شادية الأتاسي
الحوار المتمدن-العدد: 5403 - 2017 / 1 / 15 - 16:05
المحور:
الادب والفن
في باريس
حين يهطل المطر في باريس ،وحين تتوشح السماء بالسحب السوداء ، وحين تسمع صوت الريح
يهرع الجميع ، يختفي الجميع فجأة
أي حزن يبعثه المطر .. أي حزن يبعثه صوت الليل ..أي حزن يبعثه الصقيع
أي حزن تبعثه فيك الأرصفة الخاوية ، أي حزن تبعثه فيك خيالات الأشجار المتمايلة مع الريح ، أي حزن يبعثه فيك متسكع عابر يستجدي ربما دفئا خوفا من وحشة الطريق
فاالمطر في باريس غيره في مدينة أخرى،والبرد في باريس له لغة لاتشبه اي مدينة أخرى
فجأة تبدو المدينة الزاخرة بالحياة والبهجة والنور ، وكأنها خلعت كل سحرها ، وتخلت عن سرها ، وبدت عجوزا وحيدة تتكئ على سحر الماضي البعيد
وحين يهطل المطر في باريس ، يهرع الجميع الى مترو الأنفاق
في مترو الأنفاق ، و تحت الأرض ،تنبض حياة غريبة، حياة مليئة بالزحام والروائح والأمكنة والوجوه /
في الزواريب الضيقة الملتوية ، وعلى الأدراج الهابطة والصاعدة ، وفي الممرات والزوايا تسمع كل اللغات ، وترى كل الألوان ،وتشنف أذنيك بكل أنواع الموسيقى ، وربما الرقص ، ولكن الجميع مسرع ، وكأن الجميع على موعد واحد مع القطار الأخير ، لاأدري لماذا يسرعون ، وأنا أسرع مثلهم ،
على رصيف المحطة المقابل وبين الزحام لمحته
كان يقف منتصبا ،رافعا رأسه ، وينظر الى الأمام مباشرة كعسكري صارم ، لكني خلت أنني أرى وميضا أليفا يعبر الوجه العسكري الصارم ، يعبر الي مباشرة ، وميضا حنونا ربما عرفته يوما ،
،
في يدالعسكري شيء ما ، أومأ لي ،رماه عبر الفراغ الفاصل بيننا ، مددت يدي بعفوية لألتقطه ، ولكن القطار السريع كان قد مر ،و كانت هناك فلة بيضاء مهشمة ، مازالت أوراقها الصغيرة ترتجف
وحين نظرت كان العسكري الغريب قد اختفى
أتراه كان حلما
#شادية_الأتاسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟