|
لقطة مصغّرة للسينما العراقية في الدورة الخامسة عشر لمهرجان - بالافون - السينمائي الإيطالي ونافذة على السينما الأثيوبية
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1427 - 2006 / 1 / 11 - 11:16
المحور:
الادب والفن
بدأت يوم 25 نوفمبر " تشرين الثاني " 2005 فاعليات الدورة الخامسة عشر لمهرجان " بالافون " السينمائي في مدينة باري الإيطالية. وإستمر المهرجان الثقافي لغاية الثاني من ديسمبر. وإضافة إلى الندوات الفكرية، والأمسيات الموسيقية، وعروض الأفلام الروائية والتسجيلية المكرسة للسينما الأفريقية أو ما يُطلق عليه بشتات العالم الأسود، فقد قُدمت لقطة مصغّرة عن السينما العراقية " حيث عُرضت ستة أفلام، أربعة منها روائية وهي " المنعطف " لجعفر علي، و " جيان " للمخرج الكردي – الأمريكي جانو روزبياني، و " غير صالح للعرض " لعدي رشيد " المقيم في برلين "، و " زمان رجل القصب " للمخرج العراقي- الفرنسي عامر علوان، وفيلمان تسجيليان وهما " وسط حقول الذرة الغريبة " لقاسم عبد " المقيم في لندن "، و " العراق موطني، عودة منفي إلى السماوة " لهادي ماهود، إضافة إلى فيلم تسجيلي إيطالي عن العراق بعنوان " مياه دجلة تجري رغم اللوعة " للمخرج الإيطالي مايكل أنجلو سفرنيني. والهدف من هذه اللقطة المصغرة هو تعريف المُشاهد الإيطالي بواقع السينما العراقية عبر أجيال وعقود متعددة. ففيلم " المنعطف " من إخراج جعفر علي، مأخود عن رواية " خمسة أصوات " لغائب طعمة فرمان، وقد أعدها للسينما الشاعر صادق الصائغ، يسلّط الضوء على حقبة الخمسينات من القرن العشرين، وما كان يكتنفها من صراعات سياسية واجتماعية وثقافية، غير أن ما أفسد الفيلم، هو إقحام خطاب الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر عن تأميم النفط في مقدمة الفيلم الأمر الذي أربك السياق الزمني للفيلم خصوصاً إذا ما عرفنا أن تأميم االنفط العراقي قد حدث في أوائل السبعينات، بينما تدور الأحداث في الخمسينات. أما الفيلم الثاني من حيث التسلسل الزمني فهو " جيان " من إخراج الكردي جانو روزبياني، والمقيم في أمريكا، فهو يتمحور حول مجزرة حلبجة التي قُصفت من قبل القوات الجوية العراقية في عهد النظام الدكتاتوري السابق، وراح ضحيتها في الحال قرابة خمسة آلاف مواطن مدني كردي. الفيلم يجكي قصة " جيان " الفتاة الكردية الشابة التي تشوّه وجهها جراء القصف الكيمياوي لكن ابن عمها شيركو قرّر أن يتزوجها رغم الاضرار الشكلانية التي لحقت بها، وما نجم عنها من مؤثرات نفسية مرعبة لم تتخلص منها إلا بع جهد جهيد. أما الفيلم الثالث فقد كان للمخرج العراقي عامر علوان، المقيم في باريس، حيث حمل عدته وذهب إلى العراق عام 2003 ليُخرج فيلمه الموسوم بـ " زمان رجل القصب " بطولة سامي قفطان وشذى سالم. الفيلم ينتمي إلى الواقعية الجديدة بحسب تأويل بعض النقاد الإيطاليين، وهو معزز بالرؤية الرمزية حيث يقوم الفيلم برمته على المقارنة بين رحلة جلجامش الباحث عن نبتة الخلود، وبين " زمان " الباحث عن الدواء الذي قد ينقذ زوجته " نجمة " من موت أكيد. الفيلم ينتقد بقوة شديدة الحصار الظالم الذي كان مفروضاً على العراق، كما يكشف عن الفساد الإداري، وتفشي الرشوة والمحسوبية في أوساط المجتمع العراقي في ظل الظروف القاسية التي كرسها النظام العراقي السابق. حاز الفيلم على عدد من الجوائز القيّمة من بينها جائزة أفضل ممثل مُنحت للفنان سامي قفطان في مهرجان قرطاج الدولي لعام 2004 كما نال إعجاب المشاهدين في إيطاليا، على وجه التحديد، حيث إحتدمت النقاشات بعد عرض الفيلم، وفي الحلقات الدراسية التي عقدت خلال أيام المهرجان. أما الفيلم الرابع فكان بعنوان " غير صالح للعرض " لعدي رشيد، وهو أول فيلم روائي يتم إنجازه بعد سقوط النظام الدكتاتوري في العراق حيث توفرت الحرية في مجمل تفاصيل هذا الفيلم سواء من حيث القصة أو السيناريو أو الرؤية الإخراجية وقد نال هذا الفيلم العديد من الجوائز في هولندا وألمانيا واليابان. أما الأفلام التسجيلية فأولها كان " وسط حقول الذرة الغريبة " للمخرج قاسم عبد الذي حمل كاميرته عام 1991، وذهب إلى إيطاليا ليصور حياة سبعة فنانين عراقيين ينتمون إلى القوميتين العربية والكردية، لكن ما يجمعهم هو همّ الوطن، فضلاً عن الجانب الإبداعي الذي يشكل قاسماً مشتركاً، خصوصاً وأن من بين هذه الأسماء الفنية علامات فارقة في المشهد التشكيلي العراقي مثل جبر علوان، وعفيفة لعيبي، وعلي عساف، وبالدين أحمد وآخرين قدموا وجهات نظرهم فيما يتعلق بالهجرة القسرية من الوطن وتأثير الغربة على حياتهم وإبداعهم ورؤاهم. الفيلم كان ناجحاً جداً، لكن هناك ثمة خلل لا أدري لماذا سمح به مخرج الفيلم وهو أن بعض الشخصيات الفنية كانت تقرأ من ورقة مثبتة أمام المتحدث الأمر الذي أفقد الفيلم عفويته، وحرمه من التلقائية المُستَحبة في هذا النمط من الأفلام التسجيلية العراقية. أما الفيلم العراقي التسجيلي الأحدث زمناً فقد كان فيلم " العراق، موطني " لهادي ماهود، وهو يصوّر عودة مخرج عراقي إلى محافظة السماوة بعد سقوط النظام، وما طرأ على الحياة العراقية من تبدلات سريعة. هذا الفيلم يستنسخ الحياة العراقية، ويعرضها كما هي على علاتها. والفيلم يسلط الضوء على ثقافة القرية التي سادت من خلال تعيين المحافظ الجديد الذي ينتمي إلى " ألبو حسان " الذين هيمنوا على الوظائف والمراكز الحساسة بمجملها في حين حرمت بقية الشرائح الاجتماعية التي كانت متضررة في عهد النظام السابق. فما الذي تبدّل؟ هذا السؤال الحساس يطرحه الفيلم بشجاعة نادرة. كما يكشف الفيلم عن جوانب أخرى من سيرة حياة هذه المدينة العراقية من خلال شخصية " الحكيم/ المعتوه " مجيد والذي كان يتحدث في السياسة والأدب والتاريخ. ولا يستطيع أحد أن ينكر بأن هذا الفيلم يحمل بين طياته الأمل الذي تجسد من خلال زواج المخرج نفسه، فالفيلم يبدأ بعزاء وينتهي بحفل زواج! أما الفيلم الإيطالي الوحيد الذي تمحور حول العراق فقد كان بعنوان " مياه دجلة تجري رغم اللوعة " للمخرج الإيطالي مايكل أنجلو سفرنيني، والذي سأتناوله في دراسة منفصلة لاحقاً، فقد جاء محملاً بعشر رؤى عراقية ينتمي أصحابها إلى مختلف الشرائح الاجتماعية، عرباً وكرداً، وصابئة ومسيحيين، وقد غابت مع الأسف الشديد بعض المكونات العراقية المهمة مثل الإيزيديين والأرمن والعراقيين من أصول فارسية. فمن خلال " ليلى " وهذا اسم مستعار للمناسبة، المرأة المنفية التي عادت للوطن بعد سقوط النظام، وأنور، رجل الدين الشيعي، ونسرين برواري، الوزيرة الشابة، ورجل الدين المسيحي شليمون، وعماد، رجل الدين السني، وسعد، مدير المكتبة الوطنية، وحيدر الشاب المتشرّد، ومهنّد، الراقص الذي يجسّد مسرحية " الموت البطيء "، ومكي، الصحفي الذي رصد الكوارث التي حدثت في الفلوجة، وباسم، النحات الشاب الذي تحدث عن النصب الجديد الذي حلّ محل تمثال صدام حسين الذي اسقطته القوات الأمريكية في ساحة الفردوس، وآفا، الفنانة التشكيلية التي تحلم بمستقبل أفضل للعراقيين. لم يفرض المخرج الإيطالي وجهة نظره، ولم ينتق الشخصيات انتقاءً متعمداً، كما أنه لم ينتق الطوائف العراقية، وحينما سألته عن سبب تجاهله للإيزيديين أو للعراقيين من أصول فارسية، أو للأرمن قال " إن ضيق الوقت، وإنعدام الجانب الأمني هو الذي منعني من رصد المكونات الأخر للشعب العراقي " لذلك فقد ركز كثيراً على طقوس طائفة الصابئة المندايين الذين أضفوا على الفيلم طقساً روحياً مميزاً. الفيلم لم ينحز إلى جهة محددة بالرغم من طغيان نبرة معارضة أغلب الشخصيات للوجود الأمريكي في العراق الذي عاث فساداً في البلاد والعباد. مسابقات المهرجان يقيم مهرجان البلافون سنوياً مسابقتين، الأولى للأفلام الروائية القصيرة، والثانية للأفلام الروائية الطويلة، حيث تتنافس هذه الأفلام لنيل عدد من الجوائز الرمزية. فالأفلام التي إشتركت في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة لهذا العام هي خمسة أفلام من بينها" Dé ja Ĺoué " للمخرجة الكونغويةMeiji u Tumsi" " الكونغو / فرنسا 2004 " و " لا هنا ولا لهيّه " للمخرج المغربي رشيد بوتونس " المغرب / فرنسا 2004 "، و" السقف الزجاجي " للمخرجة الجزائرية يامينا بونغويغي " الجزائر / فرنسا 2004 "، و " فيزا " لإبراهيم لطيف " تونس 2004 ". ومن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة نذكر بعض الأفلام المهمة من بينها " Delwende " لسانت بيير ياميوغون " بوركينو فاسو / فرنسا 2005 "، و " الكتبيّة " لنوفل صاحب " تونس 2002 " و " المنارة " لبلقاسم حجاج " الجزائر 2004 " و " مولادي " لسمبيين عصمان " السنغال / فرنسا 2004 " و " أواكا ساكا " لداني كوياتي " بوركينو فاسو 2004 ". وهناك أفلام أخر خارج المسابقات أهمها %58 لفينسينزو مارا " إيطاليا 2005 " و " CafundÓ" لباولو بيتي وكلوفيس بينو " البرازيل 2005 ". وهناك أيضاً نافذة على السينما الأثيوبية حيث عرضت ثلاثة أفلام للمخرج ثيو أشيتو وهي" جسد وروح 2004 " و " مؤفْرق 2002 " و " تلك هي الحياة 1986 " وكلها من إنتاج أثيوبي إيطالي. وفي باب السينما والثقافة عرضت الأفلام التالية " شوشي الأسود لدين بلومبيرغ " جنوب أفريقيا 2002 " و " أبناء عمومة " لليز سالم " الجزائر 2003 " و " La Genèse “ لشيخ عمر سيسوكو 1999، و " رشيدة " ليامينا بشير شويخ " الجزائر / فرنسا 2002 " و " قطار المدينة " لمحمادو نودويا " السنيغال 2001 ". وفيما يتعلق باللقطة المصغرة للسينما العراقية فقد ساهم في تقديم الأفلام الستة الناقد عدنان حسين أحمد والمخرج السينمائي عامر علوان. كما قدّم كاتب هذه السطور بالإشتراك مع المخرج عامر علوان محاضرتين باللغة الإنكليزية تحت عنوان " السينما العراقية بين خيارين أحلاهما مر: المنفى الداخلي أو الدياسبورا؟ " الأولى في معهد اللغات، والثانية في أكاديمية الفنون الجميلة في باري، وقامت بالترجمة من الإنكليزية إلى الإيطالية الآنسة " Shannon Goyette " وقد حضر الندوتين عدد كبير من طلبة قسم السينما بمختلف الإختصاصات بحيث تجاوز عددهم " 400 " طالب وطالبة. وقد أبدوا تفاعلاً كبيراً مع السينما العراقية بشقيها الروائي والتسجيلي، خصوصاً وأن كاتب هذه السطور قد توقف عند أبرز المحطات في السينما العراقية مثل " منْ المسؤول؟ لعبد الجبار توفيق ولي، و " سعيد أفندي " لكاميران حسني، و " الحارس " لخليل شوقي، و " الأسوار " لمحمد شكري جميل، و " الأهوار " لقاسم حول، فضلاً عن الأفلام الجديدة التي تم إنجازها بعد سقوط النظام العراقي.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صدور العدد الأول مجلة - سومر - التي تُعنى بالثقافة التركماني
...
-
الخبيئة - للمخرج النمساوي مايكل هانيكه: من الإرهاب الشخصي إل
...
-
دجلة يجري هادئاً وسط الضفاف المضطربة: قراءة نقدية في الفيلم
...
-
استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية/ الروائي ذياب
...
-
استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية: الشاعر عواد ن
...
-
أطفال الحصار - للمخرج عامر علوان: ضحايا اليورانيوم المنضّب و
...
-
الخادمتان- باللغة الهولندية ... العراقي رسول الصغير يخون جان
...
-
خادمات - رسول الصغير: البنية الهذيانية والإيغال في التغريب-
-
استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية/ الروائي جاسم
...
-
في ضيافة الوحش - لطارق صالح الربيعي: سيرة ذاتية بإمتيار يتطا
...
-
الفيلم التسجيلي - مندائيو العراق- لعامر علوان: فلسفة الحياة
...
-
استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي/ الشاعر وديع العبيدي: -
...
-
-استفتاء الأدباء العراقيين من المنافي العالمية /مهدي علي الر
...
-
(استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية / الشاعر كريم
...
-
رسام الكاريكاتير الجنوب أفريقي زابيرو جونثان شابيرو ينال الج
...
-
استفتاء الأدباء العراقيين: زهير كاظم عبّود: إن العراق حاضر ف
...
-
الإرهاب الأسود يغيّب المخرج العالمي مصطفى العقاد الذي روّج أ
...
-
تقنية - الوسائط المتعددة - في مسرحية ( أين ال - هناك -؟ ) تم
...
-
فلاديمير بوتين أول رئيس روسي يزور هولندا بعد ثلاثة قرون: هول
...
-
عزلة البلَّور
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|