أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - يعقوب زامل الربيعي - عن مقهى الشابدر وجريمة العصر!..














المزيد.....

عن مقهى الشابدر وجريمة العصر!..


يعقوب زامل الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 5434 - 2017 / 2 / 16 - 20:23
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


ما وقع في مقهى الشابندر في بغداد..
جريمة الأمس ستظل ماثلة أبداً.
..............
وحقكِ ما أنصفكِ هذا الموت، بل أما أنصف هذا الحريق وذاك الدمار في ممالك الاشعاع ونور الفكر، لحظة أكل الخضر واليابس في وطني. وطني الممتد من دور العبادة إلى " مساطر " العمال الفقراء من " الحلة " إلى سوق " الصدرية " في بغداد. ومن الجامعة المستنصرية وكلية الإدارة والاقتصاد إلى شارع المتنبي. بل خلف وأمام تلك الحدود الثرية التي تشكل ميراث هذا الوطن " المتلفع بالهجرات "، ووزر الاحقاد الهمجية والمنايا ، وصدمة الحياة الأولى.
أمس حملتني أقدام الدهشة عبر قبو ما خلفته الجريمة، يعفره الدخان ونزيز الكارثة، بحثاً عن وطني. حيث كانت عيناي تزيلان السخام والغبار عن واجهات الأزقة النقية. توحدني بهما بلايا التتر ونوائب مجانين التاريخ : " ها أنا نصفان. نصف يعانق برد الثرى، ونصف يُزفُ على سنا الرماح. أشم بقايا نتانة الغزاة ". ما زالت حتى اللحظة على جسدي. الرائحة تلوث نجيع الدماء الطاهرة،" وبقايا أجساد مُعْطبة في أركان ساحة " المعركة " القذرة.
كانت رائحة البارود والموت تخنق المكان، وبعض من شظايا مدماة تحاول محو آثار القدم النبوية من على أديم سبل المعرفة والحب. وتأتي تباعاً وجوه الرفقة " والجمعة " الأليفة المنتقاة، جماعاتٍ ووحداناً. أعرفهم عيناً وعين، وجبيناً وجبين. تجاعيد وجوههم مثابات لأزمان وحقب الحلم والمحاولات المتيقظة. يبتسمون.. أبتسم. تنفرج اساريرنا فيسري الود كالدم في عروقنا، فأسرع الخطى صوب اللقاء في " مقهى الشابندر ".. وطني الصغير حيث تحتشد جسومهم صفوفاً، هناك لأندس بالكاد لآخذ مكاني بينهم.
وسط زحام الركام والألم وتحت نديف الافكار المسلولة وبأنفاس متقطعة، ها أنا من جديد أبحث عن ذاك مكان الود بينهم. ها هم يأتون اشباحاً.. موميات من عصور شفافة. ينحدرون خفافاً من ناحية شارع الرشيد أو من عبر أزقة سوق سراي السلاطين القدماء وسراي الكتب والمنشورات السرية التي أسقطت عروش الطغاة تباعاً.
من بين انقاض " مربد " العطايا السخية، يوما ما كانت مسرحاً لخيول المغول الأعراب. بحثت عنهم بين الأرائك المحترقة والمناضد المهشمة ودلات القهوة وأباريق الشاي " وحامض نومي البصرة " والجريحة. وكان السخام يغطي التاريخ والحداثة. بحثت عن رأس الحسين الذي تناوشته الرماح والحجارة. وكان صوت باعة الكتب ما يزال يتردد. كنت أسمعهم وهم يقايضون الكلمات برغيف خبز وعلبة دخان أو بقنينة خمر، وأحياناً بثمن قميص أو معطف من سوق " البالات ". لا يدعونك تفلت من شِباك رغباتهم في إقتناء معتق الحياة وشبق الرغبة وكسوة نبالة.
من ها هنا حيث يمتد جذر الله في كلمته الموزعة على عربات بيع الكتب القديمة وبسطيات المعاجم والدراسات وفي دكاكين وغرف المعرفة والثورة التي نزفها الأجداد والاحفاد من بيض وسود وصفر من أزمنة الكلمة الأولى إلى عصر الانسكلوبيديات المدملجة. هنا حيث يمكنك مصادفة افلاطون ودانتي وماركيز وفوكنر، باليسر الذي تتعرف على علي بن ابي طالب والجواهري والشنفرى وسارتر ودستوفيسكي وماركس وسيد قطب والصدر معاً. من علماء وأئمة الفكر والمعرفة ومتفوهي الشعر والشقشقيات التي ما تزال عبقرياتها تسد منافذ الجهل والعتمة. وأنا أجوس بين مخلفات سدوم وعامورة.. بين ما خلفه تسونامي التكفير وبعث الجاهلية من رماد وقطع أجساد بشرية ومن مجامر وحشية. أهمس فيهم: " ما زالت الدماء رطبة والأرض ما تزال هي الأرض ".
رايتهم عرايا مثخنو الجراح في ملفوف شارع المتنبي، يطوفون كالسحب بين منائر الكتب المتراصة والمبعثرة. يعبرون الطريق " سيزيفيون " بما حملوا من هموم التاريخ وجغرافيا العراق والعالم. وطنيون أمميون يصلون حبل الوطن بمراسي الشعوب والاوطان البعيدة. مهطعي الرؤوس نحو ثقل الضمائر. يعيدون قراءة الصحف القديمة والحديثة عما تسببه الفتاوى الكارثية من مسببات السغب والجوع بالعصر وبالإنسان. عن عنت الطغاة وسوء استخدام الكلمة ونوع الحياة. يتلمسون الحرف والصور والآمال المعلقة، بعيونهم الكليلة. يغريهم الشوق للزهور والنساء والجمال وعافية الابداع والضميرالحي، وربما أيضاً للنمائم الصغيرة التي تسيء ولا تُعدم. كُتاب.. فنانون وصحفيون.. شعراء وروائيون. يطعن المشيب رؤوسهم. والشباب يلعنون المحظور ويلمحون بمواعيد في نادي اتحاد الأدباء ظهرا. يتقمصون متعة الشيوخ عندما يرزمون المستنسخ تحت آباطهم. يوجع قلوبهم مارثون مواصلة مشوار الكلمة .. الصدقة، إلى حيث أستاذ الجمال الكوني.
بشرٌ من كل لون ومعتقد، يتزاحمون في المكان الذي لابد أن يتسع الجميع في مقهى الشابندر. يتهامسون ويتصايحون بمبهور الحس والرأي وهم يحتسون مزيج الدخان مع الشاي الذي لا ينقطع، بنهم من العادة إمتلاءً بالعبقرية.
لحظة خذلتني قواي في سفر النبوءة والخراب، لذتُ عند بقايا دكان كان يبيع " كبة السراي " التي لا أشهى ولا ألذ منها في أي مكان. رأيت زينب الكبرى تقلب الاجساد وتحتضن الرؤوس النبيلة الزكية. وكان نظري الملتاع يتابع ما خلفته الخطى البربرية من مشاة وفرسان ومفخخين. حجريون .. شقاوات، ليسوا أكثر من سيئين وسوءة، لفظتهم الازمنة البائسة.. بالكاد تتعرف على حرف من ابجدية إنسانيتهم. غربان وهولاكيون.. صداميون و" كزاريون". كيميائيون، وكالسحالى يدوفون قيحهم بالدماء الزكية. جميعهم ملثمون. لكنهم كما عهدناهم : يائسون بالتمام عن أية مروءة، عدا محاولة قتل الانسان والكلمة!.
................
مجلة شبكة الاعلام العراقي العدد 37/ آذار/2007.



#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيد الرخويات...
- من يسعفني بالميسور؟!...
- عن شرف الاسماء والكلمة..
- لقراءة أخرى..
- ثمار الاقاصيص..
- ما حدث كان مفاجأة...
- الحب في زمن المربعات .. قصة قصيرة
- أخي نيلسون مانديلا..
- يستصرٍخُكَ اضطراب الضوءِ
- ما العمل؟.. ما البديل؟..
- غاز.. غاز قصة قصيرة
- الاشباح التوأم قصة قصيرة
- حلم أتمام القصيدة ...
- صمت الغرانيق قصة قصيرة
- مائدة الحلم قصة قصيرة
- الغائب قصة قصيرة
- شقي بن كسير !. قصة قصيرة
- دبيب التملك..
- اسفنديار.. قصة قصيرة .
- سيناريو الحلم والانهيار.. قصة قصيرة.


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - يعقوب زامل الربيعي - عن مقهى الشابدر وجريمة العصر!..