|
قراءة فلسفية لرواية ساق البامبو(1) (جدلية العلاقة بين تيمة السلطة وتيمة الحق)
محمد بقوح
الحوار المتمدن-العدد: 5420 - 2017 / 2 / 2 - 23:23
المحور:
الادب والفن
" كلام الناس هنا سلطة " (2)
1 - مدخل نظري لقراءة نص الرواية نعتبر كل عمل إبداعي، خاصة الرواية و الأعمال السردية، يقدم إمكانية قابليته الفعلية أن يقرأ ويفهم، ويدرس علميا وموضوعيا، ويعالج معالجة نقدية دقيقة، انطلاقا من طبيعة موضوعه ومحتوياته، ونوعية بنائه الفني وتركيبه التقني ومواصفاته الجمالية. بمعنى أنه يتمّ التعامل مع المسألة الإبداعية هنا، ليس ارتباطا بنظرية الأنواع المعروفة نقديا وأدبيا، بل وفق إمكانيات النص المتعددة المستويات الإبداعية، والممتدة عبر مجمل النصوص المعرفية، ومختلف المرجعيات الفكرية والواقعية والثقافية التي يؤسس عليها هذا النص معناه أو معانيه، سواء منها المتعلق بالزمن السردي الراهن، أو الزمن المقروء التاريخي السابق على كتابته. هكذا، يطرح علينا نص رواية ساق البامبو إشكالية القراءة المنهجية الناجعة والمناسبة فعليا، للطبيعة الدلالية النوعية للنص، خاصة على مستوى علاقات تيماتها المتفاعلة، وأدواتها الفنية الجديدة، وجرأتها الفكرية الملفتة في طرح واختيار موضوع له حساسية اجتماعية وثقافية قوية. باعتبار أن هذا الموضوع يشكل قضية حينية ( الوجه الآخر للسلطة هو فقر في توفر الرأسمال الرمزي )، ما يزال محتضنا من طرف قوى اجتماعية مهيمنة في بلد عربي كالكويت، مسقط رأس كاتب النص، البلد الموجود راهنا في طور التحول التاريخي والحضاري، تحميه وتكرسه وتناضل وتعيش من أجل وجوده و استمراره، بكل الأدوات الممكنة والوسائل المتاحة لها. من هنا لاحظنا، بل اعتبرنا تيمة السلطة، بمفهوم السلطة الرمزي، من التيمات الأكثر حضورا وهيمنة، في المسارات السردية للرواية ككل، سواء على مستوى الأسرة الفلبينية أو الأسرة الكويتية التقليديتين بطابعهما الممتد. لهذا ارتأينا قراءة هذا النص الروائي المتميز، من منظور منهجي سوسيولوجي، انطلاقا من أساس طبيعة هذه الهيمنة الكبرى لتيمة السلطة، في علاقتها الجدلية مع باقي التيمات الأخرى التي تنتظم العوالم الروائية الواقعية والمتخيلة للنص، في مجموعه كنسق دلالي، يعبر باللغة الوصفية البسيطة، وبالفعل السردي الحكائي التشكيلي والمركب، عن ظاهرة اجتماعية ( سلطة قيم التقليد الاجتماعية ورفضها للتغيير، باعتبارها سلطة ذهنية ورمزية تروم إبقاء الوضع كما هو ) يعاني منها المواطنون، بصفتها سلطة عنف رمزي تعرقل حركية المجتمع، وتحدّ من نموه الطبيعي، ومن تحوله الإيجابي المفترض، وتغييره الممكن نحو المجتمع الأفضل، في ظل سيطرة سلطة الإكراه الثقافي والاجتماعي والذهني لهذا المجتمع. ونذكر أنه في وضعية هذه التيمات الأخرى للنص، في إطار علاقاتها الصراعية الصغرى، تحقق تيمة السلطة، بسيرها الطبيعي حينا، والمتوتر العنيف أحيانا كثيرة، علاقتها الصراعية الكبرى بالتيمة المضادة لها في النص. نعني بها تيمة الحق، بامتداداتها التيماتية التكوينية العديدة في كلية دلالة النص، كالهوية، والحرية، والمساواة، والتسامح، والذاكرة، والمعرفة، والتحدي، والتحديث، والديمقراطية، باعتبارها جميعها مظاهر الحق الذي يحاول النص تبنيه والدفاع عنه، ضدّ نبذه لمظاهر السلطة ومساعديها الأساسيين الذين يعرقلون تحقيق ذلك الحق كالتقليد، والغربة، والاستعباد، والظلم، والتعصّب، والنسيان، والاكراه الاجتماعي .. إلخ. وقبل البدء في ضبط ورصد وتحليل تجليات ومميزات تيمة السلطة، كما لاحظناها في نص ساق البامبو، نعرّف مفهوم التيمة أولا، ثم ماذا نعني بالسلطة لاحقا، حسب استخدامنا لها في التحليل، ومفهوم الحق، باعتباره تيمة رئيسية في النص، لا وجود لتيمة السلطة في غياب تيمة الحق، مبيّنين كيف تمّ توظيف الدلالة العملية لمفهوم الحق، والدفاع عنه من قبل فعل الممارسة الفكرية الفلسفية، وكذا الإبداعية الروائية في النص، كفعل كتابي مختلف ومبدع خلاق، بمفارقاته الجدلية بين الهدم والتأسيس. الفعل الذي لا قيمة له عندنا، دون أن يخدم قضية المجتمع والإنسان، في أقصى صورهما الجدلية الحقوقية والطبيعية والمجتمعية، بالمعنى السوسيولوجي لمسألة الكتابة الروائية وعلاقتها بالعمق المجتمعي .
1-1 مفهوم التيمة لعل التيمة كمفهوم نقدي، نستعمله في بحثنا كإجراء منهجي، نعتمده هنا للمقاربة الدلالية النصية، وممارسة القراءة النقدية المعنية. وتنتمي التيمة thème كمفهوم منهجي إلى التحليل الموضوعاتي. أو لنقل تحديدا، ارتبط عمليا منذ ظهوره بالمنهج النقدي الموضوعاتي الذي يتمّ فيه التعامل مع مفهوم التيمة كأداة تحليلية مركزة، وذلك "من خلال غطس موضوعة ما، داخل سياق يشتمل على مواقف مختلفة، وعلى تفاصيل، فتكون التيمة مشخصا لمجموعة من المغايرات الملموسة، يمكن إرجاعها إلى كيان أو مفهوم تجريدي، وهي أيضا أداة لوصف النص ولتأويله "(3) . فلم تكن تيمة السلطة، بهذا المعنى، في نص ساق البامبو الذي نحن بصدده، سوى الوجه الآخر لاختلالات عميقة طبعت منظومة القيم في المجتمع الكويتي خاصة، و في المجتمع العربي عامة، نتيجة التحولات الكبيرة والمتغيرات السريعة التي يمرّ منها على كافة الأصعدة. وذلك كما هو معروف في الحياة العملية لكل المجتمعات، فإن "القيم ليست ثابتة، وأنها على العكس من ذلك، تتغير بتغيرات المجتمع. فإن خصوصية تطور القيم تكمن أساسا في كون هذا التطور ليس له نفس الإيقاع الذي تعرفه ظواهر اجتماعية أخرى، باعتبار أن القيم لها علاقة وطيدة بوعي الإنسان، وبالعقليات والذهنيات. إنها تخضع لزمنية خاصة، يمكن أن تتميز ببطئها أو بإمكانية عودتها ورجوعها إلى قيم قديمة في أشكال وصور حديثة"(4). تلك التحولات والمتغيرات العميقة التي يعبر عنها، ويمثلها في نص ساق البامبو بوضوح ما سميناه بمفهوم الحق، باعتباره يشكل حجر زاوية هذا النص الروائي الذي يفكر ويحلل، ويناقش وينتقد، مدافعا حينا، ومكرّسا حينا آخر لمجموعة من الحقوق الإنسانية الكونية، ضدّا على ما تنتجه وتكرسه وتؤسسه مؤسسة السلطة المتعسفة من شروط العرقلة والتعطيل والتشويش على حركية ودينامية المجتمع الطبيعية، في إطار صورتهما التيماتية وعلاقتهما الصراعية والجدلية المتفاعلة في النص. نعني بهما: تيمة الحق من جهة، وتيمة السلطة من جهة أخرى.
1-2 مفهوم السلطة ماذا نقصد بالسلطة في قراءتنا النقدية لرواية ساق البامبو ؟ انسجاما مع استهلالنا السابق، بكون هذا النص الروائي يقدم لنا مسألة الكتابة الإبداعية السردية كظاهرة اجتماعية، فهو إذن يغوص بالتفكيك والتشريح داخل المجتمع، محاولا طرح ومساءلة وانتقاد أهم القيم السائدة في واقع المجتمع الكويتي والعربي عامة، ونعني بها قيم التقليد والثبات والمحافظة باعتبارها سلطة رمزية، ضدّ قيم التغيير والتحول والاختلاف والحداثة . غير أن نص رواية ساق البامبو بإبداعيته المتميزة، ناقش وانتقد وكشف عن أعطاب مفارقات وتناقضات تيمة السلطة التي تعني هنا السلطة الرمزية تحديدا، باعتبارها سلطة اجتماعية وذهنية وثقافية وعرفية، تقودها العقلية التقليدية، المعتقِدة أنها تنفرد بحماية قيم الأسرة والعائلة والمجتمع، وذلك بالدفاع عن قيم التقليد والثبات، ضدّ قيم التغيير والتطور والتقدم، خاصة على مستوى قبول الاختلاف، ورفض الانفتاح على الإنسان وقيمه الكونية، مهما كانت حضارته ولغته وثقافته ومعتقداته. نستحضر هنا طبعا هاجس ثقافة التسامح المطروحة في هذا النص، بطريقة ضمنية غير مباشرة، الأمر الذي يضفي على تناول الكاتب لموضوع السلطة، في علاقته الصراعية مع مسألة الحق، في روايته هذه، ذلك الطابع الشعري الرمزي من جهة، والفلسفي الاجتماعي السوسيولوجي من جهة أخرى، باعتبار أن النص، بالحلم والأمل في ثقافة التسامح المضمرة، بكل أبعادها الإنسانية، يبدو لنا، كقراء في عمقه ودلالته المتوارية، كتجل طاغ ومهيمن لصوت السلطة بمعناها الاجتماعي والثقافي الإكراهي، يخترق المسارات السردية الحكائية للنص ككل. لننظر الآن، إذن، في مفهوم السلطة، حسب بعض الكتابات والدراسات والأبحاث النقدية التي تناولته بالدرس والتحليل. لقد عرّف المعجم الفلسفي لجميل صليبا معنى السلطة من الناحية اللغوية، وأيضا من الناحية الاجتماعية التي تعنينا هنا، باعتبارها "القدرة والقوة على الشيء والسلطان الذي يكون للإنسان على غيره.. وجمع السلطة سلطات، وهي الأجهزة الاجتماعية التي تمارس السلطة كالسلطات السياسية والسلطات التربوية والسلطات القضائية وغيرها"(5) . غير أن العالِم السوسيولوجي الألماني ماكس فيبر يربط السلطة بالعنف، على أساس تبرير هذا العنف الذي تمارسه تلك السلطة، مؤكدا على ثلاثة نماذج للسلطة(6) وهي : 1-2-1 النموذج التقليدي : نعني به سلطة الأعراف وقداسة الاعتقاد في السلف. وهو النموذج الذي تمثله مواقف شخصية غنيمة في النص الذي نحن بصدده . 1-2-2 نموذج السلطة الكارزمتية : يقصد بها الاعتقاد الانفعالي في قدرات شخص خارق استثنائي، بسبب قداسته أو بطولته أو ميزاته المثالية. قدم النص شخصية "ميندوزا"، في الجزء الروائي الأول، وشخصية "نورية" في جزئها الثاني، كأفضل نماذج بشرية تمثل هذه السلطة . 1-2-3 نموذج السلطة القانونية : تستمدّ من الاعتراف العملي بمعقولية التشريعات والقوانين. غالبا ما يمثل هذا النموذج سلطة الدولة التي تكاد تكون غائبة، أو لنقل بتعبير أدق سلطة صامتة وضعيفة، أو تتسم بحضور محتشم في نص ساق البامبو، لأنها توارت خلف سلطة المجتمع المهيمنة، بصوتها الدفاعي الوحيد والفعال، باعتبارها كانت هي السلطة الطاغية والأقوى، وبالتالي فرضت عليها مشروعيتها، وصارت سلطة الدولة، بسكوتها المختار، جزءا مكملا لسلطة المجتمع. إن انشغال النص بفعل السلطة العنيفة الإكراهية لما هو ثقافي واجتماعي وذهني للمجتمع في علاقتها الصراعية ضدّ فكرة الحق وذوي الحقوق، فرض ضرورة على السلطة بمفهومها المادي والسياسي، كما أسلفنا، نوعا من التواري والاختفاء الذي هو وضعية طبيعية، نظرا للسيطرة المطلقة التي تفرضها تيمة السلطة في النص، بامتدادات مفهومها الرمزي والاجتماعي. وبالتالي، فسلطة المجتمع هنا تؤدي بنجاح كبير دور سلطة الدولة التي لم يعد لدورها أو تدخلها المباشر أية قيمة تذكر في سياق تفاصيل اللعبة السردية للنص. لأن " كلام الناس هنا سلطة "(7)، لا يحتاج إلى تدخل الدولة، كما قالت شخصية غسان لرفيقه عيسى ، وهما في طريقهما إلى شقته بالكويت في النص. هكذا، يفرض علينا إذن نص ساق البامبو، منهجيا ودلاليا على الأقل، التعامل مع مفهوم السلطة، كما هو مستعمل ومستخدم وموظف في المسارات السردية للنص، كنسق دلالي كلي، بمفهوم السلطة الرمزي الاجتماعي، المرتبط بالمرجعية الفكرية السوسيولوجية، كمنظور نقدي ومنهجي. باعتبار أن البعد المتواري للسلطة وسلطان السيطرة، بمعناها الاجتماعي والفكري التقليدي السائد والمفروضة من قبل مُنتجها ( كفرد أو جماعة )، دون أن يدري ( أو تدري )، هو العنصر الأساسي والجوهري في تحليلنا للنص، وهو الفاعل الممارِس هنا أيضا في إطار العلاقات الجماعية، وصراع القوى والأفكار والطبقات الاجتماعية، من أجل فرض وجودها، كقوى فاعلة ومتصارعة ومتواجدة في نفس الحقل الاجتماعي. يقول بورديو في هذا الصدد : "إن السلطة الرمزية هي سلطة لا مرئية، ولا يمكن أن تمارَس إلا بتواطؤ أولئك الذين يأبون الاعتراف بأنهم يخضعون لها، بل ويمارسونها "(8) . هكذا يبدو لنا نص ساق البامبو نص السلطة الرمزية بامتياز. هذه السلطة التي توجد في وضعية صراع دائم ضدّ سلطة الحق، كقيمة عليا تحددها أفعال وسلوكيات أفراد المجتمع، تلك التي يؤسسها نص الرواية، كموضوع لقراءتنا، ذلك التأسيس التدريجي التطوري المتصاعد، باحثا عنها بالتفكيك والهدم حينا، وبإعادة التأسيس والبناء حينا آخر، من خلال مواقف شخصية جوزافين وابنها هوزيه/عيسى . إن المرجع الأساس لتيمة السلطة الرمزية المعنية هو الحقل المجتمعي التقليدي الثابت، كنسق لتفاعل وصراع القوى، ومُنجزها الرئيسي في النص هو شخصية "غنيمة الطاروف"، في الفضاء الروائي الخاص بالكويت كمكان، وشخصية "ميندوزا" في الفضاء الروائي الخاص بالفلبين. في حين، يبقى مرجع تيمة الحق ببعده الإنساني، كقيمة كونية عليا، باعتبارها هوية وحرية ومساواة وكرامة، مرتبطة بشخصية "جوزافين"، كمرجع أصلي لثقافة الحق الحداثية، ثم تليها لاحقا شخصية "هوزيه"/ "عيسى"، ابنها الوحيد، كشخصية تسلّمت مشعل الصراع والمقاومة، عبر لسان الحكي السردي المستمر لأمه "جوزافين"، من أجل فرض الذات والوجود، بحثا عن المعنى والقيمة وجدوى الهوية، والدفاع بالفكر والإبداع عن ثقافة فكر الحق والانفتاح والتنوير والتغيير وتحديث المجتمع. وبالتالي، يمكن النظر إلى شخصية "عيسى"، باعتبارها تركيبا فكريا حداثيا وأيديولوجيا، انتصر به الكاتب لقيم الحق والتقدم والتواصل والانفتاح على كل ما هو حضاري ومختلف، ضدّ قيم السلطة والانغلاق والثبات والإقصاء، رغم عودة "عيسى" الجديدة إلى بلاد أمه بالفلبين، في نهاية النص، باعتبار أن عودته هذه كانت عودة نوعية وقوية، رفقة بداية كتابة نص رواية ساق البامبو. فصارت الكتابة الروائية هنا، إحدى الأدوات الفكرية البديلة الأساس التي أعاد بها بطل النص "عيسى" الاعتبار والتوازن لذاته، ذلك الاعتبار والتوازن المفتقدان عنده في واقع مجتمعه الكويتي. أي أنه فرض عليه من طرف قوى ومعاوني تيمة السلطة في النص ( عائلته الطاروف )، أن يفتقد حقه المشروع، ويحرم من الانتماء إلى هوية أبيه "راشد الطاروف" . فماذا نعني بمفهوم الحق، كما سنستعمله وسنوظفه في تحليلنا لنص ساق البامبو؟ 1-3 مفهوم الحق لعل التفكير في مسألة الحق، من منظور فلسفي، يحيلنا على مختلف الأبحاث النظرية، والدراسات الفلسفية الهامة التي تناولت هذا المفهوم، باعتباره مفهوما غنيا وشموليا، لأنه يتركب من العديد من المكونات والمبادئ الأساسية التي لها علاقة بمنظومة القيم عامة، كالعنف والشرعية والمشروعية والسلطة والاستبداد والديمقراطية وحقوق الإنسان (9) . من هنا يرى أندري لالاند في معجمه الفلسفي، أن كلمة حق recht ،right، droit يمكن ربطها بفكرتين أساسيتين هما : 1- إن الحق هو ما يكون مطابقا لقاعدة محددة، وبالتالي فإن إقراره يعتبر مشروعا. مثلا لكل المواطنين الحق في اللجوء إلى القانون . 2 - إن الحق هو ما يكون مسموحا به، مثلا ما جاء في الإعلان 1789 لحقوق الإنسان، ( الفصل 11- ) من كون حرية تبادل الأفكار و الآراء، هي أثمن حق من بين حقوق الإنسان. لهذا ركزت مختلف الإعلانات عن حقوق الإنسان على الحقوق الطبيعية كالحق في الملكية، والأمن، والحرية، والمساواة، ومقاومة القهر والاستبداد .. كما ميز لالاند بين ثلاثة أنواع من الحق هي : " أ - الحق الطبيعي الناتج عن طبيعة البشر، والعلاقات القائمة فيما بينهم، باستقلال عن كل تشريع . ب - الحق الوضعي الناتج عن القوانين المكتوبة أو الأعراف التي أخذت القانون، مثل: الحق المدني والحق الروماني .. ج - حق الناس الذي تأسس على مبدأ المساواة، وتمّ في البداية تطبيقه على الأجانب غير الخاضعين للقانون الروماني، واتسع في العصور الحديثة ليشمل العلاقات بين الدول، وأيضا العلاقات بين المواطنين المنتمين لهذه الأخيرة "(10) . هكذا نستنتج أن مفهوم الحق، متصل أقوى الاتصال بقيمة الحرية، والإرادة الحرة للفرد المنتمي إلى جماعة معينة، باعتبار أن الحق هنا هو "مجموع من الشروط التي يمكن للإرادة الفردية لكل واحد منا، أن تتآلف في إطارها، تبعا لقوانين كلية"(11) . وبالتالي، فاشتغال تيمة السلطة كعنصر نصي فاعل، رهين بحركتها وصرعها مع تيمة الحق بمكوناتها المساعدة، وكعنصر مضاد متفاعل أيضا . فما هي تجليات وخصوصيات حضور تيمة السلطة هذه ببعدها الاجتماعي والرمزي، في نص رواية ساق البامبو ككل ..؟ علما، أننا عملنا، إجرائيا، على تقطيع النص إلى جزئين روائيين كبيرين ورئيسيين، بالإضافة إلى جزء روائي قصير بمثابة خاتمة للنص، ليس فقط تسهيلا لعملية القراءة والبحث المنهجي في دلالة هاتين التيمتين المهيمنتين اللتين تخترقان النص في شموليته العامة، بل ارتباطا أيضا وانسجاما مع طبيعة النص كلعبة سردية، وكيفية طرحه دلاليا، وتفكيره العميق في مبحث السلطة والمجتمع، كحقل لصراع القوى، وبالتالي، فهو نص روائي بوجهين كوجهي سارد النص نفسه تماما : ( هوزيه - عيسى ) الفلبيني والكويتي. أعني نصا بجزأين كبيرين، يحمل كل منهما اسم الفضاء السردي والروائي، حيث تجرى أحداث الرواية، بجميع مكوناتها السردية الأخرى، ووصولا إلى الجزء الأخير / النهاية السردية الفكرية المتقدمة التي اختارها الكاتب لنصه وحكاية راويه، ذات الشكل الدائري، بحيث تصبح نهاية النص هي بدايتها عينها. ليبدأ النص بقول سارده : " " اسمي jose " هكذا يكتب. ننطقه في الفلبين، كما في الإنجليزية، هوزيه . وفي العربية يصبح، كما في الاسبانية، خوسيه. وفي البرتغالية بالحروف ذاتها يكتب، ولكنه ينطق جوزيه. أما هنا في الكويت، فلا شأن لكل تلك الأسماء باسمي حيث هو .. عيسى ! "(12) . وفي نهاية النص التي صارت بدايته مشكلة مسار النص السردي، على شكل دائرة ولنفس الصوت، يقول عيسى في الصفحة 389 : " أمسكت بالقلم، وبالفلبينية كتبت : اسمي jose، هكذا يكتب. ننطقه في الفلبين، كما في الانجليزية، هوزيه. وفي العربية يصبح، كما في الإسبانية، خوسيه. وفي البرتغالية يكتب بالحروف ذاتها ولكنه ينطق جوزيه. أما هنا، في الكويت، فلا شأن لكل تلك الأسماء باسمي حيث هو .. عيسى! "(13) . وهي، على كل حال، نهاية تنتصر بلا شك لقيم الحق والإنسان والتقدّم ولقيم الدمقرطة والحداثة، وتحتفي بأفكار التمدن والتسامح والحوار، والمثاقفة والتواصل بين كافة الشعوب، مهما كانت ألوان بشرتهم، واختلافاتهم الجنسية والدينية واللغوية والثقافية.. بعيدا عن ثقافة التحجّر، وفكر التقليد المطابق والإقصاء المنهجي، وسلطة الرفض المجاني، والعنف اللفظي والاجتماعي المتعالي، كما مارسته شخصية الجدة "غنيمة" في الجزء الأول من الرواية وابنتها الحاملة لنفس نزعة السلطة المُهيمِنة شخصية "نورية"، تجاه راوي النص، وقيم تيمة الحق في الجزء الثاني من الرواية، دون أن تعيا بمحمولهما، وكذا مجتمعها الأنثوي المستلب المثالي، الباحث عن حلم عقل ذكوري في عالم الأوهام الفسيح المنفلت، الذي لا مكان له إلا في رؤوسهما الضئيلة.. من هنا نظرنا إلى نص ساق البامبو، باعتباره نصا تسلّح بالجرأة الفكرية في طرح سؤال السلطة كإكراه اجتماعي وسياسي، ضدّ نقيضه سؤال الحق في خوض الصراع الاجتماعي إلى أقصاه، سعيا لانتزاع ذلك الحق المشروع. وتفعل رواية ساق البامبو كل ذلك بالمساءلة والمناقشة والتفكيك، منتقدة وكاشفة في كل ذلك، عن مسألة سلوك وموقف السلطة المتعسّف، بمعناها الرمزي الاجتماعي والتقليدي، خاصة وأن عائلة الطاروف في النص، ليست "سوى النمذجة التي تتخذها الطبيعة الاجتماعية المقترنة بالحساسية القبلية في المجتمع الكويتي"(14) . 2 – جدلية العلاقة بين تيمة السلطة وتيمة الحق في نص رواية ساق البامبو تشتغل تيمة السلطة، بامتداداتها النصية والدلالية والخطابية المختلفة، في سياق نص رواية ساق البامبو، كمكون دلالي كلي مهيمن، في علاقته الصراعية الخاضعة للنمو والتطور، عبر الجزأين الروائيين للنص، مع تيمة الحق المضادة، بمكوناتها التابعة لها دلاليا ووظيفيا ومبدئيا. هذه العلاقة التي لم تنته كما بدأت نصيا، وإنما تدرجت عبر عدة مراحل، وخضعت أيضا للكثير من التطورات العديدة، والتحولات النوعية الأساسية، حسب مسارات وقائع السرد الروائي للنص، انسجاما مع لعبة جدلية، تلعبها بالحكي والسرد الروائي، شخوص روائية متعبة، عرفت كيف تجعل من معاناتها وأحلامها، بالحكي الشفوي ( جوزافين ) أو بالكتابة الإبداعية ( عيسى - هوزيه )، سلطة مضادة لقيم بارزة قادتها يقينا إلى بوابة النصر المنشود. بحيث كانت الغلبة والسيطرة الواضحة لتجليات تيمة السلطة، بمعناها القهري والقمعي الإكراهي ( ميندوزا - غنيمة )، ضدّ مظاهر تيمة الحق، بمكوناتها القيمية الإنسانية (جوزافين - راشد ) في بداية الرواية ( الجزء الأول ). في حين، تميز وسط النص بعلاقة صراعية متكافئة، سادها نوع من التوازن والتراضي، غير أن بوادر نهاية النص تميزت بالعودة القوية لتيمة الحق، بتحكمها المتين، وبمكوناتها القيمية والإنسانية الهادفة والعليا، في هذا الصراع والتفاعل الجدلي بين التيمتين، وبالتالي صارت رموز قوة الحق وأبعاده الحقوقية كمبادئ في النص الروائي، هي القوة الفارضة لمنطقها الفكري الجمالي والثقافي والاجتماعي، وأيضا لمنطقها السردي والفضائي والزمني .. ( الجزء الثاني ) . فما هي مواصفات وتجليات هذه العلاقة الصراعية بين تيمة السلطة وتيمة الحق، في نص ساق البامبو الذي نحن بصدد قراءته ؟ 2-1 الجزء الأول من الرواية ( ص17- ص 150 ) : جوزافين الفلبينية، تحكي كأم لابنها هوزيه : الطفل والصبي حتى حدود المراهقة، شاهدة على تناقضات مجتمعها، ومفارقات تيمة السلطة في علاقتها بتيمة الحق، في نص الرواية . 2-1-1 لحظة التجليات : جدلية السلطة كفاعِل مُهيمِن، ضدّ قوة الحق، كموضوع مُنفعِل ومُهيمَن عليه . في البدء، عملنا على تحديد فضاء هذا الجزء الأول من الرواية، من الصفحة 17 إلى الصفحة 150، اعتمادا على مفصل فكري ودلالي أساسي، متمثل في اعتراف سارد النص ( شخصية هوزيه ) بذاته، ومصالحته مع حقيقة وضعيته السيكولوجية والفكرية ( الواقع والذاكرة )، كشكل من الأشكال الدلالية الذي اختاره النص عامة، في سياق الدعم غير المباشر لتيمة الحق، باعتبارها هنا : البحث المستمر عن هوية شخصية هوزيه المفتقدة ( الهوية الكويتية )، ضدّا على قوة وجبروت تيمة السلطة ( الواقع والنسيان ). هكذا نلاحظ كيف نجح النص في تشغيل آلية الذاكرة كجزء من الهوية لدعم أطروحة تيمة الحق. في حين، ارتبطت تيمة السلطة في النص بآلية النسيان كوجه آخر لممارسة السلطة، وعرقلة فعل تحقيق الوصول وانتزاع الحق من طرف أصحابه الشرعيين. وبالتالي، نكون هنا بصدد علاقة جدلية صغرى بين آلية الذاكرة التي تخدم تيمة الحق، وبين آلية النسيان التي تخدم تيمة السلطة. فينشأ هنا عن هذا التفاعل والتجاذب بين الجانبين ما سميناه بالصراع الجدلي بين قوة فاعِلة مُهيمِنة ( سلطة النسيان )، وبين قوة مُنفعَلة مُهيمَن عليها ( سلطة الذاكرة ). وهو الوجه الآخر المكتمل لوضعية الأصل : الصورة الجدلية الكبرى للعلاقة بين تيمة الحق وتيمة السلطة في الرواية. ويمكننا التمييز، في نص ساق البامبو، وأساسا في الجزء الأول من الرواية الذي يغطي الفضاء الروائي الفلبيني، كما يغطي الفضاء الروائي الكويتي كمكان وكزمان وكمجتمع، وعلاقات خطابية وأحداث سردية، بين محورين رئيسيين لنسق تيمة السلطة، باعتبارها هنا سلطة رمزية واجتماعية، تعبر عن وضعية الفقر والتناقضات المجتمعية، وتمثلات الجهل المركب ومفارقات الذهنية البشرية المستبدة، نتيجة لذلك الجهل المرتبط بدوره بالواقع المجتمعي الفقير، وبالإقصاء الاقتصادي والمعرفي الممنهج؛ المتسم بالضعف والتهميش والهشاشة العامة . أ - في الفضاء الفلبيني يمكننا النظر إلى شخصية "ميندوزا" كعنصر محوري، يؤدي في النص ككلية سردية، وفي هذا الجزء الأول من الرواية بالذات، وظيفة التأسيس الدلالي والفكري والخطابي السردي لقاعدة تيمة السلطة الصلبة، باعتبارها تمارس فعل الاستبداد والقهر والجبروت في حق الآخرين المحيطين بها، والمتواجدين ضرورة في نسقها الاجتماعي والتربوي والثقافي ( الحقل الاجتماعي الأسري والعائلي ) . يقول هوزيه، مشخصا الوضع الاجتماعي الفقير العام لأسرته الفلبينية، والتي من أجلها اضطرت أمه الشابة ( جوزافين )، في سن الزهور، لاختيار سبيل الهجرة إلى أرض الغربة بالكويت، لتعمل هناك كخادمة في بيت أسرة ميسورة الحال : " ساقت الظروف والدتي لترك بلادها وأهلها وأصدقائها للعمل في الخارج، وعلى صعوبة هذا، بالنسبة لفتاة في العشرين من عمرها، فإن مصيرها كان أفضل بكثير من ذلك الذي سيقت إليه أختها، آيدا، التي تكبرها بثلاث أعوام. فحين تحالف الجوع مع مرض والدتها والديون التي أثقلت كاهل والدها المقامر، الذي أفنى ماله في تربية ديوك المصارعة، لم يجد الأبوان بدا من تقديم ابنتهما البكر، ذات السبعة عشرة آنذاك، مجبرة، إلى سمسار يوفر لها فرصة عمل في مراقص وحانات المنطقة، والنزول عند شرطه بأن يأخذ حصته، جسدا ونقدا، من الفتاة في نهاية كل يوم عمل"(15) . تشتغل تيمة السلطة هنا، باعتبارها سلطة الفقر والحاجة والإقصاء الاجتماعي؛ من حيث إن قمة هذه السلطة؛ والمنفذ لفعلها التدميري الذي هو الأب ميندوزا، يعدّ المسؤول غير المباشر عن دفع البنت آيدا لامتهان البغاء، وبالتالي إحداث شرخ عميق في الجسد الاعتباري والقيمي والأخلاقي لأسرة جوزافين أولا، وفي الجسد السردي لتيمة الحق ثانيا، لأن شخصية آيدا التي كانت مُكرهة لبيع جسدها، تحقيقا لكسب القوت اليومي لوالديها الضعيفين العاجزين، ستتمرد لاحقا على وضعها البئيس، وتعلن عصيانها الغاضب ضدّ سلطة والدها المستبد، هذه السلطة الأخيرة التي تشكل حسب النص الأداة الأساس المنجِزة لسلطة واقع الفقر الاقتصادي والاجتماعي لأسرة ميندوزا.. قال هوزيه، كسارد ثان لحكاية أمه جوزافين، التي تعتبر السارد الأول والأصلي، لتفاصيل رواية النص: "صارت آيدا مصدر دخل للعائلة، تعود مع ساعات الفجر الأولى حاملة حقيبتها الصغيرة في يدها، تحتوي على ما تنتظره أمها المريضة وأبوها المقامر بفارغ الصبر "(16) . غير أنها، وعلى إثر إنجابها لابنتها الوحيدة ميرلا، تمردت آيدا ضدّ سلطة واقع القهر الذي تعاني منه أسرتها، ورفضت الاستمرار في لعبة لا تقتنع بها في الأصل. لكن هذا الموقف المضاد الذي أنتجته تيمة الحق باسم شخصية آيدا القوية، لم يتحقق إلا بعد خروجها عن سلوك الصمت والخوف والخضوع الذي كان يسيطر عليها سابقا، وإعلان مواجهتها المباشرة لقهر سلطة أبيها المستبدة، دون وعي ولا قصد منه طبعا . قالت آيدا ثائرة وغاضبة في وجه والدها ميندوزا، معلنة عصيانها ضدّ جبروته ذات صباح : " - كل الرجال الذين قدمت لهم جسدي .. ديوك .. شيء من الندم، أو ربما الخوف، بدا على وجه أبي الذي لم يتزحزح من مكانه"(17). فتمكنت بعد ذلك آيدا من تحقيق حريتها التي تحلم بها، ووضعت حدا لاستبداد والدها. قالت جوزافين تحكي لابنها هوزيه : "ليتني كنت أستطيع التخلص من عبوديتي أنا الأخرى، ولكنني لست آيدا "(18) . غير أن الأب ميندوزا، في مرحلة متطورة من المسار السردي والخطابي للنص، سيكشف هو نفسه عن جانب مهم من واقع حقيقة سيكولوجيته المتدمرة، بفعل تجربة الحرب القاسية التي عاشها وخضع لتأثيرها في الحرب الفيتنامية عام 1966، ليرفع النص ها هنا، ونتيجة لذلك، رهان تحد جديد يغني به تكوين بناءه السردي والروائي العام، خاصة على مستواه الخطابي، ونعني به بعده التسجيلي والتاريخي الواقعي الذي تمّ استحضاره في أكثر من موقف روائي. يقول السارد هوزيه، نقلا عن والدته جوزافين : "في جبال فيتنام، سلب الثوار الموالين للشمال إنسانية أبي"(19) . ثم بعد ذلك، يعترف ميندوزا بمدى تأثير الحرب على ذاكرته وعقله. يقول متحدثا مع جوزافين، بعد انتشار خبر مشاركة زوجها راشد الطاروف كجندي في الحرب العراقية الكويتية ( 1991 ) : " - أتمنى أن لا يفقد في الحرب .. يقول .. مخاطبا لا أحد. في حين تنقر والدتي خشب الأريكة، حيث تجلس، بمفاصل أصابعها يردف جدي: - أو تفقد الحرب عقله .. اعتراف ضمني من ميندوزا، صاحب الحرب الحربية، يشي باضطراب عقله هو الآخر.. "(20) . ثم يضيف قائلا : - هكذا هي الحرب .. يتحدث من دون أن يوجه كلامه لأحد. عيناه ثابتتان على شيء ما، وكأنه يشاهد صورا في أعماقه : - ليست الحرب هي القتال في ساحة المعركة، بل تلك التي تشتعل في نفوس أطرافها. تنتهي الأولى، والثانية تدوم"(21) . هكذا يبدو تأثير الحرب على نفسية وذهنية ميندوزا واضحا، وبالتالي يمكن القول، إن تيمة الحرب كآلية دلالية، اعتمدها النص كإحدى العوامل المساعدة لتنفيذ مخطط تيمة السلطة، باعتبارها فعل عنف اجتماعي واقتصادي وثقافي، وجد لخدمة وظيفتها التكسيرية والتدميرية في حق باقي مكونات تيمة الحق كالهوية والذاكرة والحرية .. الخ. وإذا نجحت آيدا في عملية مواجهة والدها والتمرد ضدّه، بعد استعبادها واستغلالها لأمد طويل باسم قيمة الأبوية، فإن أختها الصغرى جوزافين، وأمّ هوزيه، كسارد أصلي ( المحكي الشفوي ) لنص ساق البامبو، قاومت تعسّف وجبروت الأب ميندوزا، بالهجرة إلى بلاد الغربة في الكويت، حيث ستعمل هناك كخادمة، في منزل إحدى الأسر المحلية الغنية. لتحقق بذلك تيمة السلطة فعل عنف رمزي عميق الأثر، باعتباره فعل نتاج أوضاع واقع الفقر الاجتماعي، وأيضا الفقر الذهني والمعرفي. وبالتالي، كانت قوة السلطة هنا، محاولة لإخضاع آيدا، لرغبتها الوظيفية التدميرية ( تدمير منظومة القيم )، على الأقل في مرحلتها الأولى، تحقيقا لفعل تعسفي أكثر شراسة، يمكننا نعته بفعل مرحلة العبودية، كما جاء على لسانها هي نفسها، لتنتفض آيدا ضدّه، لاحقا، بعد مرارة خضوعها المكره الطويل لتجربة حياة لم تقتنع بها، وأيضا لعدم قدرتها على الاستمرار في مسار نفس اللعبة، في مرحلتها الثانية التي يمكننا تسميتها بمرحلة التحرر والحرية. في المقابل، استطاعت شقيقتها جوزافين، وبسبب ميولاتها الثقافية والمعرفية، الاحتفاظ بالوجه القيمي لأسرتها ولإنسانيتها، وأيضا الانفلات من فعل الإكراه الاستعبادي والاستغلالي، الذي أنتجه قهر السلطة الاجتماعية في حق أختها الكبرى آيدا بالفلبين . يقول السارد هوزيه : " كانت أمي لا تحلم بأكثر من أن تقتني كتابا بين وقت وآخر، تشتريه أو تستعيره من إحدى زميلاتها في الفصل. تقول " قرأت الكثير من الروايات، الخيالية منها والواقعية" (22) . ثم يضيف السارد نقلا كلام أمه دائما، في علاقتها بالكتابة والقراءة، باعتبارهما مدخلها الأساس إلى قلب وفكر زوجها هي، وأبيه هو : راشد الطاروف، في الكويت، قبل العودة إلى الفلبين، مطرودة من بيت السيدة الكبيرة، أم راشد : غنيمة، بعد افتضاح أمر حملها معه، في إطار العلاقة الزوجية غير المعترف بها ( الزواج العرفي )، من طرف سلطة الذهنية التقليدية، ذات النزوع المحافظ والطبقي والانغلاق المتشدد. تقول : " كان سعيدا بي، كما يقول، لأنني مثله أحب القراءة"(23) . هكذا نستنتج أن تيمة السلطة المنجزة هنا، باعتبارها رمزية إكراهية واجتماعية، من خلال مواقف الأب ميندوزا النفعية والاستبدادية تجاه محيطه العائلي والأسري الصغير، حاولت مواصلة عملها التأثيري التكسيري، وفعلها الوظيفي التدميري، كسلطة عنف مُهيمِنة، في دينامية النص السردية، وخاصة على مستوى تيمة الحق، في بعدها القيمي والاعتباري. غير أن هذه الأخيرة ( تيمة الحق )، وفي سياق صراعها المستميت مع عنف السلطة والتسلط الممارس ضدّها، اعتمدت في حالة آيدا ضدّ ميندوزا، على آلية التجريب والتمرد التي يستند إليها نص ساق البامبو، كشكل دائري واسع مكوّن لتيمة الحق، وكعنصر وظيفي أساسي، يشتغل في إطار الدور التكميلي المساعد لتيمة الهوية، تحقيقا لأفق تيمة الحرية والتحرر والانعتاق الكامل للذات والذاكرة . هكذا يصل بنا التحليل إلى التأكيد على ملاحظة وجود نوع من دينامية علاقات التيمات في نص ساق البامبو، ككل متناغم فنيا ودلاليا. تستند تيمة الحق هنا، دائما في هذا الجزء الأول من الرواية، في حالة جوزافين ضدّ الأب ميندوزا، إلى آلية القراءة والمعرفة، كآلية مهمة اعتمدها النص لإنقاذ جوزافين ولو نسبيا، كمرحلة أولى، من واقع الاستعباد السلطوي والاستبدادي، ولجهل وجبروت والدها ميندوزا، من جهة، ومن عنف تيمة السلطة، الأكثر تشددا وانحلالا وتفككا، في الفضاء الفلبيني، من جهة أخرى . ب - في الفضاء الكويتي إذا كانت تيمة السلطة في الفضاء الفلبيني، الخاص بهذا الجزء الأول من الرواية، فعل إكراه وعنف، ضدّ شخصية آيدا، يبيح فيه الأب ( ميندوزا ) بيع جسد ابنته، مخالفة للتقليد الأخلاقي العام، وانسجاما مع واقع الفقر الاجتماعي الذي يعيشه، فإنها في الفضاء الكويتي، تقوم تيمة السلطة بنفس الوظيفة التكسيرية والإكراهية، لكنها تستند هنا هذه المرة إلى أداة مختلفة، نعني بها منع ورفض الزواج ( العرفي )، الذي تمّ في الخفاء بين جوزافين، كخادمة في بيت أسرة غنية، وراشد، كابن هذه الأسرة الذي تطاول على الخروج عن نسق تقاليد العائلة الموروثة، ورغب في الزواج بفتاة ليست فقيرة فقط، وإنما أيضا هي فتاة فلبينية، من جنس غير الجنس العربي المسلم !! فتكون هنا تيمة السلطة في موقع مستواها المتشدّد، باعتبارها فعل إكراه، يقوم على أساس ثقافة التقليد والتشدد، والميز الجنسي والطبقي والعرقي، وأيضا على أساس التفكير المحافظ المنغلق على ذاته، مكتفيا في التعامل مع الآخر، بالإقصاء ورفض الاختلاف، بدل الانفتاح عليه والتعايش معه، حفاظا على "قدسية الجسد" النسائي، حسب ادعائه . تعتبر شخصية غنيمة، أو السيدة الكبيرة، كما تسميها جوزافين، خير من يجسد تيمة السلطة، ببعدها الثقافي التقليدي العنيف، ضدّ تيمة الحق، المرتبطة هنا طبعا بالشخصية الأساسية في النص : جوزافين، خير من يمثل هذه التيمة. فكانت علاقة غنيمة بجوزافين، حتى قبل أن يكتشف أمر حملها وزواجها من ابنها راشد، علاقة صراع غير متكافئة. بحيث كانت تمارس ضدها كل أشكال التسلط والتعنيف الرمزي، من أجل محاصرتها أولا، ثم لاحقا إخضاعها وإفراغها من محتواها الثقافي، ومن طموحها الإنساني. يقدم نص ساق البامبو هذه الشخصية ( غنيمة )، سارده الأساس، عيسى هنا في الكويت الذي كان سابقا، في بلد أمه الفلبين يدعى هوزيه : " كانت جدتي غنيمة، أو السيدة الكبيرة كما تناديها والدتي، حازمة، عصبية المزاج في غالب الأحيان"(24) . بالإضافة إلى أن تيمة السلطة في وضعية غنيمة، كسيدة مستبدّة، تشتغل في هذا الجزء الروائي الأول، بآلية التفكير الخرافي، في الوقت الذي لاحظنا بخصوص وضعية شخصية الأب ميندوزا الطاغية، تشتغل في نفس الجزء الروائي، وفي سياق الفضاء الفلبيني، استنادا إلى آلية الذاكرة في إطار تيمة الحرب. يقول سارد النص، متحدثا عن التبرير الخرافي الذي فسرت به جدتُه غنيمة، وأم أبيه راشد، بخصوص ربطها المباشر بين وصول جوزافين إلى الكويت قصد العمل، والحدث التفجيري الرهيب الذي تعرض له الموكب الأميري الكويتي. قال راشد الطاروف، موجها الخطاب إلى أم عيسى جوزافين : " وصلتِ إلى بيتنا، يا جوزافين، في الوقت الذي تعرض فيه الموكب الأميري لتفجير كاد أن يودي بحياة أمير البلاد لولا عناية الله .. وأمي ترى بقدومك طالع نحس ! "(25) . بعد واقعة مقتل صديق أبيه وليد، في الطائرة المخطوفة، نجح عيسى في الاتصال بأمه غنيمة التي كانت ترفض الاستجابة لاتصالاته السابقة. قالت السيدة الكبيرة غنيمة، وهي تخاطب هاتفيا ولدها راشد، مستخدمة أسلوب المزاوجة بين التفكير الخرافي ( النحس، البركة ) وأسلوب الترهيب والترغيب. تقول : " - لم أكن راغبة بالرد، ولكن، لتعلم فحسب .. أن النحس سيطاردك . انظر ماذا حل بصديقك بعد ولادة ذلك الشيء البغيض . إنه، مثل أمه، لعنة "(26) . أضافت مهددة : " اقذف بهما خارجا، وانظر كيف ستحل البركة عليك .. ومن تم عد إلى بيتك، وستجدني، بقلب الأم، أغفر لك ذنبك العظيم"(27) . إنه نفس البعد الانتهازي، والتفكير الخرافي والأسطوري الغيبي الذي عاملت به قمةُ تيمة السلطة، في الفضاء الفلبيني سابقا، الأب ميندوزا، سارد النص الحالي هوزيه، وهو طفل في السابعة من عمره، بعد طرده محمولا على ظهر أمه جوزافين، من لدن قمة تيمة السلطة، في الفضاء الروائي الكويتي الحالي، غنيمة، وعودتهما المفاجئة إلى أرضهما الفلبين . قال السارد : " ما عادت تلك الأسطورة تثير الرعب في نفسي، وإن كرر جدي ميندوزا أمنيته على مسمعي كل يوم : " أتمنى لو تنبت لك ألف عين لتتمكن من رؤية الأشياء بوضوح " ولكن ، رغم ذلك، ما زلت غير قادر، منذ معرفتي بتلك الأسطورة، أن آكل الأناناس "(28) . هكذا يتضح، كيف تؤثر السلطة كقوة رمزية اجتماعية وذهنية قاهرة على الفكر، فيتجلى تفكيرا خرافيا غيبيا، يحارب ويرهب القوى المختلفة والمضادة المتفاعلة معها في نفس الحقل الاجتماعي العام. فسلطة غنيمة الذهنية التقليدية تعاقب جوزافين، بادعائها كونها شيء ولعنة. وسلطة الأب ميندوزا القهرية الاجتماعية كانت تعاقب الطفل هوزيه بفزاعة فعل التخويف والتضعيف . وكلاهما ( غنيمة وميندوزا ) يمارسان لعبة التفكير الخرافي الغيبي أعلاه بنوع من الرغبة الممتعة المستفيضة . 2-1-2 لحظة التركيب إذن، نستنتج أن تيمة السلطة، في هذا الجزء الأول من رواية ساق البامبو، سواء ببعدها الإكراهي الاجتماعي ( الفقر المادي - ميندوزا )، أو ببعدها الثقافي والذهني ( الفقر الفكري - غنيمة )، تشتغل في علاقتها الصراعية ضدّ تيمة الحق، الموجودة هنا في موقع الدفاع والمقاومة، اعتمادا على مرجعية التفكير الخرافي الغيبي التقليدي، واستنادا إلى أدوات أيديولوجية، إما لها علاقة بالأسطورة والماضي ( الحرب - الفقر - ميندوزا )، أو بالاستعلاء والتكبر، بدعوى المحافظة على الدين وإرث السلف الصالح والهوية ( الجهل - غنيمة ) . فالإنسان الموجود في وضعية قهر وضعف، لا يقدر في العادة على تجاوز واقع ضعفه وعجزه ومأساته، إلا إذا "لجأ إلى الحلول الخرافية والسحرية، إذا عزت السيطرة المادية على المصير، حاول المرء توسل الأوهام يعلل بها النفس ويجمل بها الواقع، ويستعين بتصوراتها على تحمل أعبائه"(29) . 2-2 الجزء الثاني من الرواية ( ص 151 - ص 396 ) : عيسى الكويتي، كابن جوزافين، يحكي كاتبا، للقارئ العربي والعالمي ، شاهدا على قوة عودة تيمة الحق وتموقعها المهيمن في النص . 2-2-1 جدلية مكونات تيمة الحق كفاعِل مُهيمِن، وعتبة ضعف وتراجع قوة تيمة السلطة. آثرنا تسمية هذا المستوى من تحليل نص ساق البامبو بمرحلة التيه. باعتبار أن الشخصية الأساسية في النص ( عيسى )، وفي خضم بحثها الجاهد عن هويتها الذاتية، وانتمائها الوطني والاجتماعي والثقافي والديني، اصطدمت بجملة من الحواجز والعراقيل التي جعلتها تعيش مكرهة، في إطار وقائع وتطور أحداث النص، نوعا من التيه النفسي والحيرة الفكرية، سواء على مستوى الفضاء الفلبيني الذي تميز بعلاقة بداية احتواء تيمة الحق لبعض مكونات تيمة السلطة ( غنيمة، عواطف)، أو على مستوى الفضاء الكويتي، حيث حققت التيمة الأولى ضدّ الثانية تطورا وتحولا نوعيين مهمين، في سياق القدرة الكبيرة لعيسى راشد الطاروف هنا على مواجهة وتحدي مكون سلطة غنيمة التقليدية الماضوية المتجبرة، عندما نجح في الوصول إلى الدخول والعيش لمدة معينة في بيت أبيه راشد الطاروف، كفرد من أفراد عائلة الطاروف، رغم صعوبات التقليد القمعي، والعقلية الثقافية المتكبرة السائدة، تلك التي واجهته بشكل عنيف في بداية الأمر . كما أن خروج عيسى من فضاء بيت والده، في نهاية النص، لم يكن سوى خروج اختيار فكري، وبالتالي اقتناعه الأكيد باستحالة التعايش مع الأفكار الجامدة ( نورية )، وليس هروبا من واقع أخذت فيه هيمنة السلطة الاجتماعية تخف وتضعف وتتراجع، باعتبار أن عيسى، كقمة رمزية لتيمة الحق في النص ككل، تمكّن من استكمال المشروع الثقافي والهويتي ( من الهوية )، الذي بدأه والده راشد الطاروف في حياته، والذي لم تسعفه انشغالاته المهنية والصحفية والسياسية الأيديولوجية إتمامه في بلاده. ونعني به مشروع التفرغ لفعل الكتابة الإبداعية، من أجل تأليف رواية، انتقد فيها واقع التناقض والتخلف الذي تعيشه الأسرة العربية الكويتية، والأسرة الأسيوية الفلبينية، بل يمكن أن تعيشه كل أسرة في العالم، ومردّ ذلك غياب حكمة العقل المعرفي الحضاري المتحرر. هكذا، لم نعد نلمس في الجزء الثاني من رواية ساق البامبو علامات العلاقة الصراعيةالحادة التي لاحظناها مهيمنة، في سياق وقائع وتطور أحداث جزؤها الأول . ورغم ذلك، فعلى المستوى الخطابي للرواية، يمكننا تسجيل نفس المسار التنظيمي الفضائي لوقائع الحكاية في النص، بحيث نميز هنا، لضرورة منهجية لا غير، كما فعلنا في الجزء الأول من الرواية، بين فضاء فلبيني أولي، اشتغلت فيه تيمة الحق، في علاقة احتواء سلسة مع تيمة السلطة الآخذة في فعل التراجع التدريجي، دون أن تستسلم بصفة نهائية. في المقابل، تابع عيسى راشد لعبته السردية، كصوت راو مُهيمِن وحيد هذه المرة على مسارات السرد، في هذا الجزء الثاني للنص، داعما تيمته الحقية، على حساب بروز اختلالات وتفكيكات معينة، في بنية تيمة السلطة ( غنيمة )، في الفضاء الكويتي اللاحق . أ – في الفضاء الفلبيني بدءا، لابد من الإشارة إلى أن عنصر المكان الروائي في النص ككل، اشتغل إيجابيا لصالح تيمة الحق، ضدّ تيمة السلطة، باعتبار أن عيسى لم يتمكن من تحقيق هويته وحريته، بالعودة إلى أصله الوطني الكويتي، إلا بعد مضي ثمانية عشر سنة كاملة، وهو عمره الزمني، حين طلب حقه الطبيعي والشرعي، كابن عائلة الطاروف، تنفيذا لوصية أبيه عبر صديقه غسان، وأيضا استجابة لحلم ورغبة أمه جوزافين في العودة إلى بلد والده الكويت، كوريث شرعي وقانوني. غير أن تيمة الحق تطورت وتقوّت، موازاة مع تطور ونضج ومراكمة شخصية عيسى لتجارب عديدة وخبرات حياة متنوعة، انطلاقا من مجموعة من الأعمال والانشغالات المهنية التي مر منها، وجعلته يتنقل بالكثير من الأمكنة، وأن يحتك أكثر وبطريقة مباشرة بالواقع العيني، في انتظار تحقيق حلمه الكبير الذي كان يراود دوما أمه جوزافين. نعني به العودة إلى أرض الكويت، وانتزاع الوجه الآخر من هويته الوطنية والإنسانية المغتربة، كمواطن كويتي وإنساني. • العلاقة بالكويت في الفلبين لقد شكل وقوع الأب راشد الطاروف في الأسر، على إثر واقعة الحرب العراقية، حدثا هاما أثر بشكل كبير في مجريات حياة عيسى. قال : " ماعادت الكويت تمثل لي شيئا منذ أخبرنا إسماعيل الكويتي عن وقوع أبي أسيرا في الحرب. انصرفت فكرة العودة إلى بلاد أبي من تلقاء نفسها "(30) . لكن، تعرف عيسى على مجموعة من النماذج البشرية الكويتية الإيجابية أحيى الحلم القديم في نفسه، وأوقد في داخله الرغبة في تحقيق هويته كاملة. تلك الرغبة التي انتزعت منه حين تمّ طرد أمه جوزافين، وهو على متن ظهرها رضيعا، من طرف جدته غنيمة وأخواته. هنا يكذّب واقع الإنسان الكويتي، كما يعيشه عيسى في علاقاته الشخصية والاجتماعية، مع الأفراد والجماعات الكويتية التي صادفها في حياته العملية، واقعا آخر لهذا الإنسان، سبق أن تلقته أسماعه في طفولته وصباه، وبقي عالقا في ذاكرته، انطلاقا من أحاديث ومحاورات أمه جوزافين، عبر كل أطوار ومراحل حياته ( سبعة عشر سنة ) . قال عيسى عندما كان يشتغل عاملا في شركة سياحية، حين اقتنع بهويته الكويتية، وتصالح مع ذاته: "كم أحببتهم. وكم كنت أطير فرحا إذا ما علمت أن المركب يضمّ شبابا كويتيين. في البدء كنت أميز السياح العرب، أما في ما بعد، فقد أصبحت أميز الكويتيين من بينهم" لأنني واحد منهم، كنت أحاول أن أقنع نفسي"(31) . وأثناء لقائه بمجموعة أخرى من الشباب الكويتي على شاطئ البحر، وفي خضم حديثه وانسجامه الاجتماعي معهم، اعترف لهم عيسى بهويته الكويتية رغم وجهه الفلبيني الظاهر . قال: " - انظروا يا شباب .. سأكشف لكم سرا ! لم يفه أحدهم بكلمة. واصلت : - أنا كويتي .. رفعت رأسي بصعوبة أشاهد وجوههم . الدهشة تعلوها. - اسمي عيسى .. تبادلوا النظرات في ما بينهم"(32) . لقد تغيرت نظرة عيسى الفلبيني، من جهة الأم، إلى هويته الكويتية من جهة الأب. فكان هذا القبول للذات، ومصالحته معها، والاعتراف بالآخر الذي هو جزء من هذه الذات آلية أساسية، حرر بها عيسى أولا نفسه كإنسان موجود، من نوع من قيد الغربة والاغتراب، كان يعيشها وتسيطر عليه طيلة السنوات الماضية . قال : " فهمت لماذا كان ميندوزا ، تحت تأثير التوبا يردد : " أنا وحيد .. أنا ضعيف " ! مثلك أنا يا ميندوزا، ومن دون توبا ، أعترف .. أنا وحيد .. أنا ضعيف .."(33). وحررت بها ثانيا من جهة أخرى، تيمةُ الحق طاقتها وقوتها الكامنة فيها، والتي باتت انطلاقا من هذه الحقيقة السيكولوجية المحررة أكثر فعالية وحيوية وحرية . ومن تمّ سيعترف عيسى بمدى تفاعله الإيجابي، وقبوله التام لبلد والده بقوله : " جميلة هي الكويت "(34). ثم أردف : " مع كل هذه الاختلافات، كنت أمني نفسي : " سوف أذوب بين هؤلاء "(35) . يعني جماعة الشباب الكويتيين الذي صادفهم في الشاطئ . هكذا يمكننا القول، أنه في الوقت الذي انتزعت فيه تيمة الحق، بمكوناتها الداعمة لها ( المعرفة، الهوية، الحرية، الحلم.. ) بعضا من قوتها المشروعة، في سياق ظهور المؤشرات البدئية لتحقيق حرية عيسى، وذلك بانتزاعه الاجتماعي لهويته الإنتمائية الكويتية، تلك التي كانت مفتقدة طيلة المسارات الروائية للجزء الأول من الرواية ( مرحلة التأسيس )، لاحت في الأفق السردي للنص بدايات أخرى لاختلالات وانكسارات عميقة، في بنية تيمة السلطة، خاصة على مستوى قمّة هرمها الذهني التقليدي الماضوي، كما جسدته شخصية غنيمة .. • العلاقة بالموت في الفلبين من بين أولى تجليات تفكك وضعف بنية تيمة السلطة، في الجزء الثاني من الرواية، خاصة على مستوى فضائها الفلبيني، التركيز على مسألة الموت كتيمة وجودية، وكحدث يمثل سقوط قمّة هرم السلطة الرمزية الاجتماعية في النص ( واقع الفقر – موت ميندوزا ) . قال سارد النص : " هوزيه .. هوزيه .. هوزيه .. " لم يكن ميندوزا صاحب النداءات هذه المرة . كانت والدتي ، عبر الهاتف، في اتصال تلقيته بعد منتصف الليل، تبكي ، وتتعثر بلفظ اسمي : - هوزيه .. هوزيه .. ! تلتقط أنفاسها . تستجمع الحروف لتكون كلمات تصيغ الخبر : - قبل قليل .. مات أبي ! - احضر حالا .. يجب أن تكون هنا ! "(36) . لعل وفاة ميندوزا، باعتباره القمّة الرمزية لتيمة السلطة الاجتماعية، في هذا الجزء الثاني من الرواية، لنعدّه من أهم علامات بداية ضعف وانكماش تيمة السلطة، تاركة مكانها لفعل الاحتواء والتراجع، بعدما كانت في مرحلة قوتها، في الجزء الروائي الأول، تنتج فعل الصراع والهيمنة والقمع والإكراه . إذن، نلحظ هنا نوعا من تبادل الوظائف، وتحويل للأدوار بين تيمة الحق التي أصبحت متحكمة في الصراع، ومُهيمِنة على المسار الروائي للنص، بينما صارت تيمة السلطة تعيش مرحلة الانحلال والتفكيك تلو التفكيك. وتوّجت بالسقوط الدرامي لقمة هذه السلطة، نعني به موت ميندوزا. لكن، قبل فاجعة الموت هذه، آثر النص أن يمهد لها، حتى تتحقق بصفة سردية تدرجية، بالعديد من حلقات الضعف الصغرى . لقد أصبح الجدّ ميندوزا علامة بئيسة في ذاكرة عيسى، الوضع الذي جعله يؤثر فيه، ويكون له منه موقف عدم الاعتراف به، بسبب فعل القمع والسلطة والهيمنة. لقد كان الجدّ يمارس كل أشكال العنف ضدّ حفيده، وهو طفل وفتى. لكن في طور الشباب تمرد عيسى على جدّه، بترك البيت والخروج منها باحثا عن ذاته في عالم الأعمال . قال عيسى : " أما جدّي ميندوزا، فقد أصبح، رغم سني الصغير ة، يجاهر بعدائه لي: - لو كان ثمة خير من وراء هذا الصبي لما تخلى عنه أهله هناك"(37) . قال أيضا : " لم أكن قد بلغت السابعة بعد، عندما بدأ ميندوزا يتسلى بخوفي من هذه الأمنية. ما إن يقذف بأمنيته تلك، حتى أجدني، كالمجنون، أجري، يتملكني الخوف، باحثا عن حاجته في المكان الذي أرشدني إليه، وفي أماكن أخرى، في حين ينفجر هو ضاحكا "(38) . لهذا، لم يكن لحدث وفاة الجدّ ميندوزا أن يؤثر ويحرك شيئا في نفسية هوزيه - عيسى، بل بسببه صاغ موقفا اختياريا من ذلك. قال : " توجهت بنظري نحو غطاء التابوت . مددت كفي. وبسبابتي وإبهامي انتزعت الشريطة التي تحمل اسمي من بين أسماء أفراد العائلة "(39) . هكذا يعلن نص ساق البامبو ، من خلال جزئه الروائي الثاني، الخاص بالفضاء الفلبيني، بداية سقوط وانحصار وانحلال إحدى أهم مكونات تيمة السلطة، بجعلها تتدرج في عمليات السقوط هذه ابتداء بالمرض، ثم حالات الجنون المتكررة. فالموت كان آخر مرحلة لهذا المسلسل الانهزامي لتيمة السلطة الاجتماعية، كما مثلتها شخصية ميندوزا خير تمثيل . لا بد هنا أيضا من إبداء موقف ابنته آيدا، التي كان لها نصيب كبير من القمع السلطوي الأبوي، من موت هذا الرجل . قالت على لسان سارد النص عيسى دائما، لما وصلها خبر وفاة ميندوزا : " مات أبي منذ زمن طويل .. منذ كنا أطفالا .. لا جديد اليوم سوى إلقاء جثمانه في حفرة مظلمة تشبه الحفرة التي دفعني إليها، عندما كنت في السابعة عشرة من عمري "(40) . • العلاقة بالدين تعتبر علاقة عيسى بالدين مكونا أساسيا في بنية تيمة الحق، لأن هذه العلاقة تشكل الوجه الآخر، لهويته كمواطن كويتي أولا، وكفرد إنساني وكوني ثانيا . قال : " إنه قدري، أن أقضي عمري باحثا عن اسم ودين ووطن. رغم ذلك، لن أنكر لوالديّ فضلهما في مساعدتي، من دون نية منهما، في تعرفي على خالقي.. بطريقتي"(41) . ثم يعود عيسى ليركز المعنى الذي يقصده، بكونه يوجد في موقع متوتر، وعلاقته بالمسألة الدينية، لم تكن تقوم على أساس تربوي متين، نتيجة هويته المركبة من أصل ديني مسلم ( ديانة والده الراشد الكويتي )، و(أصل ديني مسيحي ( ديانة أمه جوزافين الفلبينية. لهذا عانى عيسى في طور شبابه من آثار هذه الهوية الدينية المركبة والمزدوجة، رغم أن أمه كانت تعده بالمعتقد الديني الإسلامي لوالده . قال بهذا الصدد : " أهملت والدي تربيتي دينيا، على يقين بأن الإسلام ينتظرني مستقبلا في بلاد أبي. ورغم أن أبي همس بنداء صلاة المسلمين في أذني اليمنى، فور ما حملني بين يديه، في المستشفى، بعد مولدي، فإن ذلك لم يمنع والدتي، فور وصولنا، من أن تحملني إلى كنيسة الحيّ الصغيرة، ليتم تغطيسي في الماء المقدس، في طقوس تعميدي مسيحيا كاثوليكيا. لم يكن يقينها بعودتي قد ترسخ في ذاتها بعد "(42) . إذن، فعمليا، رغم أن أمه كانت دائما تعده بالتدين الإسلامي لوالده، حين عودته إلى الكويت، كانت في نفس الوقت تربيه، بصفة اجتماعية وإجرائية، التربية الدينية المسيحية التي تدين بها في مجتمعها . غير أنه في خضم بحثه عن هويته الدينية والتاريخية، اقتنع عيسى أخيرا في شبابه بفعالية المعتقد الإسلامي. يقول : "بطولة السلطان المسلم لابو – لابو وسيرته وتقدير عموم الناس له في الفلبين، على اختلاف أديانهم، واعترافهم بدوره في مقاومة المحتل، صور جميلة قربتني إلى الإسلام كثيرا.. جماعة أبو سياف بقتلهم الأبرياء والمبشرين، أبعدوني عن هذا الدين.. كثيرا "(43) . نستنتج إذن، أن تيمة الحق باستنادها إلى آلية الهوية، في شكلها الديني وتجليها التاريخي، تكون قد خدمت ودعمت المنحى الإيجابي لمسارات النص السردية النوعية، من أجل، أولا، مقاومة آلام الذاكرة التي عاشها عيسى راشد في الماضي، وثانيا، من أجل تحريره الكامل لآماله وأحلامه، المتمثلة في العودة إلى بلد والده، وبالتالي تحقيق تلك المصالحة العميقة مع ذاته والاعتراف بها، هذه المصالحة الذاتية التي تتأسس عليها قوة شخصيته التي سيكون في أمس الحاجة إليها، عندما ستواجهه عراقيل ومعيقات تيمة السلطة التي تنتظره عمليا في أرض الكويت . ب - في الفضاء الكويتي تواصل تيمة الحق هجومها المصرّ، بقيادة عيسى راشد الذي حقق حريته باقتناعه الفكري والاجتماعي بضرورة انتزاع هويته الوطنية الكويتية، كوجه آخر لهويته الفلبينية، لتبقى الهوية الإنسانية المنفتحة والمتسامحة المتعددة، هي رهان المتن الروائي الذي نحن بصدده . لقد كان في عمر عيسى ثماني عشرة سنة، حين وصل إلى مطار الكويت، تلبية لدعوة صديق والده غسان . قال : " مطار كئيب ذلك الذي حطت به الطائرة يوم الأحد، الخامس عشر من يناير 2006 "(44) . إلا أنه ستبدو أولى تجليات تيمة السلطة، في مطلع هذا الجزء الروائي الثاني، على مستوى فضائه الكويتي، نتيجة تغيير غسان لوجهة عودة عيسى الراشد لبلده الكويت. فبدل التوجه مباشرة إلى بيت أبيه، جعله مرافقه غسان يتوجه إلى شقته في الجابرية، وقاية له لتحقيق فعل التفكير الأسطوري لعمته غنيمة. قال : " كيف ستتقبل مجيئي إلى الكويت في الوقت الذي توفي فيه الأمير ؟ ألا يكفي ما سببناه أنا وأمي من قبل ؟ وصول أمي وقت تفجيرات الموكب الأميري في منتصف الثمانينات، ولادتي واختطاف الطائرة، سفرنا والإفراج عن ركابه ! " وجودك، في هذا الوقت تحديدا، يؤكد فكرة لعنة جوزافين التي تؤمن بها الخالة غنيمة "، قال غسان. ولهذا السبب، تأجل لقائي بجدتي إلى الشهر الذي تلا وصولي "(45). • انبعاث العلاقة بالهوية في الكويت إن المواجهة التي تمت بين تيمة الحق ( عيسى ، خولة )، وتيمة السلطة ( غنيمة ، نورية ، هند )، في شكلهما النوعي المتطور والجديد، في هذا الجزء الروائي الثاني، يدل على استمرار مشكلة الهوية، كإشكال أساسي يشغل تفكير عيسى أينما حل وارتحل. لهذا، كان رفض الجدّة غنيمة لفكرة استقرار عيسى في البيت، يشوبه نوع من الحيرة والمساءلة وعدم وضوح الرؤية. لأن لعيسى " اسم يجلب الشرف .. "، و "وجه يجلب العار ". قال : " أنا عيسى ابن الشهيد راشد .. وفي الوقت نفسه أنا .. عيسى ابن الخادمة الفلبينية !"(46) . لعل تحقيق أول انتصار لتيمة الحق، في علاقتها الصراعية ضدّ تيمة السلطة، يكمن في وصول عيسى راشد إلى بيت والده في الجابرية. يقول : " إن قبول جدتي لي قبولا منقوصا. ملحق البيت ليس البيت ذاته. هو مكان مفصول في فناء البيت الداخلي، يسكنه الطباخ والسائق. لا يسكن في البيت سوى أصحاب البيت، والخادمات في الطابق الأخير. تقبلت الأمر برحابة صدر، ليس لشيء سوى أن غرفتي في ملحق المنزل كانت، ذات يوم، الديوانة التي يجتمع بها أبي بأصدقائه "(47) . إضافة إلى اعترافه الداخلي بمدى تحرره الحقيقي من بعض آثار الذاكرة الموجعة، التي اعتبرناها سابقا من الآليات الداعمة لتيمة السلطة في نص الرواية . • علاقة المصالحة بين الحق والسلطة لعل تواجد عيسى راشد في بيت والده، مكنه من كسب ثقة جدته غنيمة بصفة تدريجية، وبالتالي ارتفعت درجة التواصل والقبول، وكذلك الانفتاح الإيجابي والتفاهم المثمر بين الطرفين. يجعلنا هذا التطور النوعي، في العلاقة بين تيمة الحق وتيمة السلطة، نقرّ هنا ببداية تراجع فعل الصراع وردود الأفعال المضادة. ذلك الفعل الذي ساد بينهما لفترة طويلة، في الجزء الروائي الأول، لصالح فعل وتجربة القبول والمصالحة والانفتاح على الآخر المختلف، ولو بشكل نسبي. فتكون هنا تيمة الحق، التي يقودها عيسى راشد، قد ربحت رهان صراعها السابق ضد تيمة السلطة، بسبب قوة الإرادة والإصرار، وكذلك إيمانه الملح بقضيته. تلك القضية التي ميزت كل مواقف عيسى راشد، عبر جميع المسارات السردية والخطابية للنص، لإثبات شكل الحرية والكرامة لهويته وإنسانيته . لا بد من الإشارة هنا إلى أن علاقة المصالحة والقبول أعلاه، كان من الممكن أن لا يكتب لها التحقق، دون الاعتماد على آلية مهمة، كان لها الدور المحوري في مساعدة عيسى على انتزاعه القوي الاعتراف به كإنسان كويتي، من طرف جدته غنيمة. نعني بها آلية خبرته المهنية في مجال طب التدليك، حيث اشتغل في إحدى مراحل حياته بالفلبين، في المركز الطبي الطبيعي الصيني، المخصص لهذا الغرض. وقد صادف تواجده في البيت، تفاقم مرض المفاصل الذي تعاني منه جدته في ساقيها، ليتطوع نتيجة لذلك مقترحا خدماته الطبية التدليكية لصالح جدته. فأقنعها عمله الجيد والجاد، لأنه كانت له نتائج علاجية مهمة. بل أكثر من ذلك قرّبته هذه المهمة الطبية، التي مارسها عيسى من أجل ساقي جدته، من تحقيق الهدف الأساسي الذي جاء من أجله إلى الكويت، وهو إقناع عائلة الطاروف التي نبذته في الماضي رفقة أمه، بمشروعية ومصداقية حقه في الانتماء إلى هويته العائلية العربية الكويتية والإنسانية، وبالتالي تكذيب الموقف الانفعالي المتصلب والمتشدد، والممارسة السلوكية المجحفة التي أنتجتها سلطة العقل التقليدي الوراثي المتعصب، ضده وضدّ أمه كإنسانين، قبل لوني بشرتهما وطبقتهما الاجتماعية، عندما رفضهما هذا العقل ( هو وأمه الأسيويين )، بل طردهما من بيتهما الطبيعي، لسبب واه غير منطقي، ولا يمت بصلة لما هو حقيقي إنساني، باعتباره محكوم بمعتقد متعسف غير حضاري قبلي وقديم، يستند إلى نظرة الأعراف العتيقة والهشة، دون روية فاحصة ونظرية عقلية تلك النظرة التمييزية والقاصرة التي لا تكون دائما على صواب . قال عيسى معبرا عن ابتهاجه الكبير للتقرب النوعي والوظيفي، الذي حققه بسبب عمله الطبي لصالح قضيته أولا، وخدمة لجدته المسنة غنيمة ثانيا، تلك التي اعتبرناها في النص قمة تيمة السلطة الرمزية : "لو كان تدليك ساقيها يقربني إليها لقضيت عمري كله في هذا العمل "(48) . لقد باتت تيمة الحق ( عيسى راشد الطاروف ) تحتوي بفعالية كبيرة الموانع والحواجز التي وقفت سابقا في وجه نجاح أمه جوزافين، والتي أيضا كانت تحول دون تحقيقه الملامح السليمة لنسقها الكلي، كمنظومة دالة في مختلف أوجهها المتكاملة فيما بينها : الهوية، الانتماء، المعرفة، الحرية، الكرامة والقيم، السعادة، الحقيقة .. مع انفتاحها التدريجي على تيمة السلطة المرتبطة هنا بمرحلة سقوطها، نظرا لتراجع وضعف مقاومة قمة هذه التيمة، نعني بها : غنيمة الطاروف . قال عيسى بهذا الصدد متحدثا عن جدته : " أصبحت جدتي تتقبلني أكثر فأكثر مما مضى "(49) . ثم يضيف : " بعد أن كان دخولي إلى البيت مقتصرا على غرفة الجلوس وغرفة الطعام المفتوحة عليها، أصبحت أدخل إلى غرفة ماما غنيمة، كل يوم "(50) . • العلاقة بالمسألة الطبقية الاجتماعية عالج نص ساق البامبو، انطلاقا من الجزء الروائي الثاني، ومن خلال فضائه الكويتي، أثناء وجود عيسى في بيت جدته ووالده، المسألة الطبقية الاجتماعية، من منظور نقدي واضح، وفي سياق دعم التوجه التفكيكي الذي تمارسه تيمة الحق، بقيادة دائما عيسى راشد الطاروف، ضدّ الأطر المرجعية الفكرية لتيمة السلطة، سواء في شكلها الذهني والثقافي ( غنيمة ، نورية )، أو في شكلها السياسي والرمزي، كما عبر عنه راشد الطاروف، في مشروع روايته التي لم يكتب لها أن تكتمل وتخرج إلى الوجود، بسبب وقوعه في أسر الجنود العراقية. يقول عيسى : " تقول خولة : " يقول أبي في روايته التي لم يفرغ من كتابتها، أننا كويتيون وقت الضرورة وحسب .. يصبح الإنسان منا كويتيا وقت الأزمات.. ثم سرعان ما يعود للتصنيفات البغيضة ما إن تهدأ الأمور "(51) . إن الصراع الطبقي الحاضر في المجتمع الكويتي بصفة خاصة وفي المجتمع العربي عامة، يفسره النص من منظور عيسى النقدي الذي يمثل موقف تيمة الحق، بشكلها المتطور والفاعل والمهيمِن، على تيمة السلطة، بصراع القوى الموجودة والمتفاعلة في الحقل الاجتماعي الكويتي، رغبة في تحقيق فرض الذات على الآخر المضاد، من أجل إخضاعه والهيمنة عليه، وكسب رهان الصراع الأبدي . يقول عيسى بهذا الصدد : " شيء معقد ما فهمته في بلادي. كل طبقة اجتماعية تبحث عن طبقة أدنى تمتطيها، وإن اضطرت لخلقها، تعلو فوق أكتافها، تحتقرها وتتخفف بواسطتها من الضغط الذي تسببه الطبقة الأعلى فوق أكتافها هي الأخرى "(52) . هكذا يتكامل الملفوظ السردي لعيسى، في روايته ساق البامبو، مع المنطوق السردي لوالده راشد، في مشروع روايته غير المنتهي. وبالتالي يحتل عيسى هنا موقع الحلقة الفكرية والإبداعية، وكذا الأيديولوجية التي واصلت مهمة فكر التحرر، ومبادئ نشر قيم الحداثة والديمقراطية والانفتاح . • العودة إلى مسألة العلاقة الجدلية بين الحق - الهوية والسلطة الرمزية – الفقر الذهني رغم أن هاجس الماضي الاجتماعي لعيسى راشد الطاروف ببعده الطبقي، يعتبر أساسيا لدى مكون تيمة السلطة، بل ظل يطارده إلى نهاية النص، فإن عيسى، من خلال تيمة الحق في هذا الجزء الروائي بالذات، استطاع تجاوز هذا الإشكال النفسي والفكري، بإصراره القوي على حقه الطبيعي والقانوني، في أن يتمتع بهوية كاملة. يقول : " أنا أعيسى راشد الطاروف .. شئتم أم أبيتم .. هذا ما ورثته من أبي.. أما أمي، وإن ورثتني ملامحها، فإنها لم تورثني وظيفتها القديمة في هذا البيت حين كانت الخادمة جوزافين "(53) . غير أن القرار الذي اتخذه عيسى حين خرج من البيت، للحفاظ على إبقاء أخته خولة إلى جوار جدته في نفس البيت، يعتبر قرارا شجاعا وجريئا، من جهة أنه حاول به أن لا يكون سببا في خروج أختها من بيتها وتغريبها، وبالتالي مارس به فعل احترام العقل التقليدي المتشدد الذي له مشكلة مع مسألة الجسد ( الذكر والأنثى في نفس البيت ). ومن جهة أخرى، مكنه هذا القرار التاريخي في حياته من رفض التعايش مع الأفكار الجامدة غير الحضارية. كما أن اختياره ترك المنزل، يندرج في سياق بحث المستمر عن عوالم الحرية والاستقرار والكرامة الإنسانية، بعيدا عن عالم الإكراه والضغوط والتناقضات الاجتماعية، ومفارقات القيود الفكرية الوهمية السائدة في محيطه العائلي والاجتماعي . قال وهو مقبل على ترك البيت : " جدتي، لأول مرة منذ وجودي في بيتها، احتضنتني بقوة حتى كدت أختنق بين ذراعيها ما إن علمت بقراري "(54) . لتبدأ مرحلة جديدة في حياة عيسى راشد، في خضم معاناة الغربة، في وطن يرفضه فيه أهله. قال : " للكويت وجوه عدة .. هي أبي الذي أحببته .. عائلتي التي تتناقض مشاعري تجاهها .. غربتي التي أكره. انتمائي الذي أشعر به إذا ما أساء أحدهم إلى أبنائها بصفتي واحدا منهم .. الكويت هي خذلان أبنائها لي بنظرتهم الدونية .. الكويت هي غرفتي في ملحق بيت الطاروف .. مقدار كثير من المال .. وقليل من الحب لا يصلح لبناء علاقة حقيقية .. الكويت شقة فارهة في الجابرية يملأها الفراغ .. الكويت زنزانة ظالمة مكثت فيها يومين من دون ذنب "(55) . إن الانفصال ولو جسديا، عن حياة بيت جدته غنيمة، مكّن عيسى من فهم أكثر قربا لما يجري في بنية تيمة السلطة. تلك التي تمارس فعلها الحقيقي، ليس بالشكل المادي المباشر رغم أهمية هذا الفعل، وإنما خطورتها الحقيقية تتجلى في فعلها المتواري غير المرئي، والذي غالبا ما يساهم فيه ضحايا هذا الفعل أنفسهم، دون وعي منهم بفعلهم المضاد لمصلحتهم . هكذا يصرخ عيسى كاتبا ما يلي، طارحا السؤال الكبير الذي يورقه : " أي عار هذا الذي أجلبه لعائلتي حتى وأنا بعيد عنهم ؟ وما هي تلك السلطة التي يملكها الناس على بعضهم البعض ؟ وما سر تلك العضلة الغارقة في اللعاب والنميمة داخل الأفواه والتي يخشاها الناس في الكويت كما لا يخشون شيئا آخر ؟ "(56) . غير أن مواجهة نورية الطاروف، التي تمثل هنا تيمة السلطة، لعيسى الطاروف، وادعائها بكونه مجرد ابن خادمة وزانية، لا حق له في ميراث الأخوة الذي من أجله جاء إلى وطنه الكويت، زاد في استفزاز وغضب عيسى، الأمر الذي جعله يخرج الورقة التي تثبت مدى شرعية الزواج العرفي لوالده راشد من أمه جوزافين. وبعد الاطلاع عليها، وتأكد الجميع من محتواها القانوني والشرعي، بدت أخته عواطف متأثرة بالوضع، واقتنعت حينها بموقف عيسى. قال بهذا الصدد : " مسحت بجزء من عباءتها تقول : " أنت كويتي .. أنت ابن أخي .. ابن راشد "(57) . لعل الاعتراف بالهوية الكويتية لعيسى من قبل شخصية عواطف، هو إعلان جديد لسقوط نوعي آخر، لأحد أهم مكونات تيمة السلطة في نص ساق البامبو، بعد السقوط الكبير لقمتها القائدة سابقا ( غنيمة ). وبالتالي، ففي الوقت الذي ازدادت فيه تيمة الحق قوة وقيمة وفعالية المعنى، لاحظنا مدى تقلص وانحدار وانكماش ما تبقى من بنية تيمة السلطة ( نورية )، التي كلما تقدمت مسارات النص الروائية، كلما ارتفعت درجة خلخلة وتفكك عناصر تلك البنية. خاصة، مع واقعة الهزيمة المفاجئة التي منيت بها عمته هند في الانتخابات السياسية الكويتية. يقول عيسى الراوي في هذا السياق : " دبت الخلافات في بيت الطاروف. عمتي هند وعمتي عواطف على خلاف شديد مع نورية التي كانت وراء فصلي من العمل : " أتركي الفتى في حاله .! " نورية حانقة على هند بسبب تصريحها وخسارتها في الانتخابات : " لو كان عيسى الطاروف على قيد الحياة لمات بسببك " . ماما غنيمة في حالة سيئة بسبب ما يحدث في بيتها . الشقيقات على خلاف . خولة تركت البيت إلى منزل جدتها لأمها : " الوضع في بيت ماما غنيمة لا يطاق ". تقول أختي واصفة حال جدتي : " تضرب على فخذيها طيلة اليوم بحسرة .. ترفع كفيها إلى السماء : الله ينتقم منك يا غسان "(58) . 2-2-2 لحظة التركيب هكذا تنتصر وقائع النص الروائية النصية والخطابية، في الجزء الثاني من رواية ساق البامبو، لرهان مواقف عيسى وخولة وغسان الحقوقية ( تيمة الحق )، ضدّ المواقف الاستبدادية العنيفة لغنيمة ونورية وعواطف وهند ( تيمة السلطة ) . 2-3 الجزء الثالث من الرواية ( ص 394 - ص 396) : الانتماء لكونية الكتابة- مرحلة القرار 2-3-1 تراجع تيمة السلطة وخضوعها الكلي لتيمة الحق ( سلطة الكتابة ) إن اتخاذ عيسى القرار لكتابة الرواية، هو في حد ذاته انحياز غير مباشر لاستكمال طريق والده راشد، الذي توفي دون أن ينهي مشروع فكرة تأليف روايته. وبالتالي، تكون هنا تيمة الحق، التي باتت مسلحة بسلطة الكتابة الإبداعية، قد ربحت رهان صراعها مع تيمة السلطة، باعتبار الأولى ستبقي منطوقها السردي، منفتحا على كل ما هو مختلف، في تاريخ عائلة راشد الطاروف، بل في تاريخ حياة كل الشعوب. في المقابل، لم .. ولن تستطع الثانية تجاوز جدران بيت الطاروف المحاصر بالفكر المغلق.. قال عيسى راشد : " قررت الكتابة بالفلبينية، وإن طابقت في حروفها الحروف الإنجليزية " (59) . وأضاف في موضع آخر : " فرغت الفصل الأول من هذه الرواية في آخر يوم لي في الكويت "(60) . 2-3-2 تحقيق الشكل الدائري الدال للمسار الروائي لنص ساق البامبو، تصبح نهايته هي نفسها بداية الرواية إنها نهاية مفتوحة على بدايته المرتبطة بها نصيا وخطابيا . نهاية النص : " اسمي JOSE ، هكذا يكتب . ننطقها في الفلبين، كما في الإنجليزية، هوزيه. وفي العربية يصبح، كما في الاسبانية، خوسيه. وفي البرتغالية يكتب بالحروف ذاتها ولكنه ينطق جوزيه. أما هنا في الكويت فلا شأن لكل تلك الأسماء باسمي حيث هو .. عيسى ! "(61) . بداية النص JOSE ،، " هكذا يكتب. ننطقه في الفلبين، كما في الإنجليزية، هوزيه. وفي العربية يصبح، كما في الاسبانية، خوسيه. وفي البرتغالية بالحروف ذاتها يكتب، ولكنه ينطق جوزيه. أما هنا، في الكويت، فلا شأن لكل تلك الأسماء باسمي حيث هو .. عيسى ! "(62) . لعل أهم تحول نوعي لصراع تيمة الحق ( عيسى )، ضدّ تيمة السلطة الرمزية، في بعدها الاجتماعي والذهني ( غنيمة )، هو اقتناع عيسى، كممثل وحيد لهذه التيمة، في المقطع الروائي الثالث، بضرورة ممارسة الكتابة الإبداعية ( الرواية )، التي شكلت في النص منعطفا نوعيا جديدا، للصراع ضدّ الأفكار التقليدية العديمة الجدوى. وهي الأفكار الجامدة والعتيقة التي طرحتها بالنقد والمساءلة والتجاوز بالكتابة رواية ساق البامبو، بعد فشل عيسى من التقرب الجسدي والعائلي من موطن أبيه الكويت، وبالتالي، ليقتنع في النهاية أن سلاح الكتابة هو الأداة القوية الوحيدة التي بإمكانه من خلالها تأسيس الوعي، ومقاومة نوعية الفكر المغلق والبسيط والمسطح، الذي تستند إليه تيمة السلطة، وفي نفس الوقت، رد الاعتبار لهويته كإنسان قبل طويته المحلية بمعناها الوطني الضيق. لهذا، خاطب عيسى عائلة الطاروف، وهو يستعد لمغادرة الكويت، كاتبا باللغة الإنجليزية، قبل أن يقرر الكتابة بلغة الأم الفلبينية التي يتقنها أكثر من سابقتها. وهو مؤشر لاختياره الفكري جهة مواقف أمه جوزافين، وموطنه الطفولي أرض الفلبين. لكن مع حمله لموطنه الأبوي: الكويت في الكتابة التي اقتنع بخوضها عند عودته . " أنا ، رغم اختلافي عنكم، وربما تخلفي أيضا، في الكثير من الأشياء، ورغم شكلي الذي يبدو غريبا بينكم، ورغم لهجتي وطريقتي في لفظ الكلمات والحروف .. رغم كل تلك الأشياء، فأنا أحمل تلك الأوراق التي تحملون، ولي حقوق وعليّ واجبات مثل حقوقكم وواجباتكم تماما. كما أنني رغم كل شيء لم أكن أحمل لهذا المكان سوى الحب ولكنكم، ولسبب أجهله حلتم بيني وبين أن أحب المكان الذي ولدت فيه، والذي مات أبي من أجله. منعتموني من القيام بواجباتي، وحرمتموني من أبسط حقوقي"(63) . ثم يكتب بعد ذلك إن " النباتات الاستوائية لا تنبت في الصحراء "(64) . و أخيرا يطلق صرخته القوية : "خذوا هذه الأوراق، و أعيدوا لي نصف إنسانيتي، أو خذوا ما تبقى منها لدي"(65) . 3– تركيب واستنتاج عام هل يمكن تغيير الواقع بالكتابة ؟ لقد استحضرت خولة، في إحدى حواراتها مع أخيها عيسى، إبان عزمه على الرحيل، مدى انشغال أبيهما راشد بمسألة الكتابة ودورها الأساسي في تغيير الواقع. يعني تغيير الذهنيات والأفكار السائدة بأداة المعرفة، خاصة في شكلها الإبداعي الروائي . تقول : " - لم يكن أبي مجنونا، كما تقول جدتي، عندما أراد أن يغير الواقع بالكتابة . أطرقت مستطردة : - لو أنه أنجز روايته قبل اعتقاله .. - لو أن الناس هنا .. يقرأون "(66) . إنه السؤال الإشكالي المعرفي الجوهري الذي توصل إليه نص ساق البامبو، انطلاقا من اشتغاله النقدي على جدلية العلاقة بين تيمة السلطة، عبر امتداداتها الدلالية المختلفة، وفي علاقاتها الصراعية المتدرجة، من خلال العديد من المراحل النوعية والتطورات المميزة، ضدّ تيمة الحق، خاصة في مستواها الهويتي الإنساني، يجعلنا نتساءل بدورنا : هل توفق نص رواية ساق البامبو، فعليا، في كسب رهان تغيير الواقع الاجتماعي، الروائي المتخيل النصي، والواقعي الفعلي والتاريخي التسجيلي لشخصية عيسى، التي لم تكن في النص سوى الوجه الآخر لقضية الهوية الإنسانية الملتبسة، في بعديها المتعارضين والمتصارعين، على مدى تاريخ الإنسان منذ القدم : نعني بهما الهوية بتجليها الفكري التقليدي المتعصب، والمنسجم نسبيا مع واقعها المهيمن، باعتبارها هوية ماضوية تفتقر إلى أداة الوعي النقدي لتحقق الحياة السعيدة المثلى. والهوية بتجليها الفكري العصري المنفتح والحداثي، الذي يتسم بعلاقاتها المتوترة مع الواقع السائد، وغير المنسجمة مع محيطها المباشر، رغم انسجامها مع ذاتها، الشيء الذي يجعلها في وضعية الاصطدام، والقلق، والتساؤل الدائم. وبالتالي، تجد هذه الهوية الحداثية المنكسرة نفسها في بحث مستمر وراء هدف أو حلم تحقيق التوازن الاعتباري، الذي يحرص عليه الكيان البشري الطبيعي الحر، والمؤمن بالتطور والتغير الدائمين، بألا يقبل أن ينتزع منه حقه في ذلك التحرر، بطريقة من الطرق كيفما كان نوعها. وهنا يأتي دور الكتابة كشكل معرفي و فني إبداعي، تعبر به الذات الإنسانية عن هويتها ومعاناتها وأحلامها، للاستمرار في الحياة بصفة طبيعية، وفرض الوجود اللائق، في خضم العلاقة التفاعلية والجدلية أحيانا، مع المحيط الاجتماعي في ظل الشروط الحضارية والتاريخية غير الطبيعية. هكذا يمكننا القول أن نص ساق البامبو تفوق إلى حد بعيد، من منظورنا التحليلي، في التعبير فنيا ونقديا عن واقع اجتماعي كويتي وعربي، تتجاذبه وتتصارع فيه قوتان متناقضتان: قوة اجتماعية منفعِلة مُهيمنة، تدافع عن التخلف والثبات بالتقليد والجهل والتشدد، وجسدتها في النص تيمة السلطة. وقوة اجتماعية فاعِلة مضادة، تدافع عن حياة التقدّم والتغير بالتجديد والحوار والانفتاح على الاختلاف والعلم، وجسدتها في النص تيمة الحق.
الهوامش والإحالات
1 سعود السنعوسي، رواية ساق البامبو (بيروت : الدار العربية للعلوم،2013)، ط 10 2 نفسه، ص 211 3 محمد برادة، جريدة الاتحاد الاشتراكي ، عدد 1323 ، 1987 4 محمد أعراب ، >>القيم والتغير الاجتماعي>السلطة الرمزية عند ماكس فيبر> الحق، الواجب، الحرية، من أجل فلسفة فاعلة<< ،في : دفاتر المدرسة العليا للأساتذة- مكناس، أسئلة الواجب والوجود الإنساني (مكناس : منشورات مجلة وليلي، 2005 )، ص62 Andre Lalande - vocabulaire technique et critique de la philosophie 10 ,PUF,10 edition ,1968, pp 250/253 E. Doctrine kent ,du droit ,vrin,1971 ,p 128 11 12 سعود السنعوسي، رواية ساق البامبو (بيروت : الدار العربية للعلوم ناشرون ، 2013 ) ط10، ص 17 13 نفسه، ص 389 14 منى السليمية، >>أسئلة الهوية في ساق البامبو<<،مجلة نزوى، عدد 77 ( 2014 )، ص80 15 سعود السنعوسي، رواية ساق البامبو (بيروت : الدار العربية للعلوم ناشرون، 2013) ط 10، ص 19 16 نفسه، ص 21 17 نفسه، ص 25- 26 18 نفسه، ص 27 19 نفسه، ص 61 20 نفسه، ص 79 21 نفسه، ص79- 80 22 نفسه، ص 19 23 نفسه، ص 31 24 نفسه، ص 29 25 نفسه، ص 30 26 نفسه، ص 51 27 نفسه، ص 51 28 نفسه، ص 124 29 مصطفى حجازي، التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور(المغرب : المركز الثقافي العربي، 2015 ) ط9 ،ص 140 30 نفسه، ص 101 31 نفسه، ص 151 32 نفسه، ص 158 33 نفسه، ص 202 34 نفسه، ص 203 35 نفسه، ص 204 36 نفسه، ص 160 37 نفسه، ص 81 38 نفسه : ص 121 39 نفسه، ص 168 40 سعود السنعوسي، رواية ساق البامبو (بيروت : الدار العربية للعلوم ناشرون، 2013) ، ط10، ص 171 41 نفسه، ص 66 42 نفسه، ص 63 43 نفسه، ص 209 44 نفسه، ص 185 45 نفسه، ص 189 46 نفسه، ص 214 47 نفسه، ص 229 48 نفسه، ص 250 49 نفسه، ص 254 50 نفسه، ص 256 51 نفسه، ص 277 52 نفسه، ص 279 53 نفسه، ص 287 54 نفسه، ص 294 55 نفسه، ص 324 56 نفسه، ص 366 57 نفسه، ص 374 58 نفسه، ص 380 59 نفسه، ص 388 60 نفسه، ص 393 61 نفسه، ص 389 62 نفسه، ص 17 63 نفسه، ص 386 64 نفسه، ص 387 65 نفسه، ص 365 66 نفسه، ص 258- 259
قائمة المراجع
الكتب : أ - بالعربية 1 – بيير بورديو ، الرمز و السلطة ، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي( المغرب : دار توبقال، 1986 ) ط 1، ص 52 2 - جميل صليبا، المعجم الفلسفي(بيروت : دار الكتاب اللبناني، 1978)، ص 670 3– سعود السنعوسي، رواية ساق البامبو (بيروت : الدار العربية للعلوم ناشرون، 2013) ، ط10 4 – مصطفى حجازي، التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور(المغرب : المركز الثقافي العربي، 2015 ) ط9 ،ص 140
ب – بالفرنسية 1968- Andre lalande , Vocabulaire tichnique et critique de la philosophie,Puf , edition 10 , 1 E . Kent , Doctrine de Droit , vrin , 1971 2-
المقالات و الدراسات : - محمد برادة، جريدة الاتحاد الاشتراكي (المغرب)، عدد 1323 ، 1987 - محمد أعراب ، >>القيم والتغير الاجتماعي<<، مجلة الكلمة الالكترونية (لندن)، العدد 84، أبريل ، 2014 - منى السليمية، >>أسئلة الهوية في ساق البامبو<<،مجلة نزوى، عدد 77 ( 2014 )، ص80 - عز الدين الخطابي،>> الحق، الواجب، الحرية، من أجل فلسفة فاعلة<< ،في: دفاتر المدرسة العليا للأساتذة- مكناس، أسئلة الواجب والوجود الإنساني (مكناس: منشورات مجلة وليلي، 2005 )، ص62 - حنان على عواضة،>>السلطة الرمزية عند ماكس فيبر<<، مجلة الأستاذ، مجلد 1، عدد 206 (2013)، جامعة بغداد – قسم الفلسفة .
#محمد_بقوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأنا الذي لا يفكر .. أو الطبيعة الصامتة و الطبيعة اللغوية
-
من دفاتر نيتشه الفلسفية : مسألة الإغريق و علاقتهم بالفلسفة (
...
-
نقد مفهوم الحرية في فلسفة سبينوزا
-
من دفاتر نيتشه الفلسفية : مسألة الفلسفة و التفلسف و الفيلسوف
...
-
من دفاتر نيتشه الفلسفية : الفلسفة و الفيلسوف .. المفهوم و أي
...
-
الفلسفة .. ضد سياسة التجميع
-
محمد ابزيكا .. المثقف العضوي . أو صراع الأنساق : بين الحداثي
...
-
الفلسفة و سياسة التكرار
-
التقدم ضدّ خرافة الوصول .. في سبيل الصداقة الفلسفية
-
المرتزقة الجدد ، وجهة نظر فلسفية
-
أعشاش لاحمة
-
مفهوم الدولة في مادة الفلسفة المقررة بالبرنامج الدراسي للباك
...
-
وقفة احتجاجية شعبية ضد تواطؤ لوبي العقار مع الإدارة في أكادا
...
-
عودة إلى علاقة السلطة بالحقل التعليمي
-
مسألة المثقف في تصور بيير بورديو
-
الأصول الفلسفية لمفهوم الهابتوس عند بيير بورديو
-
عنف المؤسسة التربوية ضد التلميذ
-
السؤال الملتحي ربيعا
-
نص إبداعي : الوزير المغربي المحترم و عودة الفيلسوف نيتشه
-
حدث إبداعي شعري عالمي بصوت طفولي بمدرسة البساتين أيت ملول (
...
المزيد.....
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|