|
ابسطوا قلوبكم مرمى للسهام
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 5433 - 2017 / 2 / 15 - 15:07
المحور:
الادب والفن
ابسطوا قلوبكم مرمى للسهام ================= اليومَ، 14 فبراير، هو بداية فصل الربيع عند قدامى الرومان. حيث موعد انشقاق البراعم عن سيقانها. كان الرومان في هذا اليوم يكنسون ديارهم وينثرون في أركانها القمحَ والمِلحَ. ثم يذهبُ الكهنةُ إلى الكهف المقدس، حيث كان الطفلان الإلهان: روميلوس وريميس؛ يعيشان تحت رعاية أنثى ذئب، كما تقول الأسطورة الرومانية. يذبحون القرابين: عنزةً، رمزًا للخصوبة، وكلبًا، رمزًا للنقاء والوفاء. ثم يُقطّعون جلدَ العنزة شرائحَ صغيرةً يغمسونها في الدم، ويجوبُ بها الأولادُ الطرقاتِ ليمسحوا بها وجوهَ النساء، ويُلقونها في زوايا الحقول. فيعمُّ الخصبُ بألوانه. النساءُ: تُنجب أطفالا، والحقول: تُشرق بالنبات والشجر. فإذا ما حلّ المساء، تُلقي الفتياتُ أسماءهن في جَرّة، ويأتي شبابُ الرومان فيلتقطُ كلُّ واحد ورقةً، فيتزوجُ صاحبتَها. هكذا صار هذا اليوم مهرجانا سنويًّا للحب والخصوبة والنقاء. تلك قصة عيد الحب، كما روتها لنا أساطيرُ ما قبل الميلاد. لكن هناك حدوتة أحدث، بعد الميلاد، تقول إن قدّيسًا اسمه فالنتين عاش في عهد الإمبراطور كلاوديس، الذي كان يُجَرِّم الزواجَ على الشباب؛ لاعتقاده أن الزواجَ يُضعفُ لياقة الجنود القتالية في أوقات الحروب. لكن ذلك القديسَ الطيبَ رأى ذلك القانونَ مُجحفًا وغيرَ شرعيّ، فتحدّى الإمبراطور، وراح يزوّجُ العاشقين في كنيسته سِرًّا. ولما اِكتُشفَ أمرُه أُعدم. فصارَ أيقونةً للمحبّين. وصار يوم إعدامه عيدًَا للحب. اليوم، ستمتلئ الدنيا بصور كيوبيد، حاملا قوسَه وسهامَه. أما كيوبيد، فهو أكبرُ طفلٍ في الوجود. عمره 3000 عام، ولم يكبر ولن يكبر. طفل أبديٌّ لا يشيخ، شأنه شأنه الحب. طفلٌ عابرٌ للزمن؛ شأنه شأنَ الحبِّ، معصوبُ العينين؛ شأنَ الحبِّ، ويصيبُ القلوبَ من دون إنذارٍ ولا مَنطقٍ، شأنه شأنَ الحبِّ أيضًا. ما هي حدوتة كيوبيد هذا؟ نعود للرومان وأساطيرهم فنجد أن كيوبيد، في الميثولوجيا، هو ابنُ فينوس، ربّة الجمال، ومارْس، إلهِ الحرب. تقول الأسطورةُ إن الغيرةَ ضربتْ قلبَ فينوس من الأميرة سايكي Psyche. ذاك أن جمالَ سايكي الفائقَ شغلَ الناسَ عن عبادة فينوس والصلاة في معبدها. فأمرتْ الإلهة الأمُّ ابنَها كيوبيد أن يضرب سايكي بسهمٍ في قلبها حتى تقع في غرام أكثر رجال الأرض فقرًا ودمامةً. لكن كيوبيد حينما شاهد سايكي انبهرَ بجمالها فرمى قدمَه بسهم ووقع في هواها. وبنى لها قلعة هائلة بحدائق غنّاء. ولأنه إلهٌ وهي إنسانٌ، فكان يراها وهي ممنوعٌ عليها أن تراه. ظلَّ يزورُها كلَّ ليلة، دون أن ترفع عينيها في وجهه. لكن شقيقات سايكي أوعزن لها أن تنظر إليه. ولما فعلت؛ غضب كيوبيد، واختفى. واختفت معه قلعتُهما الجميلةُ بحدائقها وزهورها. فضربها الحزنُ وهامتْ على وجهها شاردةً حتى صادفت هيكلَ الإلهة فينوس. أمرتها فينوس أن تحملَ صندوقًا صغيرًا فارغًا وتذهبَ إلى العالم السُّفلي لتعبئه من جمال زوجة بلوتو، وتعود إليها دون أن تفتحَ الصندوق. وبالطبع دفعها الفضولُ لأن تفتح الصندوق، تمامًا كما قدّرت فينوس. لكنها لم تجد "الجمال"، بل وجدت "النوم" الأبدي الذي يشبه الموات. ولمّا وجدها كيوبيد ملقاةً في الصحراء كالموتى، رقَّ قلبُه لها، فانتزعَ منها النومَ ووضعه في الصندوق وأغلقه. ثم تزوجها. عندئذ مَنَّ عليها بالألوهية جوبيتر، ملك الآلهة، فصارت "ربّةَ الروح”. ومنها اِشْتُقَّ مصطلح "علمُ النفس" Psychology. ومن بين الأساطير الرومانية وعديد الحكايا والحواديت، نجد حقيقة علمية واحدة. هذا اليوم (14 فبراير) هو بداية موسم تزاوج الطيور في إنجلترا وفرنسا. لهذا أصبح سِمةً للرومانسية، يتبادلُ فيه العشاقُ والأصدقاء، بطاقاتِ تهنئة وهدايا. وترقدُ لليوم، في مكتبة لندن، أقدمُ تهنئة بعيد الحب في التاريخ، من عاشق صبٍّ لحبيبته. وكانت من تشارلز، دوق أورليانز، لزوجته الحبيبة حين كان سجينًا في برج لندن في القرن ال 15. ما تلك العاطفة التي منحتنا كلَّ هذا الميراث الضخم من الأغنيات والأوبرات، والمسرحيات، والروايات، والقصائد الماسّة للمشاعر والمقطوعات الموسيقية الآسرة؟ ما القوة العجيبة التي دفعت الإنسان ليبدع القطع النحتية واللوحات التشكيلية والأساطير، والحكايات الخرافية. ما تلك الكيمياء؟ ما ذلك الشعور الذي يخطف العقل، فيجلب السعادة القصوى في لحظة، وفي اللحظة التالية يجلب اليأسَ والحَزَن؟ إنه الحب. الحبُّ الذي جَمَّلَ العالمَ وغمر البشرَ بالبهجة والفرح. إنه الحبَّ الذي حين يُستخَفُّ به، قد يسبب أشدَّ ألوان العذاب النفسيّ والجسدي والعقلي كذلك. هو لغزٌ اسمه الحبُّ. يقول رالف إميرسون في كتابه "الجمالُ مُفعِّلُ الحياة": "الحبُّ يُعلي من طاقة الموهبة، وبه نتغلبُ على العثرات." قشِّروا الكراهيةَ عن أرواحكم، فإنها تؤذي الكارِه أكثر مما تؤذي المكروه. ابسطوا قلوبَكم مرمى لسهام الحب. أحبِّوا، تَصِحّوا.
فاطمة ناعوت
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احنا فقرا قوي!
-
كاميرا خفية لضبط المعلّم الطائفي
-
رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (3)
-
زغاريدُ وحزامٌ ناسف
-
دميانة … الزهرة رقم 29
-
اتركْ طرفَ الخيط يا مُتطرّف!
-
رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (2)
-
سيد حجاب ... مُت ما شاء لك الموت
-
بالأمس تعلمت شيئًا: مبروك عليكم السما
-
وإن أصابتك ركلةٌ في أسنانك
-
فرسان الإمارات … شهداء الإنسانية
-
أُقبِّلُ قلبَك … رسالة شريهان
-
رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (1)
-
حلم مريم
-
رسالةُ الإرهاب| نذبحكم في كل مكان!
-
صديقي معتز الدمرداش
-
شريهان … قطعة البهجة والعذوبة
-
صدقةٌ جبرية …. منحةٌ من الله!
-
الوسادةُ الإلهية …. كنزُك
-
بيكار … ريشةٌ ملونة طمسها الظلام
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|