|
علاقة -دستويفسكي- بالتحرر الفلسطيني
هيثم بن محمد شطورو
الحوار المتمدن-العدد: 5427 - 2017 / 2 / 9 - 05:27
المحور:
الادب والفن
" يقول أحد المحكومين عليهم بالإعـدام، أو يفكر حين لا يـبقى على موعد إعدامه إلا ساعة واحدة، بأنه إذا كان عليه أن يحيا على صخرة عالية، ذات حافة ضيقة، له منها موطئ قدميه فحـسب، يحيط به البحر و الظلام، و الوحدة، و إذا كان عليه أن يقف في ياردة مربعة فقط طول حياته، أو ألف سنة، أو حتى إلى الأبد، فان ذلك كله أفضل من أن يموت الآن، أن يعيش فقط، يعيش،يعيش، مهما كانت الحياة...". و لعل المولع بالأدب، و خاصة الشغوف على قراءة الأدب الروسي، لابد أن يكون حزرا إن لم يكن متيقـنا بان هذه الكلمات للكاتب الروسي "دستويفسكي"، و بالتالي فانه ما أن يقرأ:"احد المحكومين عليهم بالإعدام"، حتى يقـفـز إلى ذهنه مباشرة ذاك التعيس البائس الجميل "راسكولنيكوف"، بطل الرواية الذي قـتل تلك العجوز المرابية و التي يصل الاسترسال في وصفها إلى إثارة الرغبة في قـتلها و اعتباره عملا خيرا و ليس شريرا.. بل في قراءة حية للأدب، ستربط بين تلك العجوز المرابية المقيتة و بين ما تستـزفه البنوك اليوم و خاصة الشبكات المصرفية العالمية فيتكـشف قبحا اشد فضاعة من قبح تلك العجوز. حين تملك فكرة حول "دراغولا" الرباء العالمي و الاستـنـزاف لمجهودات البشر و كرامتهم و لقوة الدول و مناعتها الروحية و القيمية، فحولتها إلى عبادة المال مثلما يعبدونه هم، و استحكمت في الشعوب بالاستـثمارات المهولة فيما يسمى القروض الدولية، و غيرها من عمليات خلق الانكماش الاقتصادي ليتم سرقة ثروات الشعوب و انتاجاتها بابخس الأسعار ثم بواسطة الاحتكار يتم بيعها و داخل تلك العملية يتم توريط اقتصاديات الدول في قروض إضافية ما لتغطية العجز و القروض السابقة و هكذا عملية استنزاف متواصلة في مسرحية عالمية تؤثـثها ما يسمى مؤتمرات "دافوس" و مؤشرات ما يسمى منظمات اقتصادية عالمية.. عمليات نهب و ربح لآلاف المليارات و أرقام خيالية بواسطة عمليات الرباء العالمية.. يبدو لك "راسكولنيكوف" منـقـذا للبشرية و ليس مجـرما.. و بطل "الجريمة و العقاب" الذي قـتل المرابية المقيتة، كانت كل الشكوك البوليسية التي تـقود إلى العقاب تنأى عنه، فيعيش أزمة في الفكر و الضمير مثلما هو البطل الإنساني المحمل بالأفكار فتكون أزمته الذاتية هي عقابه، و باءت محاولته في إخراجها من داخله حين ذهب إلى المحقـق البوليسي ليعترف له بجريمته إلا أن المحقـق اخذ كلماته مأخذ الهزل الركيك و لم يصدقه.. ربما يكفينا الأمل في "راسكولنيكوف" عالمي يقـتل جميع المرابين بدم بارد و يقف على بقع دمائهم ضاحكا.. هنا لا يمكن أن يكون إلا قاتلا لنظام مؤسسة المصرفية العالمية.. و بما أن كثيرين يعلمون أن "دستويفسكي" كان ثوريا فوضويا إرهابيا، و انه تعرض إلى موقـف الانـتـظار لتـنـفيذ حكم الإعـدام فيه، و انه بفارق دقائق معدودات أسعف بوصول العفو القيصري و استبداله بالنفي إلى سيبيريا، فإنهم يدركون أن ذاك المنفى لم يكن إلا مخاضا لأفكار عميقة و كتابات تحترق بخطى الآلام و التـناقضات الإنسانية من خلال احتكاك الكاتب مع السفلة و المجرمين و أشباههم و الإنسانيـين جدا التي شاءت الوضعيات البشرية أن يكونوا مجرمين. و هكذا تعلم الكاتب من خلال الاستماع المباشر الحي إلى اللحم و الدم و الوجوه و الدموع و ضحكات السخرية و آهات الندامة و توهجات القوة و مختلف أوجه الحنين و الطفولة الضائعة.. الأوجه العدة لمثيرات الأفكار.. و هو يفكر و يفكر و يضرب فكرة بفكرة و يغوص أكثر فأكثر في التـفكير إلى درجة أن يمقت نـفـسه فيكتب قصة "الصرصار"، و هو الإنسان الذي يذوي إلى صرصار تـذوي دمائه و تجف حيويته نتاج التـفكير الدائم المتضخم.. ذاك التـفكير الذي يخرجه من الأنظمة جميعها.. التـفكير المطول الذي ينير له ظلمات نفسه العميقة فينير للعالم مكامن كانت مظلمة فيه.. انه يقول في "الصرصار": " ليذهب هذا النظام إلى الجحيم، إنني أطالب بحقي في التصرف كما أشاء.. بحقي في اعتبار نفسي جوهرا فذا فردا.. إن الإيمان بالنظريات التي تدعو إلى إصلاح الجنس البشري بواسطة الأنظمة هو كالإيمان بان الإنسان يصبح أرق كلما أوغل في الحضارة. و لعل ذلك صحيح من الناحية المنطقية، إلا انه ميال إلى الأنظمة و الاستـنـتاجات المجردة إلى درجة انه مستعد حتى لتـزيـيف الحقيقة، للتعامي أمام الأشياء التي يراها، و التصامم أمام ما يسمعه مادام ذلك يساعـده على إثبات منطقه.. إن الحضارة لا تطور في الإنسان إلا قابلية إضافية على استـقبال المؤثرات، و هذا هو كل ما في الأمر، كما أن نمو هذه القابلية يزيد من ميله إلى البحث عن اللذة في سفك الدماء. و لعلك تلاحظ أن أشـد الناس دموية و عنفا هم في الوقت نفسه أشدهم تمدنا و تحضرا..." و بقدر ما اختـلف النقاد الأدبـيـين بين اعتبار "دستويفسكي" يعطي قيمة الخير لبطله برغم فعله الجرمي الشرير، و بين من يعتبره واضحا في تـناول مسالة الشر و رفضها و بين من رآه يقر بالشر كاختيار خير في باطنه للقضاء على الشر، و بين من اعتبره في نهاية الأمر مسيحيا متعصبا لقيم مناهضة الربا و كارها لليهود، فإننا نجد موقـفا واضحا من الربا، خاصة حين نربط ذلك مع موقـفه الذي عبر عنه بصراحة في كتاب آخر حول اليهود و قد حذر فيه أنهم سيحكمون العالم في القرن العشرين، و انه سيكون قرن القيامة الإنسانية بمعنى رفع القيمة الروحية عن الإنسانية لان اليهود سيفرغوا الوجود الإنساني من مثاليته و روحيته بجعل المال الاها. سيتحكمون في العالم بواسطة سلطة المال التي هي بواسطة المصارف في إطار تـقـنين الأنشطة الربوية. الربا الذي تباركه اليهودية، بل إنها تـنص في كتبها المقـدسة على وجوب الاشتغال على تركيم الأموال و الاشتغال بالربا لإحراز القوة التي يسيطر بها اليهود على الأغيار.. هذا موقف مناقض للمسيحية و الإسلام اللذان حرما الربا بصراحة بل إن الله في القرآن يلعن مكـتـنـزي الأموال و يعدهم بالجحيم و السعير.. لأجل ذلك، فقضية التحرر الفلسطيني هي قضية عالمية و ليست فلسطينية فقط. أنها قضية التحرر من منظومات الربوية العالمية.. فهل لأحرار العالم بـ"راسكولنيكوف" عالمي ليقـتل المنظومة العالمية المرابية التي حولت البشر إلى صراصير و لكنها ليست بصرصار "دستويفسكي" المفكر و إنما صرصار "كافكا" في القرن العشرين الذاوي إنسانيا؟
#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الانتقام ل-شكري بالعيد-
-
رسالة الى السوريين حكومة و معارضة
-
الصفعة الروسية لايران
-
تونس بين ديدان الأرض و ثورتها
-
نظرة تونسية للجزائر اليوم
-
مساجد لعبادة الله أم الإمبريالية ؟
-
المسرح الروماني ضد الإرهاب الاسلامي
-
-بشار الأسد- و الناعقون على حلب
-
المثقف و الاستبداد
-
الفوضى السياسية في تونس
-
مارد الاستثمار في تونس
-
وقف سلسلة الانتقام في تونس
-
بوح معذبي الدكتاتورية في تونس
-
مهزلة العراق الجحيمية
-
صدمة -ترامب-
-
مأزق الراهن
-
الجسدي التائه
-
بين العلم و الايمان
-
حصان الثورة
-
-جمنة- بين الثورجية و المعقولية
المزيد.....
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|