|
الثقافة والمثقف... الريادة ...والتأثير
عبد الخالق الفلاح
الحوار المتمدن-العدد: 5427 - 2017 / 2 / 9 - 16:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الثقافة والمثقف... الريادة ...والتأثير دراسة مختصرة بالرغم من التعاريف المتعددة والمختلفة للثقافة إلا أن الجميع يتفق على إن الثقافة بمفهومها الواسع تستند إلى العلوم المتعددة والآداب ومختلف العلوم الإنسانية والتجربة التاريخية المستمدة من حياة الشعوب. من هنا فأن حماية مؤسسات التنمية الثقافية ضرورة وحاجة ملحة لاستنهاض الوعي الاجتماعي وبناء الانسان في المجتمع وفي تحطيم قيود الفقر والتخلف التي تقيد معصميه وتشل قواه ، توجيه العلم وتطويره والاعتماد على التقنية الحديثة ووسائل الإنتاج تقضي على الازدواجية بين الحداثة والتقليد والمدينة والريف، ومسؤولية الدولة ان تقوم بواجباتها نحو الثقافة والمثقف وان تدعمهما مادياً و معنوياً و تعمل على الحماية والمحافظة على الحريات وصيانتها وتعزيزها بالقوانين وان تنسق بين كافة المؤسسات المعنية بالتربية والتعليم والاعلام والفنون لانها احدها تكمل الاخر و صيانة للتراث الثقافي في وجه عمليات التغريب والتشويه . لا يمكن إنكار دور الثقافة والمثقفين، في بناء وتطوير الوعي العام للمجتمعات، لكن في نفس الوقت، لا يجب تحميلهم أكثر مما يحتملون، حيث أن الجهود الرامية إلى التقدم، هي جهود جماعية، يحمل مسؤوليتها المثقف، والسياسي، والاقتصادي، إضافة إلى العمال، وأرباب العمل ،اي كل فئات المجتمع كما لا يمكن الفصل بين النهضة الثقافية، والنهضة الأخلاقية، والاقتصادية، إضافة إلى الجوانب العسكرية، والاجتماعية، بل تعتبر الثقافة، محصلةً لكل ألاوجه تلك ، لكن لا يمكن اعتبارها مقياساً مستقلاً للتقدم، أو التحضر، حيث أنها في حال تقهقر الأمة في المجالات الباقية ، لا تعدو كونها انتاجات فريدة، ينسبها المجتمع إلى نفسه ، ليتمكن من التصالح مع تخلفه في مجالات أخرى . الدولة ليس في امكانها التخلي عن مسؤوليتها لان لديها المال والسلطة التشريعية لرسم السبل ولابد ان تقوم بدور الوسيط الطبيعي في ابداع الثقافة وتشجيعها واستيعابها و حافزا لاعطاء التنوعات الثقافية وظيفتها الانسانية في تنمية الافراد والشخصية الانسانية وتحقيق الديمقراطية الثقافية ، وتساعد في تعمق أواصر الترابط العضوي الوثيق بين السياسة والثقافة وتفعيل قطاعاتها في ادارة شؤون البلاد وتطوير ابواب التنمية الثقافية التي هي الغاية التكاملية لصناعة الانسان والمجتمع وباعتبارها وسيلة لتوسيع واصلاح مفهوم اقتصادي كلي للتنمية بدلا من وضع العقبات والعراقيل التشريعية والسياسية أمام حرية سلطة الثقافة والمثقف و لكل ابداع ثقافي وان أي اصلاح ثقافي لا يواكبه اصلاح في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو اصلاح محكوم عليه بالفشل لكن الدولة التي تنتهج التعسف والقمع والحد من حرية المثقف المعارض او المفكر المستقل لخوفها من سلطة المعرفة والعلم والثقافة والتأثير في الناس تلجأ الى اسكات صوت هذا المثقف والمفكر وتعمد الى تهميش دوره الريادي والمؤثر ما يضطره الى الأغتراب والانزواء والتقوقع والاحباط واليأس والهروب من سلطة الحكومة والعرف السائد وسلطة الفكر المنقرض واحيانا تلجأ بعض الدول التي تخاف من المثقف او المفكر الى محاولة استمالته السياسية عن طريق منحه إغراءات مادية وسلطوية كأن يكون مستشارا او موظفا حكوميا واحيانا يتضاءل الدور السياسي لهذا المثقف وهذا ما هو حاصل في زماننا ويمثل أهم الظواهر البارزة في الحياة الثقافية والسياسية والفكرية . فعلية ان معظم الاقلام تورطت في لعبة السياسة والسلطة مقابل مبالغ وحسب القيمة دون معايير حقيقية، مع التأكيد على ان اكثر السلطات والأنظمة كانت ولا زالت تريد تأكيد وجودها في الساحة استنادا إلى شرعية مبتدعة ما انزل بها من سلطان أو إلى قراءة رسمتها وفق معطيات خاصة. لذلك يصعب وجود دراسات غير خاضعة لتوجيهات السلطة ومصالحها. أحيانا يتواطأ المثقف مع السلطة وأحيانا لا تسمح له بقول الحقيقة والكشف عن المسكوت عنه ، فيمارس البعض الاخر نفاقه السياسي ويساهم في تشويه الحقيقة والأحداث التاريخية نتيجة انغراقه وانغماسه بعلاقته الوطيدة مع السلطة العليا فتجد الكاتب او المثقف نفسه مندمجا في إطار أيديولوجيا سلطوية سائدة تجعل منه أداة لتمرير خطابها المشوش للحقيقة، يخدم مصلحة النخبة الحاكمة، عوض أن يقوم بدوره الرئيسي في تنوير المجتمع والشاهد عليه فهو يقوم بنشر أفكار السلطة والدفاع عنها بقصد أو بدون قصد. هذا ما يجعل البعض أحيانا مرهونا بالدفاع عن سياسات الحكومات ونشر الافكار القاسية التي ترمي للتخويف والترهيب ، مما يجعل فكره ونظرياته يغلب عليها طابع الهيمنة الماضية وينفصل تلقائيا عن فهم المستقبل ولا يعطي أي أهمية للإعتبارات المجتمعية . لذلك يستوجب التغيير بطريقة حضارية تؤدي الى خلق ولادة جديدة في المجتمع سياسيا واجتماعيا وثقافيا. فكيف يمكن أن نثق في هؤلاء وكيف يمكن أن نثق فيما يدونون للتاريخ للاجيال القادمة ...؟ فقد عاش معظمهم يدافع عن الأنظمة في حين من الضرورة الحفاظ على المقومات والمكتسبات من أجل سلامة وأمن الفرد دون المجتمع . مثل هؤلاء مكتوب عليهم بأيديولوجيا النفاق ، يصعب عليهم الإنسلاخ من معطفهم السياسي السلطوي ومصالحهم الضيقة ليكونوا فاعلين رئيسيين بمنظور موضوعي للواقع الإجتماعي المعاش لغرض تحقيق التغيير المنشود الذي يتطلع إليه المجتمع. إن الدور المنتظر في المثقف بناء القيم المساندة للتطوير التي تساعد المجتمع والأفراد في تحقيق الإصلاح السياسي وصولا إلى تحول اساسي واسع يمهد له خطوات فاعلة لرفع مختلف آثار وأشكال الهيمنة الحكومية - المباشرة وغير المباشرة- عن وسائله، وضمان حرية ممارسة الإعلاميين لمهامهم دون تدخل السلطة ، لما في ذلك من أهمية في دعم النظام الصالح ، والتجسيد الواضح لحرية التعبير، بوصفها الدعامة القوية للشفافية ، عبر إصلاح التشريعات الإعلامية ذاتها التي تتولى تنظيم وممارسة النشاط الإعلامي، وتضع المعايير التي تحكمها، مثل الدوائر المسؤولة عن الاعلام والثقافة على ان تكون مهنية في عملها ، في حينها تكون مسؤولة لايجاد الحلول الوسطية في جميع الإشكاليات والمعوقات التي تواجه الطروحات وايجاد الحلول ومشاريع الإصلاح الممكنة عبر وضع برامج واستراتيجيات إعلامية ووسائل لا نعكاس تلك الاطروحات الى الطبقات المختلفة ، يكون للنخب الأكاديمية والإعلامية والسياسية والثقافية المستقلة دورٌ رائدٌ فيه لا يخافون المؤثرات . مسؤولية المثقفين في علمنا اليوم هو رفض العنف مهما كانت مسبابته وحججه ، من اجل تكوين ثقافة قائمة بصدق وعمق على السلام والتسامح والمحبة و الكفاح من اجل الحقوق المشروعة، الوطني او الاجتماعية، بالكفاح الشعبي السلمي والثقافي الانساني الوحيد القادر على الانقاذ من مستنقع الظلم والمظلم الدامية الذي غرقت فيها الشعوب. عبد الخالق الفلاح – كاتب واعلامي
#عبد_الخالق_الفلاح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اذا كانت التسويات والمصالحات للبناء
-
قرارات ترامب ومؤشرات الانحدار السريع
-
بين الوقائع والرقص على المشاعر
-
مقارنة في حرية الراَي والتعبير
-
امريكا ترامب ... وفشل المراهنات
-
وماذا بعد تصدع الارهاب...؟
-
بِكم اسودّتِ الأيام بعدَ ضِيائها ( * )
-
مكافحة الارهاب والانتصارات وذريعة التسوية
-
اضاءات مشرفة من تاريخ الكورد الفيلية
-
تركيا بين تقليل الاعداء وزيادة الاصدقاء
-
بمناسبة اعتلاء نصب شهداء الكورد الفيليين
-
التسوية المجتمعية...المعاني والدلالات
-
الموت المبكر للتسوية المطروحة
-
العودة الى لقمة الخبز
-
خطوات النجاح في توسيع العلاقات
-
حرامي لا تصير من السلطان لا تخاف
-
للناس المحبة وعلى الارض السلام
-
انتصارات حلب...السهم القاتل
-
ثقافة حكومة السلطة ، وسلطة الشعب
-
مدينتي تتوشح بالامنيات
المزيد.....
-
-غير أخلاقي للغاية-.. انتقادات لمشرع استخدم ChatGPT لصياغة ق
...
-
بالأسماء.. مقاضاة إيرانيين متهمين بقضية مقتل 3 جنود أمريكيين
...
-
تحليل.. أمر مهم يسعى له أحمد الشرع -الجولاني- ويلاقي نجاحا ف
...
-
مكافأة أمريكا لمعلومات عن أحمد الشرع -الجولاني- لا تزال موجو
...
-
تفاصيل مروعة لمقابر سوريا الجماعية.. مقطورات تنقل جثث المئات
...
-
يقدم المعلومات الكثيرة ولكن لا عاطفة لديه.. مدرسة ألمانية تض
...
-
الجيش الإسرائيلي يستهدف مستشفيي كمال عدوان والعودة شمال قطاع
...
-
قلق من تعامل ماسك مع المعلومات الحساسة والسرية
-
ساعة في حوض الاستحمام الساخن تقدم فائدة صحية رائعة
-
ماكرون يزور القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي ويتوجه إلى إ
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|