|
هل أرحنا أنفسنا من زيف الكلام ؟
عبد اللطيف بن سالم
الحوار المتمدن-العدد: 5425 - 2017 / 2 / 7 - 23:57
المحور:
الادب والفن
هلاّ أرحـــنا أنــفسنا من زيف الكــلام؟
أجل هل يكفينا فخرا أن نفهم وأن نتكّلم إذا لم نكن " نعمل" بما نفهم وبما نتكلم؟ وما هذه "الكلمة" التي بها يصنع الكلام، هذا الكائن السحري العملاق والذي يضرب بجذوره في أعماق الأرض ويطال بفروعه عنان السماء وبواسطته يتحرّك العالم؟ وما الكلام، هذه العملة الصعبة التي يتوفّر عليها اللسان والتي يتصرّف فيها كما يشاء ولا ينضب معينها أبدا على مدى العصور والأزمان؟ أعتقد أنّ في " الكلمة" كلّ ما هبّ وما دبّ وما قدُم أو جدّ في حياة النّاس وأنّ خارجها لا وجود لشيء على الإطلاق أبدا ... ورغم ما تدّخره الكلمة هذه في وجودها من طاقات إيجابية لا محدودة فإنّها كانت ولا تزال أخطر سلاح ذي حدّين. فهي من جهة يمكن استعمالها لتهديد الإنسانية أو القضاء عليها، وهي من جهة أخرى يمكن استغلالها لفائدتها والأخذ بيدها إلى شاطئ الأمان والسؤدد والرفاه. ظهرت " الكلمة" في تاريخ العالم فجأة في لحظة من لحظات التطور- كما يرى علماء الأنتروبولوجيا - فأكسبت ما صار يُسمّى لا حقا بـ" الإنسان" نقلة نوعيّة هامّة حوّلته من كائن أعجمي حيواني بريء إلى كائن بشري ناطق وذكي، ومن هنا بدأت المشكلة إذ بسبب " الكلمة" هذه، إلى جانب ما تحقق للبشرية من تواصل وتعاون ومعرفة وعلوم وآداب وثقافة كانت الكلمة أيضا سببا في كلّ ما تتعرّض له هذه البشرية في حياتها من مشاكل وصعوبات وجودية وفي كلّ ما يُصيبها من هزّات وحروب ومصادمات تكاد تبتعد بها كثيرا عن حالتها الطبيعية الأمّ التي وجدت بها وتكاد تزيّف واقعها تزييفا لا رجعة فيه. وربّما يكون لهذين الحدين المذكورين علاقة تلازم في الوجود مستمرّة دائما . ومن وجهة نظر أخرى - والحقيقة ذات وجوه- فإنّ الكلام الذي لا يتحوّل إلى فعل حقيقي هو كلام باطل وهو إلى الخُدعة والتمثيل والتظليل أقرب منه إلى أي مدلول آخر يشير إليه. ألم يقل بعض الفلاسفة " إنّه لا وجود لأيّ كلام بريء ؟ " وإنّ " اللوقوس "Logos الذي هو " العقل" في الفلسفة اليونانية القديمة ما كان ليُوجد لولا وجود "الكلمة" ولعلّه في الأصل من معانيها إذا لم نقل بأنّهما في الحق وجهان لشيء واحد، لكنّ المؤسف أنّ من الكلام الجميل أحيانا ما يصير تافها ومُقرفا إذا ما ثبتت عدم فاعليته وعدم جدواه في الواقع العيني. ولنا- في هذا الزمن- من هذا النوع من الكلام الشيء الكثير، منه ما نسمعه في القنوات التلفزية ومنه ما نقرأه على الصحف والمجلات أو ما نستمع إليه في المجالس والندوات والقمم والمؤتمرات ولا يتحقق منه على أرض الواقع إلا النّزر القليل (مثل المؤتمرات العديدة حول الأرض وحماية المحيط ) (ومثل الندوات العديدة الواعدة بمواطن الشغل للشباب ) ( ومثل المجالس العديدة التي تحدثت عن التفكير في مقاومة الإرهاب ) . وهكذا لم يعد الناس يعتقدون في أنّ هذا الزخم المتلاطم من الكلام فيه ما ينفع الناس ويلبّي حاجاتهم المتكرّرة والملحّة إلى الأمن والرخاء ما لم يكن مدعوما بالمواقف الجريئة والفاعلة بحق في السّاحة والمؤثرة بحقّ في سير الأحداث وتوجيهها أو تغييرها إلى الأفضل ... ولنا في قضية الصحافة الدنماركية التي نشرت الصور الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) خير مثال على الكلام الذي يتحوّل إلى إجراء وما يحصل منه بالفعل من النتائج: القطع مع البضائع الدنماركية وما خلفه في الحال من الاضطراب والفزع في الدانمارك والمجموعة الأوربية بأكملها مما أدّى بالفعل إلى الاعتذار الشعبي والرّسمي على ما فعلوه... وإنّه لو تمّ الاتفاق الفوري على إيقاف ضخّ النفط قبل اندلاع الحرب على العراق ولو لأيام قليلة أو أغلقت الموانئ البحرية في بعض البلدان العربية أو أغلقت فقط قناة السويس، ربّما جرت الرياح إذن بما لا تشتهي السّفن ( وبما لا تشتهي الطائرات والبوارج الحربية الأمريكية ) ولأرسى بنا التاريخ على شواطئ أخرى أكثر أمنا وسلاما ممّا يصفون. كما أنّه لنا في مشروع الاتحاد المغاربي مثالا آخر إذ لا يزال الناس يتساءلون دائما: ألم يحن الوقت بعد لتنفيذ بنود الاتفاق على وحدة المغرب العربي الكبير التي وضعها زعماؤنا منذ زمن بعيد أم أنهم قد نسوا ما اتفقوا عليه؟ ألم يبشرونا بعهد جديد ، عهد تزول فيه الحدود- وتتكوّن فيه السّوق المغاربية المشتركة- وتتوحّد فيه العملة- وتُمنح فيه للمواطنين بطاقة تعريف مغاربية . وهكذا وبالتالي يشتد ساعدنا وتقل نسبة بطالتنا ويزدهر اقتصادنا ويكبر طموحنا وتُصان كرامتنا ويكون لنا في كلّ ذلك بأس شديد أم أنّنا سنلجأ كالعادة إلى تبرير مواقفنا- علنا أو ضمنا- بالعجز والاستسلام لمخططات الغير؟ ليس للغير في الحق أن يفعل بنا شيئا ما لم نمدّ له اليد أو ننبطح له أرضا . قيل أنّ أحد الفراعنة قد سئل مرّة: لماذا أنت تستبدّ بالسلطان وتؤله نفسك ؟ فأجاب : لأنّي فقط لم أجد من عارضني في ذلك أبدا...
#عبد_اللطيف_بن_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل من إبداع للمرأة العربية في مجال نقد الفنون ؟
-
وهل من منهجية صحيحة لمقاومة الإرهاب ؟
-
هل أن في بيتنا أمريكا ؟
-
الديمقراطية الموعودة
-
هروب
-
العالم العربي تحت المجهر .
-
- الدواعش -
-
شكوى إلى هيئة الحقيقة والكرامة بتونس
-
وعد بلفور...وعد الشؤم على العالم بأسره .
-
الفساد في الأرض ... كيف نفهمه ؟
-
من رحم المعاناة
-
ومضات :
-
هل من الكلمات قنابلُ ؟
-
لماذا تُرى يقل اليوم بين الناس العطفُ والحنانُ والتراحمُ ؟
-
حول إصلاح المنظومة التربوية بتونس
-
لمن لا يدري ، إنه الجحيم إلى العرب .
-
حرب عالمية غير معلنة
-
الخلايا النائمة
-
هل أن في العولمة نهاية العالم ؟
-
هل من تمييز بين الوجود والموجود ؟
المزيد.....
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|