تراث
للمرأة نصف المجتمع
كان المجلس القومي للمرأة ثمرة طيبة للتفاعل المصري نهوضاً بالمرأة من حالة توقفت تقريباً بداياتها التي ارتبطت بالنهضة الوطنية كثمرة لتفاعل الإشعاع الفرنسي والنظرة المستنيرة للدين التي حمل لوائها رائد النهضة الحديثة "رفاعة الطهطاوي"، تلك النهضة التي أثمرت إسماعيل باشا الباني العظيم، وكانت وراء تمصير الجيش المصري، فانتفضت روح الوطنية بين أبنائه . وكان البارودي وعرابي رمزين لاستنارة أبناء الجيش وإمساكهم بمصير الوطن والتلاحم مع فكرة الثورة التي رمز لها خطيب الثورة عبد الله النديم بالروح المصرية التي رفضت الانكسار أمام الاحتلال . وكان مصطفى كامل ومحمد فريد رمزين للروح والعطاء الوطني .. ولأن المجتمع ذو جناحين – الرجل والمرأة – وكان طبيعياً أن ترتبط النهضة الوطنية بالاستنارة . فالفضل لمحاولات سلامة موسى وسمل سميل وغيرهم من المبدعين الذين حاولوا مبكراً التعجيل بميلاد النهضة والتي كان أهم ثمارها أعمال قاسم أمين التي دارت حول تحرير المرأة من عبودية المجتمع والرجل وقرون الظلام التي فرضت عليها . ومن المؤسف أن المرأة التي لعبت دوراً محسوساً به في التمهيد وإعمال ثورة 1919 ، أعيدت مرة أخرى إلى الركن المظلم في الذاكرة المجتمعية رغم محاولات متكررة ارتبطت بافتتاح المدارس والجامعات للبنات .. وإذا كانت حركة التنظيم المسمى بالأخوان قد أسهمت في إرجاع المرأة للخلف عقب مشاركتها في ثورة الشباب عام 1936، فإنها وجدت متنفساً مهماً في انتفاضة الجامعة عقب الحرب العالمية الثانية تمهيداً للثورة التي لم يكن لها أن تهمل دور المرأة، وإن تعاملت معه على استحياء، خاصة في مجال التمكين الاجتماعي لها من الحياة السياسية والعامة .. ثم واجهت المرأة في مصر بانتكاسة أخرى نتيجة التحالف الشيطاني بين الجماعات المتأسلمة ونظام السادات التي استهدفت العقل المستنير وإجباره بالإرهاب الشامل – الأمني والاقتصادي والاجتماعي – أن يتوقف تمهيداً لتفريغ الذهن المصري من مقدمات التحضر، ليتمكن السادات والطفيلية من الارتداد بالمجتمع إلى حالة من التبعية والتخلف هروباً من زخم التقدم .. وبجانب اغتيال السادات بيد صنائعه، فقد انتكست مصر بسيادة عقلية متخلفة طامحة استندت في تخلفها إلى فهم خاطئ متناقض مع رسالات السماء وكل الاجتهادات البشرية، وأصبح الكثير من النسوة يسعين استدراجاً وتلقائياً وبالمقاومة للاستنارة إلى حالة من التخلف تتناقض مع جوهر الأديان ومقدرات الحياة العصرية التي تعيش فيها .
جاءت المحاولة الأخيرة للنهوض بالمرأة، والتي توجت أخيراً بتكوين المجلس القومي للمرأة، والذي أعطى زخماً مهماً بصدور القرار الجمهوري بإنشائه وتوظيف إمكانيات الدولة وإزاحة عوامل الهدم والإعاقة من طريقه بفضل عوامل هامة منها أن البداية تأسست على رصيد سابق تمت غربلته واستخلاص الدروس الإيجابية والسلبية منه، ووضع تصور واقعي موضوعي متدرج يسير مع حركة المجتمع خطوة بخطوة، وتوافرت له سيدة أدركت حدود السلطة المتاحة لها ولوضعها لم توظفها لممارسة الدور الأول الفعلي لسلطة الدولة كما فعلت سيدة سابقة فاصطدمت بالمجتمع وبالسلطة نفسها وعاجلتها رصاصات غدر زوجها .. الأمر الذي لم يمارس في التجربة الأخيرة، بل سعت السيدة سوزان مبارك لتوظيف المستنيرين من الرجال قبل النساء لوضع البنية الأساسية الشاملة في كافة المجالات للنهوض بالمرأة . ومن هنا توجت تلك الحركة بتعيين وزيرة الدولة للشئون الخارجية، ومعظم المعينات بمجلس الشعب، والمعينات بمجلس الشورى وتنوع ثقافاتهم ونشاطاتهم السابقة .
وزارة للمرأة والطفولة
نتمنى أن تتم قريباً كخطوة بالغة الأهمية لتكريس وضع المرأة في المجتمع باعتبارها متساوية في كل شئ مع الرجل .. ويكفي أنها أخت من فضلت على نساء العالمين، وأخت وابنة أول من آمنت بالرسول الكريم .
القاضيات والاستحياء
صدر قرار تعيين أربع من المشتغلات بالقانون قاضيات . لكن التركيز حظيت به السيدة تهاني الجبالي بحكم موقعها ضمن هيئة المحكمة الدستورية العليا، وربما بحكم أنها من خارج الحزب الوطني .. لكن القرار لم يتضمن واحدة أو أكثر من المشتغلات بالقانون من المصريات المسيحيات، وهذا غياب للرؤية السياسية عن قرار هو أصلاً سياسي بالدرجة الأولى .. يذكرنا هذا التردد بموقف د. فتحي سرور المتردد أيضاً في الأخذ بيد النائبات ومساعدتهن بدفعهن إلى الإنجاز والإبداع إنجاحاً للتجربة . موقف ورائه تفسيرات كثيرة سيأتي وقتها . ولا يقل سلبية عن دور النائبات في المشاركة وانتزاع حقهن .
جمع التراث الشعبي للمرأة
رغم أهمية الجهود المبذولة في هذا الشأن، إلا أنه أكثر من ثلاث أرباع النساء في مصر يعشن في حالة من الفقر والمعاناة . وتزداد المأساة بأن أكثر من ربع عدد الأسر المصرية تتولى مسئولية إعالتها سيدات مستوياتهن الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والوظيفية وسبل المعيشة بالغة التردي والتدني .. ولا يمكن للمجلس القومي للمرأة أن يمد يد المعونة لهن ولو بشكل بسيط مالم يكن ذلك ضمن حالة نهوض عامة للمجتمع تشمل أول ما تشمل وترعى أحوال الفقراء – أغلبية الشعب – ونحن لا نطمح أن يتم ذلك فجأة ولا تربط إنجاز أمر بأمر فعزف السيمفونيات يتم بالتكامل .
لهذا تأتي خطوة جمع التراث الشعبي للمرأة خطوة بالغة الأهمية، خاصة وأن مسئولياتها أسندت إلى إلى عدد من المبدعين المستنيرين يتقدمهم د. فرخندة حسن ود. جابر عصفور مستنير العقل غزير الإبداع المتنوع، د. أحمد علاء مرسي أستاذ الأدب الشعبي، د. صفوت غالي أستاذ الفولكلور، د. أسعد نديم، والدكتور صلاح شقوير .. لكننا نختلف مع السيدة سوزان مبارك في التركيز على التراث الشعبي للمرأة . وإن كان العمل لتنميته كمصدر دخل .. لكن تراث المرأة المصرية تراث شامل فهي نصف تراث المجتمع الذي لا يقل عن تراث الرجل، يتشابك معه في جوانب ويتخصص ويتميز في جوانب أخرى حسب تطور المجتمع، وإن كانت الحياة الحديثة توحد تدريجياً أنشطة الرجل والمرأة في كل المجالات . فإن للمرأة إبداعها وحملها الثقيل المحبب في الإنجاب والتربية والإبداع في مملكة المنزل أياً كان كوخاً أو بيتاً فقيراً أو متوسط الحال أو قصراً .. إنه التراث المشترك الأعظم في مجالات الحياة .. تتسع في كافة مجالات الحياة من المشاركة في الخدمة العسكرية النضال الوطني والاقتصادي والاجتماعي والعلمي والثقافي والفني والأدبي .. لا داعي للوقوف بالتراث الشعبي للمرأة عند الجانب الفني الحرفي المرتبط بالبيئة وظروف الحياة القاسية والضرورات التي تجبر المرأة كثيراً على ممارستها حتى لو أبدعت فيها . فذلك من استدراجات الحياة وجانب كبير منها يعود للتوارث الاجتماعي الحرفي ولطبيعة تخلف المجتمع الذكوري الذي أدار الحياة عصوراً حول الرجل الذكر . وحتى في هذه العصور الكئيبة كان للمرأة إبداعات متنوعة تتلمس بها طريقاً للحياة لها ولأبنائها وحتى لزوجها المتخلف .
يجب الاستفادة من رعاية السيدة سوزان مبارك لهذه الجهود ولوضع أسس مشروع تجميعي شامل لتراث المرأة في كافة مجالات الحياة . وتقديمهن مادة للاستنارة يتكرر طرحها بكافة الوسائل الثقافية والإعلامية . وحبذا لو وضعت كعنصر متواصل ومتدرج في مختلف مراحل العملية التعليمية . هل من إعادة نظر ؟؟ .
تحية لهذه المحاولة على طريق طويل، ودعوة لكل من توارثوا التخلف ضد أنفسهم وضد المجتمع وبالتالي ضد المرأة – نصف الحياة الرحيم والأرحم – أن يواصلوا الاغتسال من تخلفهم .. فلا أمل ولا مستقبل لمجتمع لا ينصف نفسه بإنصاف نصفه .. واعتزازاً دائماً ومتجدداً للمرأة . لأختي لابنتي وزوجتي وصديقاتي . يشاركني فيه كل المستنيرين .
أبو العز الحريري
عضو مجلس الشعب المصري
عن حزب التجمع
نشرت بجريدة التجمع – العدد 89
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
