ثائر زكي الزعزوع
الحوار المتمدن-العدد: 1430 - 2006 / 1 / 14 - 08:47
المحور:
الادب والفن
حين بدأت المغنية نجاة سليمان أمسيتها الغنائية المتميزة في شتاء دمشقي بارد، بثّ صوتها الدافئ هدوءاً استثنائياً في العاصمة المنتظرة بترقّب حذر ما ستؤول إليه الأحوال بينما لجنة التحقيق تعدّ العدّة لتبدأ جولةً جديدةً من الأخذ والردّ، ولينحسر أي مشهد آخر يمكن أن يلوّن الصورة القاتمة التي تعيد نذرها إلى الأذهان ما حدث قبل ثلاث سنوات حين كانت طبول الحرب قد بدأت تُقرع من بعيد وهي تؤذن للجيوش القادمة من وراء المحيطات لتزلزل الأرض تحت أقدام أهل الجارة الشقيقة العراق.
وبينما كان الخارج منشغلاً بكمٍّ هائل من الأعلام يطوف بها أهل الشام متنقلين بين خيام نصبوها اعتصاماً للتنديد بالهجمة الشرسة كانت المغنية تشدو بصوتها الدافئ مجموعة منتخبة من أغاني فيروز جعلت الجالسين في صالة المركز الثقافي الفرنسي ينسون لساعة من الزمن عواصف الخارج ويغوصون في دواخلهم أكثر فأكثر مستعيدين على الأغلب رومانسية صارت نادرة بل لم تعد موجودة على الإطلاق.
المغنية الحالمة بدت بدورها مثل جمهورها المصغي بعناية فائقة مصغية أيضاً تجوس بعينيها تتلمس الوجوه من خشبة المسرح متنقلة بين الجالسين سكارى في مقاعدهم، دون أن تفقد ذلك التواصل بين حساسية مفرطة في صوتها وبين أنامل عازف القانون المبدع توفيق ميرخان وعازف التشيلو محمد نامق، ومع آلات الإيقاع التي كان يداعبها برقة العازف سيمون مريش.
بدأت الأمسية بـ(أهواك) رائعة زكي ناصيف وانتهت كذلك بالأغنية نفسها وكأنما هي تأكيد على الحاجة إلى الحب في زمن الحرب، وتأكيد على الهوى في الزمن الذي تتلاعب به الأهواء، وبين بين كانت (يا غزيل) وغيرها ضمن نسيج متقن أحسن اختياره المؤلف الموسيقي حسان طه ضمن رؤية جديدة في التعامل مع المفردة الرحبانية السهلة الممتنعة، مع الحفاظ الكلي على كامل الخصوصية التي جعلت الرحابنة مدرسة متميزة في عالم التأليف والغناء.
لم ينشغل المصغون كثيراً بتحريك أقدامهم أو هز رؤوسهم كما يحدث في الحفلات الموسيقية في هذه الأيام بل غاصوا عميقاً متأملين المفردة وكأنهم يستمعون إليها للمرة الأولى، وكان الجو العام أقرب إلى حالة تواصل صوفي.
لم تقدم نجاة سليمان جديداً لكنها جاءت متحدية لتعيدنا ولو قليلاً إلى ذواتنا المهملة على رفّ تعشّش فيه السياسة والسخط والغضب، ويسيطر عليه الزحام.
مشهد استثنائي: طفلة في السادسة من عمرها كانت تصغي بانتباه شديد، وتردّد بعض كلمات الأغاني، ألم تسمع هذه الطفلة أغنية (الحاصودة)؟!
#ثائر_زكي_الزعزوع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟