أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - احنا فقرا قوي!














المزيد.....

احنا فقرا قوي!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5431 - 2017 / 2 / 13 - 23:49
المحور: المجتمع المدني
    


ف
إحنا فقرا قوي!
=========

“لِك نِفْس تحبّ وتعشق؟! يا بجاحتك يا أخي!” هذه واحدة من أشهر العبارات التهكمية في الدراما المصرية. وضعها "نجيب محفوظ" على لسان الأم الأرمل المُعدمة التي تركها زوجُها ورحل تاركًا لها أربعةً من الأبناء. كبيرُهم عاطلٌ يتعيّش من حماية الراقصات، وصغيرُهم ضابطٌ انتهازيٌّ أنانيّ لا يهتم إلا بصالحه ولو على حساب أشقائه. وفيما بينهما فتاةٌ فاتها قطارُ الزواج واضطرّت للتفريط في عِفّتها تحت ضغط الحاجة والعوز لتُلبّي حاجات أشقائها وأمّها الأرمل، وشابٌّ جادٌّ مكافح متعلّم؛ هو الرجاءُ الأوحد لتلك الأسرة المنكوبة. جاء ذلك في رواية "بداية ونهاية" 1949 ، التي جُسِّدت فيلمًا في مطلع الستينيات الماضية، من إخراج عظيم الكاميرا الواقعية: “صلاح أبو سيف”. قالت الأمُّ المطحونة تلك الكلمات الموجعة لابنها الأصغر حين علمت بأنه يحبُّ فتاة ويواعدها، فصدمها أن تواتي ذلك الابنَ "البجاحةُ" التي جعلت قلبَه يخفق بالحب والغرام بينما لا يجدون خبزًا حافيًا لقوت يومهم، أو خِرقة بالية تستر أبدانهم المهزولة بالجوع. فهل من مكان للحب؟! وهل من وقت للعشق؟!
ورغم أن أحداث الدراما قد كوّنت في مخيلتنا صورة كاملة عن فقر تلك الأسرة المخيف، وعَوَزهم الذي دفعهم لبيع أثاث البيت، ودفع الابنة إلى امتهان البغاء سرًّا مقابل قروش زهيدة تفي بضرورات الحياة، إلا أن العبارة القاسية صدمتنا جميعًا حين سمعناها من الأمّ الكادحة. فاجأتنا. كأننا "لم" نكن نعرف. رغم أننا نعرف. فلماذا صدمتنا كلماتُ الأم؟! هذا ما يحدث دائمًا. كفيفُ البصرّ يعلم أنه أعمى، ولكنه يُصدَم إن أخبره أحدٌ بأنه أعمى.
كذلك صدمتنا كلمةُ الرئيس حين هتف في لقائه الجماهيري الأخير قائلا: “محدش قالكوا إننا فقرا قوي؟!” لماذا صُدمنا؟ ألم يكن يعرف ثلاثون مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر أننا فقراء؟ ألم يكن يعرف بقية السبعين مليون مصري االمتأرجحين حول خط الفقر لا يبرحونه أننا فقراء قوي؟! ألم تكن تعرف الشريحةُ الضئيلةُ من أغنياء مصر ومتوسطي الدخل ممن استطاعوا برحمة الله النزوح قليلا عن خط الفقر، أننا فقراء جدًّا؟! جميعُنا نعرف فقرنا ونعيش فقرنا ونعاني الأمرّين كالبهلوانات حتى يمرُّ الشهرُ دون ديون جديدة تُثقِل كاهلنا وتُطوّق أعناقنا بالحاجة والذل. فلماذا صدمتنا كلمةُ الرئيس الموجعة؟
في تقديري لسبيين. الأول: لأن قائلها لنا هو "ربُّ البيت". الشخص الذي يُعوِّل عليه أبناءُ البيت أن يحلّ أزماتهم. وهو بالمصادفة، حال الكلام عن السيسي، ذاتُ الشخص الذي أنقذنا من فاشية الإخوان وردّ لنا مصرَ المخطوفة وأعطانا الأمل في غد "قريب" ستكون فيه مصرُ "أم الدنيا" وفق تعبيره. فلماذا تأخر هذا "الغدُ" ولم يأت؟ وهل يأتي؟ تلك أسئلة جالت في عقل كل مصري استمع إلى تلك الجملة الموجعة: "محدش قالكوا إننا فقرا قوي؟" في فيلم بداية ونهاية، لو كانت تلك الجملة "أنتم فقراء" قد وردت على لسان أحد الأشقاء لشقيقه، أو على لسان أحد الجيران لأي ابن من أبناء الأسرة الفقيرة، ما كان لها نفسُ الأثر الموجع، مثلما وردت على لسان الأم. وتلك عبقرية "نجيب محفوظ": أن وضع المأساةَ على لسان ربّة الأسرة، لتُفقد الأبناءَ أيَّ أمل في غدٍ أجمل، مادامت الأمُّ (ربّ الأسرة) قد وضعت كلمةَ النهاية الفاصلة لتوصيف المأساة التي تحياها الأسرة المعدمة. وكأن عقول الأبناء قد أكملت الجملة تلقائيا لتغدو: "احنا فقراء وسنظل فقراء للأبد. اقتلوا الرجاءَ في قلوبكم.!" فنحن المصريين، لم نتمرّن على ثقافة “العمل الجماعي” و”المسؤولية الجماعية”. عشنا منذ عقود طوال، إن لم أقل منذ قرون، على ثقافة دولة "الرجل الواحد". لهذا نحتاج أن نعرف أننا في لحظة "حرب" شرسة ضد عدوّين خسيسين: الإرهاب وعجز الموازنة. ولن تمرّ تلك اللحظة بسلام دون مضاعفة العمل، ومضاعفة الصبر والجَلد.
السبب الثاني لصدمتنا من كلمة الرئيس هو شعورنا بأن هناك: عدد 2 مصر، وليس مصرُ واحدةٌ؛ كما قالت البنت الفقيرة في فيلم "يوم للستات" بطولة إلهام شاهين وإنتاجها. مصرُ الفقيرةُ للكادحين الذين يبحثون عن طعامهم داخل صناديق القمامة ويعدّون قروشهم النحيلة فلا تكفي كسرات خبز وبعض أسمال تستر عُريَهم. ومصرُ الباذخةُ التي أصحابُها يأكلون الكافيار ويسكنون القصور ويركبون السيارات الفارهة والبيتش باجي على شواطئهم الخاصة. وقد يغفرُ الفقيرُ ثراءَ ثريٍّ ورث ثراءَه عن آبائه أو حصّله بجهده وعمله، لكنه لا يُسامح أن يرى ذلك الثراء الفاحش في يد من اختاره نائبًا عنه ليكون صوتَ الفقير والمريضَ والمظلوم. قهرتنا كلمةُ الرئيس حين تزامنت مع شراء أعضاء البرلمان سيارات مصفّحة باثنين وعشرين مليون جنيه، بينما نحن "فقرا قوي!” السؤال هو: من أين للفقراء هذا؟ والسؤال الثاني: ممَ يخاف النواب ليختبئوا داخل سيارات مصفحّة؟ مصر غنيّةٌ بمواردها وشعبها وتراثها، لكن الخللَ وسوء الإدراة يسكنُها.

فاطمة ناعوت



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كاميرا خفية لضبط المعلّم الطائفي
- رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (3)
- زغاريدُ وحزامٌ ناسف
- دميانة … الزهرة رقم 29
- اتركْ طرفَ الخيط يا مُتطرّف!
- رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (2)
- سيد حجاب ... مُت ما شاء لك الموت
- بالأمس تعلمت شيئًا: مبروك عليكم السما
- وإن أصابتك ركلةٌ في أسنانك
- فرسان الإمارات … شهداء الإنسانية
- أُقبِّلُ قلبَك … رسالة شريهان
- رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (1)
- حلم مريم
- رسالةُ الإرهاب| نذبحكم في كل مكان!
- صديقي معتز الدمرداش
- شريهان … قطعة البهجة والعذوبة
- صدقةٌ جبرية …. منحةٌ من الله!
- الوسادةُ الإلهية …. كنزُك
- بيكار … ريشةٌ ملونة طمسها الظلام
- متى ينتهي كتابي عن الإمارات؟


المزيد.....




- كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
- اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
- السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في ...
- ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
- السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير ...
- غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا ...
- شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
- هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و ...
- ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها ...
- العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - احنا فقرا قوي!