|
كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين ؟ (24) نكوص مريع عن الماركسية وعن العقل العراقي أ
عبدالامير الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 5441 - 2017 / 2 / 23 - 16:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين؟ (24) ـ نكوس مريع عن الماركسية والعقل العراقي ـ أ ـ
مثل الشيوعيون في ارقى وارفع حالات حضورهم على مدى اكثر من ثمانين عاما، نموذجا للفئة المنعدمة الفعالية المبدعة الحيوية، الغارقة في الاستيهام والاتباعية الفكرية، مع غياب، لابل انعدام الإبداعية والتفاعل مع الحقيقة الوطنية، والغريب الذي يلفت النظر هو هذا القدر من الادقاع الفكري الوطني، برغم ضخامة الزخم والتاييد الشعبي الذي ظل الحزب يتمتع به على مر تاريخه، ذلك مع الحاحية بلورة المهمة الوطنية العراقية للعراق وللمحيط، وربما للعالم، وعلى هذا فقد كرس من قادوا الحزب، نمطا من الفعل مناقض لواقعهم، ولحقيقة بلادهم كتكوين تاريخي حضاري، شديد الحضور في رسم الخيارات الإنسانية. ولقد عاش هؤلاء مغرقين في الشؤون العملية الخاصة بهم كعصبة معزولة منفصلة عن الاليات التاريخية، تعمل خارج الحياة الوطنية برغم انغماسها فيها، فلم يترك أي شيوعي قائد او غيره، أي اثر او إضافة تذكر للثقافة الوطنية، ومع تعظيم هؤلاء من قبل حزبهم، ومحاولاته الدؤوبة لتصويرهم كابطال، وقادة وطنيين، فقد فشلوا كليا في حفر موقع لهم في السجل الوطني ، فضل وزنهم محتسبا ضمن النطاق الضييق للحزب، فلم يتسن لا ل"فهد" ولا "سلام عادل"، ولا أي قائد حزبي اخر ممن استشهدوا، او ظلوا احياءا، الارتقاء الى، او مقاربة دائرة القادة الوطنيين، وقد نسيوا، لانهم لم يدخلوا أصلا الذاكرة الوطنية الجماعية، وانحصر ت ذكراهم ووجودهم داخل المناخات الحزبية، وبما ان هذه لم تكن متناغمة مع الحقيقة الوطنية أصلا، فقد ظلوا بناء عليه مجرد قادة حزبيين لاوطنيين، بينما الحزبيون يرهنون الوطنية ويصادرونها بالحزبية اعتباطا. ولايتعلق هذا المظهر بكون هؤلاء كانوا "ماركسيين" و "شيوعيين"، على العكس من ذلك، فلقد امتاز الوضع العراقي بنيويا وتاريخيا، ومن حيث الاليات التاريخية، بقدر كبير من التوافق مع الأفكار الاشتراكية، المتماشية مع تكوينه وبنينه الكيانية التاريخية، فلم يرفض الفكرة المستجدة الوافدة منذ العشرينات والثلاثينات، بقدر ماتلقفها واظهر بحماس حاجته لها، وعدم تصادمه معها، رغم ماكان يبدو من تفارق ظاهري، بين الحالة المتردية المتخلفة للمجتمع، بالأخص في جنوب العراق، خصوصا مع اعتبار عمق المعتقد الديني، وموقفه المفترض من فكرة الشيوعية المادية، المتصادمة في العمق مع العقيدة الدينية العريقة الغالبة والمتغلغله مجتمعيا، فحضور الشيوعية في الثلاثينات، وتقبلها من دون موانع تذكر، اثبت خاصية غاية في الأهمية، عجز عن الانتباه لها ولخلفياتها التاريخية، من اضطلعوا بتاسيس الحزب، فلم يتحروا بما تنبيء عنه من دلالات خطيرة، كان الواجب استخلاصها وهم في غمرة تجربتهم داخل مجتمعهم، وبالأخص معطاها الدال على كون العلاقة بالافكار الكبرى الوافدة للعراق من خارجه، هي علاقة بنية غير متحققة وسائرة الى التحقق مستقبليا، تتفاعل مع الأفكار الكبرى المستجدة من زواياها الضرورية والقابلة للاستخدام، وذلك ملمح أساسي يقع في جوهر الخاصيات الوطنية، ظل حاضرا تاريخيا، وعاد الى الفعل يمواجهة جملة الأفكار المستجدة الحديثة، مادام التحقق الوطني متاخرا، والديناميات البنيوية مستمرة بالعمل بحيث سرى ذلك قبل الأفكار الحديثة، حتى على المعتقد الديني التجديدي الحديث. بالمقارنة مع شخص مثل " لنين"، او "ماوتسي تونغ"، او حتى " كاسترو"، يحتل هؤلاء موقع الشخصيات الوطنية الكبيرة داخل بلدانهم، اثروا تاثيرا فاصلا فيها، وفي مساراتها وخياراتها الوطنية من موقع تعاملهم الممبز والعبقري أحيانا مع اللحظة، وبغض النظر عن كونهم كانوا مصيبين او لا على المستوى النظري الماركسي البحت، الا ان محاكمة علاقتهم بالنظرية المذكورة من زاوية المهمات الكبرى المطروحة امام بلدانهم ومجتمعاتهم، من شانها ان تضعهم داخل البؤرة الوطنية، حتى انها بلغت أحيانا مستوى تلبية متطلبات وطنبة تاريخية كبرى. فلنين استقدم نظرية ماركس والبسها اللباس الروسي والشرقي الاستبدادي، كي يوفر الأساس العملي الاكراهي، لمشروع تحول بعملية قيصرية نحو الراسمالية، في بلد نصف اسيوي، نصف متخلف، يقع في اخر عربات قطار الراسمالية، ويطمح لان يسابقها، ويختصر الحقب التي فاتته ليتقدمها، او يقف على سويتها، فاستعمل الماركسية وموحياتها الطبقية المساواتية العدالوية، وماتتيحه من نبذ للراسمالية بصفتها "الامبرالية" المضخمة، ليصنع نظاما شموليا، اكراهيا، رايته المرفوعه على جبينه اشتراكية، بمعنى انه استخدم الماركسية لاغراضه الوطنية، فجعل منها وسيلة لاختصار الفارق بين روسيا واوربا الغربية على صعيد مستوى ودرجة التطور، واستطاع في الوقت نفسه، تغطية نقائص وعيوب واكراهات مشروعه، لابل واسبغ على مساوئه ثوبا براقا عدالويا مساواتيا ثوريا. ولم يفعل لنين مافعله على المستوى الروسي وحسب، بل وجعل بلدان لاتحصى، وشعوبا تعتقد لدرجة الايمان، بان مايقوم به ومايفعله هو مسارتحول اكيد نحو نظام عالمي تسوده المساواة والعدالة، ويزول منه القهر والاستغلال، ماجعل من نموذج تجربته التي ابتدعها في مجال التغيير والثورة، دستورا للاتباع والتطبيق، بغض النظر عن كونه مبنيا على خديعه كبرى، وعلى وهم يدعي تجاوز الراسمالية، او إمكانية تجاوزها، بينما الذي حدث هو جزء من تلونات وتعرجات مرحلتها، ومسارات اكتمال تحققها خارج مركزها الأساس، اوربا الغربية، بالمقابل وعلى سبيل المثال، يمكن ايراد حالات من نفس النسق، اتسمت أيضا بالابتكارية الراسمالية المغلفة بخطاب "اشتراكي" لاغنى عنه لتامين الانتقال من ظروف التاخر والتخلف، مقارنة بالمركز الراسمالي، فترسمت خطى ومبتدعات لنين، مع اخذ الشروط الخاصة الوطنية بنظر الاعتبار كما هو الحال في الصين كمثال هام وكبير. كان لنين يصادر"الماركسية"، وصادرها كليا، بان استثمرها كمنظومة تفكير وعمل تنظيمي، مع انها في الجوهر الغالب لم تكن صالحة عمليا لغير ماقد حققه هو، فلا اشتراكية ممكنة في الغرب الراسمالي، ومع ان ماركس قد اعتبر الانتقال الاشتراكي منوطا بالمواضع الراسمالية الأكثر نضجا واكتمالا، فلقد عمل لنين على كسر تلك القاعدة الاساسيه، لينتقل انطلاقا منها من حضن ماركس، نحو وطنيته الروسية، منغمسا ومنشغلا بمتطلبات ومقتضبات وأسباب وشروط نقل بلاده نصف الاسيوية، الطرفية و "المتاخرة"، نحو ماقد فاتها مقارنة بالضواري الراسمالية الامبريالية، فاستخدم الماركسية، ولم يخضع لها، وغير جوهر مفهوم التغيير وشروطه المتضمنه في عمل ماركس، فتركها في مكان المنشأ نظرية خارج التطبيق، خالية من البعد العملي، وبدل ان تكون كما تصورها ماركس وتخيلها، "نظرية تحول نحو الاشتراكية"، جعلها نظرية استكمال للبناء الراسمالي في البلدان الرسمالية الطرفية والشرقية، لتغدو بمثابة عمل ملحق بالمنجز الراسمالي، بغض النظر عن الأوهام الايديلوجية، او التوهمات والاخيلة الضخمة التي رافقت الشيوعية، دالة على هول الخديعة العقيدية الحديثة الفكرية والنموذجية بالاخص في القرن العشرين قرن الايديلوجيات. ولسنا بصدد محاكمة من تسنى لهم تبني مااسموه الماركسية والشيوعية من العراقيين بعد العشرينات والثلاينات، لانهم لم يذهبوا لحد اكتشاف تناقضات الماركسية اللينينية، فاكتشاف من هذا المستوى لم يكن متاحا وقتها، ويقرب من المستحيلات ابان زمن طغيان الايديلوجيات، ليس لهم وحسب، بل ولالاف المتعاملين بشؤون الفكر في اوربا، منشا الماركسية، كما في غيرها من أجزاء المعمورة، والامر الذي نقصده بخصوص إعادة تعريف نظرية ماركس، وتعيين حدودها، مايزال الى الوقت الراهن خارج البحث، لم يتحول لموضوعة مفروغ منها بحيث تدرج / الماركسية/ في باب الأفكار غير القابلة للتطبيق، الا في المنحى الراسمالي، وفي البلدان المتاخرة عن الركب الانتقالي للراسمالية، بما يضعها في باب المنجز الأوربي، الملحق بالراسمالية العالمية، لا الاشتراكي كما كانت قد اوحت على مدى عقود، ولن نتوقع طبعا لانسان بسيط مثل فهد، او زكي خيري، او عامر عبدالله، عدا بقية المساكين الماخوذين بافكار لايفقهون منها سوى بضعة صفحات، يقرأونها صما بمنطق الايمان الديني والاسطوري، ان يقفزوا وقتها متجاوزين منجزا فكريا اوربيا طاغيا، في زمن انتصار النموذج الحضاري الحداثي، ليذهبوا بالنظر الى مابعد ماركس. واما ماهو ادنى، او الأقرب لشيء من المنطق، فقد نجده في إمكانية تلمس ممارسة اقرب، او شبيهة بتلك التي عمد لها لنين، بان استخدم نظرية الاشتراكية وطبقها راسماليا، ليحدث ماعرف "بالماركسية اللينينية"، التي هي مصادرة من قائد وطني روسي، ابعد ماتكون عن ماركسية ماركس، وعن جوهرها ومقاصدها الأصل. لكن أحدا قد يقول بان العراق لم يكن في وضع يسمح لهؤلاء بان يبتكروا وقتها، طريقا مستندا للماركسية، يؤمن للعراق انتقالا راسمالياعلى طريقة روسيا والصين. وهذا صحيح بحكم إعتبارات لاتكاد تحصى، انما ليس بناء على مقتضيات ناشئة عن مستوى التطور، و قبلها اندراج او عدم اندراج العراق " ذاتيا"، في العملية المنسوبة لمرحلة الانتقال من " الاقطاع" نحو المرحلة اللاحقة، فلا تراتبيه كهذه هنا، والانتقال بين المرحلتين غير وارد، والالتحاق بالسوق الراسمالية العالمية كما تقرره الرؤية، او السردية الاستعمارية، يعني " الالحاق" الاكراهي، ولايتضمن معنى "التحول التاريخي"، والمشكلات المترتبه على الطاريء الأوربي الداهم، لاتسمح ولا تتيح لبلد تكوينه أصلا له خصوصية "امبراكونية"، ان يضع باعتباره ميكانزمات تاريخية تحولية، شبيهه بتلك التي يتطلبها ويفترضها مشروع انتقال نحو الراسمالية، وفق اللينينية، ومن ثم فلا امل بأي شكل اخر من اشكال التحول، بناء على العلاقة المباشرة بالماركسية، وهو ماكان مستبعدا نهائبا في حينه لاسباب كثيرة، مما حصر علاقة الشيوعيين الأول، ومن تبعهم، بمصدر وحيد هو الماركسية بطبعتها العملية أي اللينينية، انما مع ثلم نصلها وتبهيتها، وافراغها من أي بعد تطبيقي، هو اهم مايميزها. ـ يتبع ـ
#عبدالامير_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-الغائية التاريخية- والانسان -الايل للانقراض- (2/2)
-
-الغائية التاريخية- مقابل - المادية التاريخية- (1/2)
-
كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين ؟ (23) - سلام عادل- شهيد، ام
...
-
سفير يهودي عراقي في بغداد/ ملحق خطاب مفتوح للرئيس الفلسطيني
...
-
هل من ابراهيمية عراقية ضد صهيونية (2/2)
-
زمن فلسطين الابراهيمية العراقية (1م2)
-
8 شباط : يوم قتل حلم الخلاص من ظلام القرون السبعه
-
كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين ؟( 22)حيث الحزبية الايديلوجي
...
-
أهلا ب- ترامب- في بلاد الرافدين
-
كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين ؟ ( 21) السقف الدكتاتوري ال
...
-
كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين ؟ (20) التدبيرات الثلاثة :
...
-
نحو اللقاء التداولي الاول ل- قوى التغيير الوطني- في العراق
-
كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين ؟ (19) وطنية مابعد ايديلوجية
...
-
كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين؟(18) الذين يدخلون الوعي ل-م
...
-
كيف ولماذا هزمتا امام صدام حسين ؟ (17) -مجتمع اللادولة المس
...
-
كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين؟ (16) حزب يموت فيجنب قاتلية
...
-
كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين؟ (14) ومن قتل - الحزب الشيوع
...
-
كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين؟(13) شيوعية مضادة للشيوعية و
...
-
كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين؟ (12) السردية الوطنية الامبر
...
-
كيف ولماذا هزمنا امام صدام حسين؟ (11) قوانين الامبراكونيا وض
...
المزيد.....
-
تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر
...
-
قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م
...
-
ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
-
صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي
...
-
غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
-
فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال
...
-
-ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف
...
-
الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في
...
-
صور جديدة للشمس بدقة عالية
-
موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|