|
علم التاريخ و (( مضار التاريخ ! ))
موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 5414 - 2017 / 1 / 27 - 00:46
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يقول هيجل : (( الحكام و الساسة و الأمم مطالبون يقينا بأن يدرسوا التعاليم التي تقدمها الخبرة أو التجربة في ميدان التاريخ ، لكن ما تعلمه التجربة و التاريخ هو أن الشعوب و الحكومات لم تتعلم شيئا قط من التاريخ ، و لم تعمل وفقا لمبادئ مستمدة منه ، إذ يندمج كل عصر في ظروف خاصة ، و يعرض وصفا للأشياء فريدا تماما في نوعه ، لدرجة أن سلوكه لا بد أن تحكمه اعتبارات مرتبطة بذاته ، و بذاته وحدها . فالمبادئ العامة لا تقدم أي عون وسط ضغط الأحداث الكبرى ، و من غير المجدي الارتداد إلى مماثلة في الماضي . و عبثا تناضل ظلال الذكرى الباهتة مع حياة الحاضر و حريته )) .
((مضار التاريخ !)) هو عنوان طرح للاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف بالحوار المتمدن (عدد 5398) ، و بقدر ما كان وفيا لذكرى استاذه فاضل حسين كانت له كلمته في الطرح ، و إن بدت أكاديمية أكثر من اللازم .
فمضار التاريخ في مجمل الطرح هي في كونه : * يساعد على تفكك المجتمعات . * يخلق الأحقاد و يعمق الخلافات بين البشر . * يفرّق بين الأقوام ، بل و يفرّق بين أفراد القومية الواحدة .
و توخيا للدقة ، فالاستاذ يُنوّع في ما يقصده بمضار التاريخ : * التاريخ إذا ما كتب بطريقة خاطئة أو مقصودة ، فساعد على تفكك المجتمعات (... إلخ) . * كتب التاريخ فيما إذا ألفت وفق المنظور الطائفي أو المذهبي أو الديني أو القومي تساعد في تأجيج الخلافات . * التاريخ إذا ما ترك بدون تدخل إيجابي ، يترك آثارا مؤذية و مضرة . * سوء عرض الأحداث ، و انتقاء البعض لما يعجبهم من الاحداث ، و ما يتلاءم مع ما يريدونه . * من يلجأ إلى التاريخ ، ليأخذ منه ما يؤجج المشاعر ، و يثير الحساسيات . * دروس التاريخ إذا اعطيت بطريقة تبث الفرقة أو تبرز مظاهر سلبية أو تتناول أحداثا تبرر الانقسام و الاختلاف أو تزرع العداوة .
طبعا لا يخلو الطرح من ذكر لمنافع التاريخ : * العبرة . * فهم جذور المجتمعات الانسانية ، و طبيعتها ، و علاقاتها . * المساعدة في تكوين رؤية مستقبلية تدفع بالمجتمع إلى التقدم و النجاح . * إبراز الايجابيات و حالات الاتحاد و التعاون و وضوح الروح الانسانية .
لحسن الحظ أن الاستاذ يتحدث عن التاريخ الذي يعنيه من خلال التحدث عن أركان أو مبادئ عامة : * التاريخ يكتب على عدة مستويات . * في التاريخ كل حقيقة هي نسبية . * الكتابة التاريخية : إعادة تشكيل الحدث كما وقع بالضبط ، أي مهمة مشابهة لمهمة المصوّر الفوتوغرافي . * عدم التعجل في التعليل و التحليل ، مع اعطاء هامش من الخطئ . * ثمة مدارس كثيرة في التفسير التاريخي .
التاريخ من حيث هو (إخبار) ليس هو نفسه التاريخ من حيث هو (علم) ، فالأول نقل للمعرفة و سبب الحدث هو التسلسل الحدثي و التدخل الميتافيزيقي ، أما الثاني انتاج للمعرفة و سبب الحدث يكمن فيه نفسه بلا تدخل ميتافيزيقي . و في التاريخ من حيث هو (إخبار) نجد الإخباريين و القصاصين و الورّاقين ، دون الغفل عن سيادة التفسير الديني و الميتافيزيقي . أما في التاريخ من حيث هو (علم) نجد المدارس أو المذاهب التاريخية الحديثة (الما بعد خلدونية) ، و لا يمثل الإخبار أو التفسير الديني مدرسة منهن ، و قيام الاستاذ بوضع التفسير الديني بجانب تفاسير المدارس الأخرى لهو من التضليل . و كل ما قام بذكره في الطرح من فوائد و مضار و مبادئ ينطبق على التاريخ من حيث هو (إخبار) .
فالمشكلة عند الاستاذ مع التاريخ ليس في كونه (( سرد ، و وصف و تكرار لأحداث )) و هو تاريخ من حيث هو (إخبار) ، لكن في كونه (( سرد ، و وصف و تكرار لأحداث تفرّق )) ، و كل ما يبتغيه على ما يبدو هو في أن يكون التاريخ ((سرد ، و وصف و تكرار لأحداث )) (( تركز على قيّم المحبة ، و التفاهم و التسامح )) ! .
الجدير بالذكر أن الفكر الطائفي ليس في التفرقة و البغضاء فقط ، بل و في الانسجام و التسامح ، فالفكر الطائفي طائفي و إن كانت دعوته هي إلى الاتحاد و التسامح . مع تحرير العراق 2003 تم اقتباس النموذج التعددي الأمريكي في العراق ، و التعددية إنما هي طائفية (جماعاتية) ، فعلى الرغم من أنها في الولايات المتحدة الأمريكية تسير بهيئة (التسامح و الاتحاد) ، إلا أنها في العراق تسير بهيئة (البغضاء و الانفصال) ، و أسباب ذلك اجتماعية ليس في الوسع تقديم تحليل عنها ها هنا .
في الختام يكشف استاذ التاريخ (الإخباري) عن نزعته الدينية : (( القرآن ... عرض لأحداث تاريخية ... و كان الهدف الالهي ... ليس اظهار العداوة بقدر ما كان اظهار العبرة )) . إن مسألة (اظهار العداوة) و (اظهار العبرة) لا يحددها النص أو صاحب النص ، و بلا شك لن تحددها الرغبة الذاتية عند الاستاذ ، فالحكم للواقع الاجتماعي .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شيء عن العلمانية
-
شيء عن الإصلاح
-
جامعة البحرين و جنرال إلكتريك .. أما بعد
-
ورقتي المقدمة في ندوة (( الشباب .. و تحديات المستقبل )) بالم
...
-
شيء عن إلغاء مجانية التعليم الجامعي
-
شيء عن جامعة البحرين - المستقبل ، و الدور المشبوه القادم
-
شيء عن جامعة البحرين - الثالوث المحرم
-
شيء عن جامعة البحرين - إحتكار الإعلام ، و قمع الأصوات الأخرى
-
شيء عن جامعة البحرين - السلطة المطلقة ، و تشتيت القوى التلمذ
...
-
شيء عن جامعة البحرين - التسلط الديني
-
شيء عن جامعة البحرين - وأد المثليين
-
شيء عن جامعة البحرين نظرية المؤامرة ؛ بين التكثيف و التأويل
-
شيء عن جامعة البحرين ظاهرة حب هتلر و حب صدام حسين
-
شيء عن جامعة البحرين - كراهية اليهود ، و العداء لإسرائيل
-
شيء عن جامعة البحرين - مقدمة
-
شيء عن التجنيس في البحرين - صياغة المشكلة
-
شيء عن التجنيس في البحرين - أدوار المثقفين و رجال الدين ، و
...
-
شيء عن التجنيس في البحرين - العمل في القطاعين العام و الخاص
-
وقفة مع العنوان العجيب
-
بين قوجمان و زارا ضاع رأسمالنا
المزيد.....
-
مراوح قارب تسحق ذراع شاب أثناء غطسه في البحر.. والسائق معتذر
...
-
ترامب يعلن مواصلته عقد تجمعات بأماكن مفتوحة بعد محاولة اغتيا
...
-
ألمانيا.. ازدياد شعبية الحزب المعارض لإمدادات الأسلحة إلى ال
...
-
-سرايا القدس- تعلن السيطرة على طائرة استطلاع إسرائيلية في خا
...
-
فرنسا لا تستبعد ضلوع طرف أجنبي في أعمال تخريب شبكة القطارات
...
-
أستراليا تحظر استخراج اليورانيوم من أحد أكبر المناجم في العا
...
-
صحيفة أمريكية: نتنياهو بين نارين بعد طلب واضح من قادة الديمق
...
-
إسرائيل تقدم للإدارة الأمريكية مقترحا معدلا لصفقة التبادل وو
...
-
نعيم قاسم: أعيش أفضل حياة لن أتخلى عنها وحسن نصر الله أسعد إ
...
-
سلسلة انفجارات تدوي في مدينة دنيبر الأوكرانية
المزيد.....
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
-
آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس
...
/ سجاد حسن عواد
-
معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة
/ حسني البشبيشي
-
علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|