قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 5430 - 2017 / 2 / 12 - 18:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أزمة ضمير ..
في بداية العقد الثامن من عمرها ..أرمل.. تزوج أحفادها وأنجبوا ..لها من البنين ثلاث ومن البنات خمسةٌ، كلهن متزوجات عدا واحدة تعيش معها في نفس البيت ، وترفض فكرة جملة وتفصيلا ..
وحيث أن واجباتها المنزلية قد قلّت بدرجة كبيرة، بعد أن كانت في صباها وأمومتها لا تهدأ، كالنحلة تجوب ارجاء البيت، تغسل يدويا كومة هائلة من الغسيل، ما بين ثياب افراد الأُسرة العشرة(في عين الحسود)، وأغطية الفراش والألحفة (لم تكن بعد غسالّات اوتوماتيك). لتجلس بعدها الى ماكينة الخياطة، تخيط لنساء الحي ثيابهن .. وليتحول بيتها الصغير الى مضافة نسائية ، في اوقات ما بين الظهر والعصر. تحضر نساء الحي لقياس الثوب أو لأخذ قياس لثوب جديد ..
كدّت هي وزوجها المرحوم، وبالكاد استطاعا تلبية حاجات البيت والأولاد، لكنهما حمدا الله على نعمه الكثيرة، وأديا واجباتهما الدينية على أكمل وجه، بما في ذلك تأدية مناسك الحج .
مع تدينها فإنها لا تُطيق متابعة ولا حتى مشاهدة "شيوخ الفضائيات" ، بل تعتبرهم كذابين ودجالين، لذا فهي تتابع قنوات الأخبار العربية وبعض البرامج العائلية .
- الحمد لله ، أقوم بواجباتي الدينية واستغفر الله عن ذنوبي ، فلعله سيغفر لي خطيئتي .. فلو أنني حافظتُ عليه أو عليها فلربما اصبح متزوجا الآن وله أولاد !! قالت على مسامعي.
والقصة ببساطة أنها وفي سن متقدمة ، حملت بجنين، لكن الأطباء ابلغوها وزوجها بأن الحمل يشكل خطرا على حياتها، ومن الأفضل أن تُنزله (تجهضه)... فوافقت وما زالت نادمة تتعذب على ذلك بعد مرور عقود.
يتضح لي ومن تجربتي الحياتية بأن الفقراء وبسطاء الناس هم الذين يمتلكون ضميرا يؤنبهم... يتألمون ويتعذبون جراء ما يحدث لهم ويتحملون المسؤولية عنه، ولو لم يكن لهم باليد حيلة ..!!
بينما كل أولئك الذين يستغلونهم، يعيشون في رغد وبلهنية ، دون أو يؤرقهم "ضميرهم" الرقيق..
وكل الذين يتاجرون ببؤس الفقراء وشقائهم، رافعين شعارات أو بائعين قصورا في الجنة .. يستمتعون وعن الهموم غافلون ..
بينما الذين يحرضون الآخرين على "الجهاد" ، بأولادهم يحتفظون في حرز مكين ، ويرسلونهم الى أرقى الجامعات في الغرب يدرسون .
يُخيل إليّ أحيانا بأن الضمير هو إختراع من الطبقات المسيطرة ، لتلهي به الفقراء والمستضعفين .. وتتحكم بهم الى أبد الآبدين ..
فهل هناك نوعان من الضمير ... ضمير المنتصر وضمير المهزوم ؟!
ما العمل إذن ؟!
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟