|
خِطاَبُ الاسْتِفْهَامِ فِي اللُّغَةِ العَرَبِيَةِ. 3. (مُقَارَبَةٌ لِسَانيةٌ لِلْبِنْيَةِ وَالْوَظِيفَةِ). د. بنعيسى عسو أزاييط
وديع بِكِيطة.
الحوار المتمدن-العدد: 5437 - 2017 / 2 / 19 - 16:15
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
خِـــطـــاَبُ الاسْــتِــفْــهَـــامِ فِــي الـلُّـغَــةِ الـعَـرَبِـيَــةِ . 3. يتخذ بنعيسى أزاييط ضمن هذا الباب الثاني ـ مِن التَّرْكِيب إلى الدَّلالة: صِيغَةِ الاسْتِفْهَامِ التَّرْكِيبِية ـ من المنظور التوليدي منهجا لتناول أصناف الجمل (ومن بينها جمل الاستفهام)، ويعطينا تمثيلا صوريا لبنية اللغة عبر قواعد المرور من " الجملة " إلى " البنيات التحتية " للعبارات المنطوقة، حيث تولد متواليات مترابطة من " العمق " إلى " السطح " عبر قواعد متعددة (من بينها قواعد تحويلية)، ويشرح ذلك من خلال العديد من الأمثلة التوضحية التي تساعد الباحث غير المتخصص على فهم الإشكال وتتبع مختلف وجهات النظر، اقتراح Chomsky (1975) أو (مقام Langacker: 1965) في النحو التوليدي على الفرنسية وعلى لغات أخرى ... ويرى الباحث أن تتبع أنماط الجمل (ومنها جمل الاستفهام)، وتمثيلاتها الصورية يشكلان موضوعا محظوظا في النحو التوليدي ونماذجه. والنتيجة المنطقية لكل تحليل هي وجوب الربط بين القواعد التركيبية والقواعد الدلالية في المرحلة الأولى، أي في مرحلة دراسة " الصيغة التركيبية " للظاهرة الاستفهامية ( محتوى هذا الباب II)، ووجوب الربط بين القواعد الدلالية والتداولية في المرحلة الثانية، أي في مرحلة دراسة " المعنى " الاستفهامي (محتوى الباب III). يعد هذا الباب ـ الثالث ـ مجالا لدراسة خصائص الاستفهام التوزيعية، ويؤكد فيه على أن " العبارات الاستفهامية في اللغة العربية تدرك حدسيا كما تدرك بالصيغة التركيبية والأداء التنغيمي المصحوبين بسياق خاص، ومع ذلك تطرح هذه العبارات إشكال الوصف والتعريف، وإشكال التنوع والتقسيم ". ينطلق من مسلمة تعم أنحاء اللغات الخاصة وهي أن الاستفهام نوعان: استفهام مباشــر : ذو طبيعة تركيبية خاصة. استفهام غير مباشر: يترجمه فعل السؤال = سأل = وما في حكمه. وتدخل ألفاظ الاستفهام بما فيها القسم الحرفي: الهمزة وهل؛ والقسم الاسمي: باقي الأدوات (من، ما، أي، الخ). في تحديد نوعين من الاستفهام: 1- استفهام تصور: {وهو الاستفهام الذي ينصب على مكون} (= استفهام جزئي) {واحد من مكونات الجملة}. 2- استفهام تصديق: {وهو الذي يقع على الجملة برمتها،} (= استفهام كلي) { ويجاب عنه ب"نعم " أو " لا ".} خلص بعد تحليل مركز لبعض النماذج الهامة ضمن الاستفهام الجزئي إلى أنه " لا يُمْكِنُ أن يكون في الوقت نفسه جزئياً وكلياً، ويعني هذا اجتماع أداة الاستفهام واسم الاستفهام في جُمْلةٍ واحدة، على الرغم من اعتبار النحو العربي الهمزةَ أُمَّ الْبَابِ، وما ورد في الكلام العربي القديم أَوَّلُوهُ. (انظُرْ الأشباه والنظائر للسيوطي 1/393) غير أن هناك ملاحظة وردتْ عند الأستاذ أحمد المتوكل (1985: 134 – 135) تتعلق بِمَيْلِ العرَبيةِ المُعَاصِرَةِ إلى استعمالِ هَلْ مَكَانَ الْهَمْزَةِ، حيث لاحظ أن الهمزة آلت إلى " هَلْ " والتَّنْغِيم intonation، ويشرح هذا الميلَ بمبدإ الاقتصاد أو مبدأ المجهود الأقل، وهو مبدأ يحكُمُ تطوُّرَ اللغاتِ الطبيعية بصفة عامة (المرجع السابق: 136) «. وقد استند على التعريف الاتي " إن جمل الاستفهام المباشر في اللغة العربية متجانسة تركيبيا ودلاليا، تركيبيا بوجود أداة استفهامية في صدر الجمل أو تنغيم استفهامي خاص، ودلاليا: بكونها تتطلب أجوبة محددة " قبل أن ينطلق في المرحلة الأولى من هذا الفصل على دراسة علامات الاستفهام المباشر، متعرضا لبعض القضايا التي تنبني عليها الصياغة التركيبية لهذا النموذج، وفي المرحلة الثانية درس الاستفهام غير المباشر، انطلاقا من الصيغة التركيبية نفسها، حيث خلص إلى تعريف تركيبي شامل يستوعب النوعين معا، ومتتبعا توزيع هذه الألفاظ في الوظائف التركيبية التي تضطلع بها. ومن التوضيحات الهامة التي حفلت بها سطور هذا الكتاب المائز الخاصة بتتبع حرف "أي"، نجد » أن " أيُّ " في اللغة العربية وُضِعَتْ لتجريد الإنسان وما يحيط به في أقنوم واحد ، فإذا كان التمييز بين " مَنْ " و " مَا " يعكس كما يقول Lyons ( 1980: 382) " المكانةَ المحظوظةَ التي يحتلُّها الجنسُ الإنساني في الفكر اللغوي " فإن " أي " في العربية وربما في غيرها من اللغات تعكس المفتاحَ الذي تنبَّه إليه الفكرُ اللغوي العربي في فلسفةِ السؤال، من توحيد الإنسانِ وما يحيط به من عوالِمَ في بوتقة واحدة، ومعاملتِه معاملةَ سائر المخلوقات، وفي هذا " تشيؤٌ " شامِلٌ، يُفَسِّرُه خطابُ " أيُّ " ، فَـ" أيُّ " تَمَرُّدٌ على أَخْلاقِ اللغةِ ومواضعاتِها، وانتهاكٌ لقُدْسِيتِها، لكنْ، لا لِغرضِ العصيان بل لغرض آخر أسمى، وهو مُحَاوَلةُ نَفْيِ " الذاتية " مؤقتا في سبيل " الموضوعية " العلمية الواصفة، والله أعلم ". وقد خلص الباحث عند تناولِه لهذه الأدوات الاستفهامية إلى القول: - إن هذه الأدوات المنقسمة إلى حرفية واسمية تعكس التنوع الاستفهامي في اللغة العربية، سواء أكان هذا التنوع يتناول الأسئلة الكلية (الهمزة وهل ) أو الأسئلة الجزئية (باقي الأسماء الاستفهامية). - إن البحث في الأدوات الاستفهامية جعلنا لا ننظر إليها لذاتها، بل نتناولها في علاقاتها التركيبية والتوزيعية مع باقي عناصر الجملة الاستفهامية، رغم ما يوحي في بعض الأحيان من مباحث في الحروف. - إن رصد مورفولوجية هذه الأدوات لشيء ضروري في دراسة تسعى إلى شمولية الوصف، والمورفولوجية شيء أساسي للتركيب والدلالة والتداولية، في جمل الاستفهام. وفي ظل هذه الحصيلة بقي إشكال " التنغيم "، وهو ما عالجه الاستاذ بنعيسى تحت مظلة الأسئلة التالية: هل الأداة دائما حاضرة في البنية الاستفهامية؟ أليس هناك معادل طبيعي لها ؟ يقر الاستاذ أن " بأن جرد الوقائع التنغيمية الاستفهامية يشكل صعوباتٍ نظريةً وتقنية، لا تحدثها الوقائع التركيبية والدلالية، ولذا كان على اللساني أن يعتمد على أجهزة تقنية، لأن تحديد التنغيم تقنيا وتأويله دلاليا يلعبان دوراً كبيراً في تحديد دلالة المنطوق اللغوي، وإلى حد الآن لا نعرض وصفا تقنيا للتنغيم الاستفهامي في اللغة العربية، بل لا نجد من يتناول أنماطا من جمل اللغة العربية من هذه الزاوية، وربما فُسِّر هذا الغيابُ بكون الجمل العربية تُعرف دلالاتُها انطلاقا من صيغها وبنياتها الخاصة. على أن الإشارات القديمة والحديثة في هذا الصدد لا تتناول إلا غياب الأداة الاستفهامية (في الاستفهام الكلي)، التي تُعوَّض بالتنغيم في آخر الجملة، وحينذاك يصبح معنى الأداة محقَّقاً بالدلالة العدمية، أي دلالة عدم وجود الأداة (= الحذف) على المعنى الذي يكون عند وجودها، والدلالة العدمية هي Morphème Zero: (كما في " 1 – ب "، " 2 – ب "). 1. ب : Ǿ جاء صاحبك ؟ 2. ب: Ø زيداً ضربت ؟ ويعتبر الأستاذ تمام حسان (اللغة العربية: 128 – 308) التنغيم جزءا من النظام النحوي للغة العربية، وإِنْ أحصاه مع الظواهر السياقية، بل يذهب إلى أن كل نوع من أنواع الجمل يتفق مع هيكل تنغيمي خاص، دون أن يبرهن الأستاذ على ذلك آليا " . وأمام غياب دراسة علمية مدققة للتنغيم الاستفهامي حاول د. بنعيسى أزاييط أن يهتدي لوصف بسيط، يعتمد الحدس اللغوي، ويستنير ببعض معطيات التركيب، انطلاقا من الأداء والعناصر المنبورة في الاستفهام، وهذا الوصف البسيط لا يخلو من صعوبة، إذْ يترتب عليه مشكلُ تصنيفِ جملِ الاستفهام، بين كونها كلية أو جزئية. ليتضح ـ وجهة نظره ـ أن الاستفهام بالتنغيم المنبور يحتمل إجابات متعددة، وتؤول بدورها كإجابات عن أسئلة كلية أو جزئية (تصديق أو تصور)، وهذا التأويل لا يلاحظ في الأسئلة الخالية من الأداة (هل ، أ)، كما يتضح كذلك أن التنغيم (المنبور) قد ينصب على الجملة برمتها أو على جزء منها، وهذا يعني أن النبر الاستفهامي يقع على الحمل برمته (الإسناد)، أو على مكون من مكوناته: الموضوع أو المحمول، وعلى كل فإن التنغيم المنبور يلعب دورا كبيرا في تخصيص المعنى إلى الاستفهام. وقد أشار الاستاذ بنعيسى إلى أصناف أخرى من جمل الاستفهام موضحا ذلك بشواهد وتحليل عميق، ومن بين هذه الأصناف: الاستفهام الصدى وغير الصدى، الاستفهام المتعدد، الاستفهام العائدي، الاستفهام الرابطي. لينتقل بعد ذلك إلى معالجة إشكال الاستفهام غير المباشر، الذي ينقسم إلى نوعين، نوع يبتدأ فيه بفعل " السؤال " ونوع يُدمَج مع أفعال التعليق ويمكن أن ندمج النوع الأول في النوع الثاني ليحصل لنا نوع واحد في اللغة العربية، ويتناول الاستفهام الكلي (الذي يقصد به التصديق: نعم / لا) والاستفهام الجزئي (استفهام التصور : التعيين). ومن الجلي لدى الاستاذ بنعيسى " أن خصائص بنيات الاستفهام غير المباشر واضحة في النحو العربي القديم، ومن ثمة لا تمتلك سمات مميزة، لا على مستوى الصيغة الصورية، ولا على مستوى المعاني، فليس هناك في معظم الأبحاث القديمة من يتناول هذه الظاهرة تناولا دقيقا، نعم هناك من يعتبر الجملة الاستفهامية في باب التعليق [أو في باب الاستفهام غير المباشر]، على أنها جملة مدمجة، تقع عليها العوامل، فتعرب حسب موقعها من تلك العوامل. لكن الرأي السائد في الأنحاء الوصفية المعاصرة هو اعتبار هذا النوع من الاستفهام في الأصل جملة قضوية عالقة une subordonnée، وليس هناك نسق من العلامات يؤكد على خصائص استفهامية لهذه الجمل العالقة. (انظر Borillo 1976 : 15). وإذا عدنا لتحليل Baker (1970) وتحليل Langacker (1972) نجد أن الاستفهام غير المباشر لا يفترق تركيبياً عن الاستفهام المباشر " . ونتيجة لهذا التقصي الدقيق يستشف الاستاذ بنعيسى من كون الطروحات اللسانية المعاصرة الأخرى، تجعلنا نحلل الاستفهام غير المباشر تحليلا تحتيا، يعتمد فيه على الصورة المنطقية لهذه الظاهرة، في إطار القواعد الرابطة بين الصورة المنطقية وصورة السطح، وهي بكل دقة قواعد التحويل.
#وديع_بِكِيطة. (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خِطاَبُ الاسْتِفْهَامِ فِي اللُّغَةِ العَرَبِيَةِ. 2. (مُقَا
...
المزيد.....
-
5 قتلى و200 جريح.. أحدث حصيلة لضحايا هجوم الدهس بألمانيا
-
من هو السعودي المشتبه به في هجوم الدهس بألمانيا؟ إليكم التفا
...
-
مراسل CNN في مكان سقوط الصاروخ الحوثي في تل أبيب.. ويُظهر ما
...
-
المغنية إليانا: عن هويتها الفلسطينية، تعاونها مع كولدبلاي، و
...
-
هجوم بطائرات مسيّرة يستهدف مدينة قازان الروسية ويتسبب بأضرار
...
-
ناقد للإسلام ومتعاطف مع -البديل-.. منفذ هجوم ماغديبورغ بألما
...
-
القيادة العامة في سوريا تكلف أسعد حسن الشيباني بحقيبة الخارج
...
-
الجيش اللبناني يتسلم مواقع فصائل فلسطينية في البقاع الغربي
-
صحة غزة: حصيلة قتلى القصف الإسرائيلي بلغت 45.227 شخصا منذ بد
...
-
إدانات عربية ودولية لحادثة الدهس بألمانيا
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|