عبد المجيد طعام
الحوار المتمدن-العدد: 5391 - 2017 / 1 / 3 - 15:05
المحور:
الادب والفن
عرفْتُ عمّي عمْرو منذ أن تجرَّأْتُ على الخروج من بيتنا حين ذقت سحْرَ الخطوات الأولى …لازال صوته الصارم يضجّ في أذنيَّ و لازالت نظراته الحادّة تبعث في نفسي عُنْف الأسئلة…كل أطفال "الحومة" كانوا يتحاشون مواجهة النظرات المحذّرة … كنّا نفسح له الطريق، أعيننا لا تفارق الأرض.. هو.. كان يرفع رأسه نحو الفضاء الفارغ في شموخ كقائد جيوش عظيمة ..يمشي الهوينى بجانب عربة يجرها حمار في اتجاه عمق "الحومة" أين استقر بيته…كان يُعرَفُ بين رجال ونساء الحومة بلقب "عمْرو الحمَّال" نال إعجاب الجميع لأنه كان قويّا يرعب الأطفال ويخيف الحمار…
في الصباح الباكر عندما كان عمّي عمُرو يخرج من بيته ،تسبقه نحنحة خشنة يوزعها الصدى بين كل أرجاء "الحومة" فيهرع الحمار واقفا مبديا استعداده اللاّمشروط لبدء يوم عمل شاق..هرم الاثنان معا، الحمار و عمّي عمُرو ..أصاب عظمهما الوهن …خبت سلطة الحمَّال .. لم يعد قادرا على إصدار نحنحته الخشنة المعهودة…ارتخت حباله الصوتية كما ارتخت عضلاته وغابت نظراته الحادة المخيفة وتعب الحمار كذلك من عبء الجر، أصابه الكسل و سكنه الفتور…
أحسَّ عمّي عمُرو بتغير حال حماره أشد الإحساس .. كان يجلس على صخرة ينتظر لساعات أن يقف الحمار على أرجله المتعبة..أحيانا كانت تخونهما أرجلهما معا فلا يقفان ،يكتفيان بتبادل نظرات فيها كثير من الحب و قليل من اللَّوْم…
في صباح صيف حار …استيقظ الحمار مفزوعا يترَقَّب خروج عمّي عمرو من البيت…أعياه الترقب و الانتظار لكن عمّي عمْرو لم يخرج و إنَّما خرج بكاء و عويل ..أدرك الحمار أن حبيبه و شريكه قد استأثرت به السماء فخَفَضَّ أذنيه معلنا عن حزن مستطير…في اليوم الموالي بحث عنه سكان "الحومة " فقادتهم آثار حوافره نحو المقبرة أين وجدوه جثة هامدة ملقاة بالقرب من قبر العزيز الغالي…
ليل
31/12/2016
و أنا أستعد لاستقبال 2017
#عبد_المجيد_طعام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟