي من هذه الدموع حتي لايراها أحد فيقطع عليها لذاذة الإحساس بالألم والشعور بالوجع المتوج بالحنين لأيام بل سنوات خلت من عمرها الغض البريء , أيام كانت طفلة في القرية وكانت تشعر أنها متميزة في النظافة للجسد والزي, والأخلاق الريفية البسيطة , فتتذكر الأب أيام فصل الربيع .. أيام أشجار التوت وهو يتسلق شجر التوت خد الجميل أو التوت الأحمر , ويفترشوا ملاءة علي الأرض فتتساقط فصوص التوت ويتم جمعها والتقاطها من الملاءة , وكانت زكريات شم النسيم المعبقة بروائح زهور البرتقال والليمون , وكأن الجو والطبيعة تحتفي بها وحدها , ولم لا ؟! . فهي عاشقة للطبيعة والكون والحياة , فكان شروق الشمس له معها حكايات , وحكايات , فكان شباك غرفتها في مواجهة الشروق مباشرة , كأن مهندس معماري من أيام الفراعنة قد صمم لها هذه الحجرة لتستقبل الشمس منذ ولادتها مع ولادة يوم جديد , وهي لاتنسي حكايا المغيب والغروب بألوان الشمس المختلطة التي تشكل لوحات متكررة ومختلفة في درجات الألوان ومتماوجة مع صفحة السماء فتستشعر النفس بالمغيب والفقد والوجع ودخول الليل مع الوحدة وجلب الزكريات بكافة ألوان طيفها الجميلة أو البائسة الحزينة , فيصير القلب مكلوم علي الدوام , فحتي هذه الزكريات الجميلة لاتترك إلا صدي للوجع والألم والإغتراب .. نعم الإغتراب : إغتراب الروح والنفس , واغتراب العقل , وفقدان الذات في متاهات من الأمنيات التي تتأبي علي مهجة الوجود , وترفض الحضور لتحل محل البؤس والشقاء بالفرح والسرور ..
بالأمس كنت بنت من الأبكار الأنقياء اللواتي تحيين علي الفطرة السوية السليمة البعيدة عن الغبش وتلونات الذات والنفس , غبش الحياة الملئي بالنفاقات والكذب والخداع والغش : حتي في الرؤية والتصور , لدرجة أنني أخشي من أحلامي .. أخشاها بالفعل , حتي لايتسربل الغش والكذب والنفاق إليها بسهولة وبلا إردة مني , وكأني صرت مريضة برهاب الخوف من الغش والنفاق وأمراض الحقد والحسد والغلول في أمور كثيرة في الحياة اليومية ..
مالذي أوصلني إلي تلك الحالة , ولماذا تزوجت هذا الإنسان !؟ ولماذا هذا بالذات , فقد تقدم لي الكثير والكثير من الناس , إلا أنني رفضتهم جميعاً .. هل لأنني خشيت من فوات قطار الزواج , والجلوس وحيدة علي محطة إنتظار قطار لم يجيء أبداً حسبما أتمني أو أهوي وأريد .. بالفعل قلت أريد .. فهذه مهزلة حقيقية , لقد قلت : أريد .. فهل حقاً أنا أريد ؟! ..
إذا كانت لدي إرادة فاعلة وناجزة , فلماذا وصلت بي الحياة إلي هذا المنحدر الزلق الخطير , معذرة : أنا لا أجيد صناعة الكراهية , ولا أريد أن تشغل حيز من كياني النفسي أو العقلي فتشغلني عن الحياة ومتعها اللانهائية , لأني أميل إلي السكون والسكينة والدعة والدلال وعشق الحياة , أحياناً كثيرة أمارس طقوس خاصة بي في الإستحمام وتسريحة الشعر , والفساتين التي تليق بالخروج في حفلات إجتماعية أو نوادي أو ندوات ثقافية , ولكني أصر علي أن أكون بكامل زي الخروج وانا في منزلي , وأتعطر وأتزين بكامل الزينة , وهذا ليس من أجل أحد علي الإطلاق , ولا من أجل زوجي , بل من أجلي أنا .. وأنا فقط , فأحياناً كثيرة يكون هذا الصنيع بمثابة مكافأة لروحي التي أجهدت وشقت في عمل من الأعمال وتكلل بالنجاح , دائماً لا أريد أن أكون رقم فقط , فأنا إنسانة تسكنها روح جميلة شفيفة جذابة , وهذه الروح تسكن ذاك الجسد , وأريد لجسدي لأن يكون نظيفاً جميلاً ورشيقاً وأكره أن يصاب بالتخمة والملل حتي لاتتأثر روحي بما يصيب جسدي , وهذه ثقافتي من جسدي ومع روحي , وهذه يكاد يفتقدها الكثير من الناس , حتي زوجي : ذلك الذي كان سبب شقوتي وتعاستي وآلام روحي التي صارت ساكنة بقلبي وتؤثر علي جسدي المكلل بالأوجاع والملل ..
معذرة : فأنا كذلك لا أجيد الحديث عن نفسي , بل لا أحبه , فهو من باب مدح الذات , وهذا أمر مذموم لايرتضيه الكثير من العقلاء , لأنني أحكم علي نفسي , فالأوجب أن اترك حكم الناس , حتي وان كان حكمهم عادلاً أو جائراً فهذا لايهمني كثيراً بالرغم من أني إمر أة تحب المدح وتكره الذم , إلا أنني تغلبت علي ذلك بيقين عقلي أخذ مني وقتاً طويلاً بعد معاناة طويلة من الناس وعاداتهم وأعرافهم وتقاليدهم البالية الرخيصة ..
وبالرغم من ذلك , فحياتي صارت في مهب أعاصير عاتية وليس لي دخل في حضورها , وروحي صارت بائسة مسكينة ومتعبة , تشبه سمكة خرجت من الماء منذ فترة وشارفت علي مقارفة الموت علي سطح رمال ساخنة ملتهبة تكاد تشوي وتلهب , تشوي مشاعري التي صارت مهترأة , وأحاسيسي التي باتت مختزلة في الرفض لهذا الشخص اللئيم الحقود , فليس بقلبه أي مشاعر أو أحاسيس تنبض بإنسانية الإنسان .. أواه .. ماذا أفعل ؟! .. إلي اين أذهب وتكون وجهتي ؟ّ .. أليس هناك أحد أتوجه إليه بأحزاني وهمومي وأبث إليه احزاني وفراغات ذاتي إلا من الضعف والوهن والخوف من مستقبل أراه مشئوم , مستقبل فظيع وأيما فظاعة أكاد أن أشاهدها , وكأنني أرمي بالغيب , ولكن هل بالفعل لايوجد لي أقارب ينتمون لي وأنتمي إليهم , نعم : مازلت أحمل إسم عائلتي , العائلة الكبيرة العدد والمنتشرة في الأرجاء , ولكن أين هم الأن ؟! وإلي أيهم اتوجه .. !؟ نعم نعم .. إلي عمي أتوجه وستكون قدماي في هذا الإتجاه , ولكن : زوجة عمي إمرأة لئيمة حقودة تشبه زوجي في اللئم والحقد والغيرة والحسد , إنها تمتلك قدر ومساحة من الأنانية تكفي حدود القرية وتفيض للقري المجاورة , وهذا بالرغم من أن عمي رجل لايمكن أن يقال في حقه وسيرته الإجتماعية إن كانت له سيرة , سوي أن يقال عنه أنه رجل طيب , فمسار حياته من البيت للعمل للمسجد , أو بالأحري والأصدق كما كان يصفه أحد أقاربي من ناحية أمي , وهو شخص مهزار لايعبأ بشيء أو لشيء في الحياة , فالحياة لديه وكأنها تسير علي هواه فقط , والغريب أنها تستجيب لأهواؤه ونزقه وترهاته ولاتخذله أبداً , وكأن القدر مستجيب له فيما يهواه ويرتضيه .. المهم : فقد وصف عمي بأنه " رجل عطلان " , فهو لايستطيع أن ينفع , ولا يقدر أن يضر , والنفع والضر وكأنهما لديه سواء بسواء , ولكن كما كانت تسميها جدتي لأبي : العقربة , وبالفعل وكأنها عقربة مملوءة بالسم الذي توزعه علي كل من تعرفه أو يتعرف عليها , فهي كارهة لنفسها ومحتقرة لروحها ولاتحب أحداً .. أواه . ثم أواه .. بالفعل لايمكن أن تنقلني قدماي بإتجاه عمي بالرغم من أن أبناؤه طيبون ويتشابهون كثيراً معه , إلا أن أمهم مازالت هي العقبة الكؤود ..
استمرت في تدابير المصادمات النفسية والعقلية التي تراوحها , وكأن بينها وبين الجنون مسافة كلمة واحدة أو بالأحري كلمتان , لدرجة أنها باتت تحدث نفسها بصوت مسموع يستطيع من بقربها سماع هذا الصوت :
ماذا صنعت ياربي لكي يكون هذا مصيري وهذه حالتي ؟ ! .. يارب أرجوك أجبني بصدق بصدق بصدق , فقد ألمت بي الحيرة وارتابتني الظنون وصادقتني الشكوك في كل الأشياء وفي كل القيم والمعاني , حتي في كل المقدسات في السماء أو في الأرض , فماذا صنعت لكي اصير مشتتة العقل والبال وتصير حياتي تعيسة وكأنها سجن يسعني في أي مكان أتواجد به أو أرحل إليه , فلن أذهب لأمي ولن أطيق أن أحملها همومي وأحزاني , فالمرض اللعين أنهكها وخاصة إلتهاب الأعصاب , وهي ليس لديها طاقة لكي تصرفها في الغضب لأجلي , ولن أذهب لإحدي شقيقاتي المتزوجات , فهذا في العرف يجعلني أنتظر نعوت وأوصاف وضرب الأمثال الشعبية التي لاتليق بي وبأخلاقي من رجال ونساء ليس لهم نصيب من الحياة سوي القيل والقال لدرجة يصح وصفهم بأنها مرضي التقول اللا إرادي , وخالي لن يكون مسعي لأذهب إليه فزوجة خالي لاتختلف كثيراً عن زوجة عمي , إلا أن خالي لديه شكيمة وعزم , ولكن هذه الشكيمة وذاك العزم يكون مصيرهما سلة المهملات بعد فترة وجيزة من شد أنياب زوجة خالي وتكشيرة وجهها التي تحيلها إلي رسم كاريكاتوري من رسوم الفنان رخا ..
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟