|
الوحدة وتمظهراتها المتعددة
عائشة التاج
الحوار المتمدن-العدد: 5423 - 2017 / 2 / 5 - 16:47
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الوحدة و تمظهراتها المتعددة
هل الوحدة مرتبطة بالكآبة ؟؟؟؟ غالبا ما يتم التكلم عن "الوحدة " مقرونة بالشفقة والأسى علما أن الصورة الأكثر تداولا وانتشارا هي تلك التي تعني ارتباطها بالحزن والكآبة و المعاناة . فإلى أي حد تصح هذه الفرضية وتعبر عن وضعيات أخرى "غير نمطية " يخرج فيها صاحبها عن المألوف ويعيش "وحدته " عن سبق ترصد وإصرار بكامل السعادة و نضج الاختيار ؟؟؟
ماذا لو كانت الرفقة مضرة أيضا؟: وإذا كانت الأمور قد تعرف أحيانا بضدها يمكننا طرح السؤال التالي : هل الرفقة تمنح صاحبها دائما وأبدا ما يحتاجه من دفء وود ومتعة وجدانية وفكرية ؟؟؟ ألا يمكن أن نشعر بالوحدة ونحن مع "آخرين "قد لا نتفاعل معهم إلا سطحيا أو قد يكون هذا التفاعل مصدرا للألم والتوترات وبالتالي للمعاناة الناطقة أو الصامتة التي تترصد فرصة للانفجار على شكل غضب أو مرض حتى بالنسبة للكاظمين للغيظ قد يتحول لسرطان أو سكري أو ضغط أو مرض عصبي أو إذا توفر الاستعداد الفزيولوجي لذلك فقط للحفاظ على "صورة اجتماعية " تفرضها علينا انتظارات مجتمع تذوب فيه حاجيات الفرد ضمن حاجيات الجماعة وأمام انتظارات مجتمعية غالبا ما تتسم بالقهر والإكراه ضمن منظومة ثقافية استبدادية تراكمت عبر القرون ؟؟؟ وفي المقابل ألا تطرح بعض أشكال الوحدة الاختيارية أحد "نماذج" تحقيق الذات في مداها الأقصى حيث تمكن "الوحدة "صاحبها "من فرصة التواصل مع ذاته بشكل عميق وخلاق وبالتالي بالتعبير عن مكنوناته النفسية والوجدانية والروحية بطرق إبداعية وخلاقة ومنتجة ؟؟؟ ثم ألا يمكن بالتالي ربط "الوحدة " بالإنتاج الرمزي فتصبح وحدة خلاقة ممتعة ومنبعا للبهجة والفرح وأيضا لتحقيق التواصل مع الآخر أي الآخرين في أسمى تصوراته ؟؟؟ ثم ألا تمنح الوحدة صاحبها فرصة اختيار "رفقائه " عوض أن يمارس "اجتماعيته " بشكل مفروض تتقلص فيه شروط الانتقاء حسب إمكانيات وقته وحاجياته وظروفه الخاصة ؟؟؟ هذا لا يدحض بتاتا بديهية كون الإنسان "كائنا اجتماعيا بطبعه " ولا تتحقق فردانيته إلا بتفاعلها المستمر مع "الجماعة " و"المجتمع
فللإنسان بالتأكيد حاجيات نفسية واجتماعية لا يمكن الجواب عنها إلا بالتفاعل المستمر مع الآخرين " بل تخبرنا علوم الطاقة الحيوية والفيزياء الكونتية من خلال نظرياتها التي تتجاوز البعد المادي إلى ما وراء الإدراك الحسي وتفيدنا اكتشافاتها بأن الجزيئات المتناهية الصغر تتماهى مع كل عناصر الكون بتموجاتها البالغة السرعة والحركة والتغير متجاوزة حدود الزمان والمكان التي تعيق فهمنا الكلي والشمولي للكون ومكوناته وعليه فلا أحد "وحيدا "في هذا الكون , لأن الكل يتفاعل مع الكل بدون وعي أو إرادة منا . ومما لاشك فيه أن الإنسان في وحدته يتفاعل مع الذكريات وشخوصها وما قد تختزنه ذاكرته الوجدانية من مشاعر مفرحة أو محزنة .مثلما يتفاعل مع محيطه المجالي الطبيعي منه أو الإنساني بشكل تلقائي وعفوي . وفي وحدته وهو يقرأ يتفاعل مع أفكار أنتجها آخرون قد يوجدون على بعد عشرات آلاف الأميال فيدخل في علاقة مع عقولهم ووجدانهم عبر تمثلاته لما يقرأ . وفي وحدته وهو يتأمل، فهو يدخل في تفاعل مع طاقة أو طاقات أخرى لا يراها وقد يستشعر ذبذباتها وما تخلفه من ارتياح واسترخاء وفرح وحبور لدى أصحابها بدرجات ومستويات مختلفة تختلف باختلاف عمق "تواصلنا " و"صدقنا" و حيثيات أخرى قد نجهلها هنا والآن .
لامشروعية الأحكام الجاهزة وضحالتها : وعليه فعلينا أن نستحضر عنصر النسبية في تقييمنا للأمورالإنسانية نظرا لطبيعتها المركبة والمعقدة , ذلك أن الأحكام الجاهزة حول وضعيات معينة غالبا ما تجانب الصواب .وما ينطبق على الوحدة ينطبق على غيرها . إذ تنبئنا بديهيات الحياة المجتمعية بأن الزواج شرط من شروط السعادة والاستقرار وهذا أمر مفروض منه حتى وإن اختلف عمر هذه السعادة حسب تفاعل الأشخاص وظروفهم المعيشية إذ تنبئنا أرقام الطلاق والتفكك العائلي المعبر عنه والصامت بأنها تتجاوز بكثير النصف إذ ان اكثر من 50 في المائة من الزيجات تفشل في منح أصحابها وصفة السعادة المتوخاة حتى وإن نجحت في وهبها أمورا أخرى ذات طابع خدماتي قد لا تقل أهمية في منح أصحابها حافز التشبث بمؤسسة الزواج رغما عن المثبطات . ومثلما تكون الوحدة عنصر قلق وتوتر وإحباط لدى البعض فهي أيضا مصدر قوة وإنتاجية معنوية لدى آخرين .حيث يختلف مضمون الوحدة باختلاف السمات الشخصية لصاحبها وتوفر شرط الاستقلالية وغنى الذات النفسي والروحي . ومن ثمت وجب استحضار مختلف ألوان قزح الموجودة ما بين الأبيض والأسود ونحن نتأمل أحوال البشر حوالينا وياليتنا نكف عن إصدار الأحكام إذ لاشيء يمنحنا حق الحكم على الآخرين بشكل جزافي وتحكمي غير نقص الإدراك وجموحنا الموروث في تنميط الحياة المجتمعية وفق وصفات جاهزة تطبق بشكل ميكانيكي بدون مراعاة الاختلافات والتطلعات والحاجيات .
عائشة التاج ,الرباط المغرب
#عائشة_التاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول تهمة الألحاد وتداعياتها
-
حب الذات .
-
سوداوية العالم صناعة إعلامية إيضا .
-
سطوة الحنين
-
كعبة الذكريات
-
رغيف الحب
-
أراود أمنيات أطلسية الشموخ
-
أيها الزمن أمنحني حضن عينيك
-
نبتة صبار أنا
-
كرسي فاطمة المرنيسي و الحضوراالإنساني المتكامل .
-
ينابيع الوجدان
-
قراءة في رواية الكافرة لكاتبها العراقي : علي بدر.
-
طحن السماك يحرك الجماهير الكامنة ,
-
بعد نجاح الانتخابات فماذا عن صمت المقاطعين ؟؟؟
-
قراءة في رواية -الطالياني -لشكري المبخوت ,
-
مدن على أيقاع عيد النحر .
-
الاهتزاز الحضاري
-
قراءة في رواية الشرنقة والفراشة , للروائي محمد زهرة ,
-
الكبش وبعض تداعياته الاجتماعية
-
الأديان وسؤال الأخلاق
المزيد.....
-
بأكثر من 53 مليون دولار.. مرسيدس تعرض سيارة سباق نادرة للبيع
...
-
-مخطط لتهجير المواطنين-.. السلطة الفلسطينية تتهم إسرائيل بتو
...
-
دور الصحافة بمكافحة -التضليل الإعلامي- في سوريا.. مسؤول في م
...
-
مرتديا -ملابس الإحرام-.. أحمد الشرع يصل إلى جدة لأداء العمرة
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير مستودعات أسلحة لـ-حزب الله- في ج
...
-
هل يشهد لبنان أزمة مياه هذا العام؟
-
نتنياهو في واشنطن لعقد -اجتماع بالغ الأهمية- يبحث المرحلة ال
...
-
انفجار يستهدف مجمعا سكنيا فاخرا في موسكو ويوقع قتيلا وأربعة
...
-
هجوم من ماسك وترامب على الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية: -
...
-
أكثر من 200 هزة أرضية تضرب -إنستغرام-.. اليونان تغلق المدارس
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|