الاستثناء السوري

فاضل الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 1432 - 2006 / 1 / 16 - 10:25
المحور: كتابات ساخرة
    

قبل حوالي خمسة وعشرين سنة التقيت في بيت أحد الأصدقاء في دمشق بفنان لرسم الكاريكاتور, وكان يعمل حينها في إحدى الصحف الرسمية اليومية التقدمية السورية, وكان يقدّم كل يوم صورة أو رسمة كاريكاتورية تعالج حدثاً ما.
وفي أحد الأيام وفي ذكرى يوم الطفل العالمي قدّم الفنان صورة طفل بثياب رثة وبيده "نونية" وهو يستعطي كشحاّذ, وتحت الصورة تعليق صغير "الطفل في البلدان النامية"!
قدّم الرسام عمله هذا كعادته للمسؤول في الصحيفة, وبعد دقائق قليلة استدعاه رئيس التحرير ليقول له "شو ها خيّو, سورية من البلدان النامية, يعني إنّو عندنا الطفل شحّاذ وحامل نونية",
فما كان من الفنان الشاب والمثقف إلاّ أن عدّل التعليق الذي تحت الصورة بهذا الشكل " الطفل في البلدان النامية باستثناء سورية"!
لا أذكر ماذا كانت النتيجة, ولا أعرف الآن عن الفنان المستقل وجدانياً ماذا يرسم الآن عن البلدان النامية –النايمة- باستثناء سوريا!
لكن الشيئ المؤكّد أنه الاستثناءات السورية تزداد ثناءً وثغاءً ورياءً, فالهزائم السلطوية استثناءات للانتصار, والأزمات هي صعوبات مؤقتة, والجمهورية-الملكية استمرارية للعزة والكرامة, والانقلابات استثناءات للثورة وأحياناً استثناءت تصحيح أول وثاني...
كما يوجد في بعض الديانات استثناءات للأنبياء ففي سوريا البعث العربي الإشتراكي استثناءات لحرية الكلمة, والفساد استثناء لعطاء القائد الأب والإبن والروح القدس-البعس-!
الأسد الأول والأسد الثاني استثناءات لكل "كائنات" الغابة ونحن نبايع حتى الأسد الرابع عشر!
سورية الآن وفي هذا العالم استثناء بعد استثناء العقيد الليبي, وأكثر الدلائل تشير إلى وحدة سورية وليبيا وسفارة أمريكية واحدة لكلا البلدين المناضلين!
المهم أن تكون صحة وسعادة العقيد والفريق بخير والباقي كله استثناء!

ملاحظة: النونية في عشرات البلدان غير النامية –غير النايمة- مزوّدة بموسيقى تساهم في إغناء الغذاء الروحي للطفل, فالأطفال في بلدان كثيرة يتعرفون على أغاني وموسيقى متنوعة من خلال جلوسهم على النونية, وربما يزورهم بيتهوفن وهم في قعدة عمل كهذه! وأطفالنا أيضاً في قعداتهم هذه يتعرفون ويرددون الأغاني الحماسية والسياسية, كي لا ننسى الولاء وكي نتقن الرياء, وأعتقد أن نونيتنا أفضل من نونيتهم, نونيتنا سياسية ونونيتهم موسيقية!
وعلى ذكر النونية السياسية واستثناءاتها يخطر بالبال, الاستثناءات النووية السورية, والاستثناءات الخلوية واستثناءات اللحوم البقرية والحلوب اللبنانية, وطبعاً ليس آخرها الاستثناءات الخدامية والنيابية والأمنية.
وأخشى أن تكون أكثرية المعارضة السورية استثنائية!
وأخشى أن يكون الله استثنانا من بين استثناءاته البشرية, حيث بشّر لنا بالجنة الأسدية!!

بودابست 13/01/2006 د. فاضل الخطيب

#فاضل_الخطيب (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات