قراءة في النقد الجابري - ظاهرة العقل المكوِن

تنظيم ابراهيم النجار

الحوار المتمدن-العدد: 5439 - 2017 / 2 / 21 - 15:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

كلنا سمعنا عن متلازمة داون او ما اصطلح عليه عرفا ب( المنغولي ) وهو الشخص الذي يولد مصحوبا بضمور عقلي نتيجة لهذا المرض , حيث انه لن يكون قادراً على تجاوز حدود بسيطة في التفكير والاكتشاف قد لاتتجاوز في بعض الاحيان عقلية الطفل ذا الربيعين مهما طال عمره .
الدكتور محمد عابد الجابري وفي كتابه تكوين العقل العربي حاول ان يسلط الضوء على مكون العقل العربي واليات نشوءه ومنتجه الثقافي من خلال ما اسماه العقل المكون ( بكسر الواو ) والذي يشبه الى حد كبير العقل ( المنغولي ) تحقيقا وليس تقريبا بحسب ما فهمت, حيث نسمعه يقول في صفحة 16 من الكتاب اعلاه ( الشيء الذي يغرينا على القول أن العقل العربي هو حتى في مظهره الفاعل من نتاج الثقافة العربية ) وقال ايضاً( فالعقل الكوني ومبادئه ضرورية نعم , ولكن فقط داخل ثقافة معينة أو انماط ثقافية متشابهه).
ليس الهدف من هذه المقالة هو نقد النقد الجابري لو جاز التعبير بل الوقوف على هذه النقطة تحديدا , لانها في الغالب ما يستشعره الكثير من الكتاب والمثقفين دون ان يتجرؤا على البوح بها تاره او لعدم وجود الاداة التعبيرية المناسبة لطرح هكذا مفهوم تارة اخرى كالتي وفق اليها الجابري في كتابه .
هل ان العقل العربي ( منغولي )؟.
ليس منصفا ان نقيم نقودنا على شيء يصعب احتواءه , فنحن وان كنا مضطلعين بالصفة التاريخية لهذا العقل وخصوصيات اكتشافه , الا اننا في نفس الوقت لم نحتوي الدائرة الادائية بالكامل لذلك العقل ,خصوصا بعد ان نتحدث عن العقل بمفهومه الكلي , وليس عن خصوصياته , زد على ذلك ان نمطية العقل البشري لم تتجاوز على طول الخط التاريخي اكتشاف البيئة الوجودية خارج حدود حب الذات والتي لم تتجاوز اندفاعاتها حدود مبدا اللذة على الطريقة الفرويدية , ولم تتطور عن هذا المستوى الا في نقاط تاريخية مغمورة في زوايا هذا الخط الطويل .
ان اكتشاف العقل كأبستمولوجيا منفصلة عن تاثيراتها كمحاولة الجابري او جاك ديريدا لن يزيدنا الا غموضا حول ماهية هذه المكنة المعقدة , والذي يدلنا بوضوح على ان البحث نفسه قد انطلق من دوافع نفسية قد تكون مرحلية او تاريخية دفعت الى هذا النمط من البحث بدلالة التصاقها وتاثيرها على بنية الباحث العقلية , الاسلوب – القدرة الاكتشافية – عمق الدلالة – وضوح المطالب .
الا اننا في نفس الوقت لا نستطيع ان نبخس هذا الاكتشاف , بالرغم من ان الجابري لم يضع لنا مرجعية مقايسة لذلك , الا ان هذا ما يظهر لكل باحث في التراث الانساني لو جاز الوصف , حيث اننا في الغالب ( البشر) لم نتجاوز حدود المحاورة المسطحة في البحث عن الوجود والانسان , تلك المحاورة التي في الغالب لا تتجاوز حدود الاجترار ولكن بحلية اصطلاحية جديده وطرح مختلف يواكب غالبا مرحلة الوعي البشري الآني .
ان التاثيث لكل المحاورات اللغوية الباحثة عن مضمون الثقافة والفكر البشري لا تتجاوز امران على ما افهم ,فاما ان تؤثث المحاورة على اساس الاكتشاف او الابداع , وبالرغم من انني لا اشهد بصحة الابداع بل اؤمن بالاكتشاف , الا انني اتعامل مع هذه المفردة بجدية مجاملة مع المؤمنين بها , ولذا كان التأثيث للمنتج الفكري او الثقافي محكوما بالعامل السيكولوجي والذي بالنتيجة سوف يترك بصمته على ذلك الاكتشاف او الابداع بحسب البعض , ومن هنا صح ان نقول ان العقل بوصفه ابستمولوجيا مفرغة من تأثراته الخارجية امرا منقوصا في البحث العلمي , بدلالة ما قررته الفلسفة من تأثر العقل العملي بالضاغط الشهوي كالذي ذهب اليه ( كانط ) مثلا في نقده للعقل العملي , ومن هنا صارت الاحاطة في مبحث العقل امرا شبه مستحيل بدلالة المتغير النفسي و بحسب السياق التاريخي لصيرورة الثقافة او الفكر .

#تنظيم_ابراهيم_النجار (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات