|
6- علي بن أبي طالب. الحقيقة والأكاذيب
عبد الله الشيخ
الحوار المتمدن-العدد: 5423 - 2017 / 2 / 5 - 03:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أسطورة الفدائي الأوّل حسب قول الرّواة أن محمّداً كان يعلم بأن زعماء مكّة أرادوا قتله، فهاجر إلى المدينة خلسة هو وأَبُو بَكْرٍ، وكان لديه أمانات لبعض سكان مكّة الغائبين، فأوكل عليّاً بأدائها لأصحابها، وتركه ينام في فراشه، وعندما أصبح الصّباح اقتحم أهل مكّة الدّار، ولم يجدوه ووجدوا عليّاً مكانه، ولم يفعلوا شيئاً له لأن المقصود بالقتل محمّداً وليس عليّاً. ولست أدري كيف أصبحت هذه القصّة دليلاً على عمل بطوليّ جبّار، يضعه السّنة والشّيعة في رأس قائمة إنجازات عليّ الكبرى، فمن المعروف أن أهلّ مكّة لم يغدروا بأحد مطلقاً، وأنهم وقّعوا حلف الفضول قبل الإسلام، ذلك الحلف الذي يعتبر أوّل وثيقة حقوق إنسان في التّاريخ العربيّ، وكان من مبادئ الحلف ومواده الجليلة، إعطاء كلّ ذي حقّ حقه، ومنع العدوان كيفما كان، والوقوف مع المظلوم حتى يأخذ حقه، وكان محمّد يحترمه، ويبجلّه ومرّت بنا قصته في الجزء الأوّل. ولو كان أهل مكّة يقتلون شخصاً من دون حقّ، لقتلوا ابنتي محمّد وزوجته، ولقتلوا عليّاً، لكنّهم كانوا يتمتعون بمكارم أخلاق يفتقر إليها بعض المسلمين (كعليّ ومعظم بني هاشم)، ولأنّ محمّداً يعرف ذلك عن أهل مكة، قال جئت لأتمم مكارم الأخلاق، ويقصد بها أخلاق قريش، ولم يقلْ جئت لأحدث أو أرسي مبادئ الأخلاق. وكان محمّد رحيماً عطوفاً على أهل مكّة، لأنّه يعرف تمام المعرفة أنّهم ذوو مبادئ سامية، وأخلاق فاضلة أقرب إلى الكمال، لذا كان يريدهم أن يؤمنوا به لأنّهم قادرون، وحدهم، على شقّ طريق للإسلام بين الأمم. فأين بطولة عليّ بن أبي طالبٍ المزعومة في ذلك اليوم؟ ولو كان محمّد يتوقّع خّطراً ضئيلاً بنسبة واحد بالمئة لما ترك أحداً في مكانه، لأنّه من النّوع الملتزم. لم يكن أهل مكّة مجرمين، ولم يكن محمّد غبياً، فكيف يعتبر المتعصّبون ذلك الموقف، دليلاً على شجاعة عليّ لا بل يعتبرونه الفدائي الأول! والغريب أن المؤرخ الفاشل، الذي لا يدقّق في الحوادث، ويرويها كما يرويها الجهلة، المتعصّبون، لا يفكّر في صحة الحدث، ولا يدقّق بتفصيلاته، ولا يفكّر إلّإ فيما يتّسق مع هواه، فغاية مثل هؤلاء المورّخين تثبيت ما يعتقدون، وما يريدون، لا تثبيت الحقائق. فعلى سبييل المثال يضيف عبد الحميد الجندي فلما أصبحوا خرج عليّ عليهم. وقال ليس في الدّار ديار. فعلموا أن رسول الله نجا. فلم لم يقتلوه؟ هو وحيد وهم أكثر من عشرة! لو هجم أهل مكّة ليلاً، وقتلوا النّائم لأصبح عليّ فدائيّاً كما وصفه الجندي، ولو قتلوه صباحاً لاصبح فدائيّاً أيضاً، لكّنه خرج عليهم وتكلّم معهم فتركوه. إنّ هذه الحادثة لا تدّل على شجاعة عليّ ولا تميّزه، بل تدّل على سموّ وعظمة ومكارم أخلاق أهل مكّة، ونبلهم الشّديد، فقد سامحوا محمّداً في أهله، وهو الذي سخر من آلهتهم، وعبادتهم، وسفّه أحلاهم، وهدّد وجودهم بتهديده تجارتهم. أين العملية الفدائيّة في ذلك؟ أين البطولة! لكن جورج جرداق يريد منا أن نمحو عقولنا، ونمسخها، وجعلها عقول قطيع من البهائم، فهو يخلق من هذه الحادثة العدم أوهاماً وأخيلة هائلة، منبعثة من خيالٍ جانح، ونفسية تحتاج مراجعة طبيب نفسيّ، ويبني عليها أحكاماً، ويصول ويجول ويوجّه لأهل مكّة السّباب والشّتم (مع الأسف الشّديد)، بغية ليّ عنق الحقيقة لا أكثر ولا أقل. {فقضى الامام عليه السّلام ليلته في فراش رسول الله صلي الله عليه وآله، دون ان يكترث بما حوله من مكر مبيّت. فلقد كان محتملا ان ينقض اولئك الاوغاد على الامام عليه السّلام بسيوفهم دون رحمة, مدفوعين بالحقد الجاهلي الاسود البليد، دونما اقل اكتراث ظنّا منهم انه الرّسُول صلي الله عليه وآله, والامام عليه السّلام كان يتوقّع ذلك منهم، ولكنّ ارادة عليّ عليه السّلام، ورباطة جأشه المعروفة المستمدة من الثّقة المطلقة بالله، والايمان الكامل بقدره، وقضائه تعالى، وقوة صبر الامام عليه السّلام، على مواجهة المصاعب، والاحداث قد حملته على ان يسخر بما يبيّتون! حتى اذا طلع الصّباح هجم القوم على حجرة الرّسُول صلي الله عليه وآله وعليّ عليه السّلام فيها, وهم يظنون انه رسول الله صلى الله عليه وآله. فواجههم الامام صلى الله عليه وآله بصلابة ارادته المعهودة ماشأنكم؟ قالوا اين محمّد ؟ قال أجعلتموني عليه رقيباً؟ السّتم قلتم نخرجه من بلادنا, فقد خرج عنكم! ملاحظة: انظر الى الكلام المنسوب لعليّ تراه يختلف مئة بالمئة عن المصدر الأوّل، هذا يعين أن أحدهما كاذب، أو كلاهما كاذب. لكن هؤلا المؤرخين النفعيين لا تهمهم الحقيقة مطلقا. وسضيف جرداق: هكذا يخاطب الامام عليه السّلام المتأمرين بمنتهى الصّبر والاباء والصّرامة ساخرا باولئك الاوباش. إنه موقف شجاع تتصاغر امامه ارادة الابطال من الرّجال! وبتلك الارادة بقى الامام عليه السّلام في مكّة، بعد هجرة رسول الله صلي الله عليه وآله، يواجه مسؤولية في تنفيذ وصايا الرّسُول صلى الله عليه وآله، واداء المهمات المناطة به كافة}. إن أسلوب جرداق، يتمثل بخلق قبّة من حبة، ونفخ بالون ضخم بهواء ساخن، لو كان أهل مكّة بمثل ذلك السّوء {اوغاد، أوباش، مدفوعون بالحقد الجاهلي الاسود البليدْ فلماذا لم ينقضوا على عليّ كما كان يتوقّع؟ وما المانع من قتله؟ وكانت العاقبة أن يتوزع دمه بين القبائل كما خطّطوا لقتل محمّد. أليس هذا ما كان متوقّع من أوغاد، وأوباش مدفوعين بالحقد؟ بقاء عليّ سالماً هو نزكية لأهل مكّة، وإدانة واضحة للمجعجعين كجورج جرداق. حسنا لنناقش الأمر بهدوء: ماذا فعل عليّ ليوصف بـ(قوة صبر الامام عليه السّلام على مواجهة المصاعب) وأين هو الصبر؟ وأين هو الموقف الأبيّ؟ وما موقع الإباء من الإعراب؟ كيف تحقّقت؟ وبدت الصّرامة؟ (الصّبر والاباء والصّرامة) وماذا فعل ليوصف (موقف شجاع تتصاغر امامه ارادة الابطال من الرّجال)! يا لها من جعجعة فارغة، وإنشاء هابط! كلّ هذا الإدّعاءات والجعجعة ولا طحن! دأب فقهاء الظلام، وأدباء النّفاق، والمرتزقةٌ معدومو الضّمير طيلة ألف وأربعمئة عام، على نفخ منطاد عليّ فجعلوه يغطي السّماء كلّها، لكن ذلك المنطاد يتهاوى عندما يرسل الفكر أيّ سهم نحوه، يشقّه، يتهاوى عليّ وقدراته وأعماله، ويظهر على حقيقته شخصاً بائساً خامل المواهب. أ- النّتيجة: كان واقع عليّ متواضعاً، وإنجازته، وقدراته متواضعة، بسيطة، لا أثر لها مطلقاً، في تثبيت الإسلام أيام محمّد وبعد وفاة محمّد، مقارنة مع بقية الصحابة، والدليل على ذلك قائمة إنجازات رفاق محمّد، أما "عبقرية عليّ" التي أشاد بها العقاد وغيره فكانت في خبر كان، لا أكثر من أسطورة بلهاء، لأن الحقيقة تبدو في المقارنة بما يأتي: ب- ورث أبو بكر دولة مهلهلة، ممزّفة يتكالب عليها الجميع، ويحاربها الجميع، كانت أشبه بقطرة في بحر من العداء، ارتد العرب جميعهم إلّا سكان مكّة والمدينة، وهاجموا المدينة، حتى أن الرجل الثاني في الدّولة عمر بن الخطاب، اقترح على أبي بكر الانحناء للعاصفة، وتلبية مطلب المرتدين، لكنّ صمود أبي بكر، وحزمه لم يغلب المرتدين حسب، بل أحتواهم وغيرهم، ووجههم نحو فارس والعراق، محقّقاً حلم محمّد بتأسيس إمبراطوريّة عظمى، هذه هي ارادة الابطال من الرّجال. ت- لننظر إلى عليّ بن أبي طالب على وجه المقارنة، نراه ورث إمبراطورية قويّة كاملة، ذات جيش يزيد على خمسين ألفاً، بعزم من سبقه، وبمدن متحضّرة موالية بناها غيره، فماذا فعل؟ مزّق الوحدة، وفرّق الناس، وأدخل البلاد بحرب أهليّة ضروس، لا تبقي ولا تذر، راح ضحيتها أكثر من سبعين ألف قتيل كأن أحدهم هو نفسه، فأين الذكاء في هذا، واين العبقرية، و ارادة الابطال من الرّجال يا جرداق؟ وسبب هذا الفشل يعود على عليّ نفسه، فهو من حيث الذكاءً والدّهاء والتّصرف دون الوسط، ولولا قربه العائليّ من محمّد، وزواجه من فاطمة ابنة محمّد، لكان واحداً عاديّاً من المسلمين، لا يتميّز عنهم بشيء، لكن خطوة محمّد بتقريبه، وتزويجه ابنته، جعلت له قيمة لم يحلم بها، وتقليداً لمحمد راعى عمر بن الْخَطَّابِ، هذه الصلة، فرفعه من العدم، ووضعه ضمن ستة ليكون خلفاً له. ث- كان لعمر بن الْخَطَّابِ الفضل الأوّل في انتشال عليّ من وهدة العدم، وكانت تلك ثاني أكبر أخطائه كما قدمنا، ولا بأس من العودة إلى الخطأين. ج- 1- كان نظام الرّواتب المجحف الذي وضعه عمر بن الْخَطَّابِ سبباً لصعود سمعة عليّ بن أبي طالبٍ، فقد وضع عمر جدوال ينال المرء عطاءه كثرة وقلة حسب أوليّة إيمانه بالإسلام، ولما كان أَبُو بَكْرٍ وزيد بن حارثة وعليّ هم أوّل المؤمنين بمحمّد فقد أعطى عليّاَ أعلى راتب في المسلمين لأن الاثنين الآخرين متوفيين: أبو بكر وزيد بن ثابت، فأصبح أغنى المسلمين، وأخذ يصرف ثروته في سبيل تحقيق غاياته والدّعاية لنفسه. ح- 2- وخدمت الظروف عليّاً، لأنهّا استبعدت ثلاث رجال كانوا أهم المسلمين بعد أبي بكر وعمر: خ- ابن عم عمر "سعيد بن نفيل" إذ كره عمر أن يحكم المسلمين شخصان من عائلة واحدة، فاستبعده. د- أبو عبيدة. وكان مساعداً لأبي بكر وعمر، ومن أقرب المسلمين إلى محمّد. ذ- عبد الرحمن بن عوف. ورفض تكليف عمر بخلافته. ر- وبذلك خلا الجوّ لعليّ، فوضعه عمر ضمن السّتة الذين عينهم ليتداولوا وينتخبوا واحدا منهم، وبذلك رفعه رفعة لا يمكن أن يصلها بمجهوده الخاص أبداً. ز- استغل عليّ هذه ثروته الهائلة في شراء المداحين المداهنين المنافقين الأعوان، فتضخمت اسطورته ووصلت إلى هذا الحجم، لا عند اتباعه فقط بل عند الكثير من جماهير السّنة، وغير المسلمين، وبزواجه من ابنة محمّد حصل على قداسة أكثر من جميع المؤمنين بالإسلام، ثم استغل تلك القداسة والثّروة والسّمعة أسوأ الاستغلال، ليحمي وينفذ خططه، للسّيطرة على الجميع، مطمئناً إلى أن احداً لا يجرؤ على المسّ به، فتأتى له صرف تلك الثّروة الهائلة لجمع أعوان غسل دماغهم بأحاديث مصطنعة أساءت إلى الإسلام ورجاله، وبخاصة إلى وليّ نعمته عمر بن الْخَطَّابِ نفسه، واستطاع بهؤلاء قتل عثمان بن عفان صهره، ثم قتل آخرين سنتطرق إليهم، واغتصب السّلطة، وأعلن حروباً عبثية مأساوية اتخذتها الأجيال المغرر بها نموذجاً إسلامياً موحىً به من الله، فعاثوا فساداً في الأرض منذ ذلك الوقت وإلى حدّ الآن.
#عبد_الله_الشيخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علي بن أي طالب. الحقيقة والمبالغة
-
شخصيّة محمّد
-
علي بن أبي طالب. الحقيقة والمبالغة
-
عليّ بن أبي طالب الحقيقة والخيال! (2
-
علي بن أبي طالب. صعود المشروع الإسلامي وتشظيه
-
المعالي والمخازي
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|