|
الاقتصاد السياسي للأراب ايدول
ناجح شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 5445 - 2017 / 2 / 27 - 13:25
المحور:
الادب والفن
الاقتصاد السياسي "للأراب آيدول" ناجح شاهين
نود أن نخبر من لا يعرف من أبناء جلدتنا أن برنامج "أراب آيدول" هو نسخة من البرنامج الأمريكي "أميركان آيدول" الذي انطلق في العام 2002 ووصل القمة في العام 2007 مع مشاهدات بعشرات الملايين جعلت "فوكس" في طليعة القنوات الناجحة، ثم بدأ في الهبوط التدريجي حتى اضطرت "فوكس" منتصف العام الماضي إلى التوقف عن إنتاجه نهائياً. بالطبع هناك برنامج أمريكي شهير آخر هو برنامج "من يريد أن يصبح مليونيراً" who wants to be a millionaire. كلا البرنامجين حققا أرباحاً مذهلة للقناة المنتجة، وكذلك لشركات الاتصالات المستفيدة من التصويت الهاتفي أو التصويت بالرسائل المكتوبة. ام بي سي بالطبع قناة تلهث وراء النموذج الأمريكي، وذلك شأن يجب أن يدهشنا قليلاً، فقط قليلاً: قناة سعودية "تتفنن" عبر باقتها في تقديم ما "لذ وطاب" من المشهيات الجنسية والعاطفية الهندية والأمريكية..الخ المصحوبة ببيع "الوهم" بالنجاح/الخلاص الفردي عن طريق الفوز ببطولة "معبود العرب" أو بمليون من ملايين "من سيربح المليون" أو بمليون من ملايين "حلم". يظل العنصر الاقتصادي/الطبقي هو جوهر الموضوع كله عندما يدور الحديث عن الولايات المتحدة وأوروبا وما لف لفها، لكن الحديث يكتسب نكهات أخرى عندما يدور الحديث عن فلسطين أو سوريا أو اليمن أو أي مكان في هذا الوطن المنهوب الممتد من المحيط إلى الخليج. هنا تدخل السياسة من أوسع أبوابها، على الرغم من أننا لا نقصد بالطبع أن السياسة تغيب في شمال العالم الرأسمالي. في الحالة العربية والفلسطينية هناك تطبيع رهيب لشرائح السكان المختلفة، تطبيع وتخدير مذهلين. لكن ألا يحق لنا أن نفرح؟ وهل من واجبنا أن نحبط الشباب الموهوبين بانتظار تحرير فلسطين واستقرار سوريا وخروج الاستعمار والتئام الجراح النازفة؟ بالطبع لا. فلسفة "جحا" لا تستدعي ذلك، ويمكن لقسم من المواطنين أن يموت مثلما يحلو له، بينما قسم آخر يعيش حياة "طبيعية"، كأن فلسطين غير مهددة بالتفريغ النهائي، أو كأن أرض العرب لا يتم تقطيع شرايينها بشراً وتراباً في كل لحظة. ثم "ماذا سأغير إن مارست "النكد" وقاطعت الفرح" الذي توزعه ام بي سي والسعودية بسعر باهظ من المحيط إلى الخليج؟ ماذا سيتغير في واقع المنطقة/فلسطين السياسي او الاقتصادي أو الصحي أو التعليمي؟ لا شيء، لا شيء، إذن دعوني "أفرح". نرغب في التبسيط حد الفجاجة: ترى لو تم إرسال رسائل عددها ربع عدد الرسائل المرسلة من أجل "أبطال النينجا" عفواً أبطال "أراب ايدول" ترفض العنف الموجه للمرأة أو التلاميذ في المدارس أو الاحتلال الصهيوني أو مواقف ترامب من ذلك الاحتلال، هل تؤثر في الواقع أم لا؟ بالطبع تؤثر. ببساطة سيصاب وزير التعليم بالصدمة التي ستحل أيضاً بالجهاز التعليمي كله لو تلقى نصف مليون رسالة تحتج على العنف. وسوف يشرع الجميع فوراً في التفكير الجدي في مواجهة المشكلة. لكننا نعرف أمهات وآباء يسحق أبناؤهم في مدارس الخليل والتعامرة وقلقيلية ونابلس وصولاً إلى رام الله، يتسولون التعاطف، لكن أحداً لا يجاملهم بابتسامة. إن العنف الذي يتعرض له الصغير هو شأنه أو شأن أهله، أما بطل أراب آيدول فهو المسألة الوطنية بامتياز. هنا فقط يتم "تفريغ" المشاعر الوطنية، ويتم تحقيق الرضا الوطني الذاتي عن طريق المشاركة في "النضال" من أجل "انتصار" فلسطين. ليس من داع بالطبع لكي نفكر في "العدو" الذي انتصرت عليه فلسطين، أو ماهية الانتصار المزعوم. المهم أن نصراً قد تحقق لفلسطين الجائعة للانتصارات. وإذا لم يكن هناك طريقة لانتصار فلسطيني سياسي يستعيد الوطن، أو حتى يعد بحماية النتف المتبقية منه، فإن "أراب آيدول" وبطولة المعلمة الأولى، والتلميذ الأكثر عبقرية، وانتصارات "الفدائي" يمكن أن تقدم لنا تعويضاً مناسباً عن خيباتنا. وهو أمر مفيد لرجل السياسة والاقتصاد. ولا تنسوا الفوائد الجمة التي تجنيها شركات الاتصالات التي تشكل عمود الرأسمالية المحلية. فكرنا أثناء هليلة "محمد عساف" أن ما حدث هو أمر استثنائي يعبر عن عطش مكبوت لأي إنجاز واقعي أو وهمي. ومثلما يعلم القارئات والقراء الكرام، فإن فلسطين من أصغر الأقطار العربية مساحة وسكاناً، ولكننا مع ذلك صوتنا مثلما هو واضح أكثر من مصر وأكثر من المغرب أو اليمن...الخ وهذا يعني ببساطة أن مشاركتنا في التصويت ومتابعتنا ل "بطلنا/أبطالنا" لا ينافسها شعب عربي آخر. وبالطبع يصعب تفسير ذلك دون التفكير في أن انتصار آراب ايدول يحل محل الانتصارات في الواقع السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي المعاش. لنتذكر أن "فوكس" قررت إنهاء البرنامج لأنه لم يعد يستقطب مشاهدين. ولذلك فإن المواطن الأمريكي المشهور بالسذاجة يثبت أنه أقل سذاجة من نظيره في البلاد العربية وفي فلسطين خاصة. ومن نافلة القول إن أي سياسي أمريكي لا يمكن أن يقبل بالتصاق اسمه بمسابقة غنائية حتى لو كان ريغان الجاهل أو بوش التافه أو ترامب المعتوه. حقق "أميركان ايدول" ربحاً مقداره 900 مليون دولار من الإعلانات فقط في العام 2004 وأكثر من ذلك فيما تلاه من أعوام النجاح. وقد تلقى رعاية من شركات معروفة للجمهور العربي بوصفها مجموعة من أهم قلاع الرأسمالية والصهيونية ومنها كوكا كولا وسيارات فورد وشركة الاتصالات العملاقة ائي تي اند تي. للأسف ليس في حوزتنا أية أرقام للعوائد المتحصلة ل ام بي سي أو شركات الاتصالات من "مولد" أراب ايدول. لكننا نتوقع أن تكون بمئات الملايين أو أكثر. لسنا نخترع العجلة من جديد إن أكدنا هنا أن برامج "آيدول" وقريباتها تهدف إلى تزييف الوعي وإشغاله عن مواجهة الحياة الفعلية، مثلما تهدف إلى تحقيق الربح بوصفها أعمالاً استثمارية مربحة على نحو مذهل. لكننا نضيف هنا أن الحالة الفلسطينية العربية "تتمتع" بعنصر إضافي يتمثل في دور هذه البرامج في التأثير السلبي في السياسة عن طريق إبعاد الناس عن الانخراط في هم السياسة الفعلية، وكذلك عن طريق إرضائهم بأوهام انتصارات "وطنية/إقليمية". وقد لاحظنا بحزن شديد أن جزءاً من "المناضلين الفلسطينيين المسلمين" لم يسعده فوز/انتصار يعقوب لأنه مسيحي، فقد خسر المسلمون على ما يبدو المعركة. وهذا التعصب الداعشي الأحمق يضيء زاوية أخرى من زوايا الآلية التي تحققها برامج ام بي سي الذائعة الصيت. الآم بي سي لا توفر وسيلة للربح عن طريق المتاجرة بالقضية الفلسطينية أو آلام السوريين أو اليمنيين، بل إنها تضرب في تلك المتاجرة عصفورين مهمين في ان واحد: زيادة الأرباح، وتعميق المنافسة الإقليمية الشرسة، ونشر الثقافة الأمريكية بطبعة فجة بما يخدم مصالح النخب النفطية، ومن يتبنى قيم الاستهلاك والتبعية عوضاً عن الإنتاج والمقاومة.
#ناجح_شاهين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبدالوهاب البياتي واراب ايدول
-
أراب آيدول، والسيدة التي تلقي النفايات من سيارتها
-
التعليم: المسافة بين الوعظ والممارسة
-
أوقفوا العنف والتلقين في المدارس
-
معنى كلمة يتبولون
-
جنون الكون في حمالة الصدر
-
استشهاد جندي اماراتي في اليمن
-
الأيديولوجيا والهوية
-
أفكار حول الفرق بين العلم والتعليم
-
لو صرت وزيراً
-
التقارب الأرثوذكسي السني
-
انقاذ اللغة العربية وأمة العرب
-
محو التفكير في المدارس
-
افيغدور ليبرمان وجرائم النظام السوري في حلب
-
أردوغان وأوباما وداعش: نهاية شهر العسل؟
-
المرأة في عيون الذكر العربي
-
أمريكا ملاك الموت
-
معركة حلب بين البطولة السورية والنفاق الأمريكي/الأوروبي
-
التنمية تحت الاحتلال
-
دي ميستورا السني وجورج بوش الشيعي
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|