أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق سعيد أحمد - أشرف ضمر.. يفتح قبر الأسئلة البسيطة















المزيد.....

أشرف ضمر.. يفتح قبر الأسئلة البسيطة


طارق سعيد أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5405 - 2017 / 1 / 17 - 09:30
المحور: الادب والفن
    


أرسل لي الشاعر أشرف ضمر مخطوط ديوانه الأخير منذ شهور قليلة قرأته واكتشفت أنه يفتح ببطء قبر الأسئلة البسيطة في ديوانة "ضبط المنبة على صباح يوم القيامة" ويهدينا بمنتهى القسوة خيباتنا وهو يبتسم هناك في أرض الحقيقة المطلقة بعدما انفصل تمام عن تجربته الإنسانية الكبرى. كتب كلماته المشبعة بشاعريته العميقة دون أن يجملها أو يزينها بالألفاظ اللامعة ودون أيضا أن يبهرنا ببريق المجاز فقط جلس ليكتب ديوانه ولم يشعر حتى قلمه أنه يكتب الآن الشعر.
حاول "ضمر" أن يخدعنا بوجوده في قصيدته الأولى "صباح الخير أيها العالم" بطرح الأسئلة الإنسانية الثقيله الهادمة للوجودية والتي ألقى بها في بئر المجهول ليملاء فضاء القصيدة صوته الحاد الرنان، لكنه لم يجيب على شيء!. تركها كما هي للقارئ واستبدلها بالأمنيات الطازجة لوالده المسافر في الموت ولوالدته الحنون ولزوجته "الجدعة" ولأبناءه الثلاث "الحقيقة المطلقة" ولكل أصدقاء حياته ما عدا صديقه المخلص.. طارق سعيد أحمد!.
حيث يقول الشاعر:ــ
" صباح الخير يا أبي
كيف حال الموت عندك؟
هل احتفلت في المقبرة- مع كتيبة أكتوبر- بتحرير سيناء أمس؟
هل سمح لك الرب بعزف النشيد الوطني؟
أو سمح لرفقائك- مثلا- بخطوة تنظيم وصيحات منتصرة في مارش عسكري تحت الأرض؟

صباح الخير يا أمي..
كيف حال أحفادك الشياطين؟
هل ما زالوا يستهلكون رصيد هاتفك في مكالمات مراهقاتهم المجيدة؟
هل يُذَكِّرونك بنا وقت فاتورة الهاتف المنزلي ذات الخمسين جنيها دفعة واحدة؟ كيف حال مفاصلك وخشونتها؟
هل ما زالت المراهم عاجزة عن منح ركبتيك ليونة الشباب؟
هل ما زالت أناملك تمر كل ليلة على جبين أبي في صورته كجندي في النكسة بعدما أهديته- للتو- ختمة القرآن الشريفة، العاشرة بعد الألف على روحه الطاهرة؟

صباح الخير يا أخَوَاتي السيدات الأربعة..
الله يعرف كل شيء
كل شيء يا ورداتي الجميلات
ولن يُضيِّع أجْرَكُنَّ أبدًا
سيمنح "منى" زهرة لوتس وتاجًا مصريًا رائعًا وجناحين من الجنة لترفرف على أبنائها الطيبين مثلها
سيمنح "رشا" عينين قويتين
ويدين تعزفان لحن المحبة والخير والمودة والسنابل الثقيلة
سيمنح "دعاء" منزلًا تفرشه الشمس
وفاتورة مسددة المصاريف لتتسوق كل ما تريد بلا ديون محتملة
لا مزيد من الأعباء التي تبكيها كل ليلة
وسيمنح "شيماء" سلامًا وابتسامات تحصدها من كل الوجوه لقاء محبتها الجامحة وضحكتها التي تزعج العصافير

صباح الخير يا أخي محمد..
كيف حال المنزل الجديد؟
سكنك الذي اشتقت؟
سيمنحنا الله من أجلك بركته ومحبته..
وسيرعانا في الطرق السريعة يا سائق الإسعاف العظيم
فجيوبك لا تخرج الصدقات بل تنثر الفراشات الإلهية أينما حللت يا ابن أُم ..
كم فراشة تبقت في جيبك الآن يا صديق كل الأحفاد السبعة عشر؟
أعلم أن الله منحك غابة منها

صباح الخير يا أصدقاء..
يا "أيمن" القطارات السعيدة لن تمر من وطننا أبدًا .. ربما في زمن آخر غير هذا.. ربما
يا "عامر" يحزن الإنسان مرتين
ويفرح مرتين
ويجدك في حياته مرة واحدة.. وإلى الأبد
يا "أمين" لن أخبرك كم أحبك.. فأنت تعرف
يا "جيوشى" لم يذهب العمر هباءً.. فأنت رائع حقًا على خشبة المسرح
يا "بكر" انتظرني سأصعد إليك حالمَا أجد سلم النور الذي خبأته أنت بعد صعودك
يا "سهى" اهتمي بطفلة اليوم فهي كل الأحلام المؤجلة التي حارب جيلنا المنكوب من أجلها
يا "حازم" عش بقدر ما تستطيع.. ولا تتمنَّ الصعود فهو آت لا محالة من خلف طواحين الهواء يا أعزك الله بمحبة الفقراء والثوار الذين أكل مفاصلهم الصقيع
يا "فاطمة" السجينات لن يرحبن بفكرة محو أميتهن بسهولة، والله معنا رغم كل شيء ياحبيبتي
وسيزرع- بيديك الحانيتين- القرنفل والريحان واللوتس وسيجعلك لهن مثل أنجلينا جولي في مقديشيو

صباح الخير يا زوجتي العزيزة..
آه يا حبيبتي يا حبيبتي
ابتسمي من روحك ومن قلبك
فالعمر قصير
وملامحك جميلة جدًا..
مثلك لم يخلق للحزن أبدًا، قلت لك- غير مرة- إن في عينيك الخضراوين حقولًا من الفرحة المختبئة ترنو للحصاد وإطعام الطيور الجائعة يا ابنة الأرض المُحبة للعطاء
سيكون كل شيء على ما يرام يا صفيتي الحبيبة، وعدٌ من شاعر محطم لا يملك غير وعد رجل أكل الدهر عليه وشرب

صباح الخير يا صغاري..
كيف حال الساينس والزون والماث يا "حنين"؟
حسنا فلتعلمى- من الآن فصاعدًا- أن كل شيء معقد على كوكبنا المنكوب هذا.. لا تلك المواد السخيفة فحسب
أخبري "ملك"- أختك الملكة- ألا ترتب غرفتها أبدًا، فالملائكة لا تلعب مع الأطفال في الغرف المرتبة على الإطلاق.. فهي تحب الفوضى أيضا
قولي لأخيك "وطن" كفاك صراخًا.. بابا يقرأ الجريدة في الظلام الدامس ويبكي بلا دموع ويدخن سجائره الوطنية في الشرفة ويحتسي البن الرخيص ويراقب العبث وحيدًا في ظل النجوم البائسة حتى لا يراه أحد مرتبكًا
صباح الخير يا "مونيكا"
هل يفيد الزنجبيل في تخسيس دهون الحزن يا قديسة المكان؟
صباح الخير يا "شريف"
الله يريدك هنا مثل توزع البونبون على أطفال الملجأ
صباح الخير يا "سيد"
المجد لليالي الحظر وحكاية كل عاشق وبسكويت بيمبو
صباح الخير يا "لي لي" ويا "سمر"
صباح الخير يا "أمل"
صباح الخير يا مولانا "رحاب الدين"
من تلك العينين يطل الله مبتسمًا للعالم كل صباح وينادي الشعوب أن اطمئنوا
صباح الخير يا كل من أحببتهم ذات يوم بلا انتظار".

أذاب الشاعر "أشرف ضمر" ماهيته ووجوده وآلامه وذاته الحائرة وملامح وجه بالكلمات في قالب شعري يتجه بأسئلته نحو المجهول محمولا على نار تشعلها من حين إلى آخر توتر الشاعر ودهشته المستمرة اليائسة حتى أنه قرر "بديوانه الأخير" الإنتقال والهروب الشريف والتوقف عند هذا الحد من المغامرة والمقامرة على يوم جديد تشرق فيه شمس الحقيقة وليست المزيفة التي يراها تشرق كل صباح من نافذة غرفته!.
لذلك كتب من أعماق تفاصيله اليومية دون أن يلتقط أنفاسه وينظر خارج حدوده إلى آخر إيمانا منه بأنه "هو/ أنا" و"هو/ الآخر". ففتح دون قصد قبر الأسئلة البسيطة ليفتش عن المختلف عنه.. ولم يجد!.
في قصيدته "قصيدة فارغة لا تهم أحد" يثير الشاعر إشكالية التحول الإضطراري، المعبرة بوضوح عن معاناة الإنسان المعاصر المنخرط في قضايا لا حصر لها ولا دخل له فيها لكنها تؤثر فيه وبه بالسلب بشكل مباشر وغير مباشر فيقول "ضمر" في احدى أبعاد القصيد:ــ
" كنت نسرًا فأصبحت بطة ثم دجاجة
كنت دجاجة فصرت كتكوتًا له زغب دافئ يخرج من بيضة الخريف
كنت بيضة موشاة بالريش الأصفر والأمل
ثم صرت لا شيء".
التلاشي، الآتي لا محال بعد مراحل تحول رأسي يبدأ من حيث الواقع أو بمعنى آخر الواقع الحتمي الذي فرضته ضرورة وجودية ترسخ أقدام الكيان الإنساني على الأرض ثم التورط في التدني الواقع الحتمي الثاني ودون أسباب واضحة وبمرور الزمن يحدث التلاشي المعنوي الماحي للذات.
وفي نفس النص أشار الشاعر إلى بعد آخر من التلاشي لكنه المادي الجمادي الآخذ من الإنسانية صفات تضفي عليه وجود وهمي قابل للتحول ومن ثم التلاشي. يقول "ضمر".
" كنت دبابة قوية ثم مدرعة تائهة وصرت عربة بائسة كثيرة الأعطال
فأصبحت إطارًا مليئًا بالهواء الوطني الفاسد
ثم صرت لا شيء".
تأتي قصيدة "ضدكم أيها السفلة.. أنا ضدكم" كرصاصة لم تطلق بعد في حرب ضارية قائمة لكنها غير معلنة يقول الشاعر أشرف ضمرالشهير بـ "أبو وطن".
"أنا معادل درامي لكل ما هو عبثي ولا معقول وكابوسى.. لكنه حقيقى
أنا المعادل لأشيائكم المعقولة
أنا الضبابي في الشارع
الفوضوي في النظام
الكارثي وقت الاستقرار
العدمي عند الرؤية
الغيمي في نسيمكم الملون بالأقنعة
أنا الابن غير الشرعي لنزواتكم العابرة أيها الحمقى
أنا الفشل الحتمي وقتما تتحدثون عن الإنجازات في مؤتمر الصحفي يحضره مجلس إدارة العالم
أنا الشيطان حيثما تصفون الملائكة
أنا الإلحاد أمام إيمانكم الهزلي أيها المهرجون
أنا الجحيم حينما تبيعون الجنة لمغيبين لاهثين خلفكم راكعين أمامكم يريدون صكوك غفران مجانية
ورَبًّا مجانيًّا ونبيذًا ونساءً وغلمانًا مجانيِّين دائمًا".
وفي نفس النص يوجه "أبو وطن" أسلحته في اتجاه خائنين الوطن ومدمرينه المعاصريين فيقول.
" أنا أنا أنا أنا
بقعة الدم المحاطة بأكاليل الزهور في أسفلت الميدان
أنا الثعبان الذي تلوى في يدي صبي السيدة عائشة ليرعبكم في المقطم حيث مغارتكم العظيمة
أنا المدية التي لمعت تحت شمس الحقيقة لتشج رأسكم العفن وتذبح خفافيش ليلكم الكريه
أنا الصليب الذي يكشفكم ويكشف سطوكم بل أنا الإنجيل الذي أحرقتموه على الشاشة أيها السفلة
أنا طبيب الأسنان في قصة لماركيز وأنتم عمدة القرية الظالم الذي أكل السوس من ضروسه وأتاني لأخلعها كلها دون مخدر".
يراهن "أبو وطن" على زمن قادم من البعيد تختلف خصائصه وايقاعاته، زمن ما سيأتي بعد ثورة بشرية كبرى تحدد مصير الإنسانية، ويتمحور حولها العالم ليلتقط الإنسان حينها ديوان كتبه شاعر من زمن القهر وسط أكوام الكتب المصفرة أوراقها ويبدأ اكتشاف ماضيه الإنساني البشع.
ويبقى الشعر دون غيره من الأجناس الأدبية الأخرى خط الدفاع الأول للإنسانية والمهاجم الأول على كل ما هو ضد الإنسانية، هم الشعراء الكلمة الحرة المستمرة في الزمن دون توقف.



#طارق_سعيد_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ميزو- المهدي المنتظر
- 9 صور
- حرب السلفيين ضد الدولة المدنية لن تنتهي
- رسائل دموية
- البحث عن دور.. للوجه الجديد -رمضان عبد المعز-
- بنفسج
- -ميت
- أيها السلفي.. أنت كافر
- -تماثيل خشب- نصوص.. إياك أن تطمئن إليها
- لماذا يُصر “السيسي”على الفشل؟
- سلسلة مقالات منشوره (6)
- سلسلة مقالات منشورة (5)
- سلسلة مقالات منشوره (4)
- سلسلة مقالات منشوره (3)
- سلسلة مقالات منشوره (2)
- سلسلة مقالات منشوره (1)
- من سيحكم العالم؟.. ورطة يسعى إليها هؤلاء
- تاريخ الأديان.. وحكاية النبي الكذاب
- الخطاب الشعري عند نجيب سرور.. الشاعرية المتوحشة
- -قلق غزالة- إنعكاسات على مرآة الشعر


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق سعيد أحمد - أشرف ضمر.. يفتح قبر الأسئلة البسيطة