نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 1430 - 2006 / 1 / 14 - 08:36
المحور:
الادب والفن
يشغلني موت طائر البلبل كثيرا لأني أشاهد موتته في مكان واحد دون غيره . فيما طيور الأرض كلها تموت مثلما البشر والحيوانات الأخرى في أماكن عدة .
فالحمار مثلا يموت بأماكن وأشكال عدة . موت بعد التقاعد حين ينهكه زمن جر العربة أو دولاب سقي الماء ( الناعور ) أو يصاب بالآكتئاب فيرمي بجسده الثقيل من قمة الجبل هو وأمتعة الجنود التي يحملها ويقولون إن ثمة موتة مفاجئة للحمار تأتي من ذروة جماعه مع أنثى من فصيلته .
الإنسان يموت بأشكال لاتعد ولا تحصى . بعضها وهو الغالب بتقادم العمر وبعضها جراء شظية حرب وأنواع أخرى وأتعسها ما يطلق عليه انتحارا واغلبه يأتي من فقر أو قصة حب فاشلة أو يأس من حياة .
الفراشات تموت لسبب واحد هو أن الربيع مضى وعليها أن تطلق الرصاص على رؤوسها وتذبل كما الورد .
لقد تعددت الأسباب والموت واحد كما يقول الشاعر.
الموت في فسحة من الطبيعة التي بسطها علينا الله كما تبسط الورقة أمام كاتب المقال ليقول حدسه عما يجري وسيجري .
وحده البلبل لم أشاهد له موتا متعددا جراء رحيل ربيع أو موت شجرة أو ساحة حرب . كنت أراه يموت في الأقفاص فقط .
ولا ادري لماذا تنتهي قدرية البلابل بهذا الشكل أن تكون نهاية هذا الطائر المغرد الجميل في قفص حديدي يغمض في أزليته بعد أن يجف نحيبه وتخفت حنجرته الطروب كما تخفت نار الموقد في نهاية الليلة الشتائية .
وكنت حين أشاهد بلبلا ميتا انتبه إلى كآبة مرسومة تحت أجفانه الناعمة لم أر مثلها كآبة حتى في أتعس حالة بشرية وربما هذه المسحة العجيبة من الحزن هي المشاعر الوحيدة التي تظهر من احتجاجه على موت العبودية هذا ..ولكن أحدا لم يسعى لتغير شكل موت البلابل منذ أن وضعه نبوخذنصر في قفص من ذهب ليغرد لزوجته الفاتنة في واحدة من شرفات جنائنه المعلقة .
مرة سعيت إلى أن أغير منطقة وشكل الموت عند هذا الطائر . فقررت أن أصيدُ بلبلا وجدته على شجرة . ورغم عظم الجناية الطبيعية في قتل كائن برئ تحتاج الطبيعة إلى جماله وسحر صوته إلا إنني كنت ابغي تغير شكل كآبة موت هذا الطائر الجميل وحين إصابته حجارتي وسقط جثة هامدة ظلت ذات الكآبة باقية تحت أجفانه . وفوق هذا جاء من يرغمني بدفع ثمنه الباهض كونه بلبلاً مهجناً علمه صاحبه أن يغادر قفصه لبرهة من الزمن يستنشق هواء الحرية ثم يعود إلى قفصه عن طيب خاطر .
أور السومرية 11كانون الثاني 2005
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟