حضارة بلاد وادي الرافدين / الحلقة الأولى

نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث
(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)

الحوار المتمدن-العدد: 5429 - 2017 / 2 / 11 - 03:03
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

حضارة بلاد وادي الرافدين / الحلقة الأولى
نبيل عبد الأمير الربيعي
قيمة الحضارة ليست في الجمالية والإبداعية حسب, إنما في قدرتها على التأثر والتوالد, وإذا كان مصطلح (الحضارة) جديداً على الفكر الغربي, واهتماماته به ترجع إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر, فإن هذا المصطلح كان أحد المفردات التي شغلت بال المفكر العربي سواء في تحديد مفهومه أو بحث موضوعاته عندما بين ارسطو بينَ الاستقرار والتحضر, واعتبروا الأول أساسياً في نشأة الحضارة دون أن يهملوا ظروفه الطبيعية.
والإنسان في المجتمع العراقي خلق من توازن الطبيعة قاعدة للعمل الحضاري, فحضارة العراق هي إرادة الإنسان الذي استطاع عبرَ سعيه أن يتوصل إلى ذلك التوازن الرائع بين حاجته على الأرض وبين ضرورات السماء, هذا التوازن الذي بلغ قمته في اعتماده أداةً وموضوعاً للخطاب الإلهي كما عبرت عنهُ الرسالات السماوية فيما بعد.
وظهور الدولة وأشكال أصول التنظيم الاجتماعي من خلال الاتساع, يكشف لنا أن الحضارة في العراق يعقبها ظهور دولة تشكل إحدى الضرورات العضوية لها.
يذكر الدكتور تقي الدباغ أستاذ الآثار القديمة في جامعة بغداد في مقال لهُ (البيئة الطبيعية والإنسان) إن كلمة عراق (اختلف الباحثون في الأصل والمعنى, وهناك ثلاثة آراء يقدم أصحابها أصلاً ومعنىً يختلف عما يراه أصحاب الرأي الآخر, ويعتقد البعض كلمة (عراق) عربية الأصل ومعناها الشاطئ, فالبلاد القريبة من البحر هي عراق, وهي كذلك لأنها على شاطئ دجلة والفرات, ومعناها أيضاً الجبل أو سفوح الجبل, ويرى آخرون أن كلمة عراق ترجع في أصلها إلى لغة قديمة أما أن تكون سومرية أو من قوم آخرين غير السومريين وغير الساميين الذين استوطنوا السهل الرسوبي في عصور قبل التاريخ, ويرى أصحاب هذا الرأي أن الكلمة مشتقة من كلمة أوروك أو أونوك التي تعني المستوطن, وهذه الكلمة سميت بها المدينة السومرية المشهورة الوركاء).
وفي حدود ذلك الزمن ظهر مصطلحان أحدهما بلاد سومر للقسم الجنوبي من السهل الرسوبي, والثاني بلاد أكد للقسم الأوسط من ذلك السهل, وظهرت تسميات جغرافية سياسية أخرى منها بلاد بابل وبلاد آشور, واستعمل عدد من الكتاب اليونان والرومان وأولهم (هيرودوتس) مصطلح بلاد بابل وآشور لإطلاقه على القطر كله أو على الأجزاء الوسطى والجنوبية منهُ, كما استعملوا تسمية (كالديه) نسبة إلى الكلدانيين الآراميين الذين أسسوا الدولة الكلدانية ما بين القرن السابع والسادس قبل الميلاد.
وفي الفترة ما بين القرن الرابع والثاني قبل الميلاد ظهر استعمال الكتّاب اليونان والرومان لمصطلح (ميزوبوتاميا) أي (بلاد ما بين النهرين), والعالم الآثاري طه باقر يرفض مصطلح ما بين النهرين وإنما يطلق على العراق بلاد الرافدين لأنه الأوسع مساحة, وتسمية ميزوبوتاميا هي أغريقية الأصل وشاع استعمالها عند الكتاب الأوروبيين لإطلاقها على هذه البلاد كلها أو على بعضها, ولعل استعمال لمصطلح ميزوبوتاميا ورد في كتاب المؤرخ الشهير بوليبوس في القرن الثاني قبل الميلاد, والمؤرخ سارابو في القرن الأول قبل الميلاد لإطلاقه على الجزء المحصور ما بين دجلة والفرات من الشمال إلى حدود بغداد تقريباً.
اتسع اسم العراق في الشعر الجاهلي, وأطلق العرب على بلاد الرافدين الشمالية اسم الجزيرة, وأطلقوا اسم العراق على الأقسام الوسطى والجنوبية مما يسمى الآن عراقاً, كما سموا السهل الرسوبي بأرض السواد لخضرته, وهذا المصطلح ظل متوارثاً منذ العهد البابلي القديم في الألف الثاني قبل الميلاد.
للعراق مكانه مهمة في تأريخه القديم والحديث ليس لكونه مهد الحضارة البشرية فقط بل لأنه غني في ثرواته الطبيعية ولأهميته العسكرية التي تجعل منهُ مشرفاً على القسم الشرقي من الشرق الأوسط, لأنهُ يقع على الجسر الأرضي الذي تلتقي فيه ثلاث قارات هي اوروبا واسيا وافريقيا. لكن هذه الأهمية ضعفت بعد تحول الطرق التجارية البحرية العالمية على أثر اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح في القرن السادس عشر ميلادي بالهند وجنوب شرق أسيا بدون الخليج العربي.
أما لو عدنا للعصور الحجرية القديمة فقد مر العراق بالعصور الجليدية, ويظهر أن العراق شهد أربعة عصور مطيرة, وأن العصر الأول بدأ أواخر عصر البلايوسين واستمر حتى بداية انتشار جليد كنو, وقد وجدت مخلفات إنسان العصر الحجري القديم بدوريه في أحد الكهوف في المنطقة الجبلية بشمال العراق, ففي هذه المناطق عاش إنسان يناندرنال والإنسان العاقل على صيد الحيوانات البرية, والدليل على ذلك استخرج المنقبون الآثاريون في تلك الكهوف أثناء التنقيبات الأثرية عظام تلك الحيوانات والآلات الحجرية التي استخدمت في صيدها.
ارتبط نشوء حضارة العراق وازدهارها منذ البداية بوجود النهرين الكبيرين دجلة والفرات وروافدهما, فعلى ضفاف الأنهار أسست القرى الزراعية الأولى في العراق وكانت الزراعة وما تزال أهم الحرف الاقتصادية لسكان هذا القطر, وقد مهدت الحياة الزراعية في مراحلها المبكرة السبيل إلى قيام أقدم الحضارات البشرية في العالم. وقد ورد اسم دجلة في النصوص المسمارية السومرية بهيئة أدكنا Idigna , أما الفرات فقد ورد اسمه في النصوص المسمارية بمجموعة من العلامات تلفظ بهيئة بورانن ويرادف ذلك في اللغة الأكدية لفظ بوراتي Purati ومنها الصيغة العربية فرات.

المصادر :
1- د. أحمد سوسة . فيضانات بغداد في التاريخ القسم الأول . بغداد . 1963م.
2- د. أحمد سوسة. الري والحضارة في وادي الرافدين. بغداد. 1968م.
3- د. سامي سعيد الأحمد . العراق القديم. ج1. بغداد. 1978م.
4- طه باقر. مقدمة تاريخ الحضارات القديمة. ج1. بغداد. 1973م.
5- د. هاري ساكر. عظمة بابل. ترجمة د. عامر سليمان. 1979.

يتبع الحلقة الثانية

#نبيل_عبد_الأمير_الربيعي (هاشتاغ)       Nabeel_Abd_Al-_Ameer_Alrubaiy#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات