|
معالم تاريخ فلسطين القديم-4
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 5422 - 2017 / 2 / 4 - 22:28
المحور:
القضية الفلسطينية
معالم تاريخ فلسطين القديم-4 اليهودية القديمة خارج الفضاء الفلسطيني منذ سبعينات القرن الماضي والمؤرخون يقدمون مستندات أكدت الرواية الفلسطينية ودحضت الرواية الصهيونية بصدد التاريخ الفلسطيني القديم. أجمل المؤرخ البروفيسور وايثلام بحوثا أركيولوجية تعاقبت حتى توصلت إلى انتفاء دولة اليهود القديمة بفلسطين، مفندا حروب يوشع (او يهوشع) على ارض فلسطين. بين زيف الدراسات الاستشراقية التي لم تنتظر حصيلة الأبحاث الآركيولوجية فجزمت رواية التوراة بصدد حدوث إبادة جنس( مشروعة بتفويض رباني) فتلقفها الصهاينة وحلفاؤهم في الغرب لتبرير جرائم الإبادة والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين. وبين البروفيسور شلومو ساند بعرض تاريخي علمي كيف تتشكل الشعوب والقوميات عبر التاريخ، الأمر الذي ينقض الادعاء الصهيوني بقوة غامضة دافعة لحنين العودة إلى وطن بعد (نفي) قسري. استعرض ساند بزوغ جماعات يهودية على مراحل تاريخية مختلفة وفي بلدان عديدة تفرقهم ، مثلما تفرق أصحاب الديانات الأخرى، تفاصيل الالتزام ببنود العقيدة الدينية. دحض بأسانيد تاريخية وأنثروبولوجية خرافة ما تدعيه الصهيونية من وجود عرق بشري "إثني صلب وراسخ لا يتغير على مر التاريخ، و شجرة أنساب متسلسلة لشعب قديم متميز.تستبعد الانفصال عن الأمة مهما نأت به الترحالات". لدى انكشاف المستور تطوع البحاثة الآثاري الإسرائيلي، زئيف هيرتسوغ، وأدلى بشهادته : "بعد سبعين عاماً من الحفريات المُكثّفة، في ( أرض إسرائيل)، توصّل علماء الآثار إلى نتيجة أنه لم يكن أي شيء لليهود هنا سوى الأساطير، حيث لا وجود لمملكة داود وسليمان، حتى ولا انبياء إسرائيل. والباحثون يعرفون هذه الحقائق". تقوضت خرافة أرض إسرائيل لتشمخ على أنقاضها أرض فلسطين.تداعى ركن رئيس في الرواية الصهيونية وتقوض الأساس الذي شيد عليه نظام الأبارتهايد العنصري. سبق المستشرقون نتائج الأبحاث الأثرية فملأوا فراغات المكان والزمان بأحداث التوراة . أسقطوا حكايات التوراة على الفضاء الفلسطيني لأغراض مفضوحة، أغراض السيطرة الكولنيالية للامبريالية على منطقة ذات قيمة استراتيجية . فلسطين لم تشهد أرضها خطوات أنبياء بني إسرائيل، وهذه نتيجة علمية لا تعارض المقدس. إذ كشف الباحث العربي من العراق، فاضل الربيعي، ما تواطأ المستشرقون على طمسه، وحدد مواقع أحداث التوراة وأزمنتها وخطوات انبيائها من خلال دراسة في الأدب المقارن. في مؤلف أصدره في مجلدين وستة اجزاء، عنوانه " فلسطين المتخيلة"( دار الفكر – دمشق ،2008) خلص الربيعي إلى أن "مولد التوراة ـ وفي الأصل شريعة موسى ـ ككتاب ديني ينتمي إلى الطفولة الدينية واللغوية للعرب اليمنيين. كان موسى شخصية عربية يمنية لا أحد يعلم مبلغ الصدق فيما وصلنا من القصص حولها ؛ كما ان تلميذه يشوع ، الذي وهب الأسباط أرض مستقرهم، كان عربيا يمنيا كذلك .التوراة لا تروي شيئا عن فلسطين او الفلسطينيين"[ الربيعي: المجلد الثاني ـ ج3، 320]. وبذا كان ثاني باحث عربي يحدد مهد التوراة خارج الفضاء الفلسطيني. فقد وضع الباحث الدكتور كمال الصليبي(1929- 2011)، علاوة على مؤلف باللغة الانجليزية، كتابين هما " حروب داود ، الأجزاء الملحمية من سفر صموئيل الثاني مترجمة عن الأصل العبري" [ دار الشروق ، ط1، 1990] ، والثاني" خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل " [ دار الساقي ط2، 1991.] قيمت سحر الهنيدي، جهود الصليبي ضمنته هامش ترجمتها لكتاب وايتلام (ص227، 228)، وقالت "ان بحث الدكتور كمال الصليبي اعتمد فقه اللغة (الفيلولوجيا) في تفسير التوراة ، وبالتحديد سفري صموئيل الأول والثاني في أصلهما العبري. ونظرا إلى أن القصص التوراتية المتعلقة بمملكتي داود وسليمان قد وردت في معظمها في هذين السفرين ، فإن الصليبي يرى أن على الباحثين التوراتيين أن يبدأوا بقراءة نقدية للتوراة العبرية وذلك لتحديد ما تقوله هذه التوراة، بل الأهم لمعرفة ما لا تقوله. ويرى عبث الاعتماد على النصوص الحالية للتوراة دون الرجوع إلى النص العبري؛ لأن التوراة التي بين أيدينا اليوم هي المعروفة بالترجمة السبعينية ( نسبة إلى عدد مترجميها )، والتي ترجمت إلى اليونانية من الآرامية ( التي كانت آخذة بالحلول محل العبرية القديمة ) . يجزم الصليبي بتعرض النص العبري إلى الإعلال والتشويه في النطق . وهذه العوامل أدت إلى تشوه في النص؛ فلا بد من العودة إلى المعجم العربي؛ إذ العربية لغة سامية لها الأصول نفسها التي للغة العبرية ؛ وذلك لإعادة النظر في تفسير ما جاء في التوراة ، ولحل بعض المعضلات اللغوية". وتنقل الباحثة عن كمال الصليبي تأكيده أن الدراسات التوراتية أصبحت بشكل متزايد " مبحثا زائفا" من مباحث علم الآثار التوراتي، وهو ما توصلت إليه أثبته الأبحاث الآ ركيولوجية المنزهة عن الغرض. وكانت مهمة الربيعي تعرية زيوف الأبحات الآثارية التوراتية، خاصة أبحاث أولبرايت. اعتمد دراسات الأدب المقارن مستندا إلى كتاب" صفة جزيرة العرب" وهو كتاب رحلات عن اليمن صدر في بغداد عام 1989 وضعه رحالة عربي في القرن الثالث الهجري هو الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني( تحقيق العلامة محمد بن علي الأكوع ـ سلسلة خزانة التراث، بغداد 1989). مصداقية المصدر تكمن في كونه سِجِلّ رحالة " سار بنفسه هذه المرة وبعد مئات السنين على خطى النبي اليمني، يشوع، ليعيد توصيف سراة اليمن كما وصفها النبي من قبل ، وليسجل الأسماء نفسها وبالتسلسل نفسه ؛ ولكن دون أن يعلم أي شيء عن هذا النوع المثير من التطابق، ومن دون أي تلميح إلى أي ادعاء ديني للقبائل اليمنية التي عاشت وانقرضت في المكان نفسه". توسعت الدراسة وفصلت بدقة في الجغرافيا، خاصة منطقة السراة على ساحل البحر الأحمر ومناطق صنعاء وعدن وأ بين. يستشهد الربيعي بفقرة من كتاب الهمداني ذات دلالة(ص73) تفيد أن " وأما سائر أجزاء هذا الربع الذي يلي وسط جميع الأرض المسكونة وما يقع فيها من مثل أرض سورية وأرض فلسطين وبلاد اليهودية العتيقة من إيليا ، وتسمى بالعبرانية يرشلم ، وتعربها العرب فتقول اوراشلم". وسبق ان ورد في وثائق تاريخية ما يميز بلاد اليهودية عن فلسطين وسوريا في العهد القديم . كان الدكتور نزيه مؤيّد العظم (1890- 1977) قد سرد مراحل رحلته الى اليمن في كتابه "رحلة إلى العربيّة السعيدة" في العام 1927، وضمنها شهادة عبد الرحمن الشهبندر (1879- 1940) أنه التقى راباياً يهوديّاً من اليمن أخبره أنه كانت لليهود مملكة عظيمة في اليمن. وكما يؤكّد كل من كمال الصليبي وتوماس تومسون وكيت ويتلام ومؤرخون أجانب وعرب أن ميدان أحداث العهد القديم (أو ما يطلقون عليه التناخ) هو تاريخ قبيلة حمير اليمنية ، وهي قبيلة بني إسرائيل التي قطنت غرب شبه جزيرة العرب.
التوراة تراث عربي؛ غير أن الضحالة الثقافية العربية والسياسات النزوية قد سهلت على الصهيونية مكائد انتحال التراث الثقافي العربي، وسرقة الفولكلور، ليستبد التغول والفجور إلى اختطاف مجموعات من العرب ذوي الديانة اليهودية وإقناعهم بدونيتهم وتعريضهم لعملية غسل دماغ تبعدهم عن انتمائهم القومي ، بل تضعهم في عداء مستحكم مع بني جلدتهم. اقترفت في هذه المحاولات جرائم إنسانية فظيعة . فقد اقر وزير الأمن الوطني ، تساحي هنيغبي، بعد تحقيقات، بغياب مئات الأطفال في ظروف غامضة خلال السنوات الأولى من عمر إسرائيل. تقرر الإبقاء على الوثائق مخفية حتى العام 2071. في حينه أبلِغ ذوو الأطفال المغيبين بموت أطفالهم أثناء الولادة ، دون أن يسلموا جثثهم . لم يروا لهم قبورا ولم تصدر شهادات وفاة. الحقيقة أن الأطفال انتزعوا من بين أيدي امهاتهم إما من قبل مجهولين او من قبل ممرضات زعمن ان الأسرة كبيرة ولا تستطيع تربية الأطفال تربية جيدة!! عدد الأطفال المغيبين يعد بالآلاف وليس المئات ، ويقدر البعض عددهم بثمانية آلاف. وتبين الشهادات أن نواب الكنيست ووزارة الصحة وكبار القضاة عرفوا بأمر الظاهرة أثناء وقوعها. يربط الصحفي التقدمي في إسرائيل، جوناثان كوك، بين طرد العرب الفلسطينيين من ديارهم وبين ظاهرة اختفاء الأطفال من أسر يهودية شرقية. يرى الصحفي الإسرائيلي أن رئيس وزراء إسرائيل الأول ، دافيد بن غوريون لم يكتف بالتطهير العرقي بل أراد تصفية الوجود العربي متمثلا في أجيال يهودية تنتسب للعرب. حرص بن غوريون على طمس نسبهم وتربيتهم في بيئات غربية مناهضة للعرق العربي. وإثر الانتفاضات العربية، وفي مناخ النشوة والتفاؤل قبل أن يرد تحالف الثورة المضادة، الامبريالية –إسرائيل – الرجعية العربية، بهجوم مضاد انطلى على الشعوب العربية تحت ستار الربيع العربي، صدر بيان حمل توقيعات عدد من الشبان والشابات ينتمون للجيل الثالث المهاجر إلى إسرائيل من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قالوا فيه، "نحن ننظر إلى صور الحشود في تونس وميدان التحرير في القاهرة ، معجبين بقدرتكم على حشد وتنظيم مقاومة لا عنفية، دفعت مئات آلاف البشر إلى الشوارع والساحات ، وأجبرت في النهاية الحاكمين المستبدين على ترك الحكم. قدم الشباب والشابات أنفسهم جيلا يتنصل من مظاهر ثقافية فرضت عليهم سابقا "أولا في إسرائيل التي تتصور نفسها وثقافتها تعود لمكان ما في أوروبا وأميركا الشمالية ، ثم العرب الذين يتصورون اليهود أوروبيين وفضلوا إقصاء تاريخ اليهود العرب، باعتباره فصلا هزيلا او معدوما في التاريخ العربي.. وأخيرا بين اليهودَ الشرقيين أنفسهم ، ممن انتابهم الخجل من ماضيهم في العالم العربي". وأشار البيان أيضا إلى " أن النضال من أجل الحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية يكمن في الإدراك أن التغيير السياسي لا يتوقف على قوى الغرب التي استغلت منطقتنا وسكانها لعدة أجيال خلت (...)، فالتغيير الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر حوار عابر للأديان والمناطق، حوار يرتبط بمختلف النضالات والحركات الناشطة في الوقت الراهن في العالم العربي". أعلن البيان انفضاض الشباب والشابات عن الصهيونية سياسيا وثقافيا، والتحول "بالتحديد علينا أن ندخل في حوار وتضامن مع نضالات المواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل، أولئك الذين يناضلون من اجل حقوق اقتصادية وسياسية متكافئة، وتصفية القوانين العنصرية ، ومع نضال الجماهير الفلسطينية في الأراضي الخاضعة للاحتلال العسكري الإسرائيلي في الضفة وغزة ومساندة مطالبهم بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة وطنية مستقلة".. ثم مضى البيان إلى القول : "ونحن أيضا نعيش في ظل نظام ، رغم ادعائه ’التنوير‘ و’الديمقراطية(..)إن هذا النظام يدوس على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لمعظم المواطنين ، ويمضي في سيرورة متواصلة من تقليص الحريات الديمقراطية ويقيم حواجز عنصرية ضد اليهود العرب والشعب العربي والثقافة العربية". طبيعي ان ينظر إلى البيان جرس إنذار يستدعي التصرف العاجل؛ فهو يعد خطوة هامة وأساسية للتحول إلى النضال الطبقي المتزامن مع الانفلات من قيود أيديولوجية وثّقتها عقود من التعبئة بالإيديولوجيا الصهيونية وثقافتها البرجوازية الأوروبية، المصحوبة بعملية متواترة من غسيل الدماغ. ان كتم صوت المجموعة المنتفضة بهذه السرعة الخاطفة يشير الى دور أساس لإسرائيل في تعثر الانتفاضات الشعبية العربية. فقد كُتِم الصوت المبشر بالفجر الجديد ولم يعد يسمع . حدثت حالات كثيرة تبادر قوى خفية بالترغيب والترهيب للتعامل مع تحولات الشباب وتنجح في استئصالها بالنتيجة. ومما لاشك فيه ان التحركات المضادة للانتفاضات الشعبية العربية شاركت فيها إسرائيل لأسباب لا تقتصر على تقليد مكافحة حركات التحرر الديمقراطية في كل بلد عربي ، إنما تشمل أيضا منع التحولات الاجتماعية داخل إسرائيل نفسها. استرجع الربيعي التراث العربي المضيع ، مقارنا وكاشفا مغالطاتٍ وزيوفا متعمدة للترجمة الى اللغات الحديثة ومنها العربية. أبدى الربيعي إحاطة باللغة العبرية القديمة ، مكنته من تعرية الزيوف المتعسفة والمتعمدة في النص التوراتي ، والتي أشار اليها الصليبي، فانتشلها من التناقض والاضطراب والشكوك في مصداقيتها، حين أسقطت مواقعها على الفضاءات الفلسطينية. يكرس الباحث فصلا كاملا يستقصي أخبار حملة نبوخذ نصر على يهودا وسبي عدد من زعمائها ( حملة نبوخذ نصر على بني إسرائيل في نجران - المجلد الأول ـ ج2،، 388 ـ 447) . خط سير الحملة يتطابق مع فضاءات جغرافية تقع في اليمن وليس فلسطين. يدحض في تحرياته الزعم بأن السبي البابلي حدث من فلسطين، وأن المسبيين توجهوا إلى فلسطين لدى العودة. يقول الباحث: "ولسوف يكون مثيرا للاهتمام والجدل أكثر من كل هذا أن يبرهن الكتاب على أن حملة نبوخذ نصر لم تتجه إلى فلسطين قط؛ بل إلى السراة اليمنية لتأديب القبائل العربية البائدة ومنها قبيلة بني إسرائيل. وما يدعى بالسبي البابلي ـ وهو حدث تاريخي لاشك فيه ـ لم يقع على أرض فلسطين ، كما أوهمنا المؤرخون ؛ إنما وقع في نجران وعدن وصنعاء. . " وإذ صار أمرا مألوفا في السرديات العربية التاريخية رؤية حادث السبي البابلي بوصفه الجزء الأهم في هذه الحملة الحربية فقد جرى امحاء لمعالم المسرح الحقيقي الذي جرت فيه الأحداث." يتجلى التواطؤ على طمس الحفيفة في حملة حمورابي على يهودا في استبعاد سفر يهوديت ـ يهودية من قائمة الكتب الدينية والقانونية المعترف بها؛ ذلك أن "معالجات بعض المشتغلين في التوراة من المستشرقين وعلماء الآثار اتسمت ، وبقدر فظ ، بالاستخفاف بهذا السفر تحديدا لا لسبب إلا لأنه يعطي أسماء مواضع الحملة الحربية لنبوخذ نصر على نحو لا يتوافق مع القراءة الاستشراقية" .السِفر لا يصادق على الدعاية الغربية القائلة بأن نبوخذ نصر اتجه نحو فلسطين، واعتبر لذلك من كتب الأبوكرافيا (غير المعترف بها). كتب سفر اليهودية في الأصل باللغة الكنعانية القديمة واليونانية، وهو يصور على نحو ممتاز المواضع التي سارت إليها جيوش الآشوريين"[الربيعي : المجلد الأول ـ ج2، 396]. من جديد نعثر على إعدام وثائق وتواريخ تنقض الرواية الاستشراقية – الصهيونية. يعبر الباحث عن ألمه من الكسل الذهني للكتاب العرب ينقلون بغير حرص عن مستندات الاستشراقيين؛ " السرديات العربية لا تزال حتى اليوم تغرف من خزان الرواية التوراتية ـ الاستشراقية رؤيتها وفهمها للأحداث ، ومن تصوراتها للمواضع التي سار نحوها الجيش الآشوري، ومن دون إمعان النظر في غرائبية الأسماء أو انعدام إمكانية العثور عليها داخل فلسطين" [ الربيعي : المجلد الأول ـ ج2، 393]. ونجد الكيل من بضاعة الاستشراقيين الزائفة لدى البحث في متاهة الإسرائيليين قي صحراء سيناء وعبورهم من الأردن. الكتابات العربية وفي مناهج الدراسة تنقل أن أريحا دمرت من قبل الغزو اليهودي!! يثير القسم الثاني من الكتاب مسألة فتح أريحا على يد يوشع بن نون ، مثلما قصتها التوراة ، ليبرهن أن أريحا هذه ليست سوى أريحا اليمن؛ وأن الوصف الذي يقدمه محررو النصوص التوراتية للمدينة لا ينطبق على أريحا التاريخية كما عرفها القدماء والمعاصرون ولا بأي صورة من الصور". ويواصل القول: ولا وجود كذلك لأي مكان من الأماكن الواردة في هذا الوصف قرب أريحا الفلسطينية التي أطلق عليها الاسم المهاجرون من جنوبي اليمن ، وأن معركة (العي) التي يتحدث عنها يشوع لا وجود لها في التاريخ الفلسطيني؛ بل هي معركة دارت في جبال ومرتفعات اليمن. يعري الباحث التلاعب بالترجمة بإرجاع الفلسطينيين إلى أصل كريتي. "مثل هذا الادعاء لا يصدر إلا عن مخيلة استشراقية وجدت في التطابق الشكلي الزائف أحد مصادر الهيمنة على سرد الرواية التاريخية ، ومن اجل تلفيق تاريخ إسرائيلي في فلسطين القديمة يلعب الفلسطينيون فوق مسرحها الجاهز دور غزاة متسللين من جزيرة كريت اليونانية ؛ بينما يصبح المستوطنون الجدد أحفادا لبناة امبراطورية إسرائيل القديمة ضمت، إلى جانب فلسطين، كلا من الأردن وسوريا ولبنان وشواطئ الفرات العراقي"[ الربيعي: المجلد الثاني، الجزء الرابع، 453]. ويقول أيضا: "الاسم الوارد (فلستيم)، حسب السياق التوراتي ، وبناء على دلالات كتاب الهمداني، أطلق على قبيلة يمنية بقيت على وثنيتها وعبدت إلاها بالاسم نفسه(فلس)، واشتبكت مع القبائل اليهودية في معارك طويلة. يحدد الهمداني منازل طي في بيجان إلى الجنوب من مأرب، وهم عباد الإله فلس، ومنهم قوم عرفوا بالفلستيم ، الذين تعسف المترجمون فارجعوهم الى الفلسطينيين(...). لفت الانتباه الى أن القبيلة اليمنية التي أقامت قرب هؤلاء وعرفت باسم واديها ، وادي كرث تنسب عادة في الأنساب العربية التي سجلها الهمداني إلى كراث بن هنوم . وتسجل التوراة نفس الاسم، هنوم. يتضح من ذلك أن نظرية الأصول الإغريقية للفلسطينيين لا أساس لها سوى وجود كلمة كرث"[ الربيعي: المجلد الأول ـ ج2، 452]. من خلال المقارنة اللغوية ألقى الربيعي اضواء على العديد من زيوف الترجمة التوراتية الى اللغات الحديثة عن السريانية والعبرية القديمة. فند مقولات أخرى اتكأ عليها الصهاينة للدفع بأطماع التوسع. ." الهيكل لم يبن في القدس قط ؛ بل إن أسوار أورشليم التي أشرف نحميا على إعادة ترميمها لا وجود لها هناك أصلا ؛ وفوق ذلك ليس ثمة هيكل لسليمان تحت قبة الصخرة ؛ فيما نجد الهياكل في السراة اليمنية كما وصفها الهمداني، بالتلازم مع ذكر أسماء القبائل اليمنية اليهودية [ الربيعي : ج1، 13]. "يلتبس اسم ءفرة في النص العبري (ءفراتة في الطبعة العربية من التوراة) في ذهن قارئ النص باسم نهر الفرات العراقي، نشأ عن اللبس سوء ترجمة فظيع أدى بدوره إلى نوع مثير من الدمج الماكر والمخادع، تجلى في أبشع صوره في تخيل حدود مملكة إسرائيل القديمة ـ وهي لا وجود لها في التاريخ الفلسطيني ـ وقد امتدت من النيل إلى الفرات. [ الربيعي: المجلد الأول ـ ج2، 469]. ويعود الربيعي لمناقشة القضية في المجلد الثاني، كاشفا التأويل الخبيث في الترجمة؛ إذ يستند الزعم إلى العبارة في التوراة ( م ـ نهر مصريم ـ عد ـ جبول نهر فرت). عربت الترجمة العربية بخبث النص التوراتي فغدا( من نهر النيل حتى نهر الفرات) . أما المدقق والمطلع على لغة التوراة فينفي أن مصريم جمع مصري، بل هم "المُضَريون ، القبيلة التي ورد اسمها مرارا في التوراة ، وخصوصا في مراثي أرميا وأشعيا . كما يورد الهمداني (نهر فراةـ فرت ) عبارة عن منطقة تمتد على مساحة جغرافية من الساحل حتى البادية . وهي منطقة قبيلة كندة التي تضم المضريين. ويمضي إلى القول، " لكن شهادة الهمداني ستكون حاسمة في هذا الميدان؛ فهو يصف النيل اليمني في سياق توصبف الأودية ذاتها التي يسجلها نص يشوع، ومنها مسيل وادي ءفرة. [ الربيعي : المجلد الثاني ـ ج5، 507] التفسير الاستشراقي ومغالطاته تجرم مخططا قديما لأن تأتي الدولة التي ستقام استنادا إلى النص التوراتي تمتد حتى مدينة صور اللبنانية، ولتبلغ ضفة الفرات وأرض النيل، وبذلك تستحوذ إسرائيل على مياه الليطاني ومياه النهرين المؤشر اليهما بخطين أزرقين على حافتي علم إسرائيل. وهذا أحد شروط تضخم دولة إسرائيل لتغدو دولة إقليمية مهيمنة وسط محيط عربي. نظرا لانتمائهم الغربي فقد تنبه الصهاينة في القرن التاسع عشر إلى أزمة مياه تنتظر في رحم المستقبل. إن وجود اسمي النهرين العظيمين، النيل والفرات في الكتاب المقدس لليهودية، وكذلك التركيزعلى غزو يوشع لأريحا واقتراف جريمة إبادة الجنس، هي مخيال استشراقي قامت اوروبا بتصعيده في سياق حمى الاستيلاء على الأرض في الشرق في عصر الفتوحات.
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معالم تاريخ فلسطين القديم-3
-
معالم تاريخ فلسطين القديم-2
-
معالم تاريخ فلسطين القديم
-
التربية تتصدر التحدي لثقافة الليبرالية الجديدة دفاعا عن العق
...
-
ثقافة الليبرالية الجديدة تلقي أعباءً جساما على الثقافة الوطن
...
-
مؤتمر فتح السابع والفرصة المضيعة
-
فوز ترومب وصمت الميديا الأميركية
-
ثقافة- الغرب تقوم بدور تدميري يشمل جميع القارات
-
اكتوبر عظيم المجد
-
التوراة في ثقافة البرجوازية
-
بالقرون النووية يناطحون العدالة وحقوق الإنسان
-
مقامرة الاستيطان تضوي عبثية المراهنة على المجتمع الدولي
-
رصاصات التحدي .. فمن يرد التحدي
-
المقاومة الزراعية -تجربة رائدة في فلسطين المحتلة
-
تفجيرات نيويرك في ذكراها الخامسة عشرة
-
ليتهم يصغون إلى ما تجهر به المخابرات الإسرائيلية
-
تفجيرات نيويورك تدبير لتفجير النظام الدولي القائم (2من3)
-
تفجيرات البرجين التجاريين تدبير لتفجير النظام الدولي السائد
-
حلف استراتيجي مع داعش
-
من رحم واحد جميع انماط الإرهاب المقنع بالدين
المزيد.....
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
-
مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل
...
-
القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت
...
-
الخارجية: روسيا لن تضع عراقيل أمام حذف -طالبان- من قائمة الت
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|