بشير الوندي
الحوار المتمدن-العدد: 5446 - 2017 / 2 / 28 - 01:48
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مباحث في الاستخبارات (57)
التجسس من الجو
بشير الوندي
========
مدخل
========
تعتبر التكنلوجيا الجيل الخامس من الحروب , وبتطورها السريع اصبح النصر مرهون بمن يمتلك التكنلوجيا , ومن تلك التقنيات الهامة منظومات التجسس الجوية , حيث تعتبر عملية المسح الجوي والتصوير والتشويش والتنصت وكل المجهود الفني من خلال المحطات الجوية عمل روتيني لدوائر الاستخبارات.
وتعد المحطات الجوية محطات فنية استخبارية متكاملة كالطائرات والاقمار بكل انواعها والمناطيد والصواريخ والطائرات بدون طيار
ويقسم الجهد الفني الجوي الى قسمين :
1- الجهد الرقمي : وهو مايخص التصوير الجوي والجغرافيا .
2-الجهد الالكتروني : ويشمل كل ماتقوم به الاقمار الصناعية وطائرات التجسس .
واستطاع الذراع الفني ان يتطور بشكل سريع بسبب تطور التكنلوجيا واخذ يحدث جميع الياته وامكاناته ومنها التجسس من الجو واعتماد الطائرات اوالاقمار الصناعية الامر الذي وفر الكثير من النتاجات الاستخبارية كالتصوير والتنصت والتجسس والتشويش والتدمير والمسح وغيرها, ومكنت الصور الجوية الاستخبارات من الكشف عن اية متغيرات حتى بحجم ظرف فارغ لعلبة معلبات.
كما وفر التصوير الجوي اقتصادا كبيرا في الجهد بلا اية مغامرات او خسائر, واصبحت الاستخبارات تمتلك مدارج واسراباً من الطائرات للقيام بعملياتها.
ويدخل التصوير الجوي في مجالات متعددة , ولكن الاعم الاغلب هي استخدامات استخبارية وامنية وعسكرية , ليستخدم اثناء المعركة وتثبيت الاحداثيات وكشف جبهة العدو وملاحظه الدبابات والمدفعية والاليات والمواضع, وسريعا اخذت مكان الراصد في الجبهة.
وبرغم التطور الهائل في مجال التجسس الفني من الجو , ولكن بعض المتخصصين يقولون : ان ضابط استخبارات محلق في الجو يعتبر كنزاً بشرياً.
=============
فذلكة تاريخية
=============
لقد ابتدأ التصوير الجوي منذ عام 1858 من خلال منطاد في فرنسا , اما الاستخدام العسكري فكان عام 1911 إبّان الحرب العالمية الاولى.
اما أولى برامج التجسس والتصوير الفوتوغرافي من الفضاء فكانت عام 1960 في مشروع كورونا الامريكي , حيث تم إطلاق أكثر من 100 قمر صناعي للتجسس على الإتحاد السوفيتي .
وكانت الأقمار الصناعية الأولى تدور في المدار القطبي للأرض في مسارات محددة وتلتقط صورا للأرض من أماكن محددة ثم تقوم بإرسال الفيلم إلى الأرض بواسطة كبسولة يقذفها القمر الصناعي إلى الأرض ويتم إلتقاطها لتحميضها والحصول على المعلومات التي فيها.
وتطورت تقنيات التجسس بشكل كبير للغاية في العقود الأخيرة , وأصبحت لأقمار التجسس الحديثة إمكانيات كبيرة حيث تتمكن من إلتقاط الصور والبث الحي والمباشر وإرسالها مباشرة لأي مركز تحكم أرضي في ثوان معدودة.
وصار من الممكن اخفاء تحركات الاقمار الصناعية المعادية لتبدو وكأنها مخلفات تسبح في الفضاء , وهو الامر الذي رصدته قيادة الفضاء الروسية عام 2015لأقمار تتجسس عليها.
وقد انشأت الجيوش وحدات خاصة مكلفة بالاستطلاع الجوي والاستخبارات الجوية تنطلق من القواعد وحاملات الطائرات والاقمار الصناعية.
واصبحت طائرات التجسس تبحث عن كل الثكنات ومنصات الصواريخ والمعامل العسكرية والمعسكرات وحركة المعدات واصبح ماهو في عمق خطوط العدو مكشوف اكثر من خطوط العدو.
ومن الحوادث الجوية الشهيرة حادثة طائرة التجسس الأمريكية يو-2 عام 1960 حيث تم اسقاطها اثناء تجسسها فوق الاراضي السوفيتية واعتقل طيارها ، وقد تسبب بعد ذلك في توتر العلاقات الأمريكية السوفيتية , حيث نجحت الدفاعات السوفيتية في إسقاط الطائرة واعتقال طيارها وأطلق سراحه بعد اتفاقية تبادل الجواسيس بين البلدين , ليكون بداية الاعلان عن التجسس الجوي في العمل الاستخباري.
=================
اهمية التجسس الجوي
=================
ان تطور الجهد الاستخباري من الجو كان لعدة اسباب منها سهولة اختراق اجواء العدو وتقليص الخسائر البشرية وحيوية الصور الجوية وسرعة وصولها الى مركز التحليل ووصولها الى عمق اراضي العدو وامكانية القيام بعدة اعمال في آن واحد كالتصوير والتشويش والتنصت والاختراق والاغتيال وغيرها.
ان امكانية التجسس من الجو تقصر الوقت الزمني بشكل كبير فبمجرد اطلاق طائرة تستطيع التموضع فوق الهدف بوقت قياسي, ومن هنا اصبحت هذه الاسلحة من ضرورات القتال لاستهداف الاهداف النقطوية وتقليل حجم التدمير فهي ذكية واقتصادية وتحارب بعين مفتوحة.
======================
الوسائل التكنولوجية الاستخبارية
======================
1- الأقمار الصناعية:
وهو من اشهر وآمن طرق التجسس الجوي الذي يتيح امكانات ومعلومات تجسسية لاحصر لها من خلال التصوير الجوي .
ولعل أشهر موقع في العالم للخرائط الفضائية هو “جوجل مابس” بدأ في الأساس عندما أستحوذت شركة جووجل على شركة “كي هول Key Hole” والتي كان لديها أرشيف ضخم من الصور الأرضية من الأقمار الصناعية السرية وأهمها “KH-11 Kennan” الذي يعتقد أنه أستخدم لمراقبة منزل أسامة بن لادن .
وقد تنبهت الدول المتقدمة الى تلك الاداة الخطيرة , ويكفي ان نرى التوجه الاسرائيلي المحموم لتلك التكنلوجيا لادراك اهميتها , حيث تمتلك اسرائيل عشرات الاقمار الصناعية التخصصية مما يتيح لها استشعار دبيب النملة من حولها.
2- الطائرات بدون طيار:
اشتهرت الطائرات بدون طيار لخفة وزنها وقدرتها على المناورة فمنها ما هو مخصص للعمل الاستخباري والجمع المعلوماتي فقط، ومنها ما يمكن استخدامه في عمليات القصف وضرب أهداف، بالإضافة لاستخداماتها في مجال الجمع والاستطلاع والتصوير والحقت بها في السنوات الاخيرة التسليح الذي مكنها من تنفيذ الاغتيالات دون التخوف من اية اصابات لانها بلا طيارين ومن تلك الطائرات المتطورة طائرة استطلاع الاسرائيلية “هرمس 900″، أو “الكوكب” والتي لازالت امكاناتها وقدراتها طي الكتمان ولكن يعتقد انها سوف تؤدي إلى ثورة في عالم وسائل الطيران غير المأهولة .
كما تم تطوير خنفساء طائرة وجراد طائر وطيور صغيرة , وكلها تحمل كاميرات شديدة الدقة للدخول داخل البيوت وبين الازقة ورصد الاهداف .
3- الرادارات :
كما تطور التجسس من الاعلى للاسفل (من السماء للارض) فقد تطورت الرادارات (كتجسس من الاسفل الى الاعلى) كنظام يستخدم موجات كهرومغناطيسية لرصد بعد وارتفاع واتجاه وسرعة الأجسام الثابتة والمتحركة كالطائرات، والسفن، والعربات، وحالة الطقس، وشكل التضاريس .
ويستخدم الرادار في مجالات عديدة كالأرصاد الجويّة لمعرفة موعد هطول الأمطار والمراقبة الجوية، ومن قبل شرطة المرور لكشف السرعة الزائدة، وأخيرًا والأهم استخدامه بالمجال العسكري.
ان ابرز الدفاعات الالكترونية حاليا عند الدول هي التغطية الرادارية وحماية الاجواء من تسلل العدو , وتعتبر الرادارات المنظومة الدفاعية الاهم عن الاجواء وحمايتها وهي من ابرز الجهود الفنية المكافحة , وهي لاتختص بالاستخبارات فقط .
فهي موجودة في المطارات المدنية والعسكرية والمواني ومراكز الارسال ومراكز الدفاع الجوي , لكن تذهب الدول لعملية تنسيق بين جميع منظومات الرادار وتوحيدها لتكون مظلة دفاعية عن كل الاجواء.
4- التجسس على الهواتف النقالة ومواقع التواصل الاجتماعي:
وقد تطرقنا في الحلقة السابقة من هذه السلسلة الى هذا النوع من التجسس (انظر التجسس الالكتروني الحلقة 56) .
لقد كان الاعتقاد الشائع عند انتشار الهواتف النقالة الخلوية بعد عام 1990م أنه يستحيل مراقبتها والتنصت عليها؛ ولكن احدى الشركات الألمانية استطاعت تطوير نظام أطلقت عليه اسم “Tmsl Catcher” مكنها من التغلب على تلك الصعوبة، واصطياد جميع الإشارات الصادرة عن هذه الهواتف، وقلبها إلى كلمات مسموعة، ولم تكتفِ المخابرات الألمانية في حينه من اختراق المكالمات ؛ بل توصلت إلى معرفة مكان المتحدثين أيضًا، كما طورت جهازًا الكترونيًّا تستطيع بواسطته استخدام الميكروفون الموجود في الهاتف النقال؛ لكي ينقل جميع الأصوات والمحادثات الجارية، وسرعان ما انتقل هذا النظام الالكتروني إلى وكالة “NSA” الأمريكية، وغالبًا إلى وحدة “8200” الإسرائيلية، وكان هذا التقدم المذهل سببًا في اغتيال عدد من القيادات العسكرية الفلسطينية كالشهيد يحيى عياش، والرنتيسي, كما وقع “أوجلان” في الخطأ القاتل نفسه عندما قام بالاتصال بمؤتمر الأكراد في أوروبا؛ حيث تم تحديد مكانه واعتقاله.
ولعدم قدرة أجهزة الاستخبارات في العالم على التجسس على ملايين المكالمات الواردة على مقاسم الاعتراض والالتقاط، تم تصميم برامج تجسس حديثة تقوم على فلترة بلايين المكالمات، وتحديد بعض الأرقام الخاصة للرصد، أو من خلال بصمة الصوت، أو من خلال وضع كلمات مفتاحية يتم التقاط أي مكالمة تذكر فيها هذه الكلمات، ومن هذه الانظمة نظام “ايشلون”، ونظام “ناروس”، ونظام “بريزم” الذي يتم تنزيله على أنظمة الشركات؛ ليقدم لها وصولًا مباشرًا إلى الخوادم المركزية لمواقع، منها: “غوغل” و”فيسبوك” و”آبل” و”ياهو” و”إيه أو أل” و”سكايب” و”يوت, وهو مايعرف بالسايبر واصبح الاختراق اكثر سهولة مع اجهزة الجيل الثالث من النقال .
=================
انواع طائرات التجسس
=================
تتنوع طائرات التجسس والاستطلاع بشكل وانواع واحجام ومهام مختلفة , فمنها طائرات تجسس واستطلاع جبهوي قريب ضمن نطاق منطقة محددة او منطقة قتال وقد تكون بطيار او بدون طيار , وطائرات تجسس استراتيجية تقوم بمجموعة مهام تجسسية وهجومية منها الاختراق والتشويش وقطع الاتصال وايضا التصوير والمسح الجوي كما في طائرات الانذار المبكر الاواكس وهي عبارة عن مجموعة رادارات طائرة.
وبالعموم تقسم طائرات التجسس الجوي من حيث المهام الى :
1- طائرات استطلاع : ضمن نطاق محدد واغلبها بدون طيار وتستخدم لمنطقة او جبهة عسكرية.
2- طائرات تجسس :غالباً ما تكون بطيار وتقوم بعده مهام (تصوير . مراقبة . تشويش . قطع اتصال و...)وتستخدم للعمق المعادي , وتتميز طائرات العمق بانها تحلق بارتفاعات عالية وسرعة كبيره جدا ويحتاج كشفها لرادرات ضمن موجات كبيره مما يجعلها كالشبح غير مكشوفة للرادارت العادية.
3- طائرات انذار مبكر . وهي طائرات عملاقة تكون كرادار او مجموعة رادارات طائرة ومثالها الاواكس وهي تعديل الطائرة بوينج 707 التجارية التي تتميز بالصحن الهوائي المثبت على سطحها . والذي يمكنها من اكتشاف وتتبع للطائرات الأخرى ضمن مساحة 175 ميل , وتستطيع الكشف عن الطائرات المخفية عن الرادار الأرضي , وتعتبر “معيار العالم لأنظمة الإنذار المبكر المحمولة جوا .”
4- طائرات استشعار .. لكشف الغواصات وباطن الارض.
ان اغلب الطائرات يمكن ان تحمل منظومة تصوير معها كالطائرات المقاتلة والاعتراضية او الهجومية او القاصفات او المروحيات وطائرات النقل وحتى الطيران المدني.
===================
التجسس الجوي في العراق
===================
لم يهتم العراق بالمجال الاستخباري الجوي, ولو كانت لدينا طائرات تجسس او تصوير جوي , لأمكننا مبكراً ان نشاهد حركة ارتال داعش في الاراضي السورية ونراقبها قبل الانهيار ولاطلعنا على حجم التهديد وتمكنا من توجيه ضربات استباقية في العمق السوري بدل الانتظار وتلقي الصدمة الكارثية.
لقد تم شراء عشرات الطائرات غير الضرورية باسعار مبالغ فيها, ولاتزال جاثمة في قواعد القوة الجوية واغلبها طائرات تدريب , فلو كان هنالك تخطيط لاشترينا بدلاً منها طائرتي استطلاع او تصوير جوي , اولقمنا على الاقل بتحوير طائرات التدريب باشراف الاستخبارات لتكون قادرة على التصوير .
فحتى بعد الانهيار , لم تبادر الاستخبارات الى استخدام الجو لتغطية نقص الاستخبارات عن العدو , رغم ضعف قابليات داعش في الدفاعات الجوية , بينما ادركت داعش نقصها فحورت بعض الطائرات الصغيرة وسلحتها كطائرات مفخخة تهاجم بها قطعاتنا.
ولقد تم العثور على معمل تصنيع الطائرات المسيرة لدى داعش في الفلوجه والانبار وتكريت واخيرا في الساحل الايسر من مدينة الموصل , فكيف تستطيع داعش ان تفعل مالاتستطيعه استخباراتنا؟؟.
ان ضعف المعلومات وعدم رصد حركة ارتال داعش جويا اضاع الكثير من المعالجات للاهداف , فلا الدولة تنبهت ولا الاستخبارات ارادت لانها في الحقيقة غير خاضعة لجهات رقابية صارمة, لذا لا يوجد دافع لها لتطوير قدراتها .
ولو توفرت لحقنت الكثير من الدماء الزكية ولحفظت حدودنا بكفاءة , فالكثير من الدول تحرس حدودها بطائرات مسيرة واساليب تقنية بدل انتشار الاف الجنود, فبرغم ضرورة وجود حرس الحدود , الا ان عدم توفر امكانيات التكنلوجيا يقلل من الكفاءة والرصد.
فلو كانت لدينا طائرات استطلاع في سماء بغداد في الاعوام الماضية لكان لها ان تحد من عمليات زرع العبوات وحركة الارهاب داخل بغداد وتخيف الارهابيين وتعالج فورا اية عملية زرع عبوات على الطرقات والتي راح ضحيتها الآلاف من المواطنين , وهو امر يسير في حال توافر الارادة , فكلفة طائرة f16 واحدة تعادل 1000 طائرة بدون طيار مع جميع معداتها .
فعلى سبيل المثال ,طريق محمد القاسم عرف بطريق الموت والاغتيالات والعبوات في بغداد قبل سنوات , كان بالامكان حراسته بطائرات مسيرة معالجة للاهداف تمنع اي ارهابي من زرع عبوة وتطارد اي ارهابي يرتكب جريمة ويهرب في البساتين.
ان من المفارقات المحزنة , ان وزارة الداخلية العراقية قد تكون اكبر وزارة في العالم من حيث المهام , فلديها مهام شرطوية وامنية وعسكرية واستخبارية وحماية وحراسة , ولكنها لا تمتلك اية مروحية او طائرة مسيرة الى اليوم رغم الميزانيات الضخمة التي صرفت لها وهو امر محزن للغاية ولابد من الاسراع بمعالجة هذا النقص الخطير.
ان العراق ساحة لمقاتلة الارهاب , الذي يعمل دوماً ضمن مجاميع صغيرة ويتخفى (حتى في حالة الارهاب العلني الظاهر فهو يستتر بين الناس) لذا كان لابد من التسلح بالتكنلوجيا الدقيقة, وهذا لا يتوفر بغير الطائرات المسيرة المسلحة ذات الكاميرات القوية .
=========
خلاصة
=========
ان الاستخبار الدقيق عن الاهداف والعدو يوفر الكثير من الجهد العسكري , ويكون عامل اقتصاد في القوة والجهد والعتاد والطلعات الجوية والصواريخ ويحقق الغاية في تحقيق الامن وهو امر لايمكن تعزيزه بلا استشعار تحركات العدو التي تتحقق من خلال التجسس الجوي , والله الموفق.
#بشير_الوندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟