|
الأسطورة في المسرح المصري المعاصر لتامر فايز
الزبير مهداد
الحوار المتمدن-العدد: 5403 - 2017 / 1 / 15 - 20:39
المحور:
الادب والفن
صدر مؤخرا كتاب «الأسطورة في المسرح المصري المعاصر - دراسة في الأدب المقارن» من تأليف د. تامر فايز، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة. يتتبع الكتاب علاقة الأسطورة بالمسرح المصري المعاصر منذ 1971 حتى 2005م، من خلال رصد وتحليل مجموعة من الأعمال المسرحية التي استمد مبدعوها عناصر مسرحياتهم من ينابيع ومصادر أسطورية، وظفوها في معالجة قضايا سياسية واجتماعية. تميزت الفترة موضوع الدراسة بتعدد المتغيرات على المستويين الإبداعي والاجتماعي، الأمر الذي أمال دفة المؤلفين إلى الاتجاه نحو الأسطورة، التي تنطوي على الدلالات العميقة والمتسعة التعبير، ما يتيح لهم حرية كاملة للتعبير عما يدور في خلدهم من أفكار إبداعية وآراء اجتماعية وسياسية في عصرهم. اعتمد الباحث عينة تتألف من ثمانية نصوص مسرحية لـستة مؤلفين: فوزي فهمي، عبد العزيز حمودة، عصام عبد العزيز، حسن السيد، جورجي كامل، وسامح عبد الرؤوف. نصوص نثرية تتميز بالطول وبلغتها العربية الفصحى تستلهم الأسطورة، وتعتمد على عناصرها في طرح قضايا سياسية واجتماعية مشتركة. علاقة الأسطورة بالمسرح يؤكد الباحث أن تعريف الأسطورة استعصى على الباحثين، فتعددت التعريفات بتعدد المقاربات التي تناولت الموضوع، كما تعدد الأغراض التي تخدمها الأساطير. ولكن الغرض المهيمن هو الغرض الديني، لأن الأسطورة تحاول تقديم تفسير لما لا يفسر من غوامض الحياة الإنسانية، والإجابة على الأسئلة المقلقة التي رافقت الوجود البشري، فالديانة المصرية القديمة اختزلتها أسطورة ايزيس وأوزوريس، كما أن ديانات أخرى، أكدت أهمية الأسطورة في تشكلها، حيث وجد اعتراف واضح بوجود أساس راسخ في الأساطير القديمة لسفر التكوين، فالأسطورة في أصلها طقس شعائري تحول إلى عقيدة متكاملة العناصر. والغرض الآخر الذي تخدمه الأسطورة هو تبرير النظام الاجتماعي وتفسير طقوسه وتقاليده، لأن ما يحدث بين شخوص الأسطورة يعكس الأحداث التي تقع بين الناس على الأرض، لذلك ظلت الأساطير أرضاً صلبة تعاد من خلالها الحكاية المسرحية لتناقش قضايا ومواقف اجتماعية وسياسية وجمالية آنية. فالأساطير على الرغم من اضمحلال دورها الديني، فإنها ظلت حية على خشبة المسرح، يتم التوسل بها للوقوف على مشكلات ومعضلات عصرية، يهرب بها الكاتب من سلطة زمنية ونظام حُكم لا يرحم، أو أن يبحث في قضايا وجودية وجمالية لا يجد أمثل من الأسطورة مُعبّراً عنها أو من خلالها. تمكنت الدراسة - في بابها الأول - من الكشف عن المصادر التي استلهم الكتاب منها موادهم المسرحية، حيث استمدوا من الأساطير اليونانية والفرعونية العناصر التي مكنتهم من صياغة وتشكيل مسرحياتهم، متصرفين فيها بشكل مكنهم من التعبير عن رؤاهم التي رغبوا في تقديمها داخل المسرحيات. فالأسطورة تلهم المسرحيين، تمنحهم القوة الابداعية، بما لها من تدفقات رمزية وعناصر درامية تصلح للتشكيل المسرحي. ورغم أن استلهام الأسطورة، لم يتح للمسرح المصري فرصة للتطور، حيث أدى إلى ثبات الشكل الفني في المسرح المصري، فاستمر الكتاب في نهجهم الحكائي السردي دون تغيير، فإنه استجاب لذائقة المتلقي المصري الذي يميل إلى تفضيل السرد والحكايات والغنائية. وخصص الباحث الباب الثاني من الدراسة لاستعراض القضايا السياسية والاجتماعية التي تطرق لها المؤلفون في مسرحياتهم، تطرق في الفصل الأول للقضايا السياسية، في حين خصص الفصل الثاني للقضايا الاجتماعية. القضايا السياسية عالج الفصل القضايا السياسية التي نوقشت داخل المسرحيات وتمثلت في قضايا السلطة والاستبداد، وغياب الحرية والعدالة الاجتماعية، وقضيتي الثورة والسلام، بالكشف عن طريقة كل مسرحية في مناقشة القضايا بإبراز موقف المؤلف المسرحي منها. توظيف الأسطورة في هذه النصوص يعكس وعياً من الكاتب بقضايا وطنه، ووجهة نظره، فبدءا من الحكيم، الذي كان الهاجس الذي يوجّهه هو مدى النجاح في تطويع أحداث الأسطورة المتغلغلة في وجدان الشعب لخدمة القضايا الشعبية، لمعالجتها مواضيع ذات صلة مباشرة بحياة الناس مثل الظلم الاجتماعي والاستعباد. ومن خلال الدراسة نجد أن المسرحيات التي تأسست على الأسطورة لم تبق محصورة في الخيال، بل ربطها مصنفوها بالواقع المصري، فناقشت في أغلبها طبيعة السلطة السياسية ونظام الحكم الذي ظل ثابتا على الرغم من التغير الشكلي البسيط الذي طرأ عليه. مواقف المسرحيين تنوعت ما بين المطالبة بتعديل أساليب ممارسة السلطة السياسية باعتباره الشرط الوحيد لتحقيق مزيد من الحرية والعدالة، في حين يرى آخر أن شرط التغيير نحو الأفضل هو انسحاب الحاكم من السلطة في حال فشله، وجه الدعوة في مسرحيته للشعب يحثه على المشاركة في الحكم لإحداث إصلاحات سياسية في نظام الحكم فالكاتبان معا يلتقيان في موقفهما من السلطة باعتبارها الطرف المسؤول عن الفساد السياسي، في إغفال تام لدور المواطن. في حين عبر كاتب مسرحي آخر عن موقف مخالف مفاده أن تمسك الحاكم بفكرة الحق الإلهي إنما قد يكون سببا لإسقاطه وإسقاط نظامه وحاشيته. ورغم هذه المواقف المتباينة فإن هذا المسرح لم يفقد دعوته إلى الحق والسلام والعدل. كم أن المسرحيات كلها لفتت النظر إلى أن فساد النظام السياسي يعتمد على عاملين وهما: سلبية المحكومين وفساد الحاشية الحب والموت في الأسطورة الفصل الثاني انشغل بدراسة قضيتي الحب والموت، ويؤكد الباحث أن إدراك المسرحيين للوظيفة الاجتماعية للمسرح دفعهم للانشغال بالقضايا الاجتماعية. وعلى نفس منوال الفصل السابق حرص الباحث على الكشف عن طريقة كل مسرحية في مناقشة الموضوع، بإبراز ومقارنة رؤى المؤلفين داخل أعمالهم المسرحية، ومواقفهم من أشكال الحب كالحب الأسري في تجلياه الأبوية والبنوية والأخوية، والحب المدنس وحب الوطن، وكذا أشكال الموت كالقسري والانتحار، وموضوع بعث الموتى الذي يعد مميزا للمسرحيات الأسطورية دون غيرها. وعلى الرغم من أن المسرحيين لم يجعلوا القضيتين محورا لنصوصهم، إلا أن معالجة القضايا السياسية تمت بشكل تفاعلت فيه مع هاتين القضيتين الاجتماعيتين. جاء حب الوطن، والموت من أجله كأبرز هذه الصور التي ناقشتها المسرحيات بهذه القضايا. انقسم الموت القسري في المسرحيات إلى القتل المبني على التضحية بالذات من أجل الوطن، والقتل المبني على الظلم من قبل الحاكم المستبد. قصة طروادة إحدى القصص التي تجسد بوضوح ظاهرة القتل في سبيل الوطن، لكن الكاتب خلال معالجته للحكاية تمسك بموقفه النابذ للعنف والقتل، باعتبار القتل أيا كان شكله فإن دافعه الأساس هو الغل، فهو مدنس يضيع معه الحب والجمال. على الرغم من إشادته بشرف الموت دفاعا عن الوطن، دفاعا عن الحق والعدل اللذين يتعلقان به. أما القتل المبني على الظلم فلا سماحة معه. فهو يمثل أقصى درجات الاستقواء وأقسى درجات الاستبداد. الكتاب شهادة في حق المسرح المصري إن المسرح أبو الفنون، أهم وسائل التعبير الإنسانية وأقدرها على نقل الأفكار والمشاعر والمواقف بدقة، وعلى إشراك المتفرج في تلمس ذلك والتفاعل معه. بطريقة فنية لينة وسلسة، لذلك يبحث المسرحيون عن أفضل وأجدى وسائل إيصال الخطاب واستيعاب الأفكار، وليس أقدر على ذلك من الثقافة الشعبية والأساطير، فكانت الأسطورة مجاله الأوسع لتوظيفها وعصرنتها في نصوص مسرحية، تتحول في الركح إلى إنتاج ثقافي ومعرفي هائل، يسلط عليه المسرحي الضوء من جوانب متعددة. من شخوصه وحواره وديكوره وطريقه معالجته الشمولية للموضوع. أبرز تامر فايز في كتابه طريقة تصرف المسرحيين خلال معالجتهم لقضايا هامة جدا سياسية واجتماعية، بتوظيف الأسطورة لخدمة الواقع، تصرفوا بشكل تجاوز المأثور المحفوظ لدى الناس، فاستلهموا منها القيم النبيلة، والحكمة الإنسانية العظيمة، والمثل السامية، فمنحوها إيحاءات ودلالات وامتدادات وفق رؤيتهم للتعبير عن قضايا حاسمة وهامة، وأفلحوا بشكل واضح، وإن كان بدرجات تختلف بحسب النقاد. وأكد أن الانكسارات السياسية والرجات المجتمعية والإحباطات التي رافقتها، كانت عاملا حاسما في الطريقة والمقاربة التي تعامل بها الكتاب مع الأساطير، وتوظيفها في المسرح، ومواقفهم من القضايا وانعكاساتها على طريقة معالجتهم الدرامية للموضوعات. أبان الباحث عن تمكن كامل من مادته الثقافية وأدواته العلمية، فخبرته وتكوينه الأكاديمي العميق يبدو جليا في تنوع وتعدد وقيمة المصادر والمراجع المعتمدة باللغات العربية والأجنبية، وجهده البحثي الكبير تدل عليه منهجيته في الدراسة، بحيث اعتمد على عدة مناهج: 1. المنهج الجمالي في تحليل النصوص المسرحية واكتشاف طرق تشكلها؛ 2. المنهج المقارن لموازنة عناصر المصادر الأسطورية وما تحويه المسرحيات من حدث وشخوص؛ 3. المنهج الاجتماعي لتحديد الوظيفة الأساسية التي تربط المسرح بقضايا المجتمع وموقف الكتاب منها. ما مكنه من الوصول إلى استنتاجات هامة جدا. فالكتاب دراسة أكاديمية جادة، شاملة وموسوعية، تكشف من خلال صفحاتها التي تجاوزت الأربعمائة عن مكانة هذا الفن في النسيج الثقافي المصري، وتأثره بالأحداث الجسيمة التي عاشتها مصر خلال فترة حاسمة من تاريخها المعاصر، ما يعد شهادة تقدير لهذا الفن ولرجالاته.
#الزبير_مهداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسهام في النقاش حول إصلاح منهاج التربية الإسلامية
-
اجتماع المجلس الوزاري المغاربي للتربية والتعليم
-
فشل الإصلاحات الفوقية
-
الإدارة العمومية والإعلام
-
تحكم الاختيارات السياسية في الإصلاح التربوي
-
تجربة التعاون المدرسي بالمغرب في الميزان
-
المؤتمر الدولي السابع للتربية البيئية بمراكش
-
مجتمع المعرفة أساسه المواطن القارئ
-
المسايرة الاجتماعية وإعاقة التجديد التربوي
-
أهمية الثقافة المضادة في التغيير
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|