جديع دواره
الحوار المتمدن-العدد: 1427 - 2006 / 1 / 11 - 11:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شكلت المقابلة التي أجراها السيد عبد الحليم خدام مع العربية مادة للحديث على مائدة السوريين واللبنانيين في عطلة عيد رأس السنة وغدا نجما إعلاميا بلا منازع، فبضربة معلم يدرك أهمية التوقيت، استطاع أن يسحب الأضواء من نجوم الفن وصانعي برامج الاكشن، زاد في التشويق جلسة الساعات الست التي عقدها مجلس الشعب السوري في اليوم التالي للرد على خدام الرجل الذي سقط بين ليلة وضحاها متزحلقا من القمة إلى أسفل السافلين.. وتحول بقدرة قادر من الرجل الثاني في الدولة إلى عميل وفاسد ومتآمر..الخ ولتأتي حلقة اليوم الثالث بقرار فصله من الحزب ومصادرة لبقايا ممتلكاته في سوريا..ثم ليأتي خبر البارحة بالإعلان عن تعاون بينه وبين الإخوان المسلمين ..ونعتقد ان الحلقات ستتوالى، فحدث على هذا المستوى من الأهمية مرشح لمزيد من الهزات المرتدة سنقف عند بعض دلالاته في عجالة
• انبرى السيد خدام للدفاع عن حقوق الشعب السوري منتقدا نظام الحكم المتفرد واستفحال الفساد و تردي الأوضاع المعاشية...الخ وكأن المتحدث أمضى حياته يكافح للحصول على لقمة العيش له ولأولاده، او كأنه أمضى قسطا كبيرا من حياته في السجون والمنافي معارضا عنيدا ومنتقدا لاذعا، يحمل على كاهليه قضية شعبه المغيب عن القرار السياسي وقضية مئات ألاف العاطلين العمل، وأولئك الرازحين تحت ظروف معاشية صعبة...!؟
حقا إنها مهزلة التاريخ وكأن الناس بلا ذاكرة وبلا ادني قدرة على المحاكمة العقلية، لكن ما يمكن ان يفسر هذه الوقاحة في الطرح وفي التلون هو عقلية صاحبها و نظرته للشعب السوري الذي حكمه أكثر من أربعين عاما عبر مواقع مختلفة في الدولة والحزب، حيث لا يرى بهذا الشعب سوى مطية يستطيع إدارتها كيفما يشاء ويستطيع تلقينها ما يريد، يكفي ان يقول ليصدقه الشارع السوري..!! ربما كان يعتقد ان الناس ستنزل في اليوم التالي لتنادي بإسقاط النظام ..!؟
• الأمر الآخر الأهم هو ما جرى في مجلس الشعب، أولا لا ادري لماذا مجلس الشعب يرد على تصريحات خدام وليس وزارة الخارجية والدبلوماسية السورية..؟ ثم لماذا يكون الرد بهذه الطريقة الحماسية الانفعالية غير المضبوطة..!؟ بالحقيقة لقد شعرت وأنا استمع إلى خطب أعضاء مجلس الشعب بالإحباط، ربما لأنني لم أكن أتصور ان أعضاء مجلسنا الموقر فقراء وقليلي الحيلة والحجة إلى هذه الدرجة، كيف سيثق المواطن /الذي لا يتدخل بالسياسة إلا عبر متابعة جولاتها على حلبات الفضائيات/ بسيل النعوت التي أطلقوها على السيد خدام بدءاً بالعمالة والفساد وانتهاءاً بتعليق كل مصائب الشعب السوري في رقبته، وهم وأسلافهم عارفون بها ساكتون عنها منذ تأسيس مجلس الشعب حتى عشية المقابلة..!؟ الآن تذكروا عدد سيارته و النفايات النووية وعدد قصوره وارتباطاته المشبوهة؟ ألا يطرح سكوتهم عنه كل هذه السنين إشارات استفهام صعبه وكثيرة..أليس هذا مدعاة للمساءلة والاستغراب ...!؟
ثم أليس من الأولى في هكذا حالة مقارعة الحجة بالحجة، بدلا من الخطب الطنانة والإسراع إلى التهم الجاهزة.. ! وكيف للمجلس أن يتحقق في ساعات من كل الادعاءات التي أدلى بها السيد خدام...!لكن لكل هذا دلالة وحيدة ، تشير إلى مدى تبعة السلطة التشريعية وارتهانها للحكومة، في الوقت الذي يتطلع فيه المواطن إلى مزيد من الاستقلالية بين السلطتين ..!
ولا نعتقد أن ذلك حدث بسبب توجيه من السلطة التنفيذية، بقدر ما هو عقلية تحكم "نواب الشعب السوري" تقوم على تملق السلطة التنفيذية، كطريقة وحيدة لاستمرار وجودهم في مقاعد الدورات اللاحقة..! فهذا السباق المحموم لإدانة هزيلة يعكس أولويتهم ورؤيتهم لدورهم، التي تقوم على عدم تفويت أي فرصة لإثبات الولاء المطلق بمهاجمة المنشقين بصرف النظر عن الوسائل والأسلوب والمداخل أكانت مناسبة ام غير مناسبة، معقولة ام لا، ويمكن قبولها من قبل المواطن وتحاكي تطلعاته و تعكس هواجسه، ليس مهما فهذا اخر ما يخطر ببال أي متحدث من أعضاء مجلسنا الكريم، المهم أولا وأخيرا هو إعادة إنتاج (حجز) المقعد إلى مالا نهاية، وهل هناك أسهل وأنجع من تلك الوسيلة المجربة..! فالبعض مازال يحتل موقعه منذ التأسيس حتى الآن..! لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل السلطة نفسها مازالت تريد هذا النهج من اللاتمايز بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهل هذا يناسب العصر ومقتضيات تحديث أدواتنا السياسية ومؤسساتنا الدستورية..؟
• الأمر الأخر الجدير بالذكر و الخطير هو طرح موضوع النفايات النووية من قبل بعض الأعضاء و المطالبة بفتح تحقيق حول الأمر..وهو مطلب حق وشجاعة ما بعدها شجاعة ستسجل لهم في التاريخ..!! لولا تأخر شجاعتهم تلك حوالي عشرين عاما فقط ..!؟ ولولا ان السيد عبد الحليم لم يَعدْ ذاك المتنفذ الذي تتطلب مواجهته بالحقائق شجاعة حقيقية وثمنا باهظاً( وهذا ما فعله حزب معارض وقتها حيث قام بفضح الصفقة ودعا الشعب السوري إلى مواجهتها )..والسؤال الذي يطرح نفسه على أعضاء المجلس هو ماذا لو أن السيد خدام لم ينشق ولم يفعل ما فعله ..ماذا لو افترضنا جدلا انه مازال نائبا أول لرئيس الجمهورية..!؟
• الملاحظة الأخيرة التي أود الإشارة إليها انه حين يفتضح أمر يتعلق بفساد مسؤول في دولة أوربية أو حتى ببعض الدول الآسيوية..فانه يبادر أولا إلى الاستقالة ويسقط في نظر الرأي العام ويحاكم، ولا يبقى له سوى مزبلة التاريخ هذا إذا لم ينتحر ...لكن قواعد اللعبة عندنا مقلوبة بطريقة عجيبة غريبة..حيث يغدو الفاسد بطلا يجد من يصفق له، فدوره لم ينته بعد..!!
ربما يكون مفهوما ان تسعى جهات كثيرة إلى الاستفادة من أي منشق لتحقيق مأربها وسياساتها، لكن أن يقوم بذلك احد أقطاب المعارضة السورية التي كان بالأمس السيد خدام يحزُّ عنقها ويتاجر بحياة الشعب والوطن التي تدعي الحرص عليه وعلى مصالحه..!؟ فعلا إنها مفارقة تعيد طرح جدلية الغاية والوسيلة، فالغايات النبيلة لا يمكن أن تمر عبر رموز رائحتهم تزكم الأنوف، والتحالف مع الشيطان وان تهيئا للبعض انه قد يقود للسلطة، فانه لن يقود إلى الخير، فكيف لمن يرون أن الجنة موطنا لهم.
#جديع_دواره (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟