يتحدث العالم اليوم عن بقية من أيام تتسارع ليبدأ بعدها هجوم الولايات المتحدة وحلفائها على العراق بحجة إزالة أسلحة الدمار الشامل وإسقاط سلطة الفاشي صدام حسين .يبدو أن الاستعدادات أوشكت على الاكتمال وأصبحت بالجاهزية التي تمكنها من خوض الحرب، وما عادت هناك غير رتوش وأقنعة تحتاجها المهمة.
الحديث عن الضربة وموعدها يلاقي تجاوب فعال عند أطراف أخرى مهمتها أيضا السباق مع الوقت لطرح مبادرات لنزع فتيل الأزمة .المبادرة الألمانية الفرنسية تطرح أفكار جديدة تحمل تصور عقلاني لإمكانية حل الأشكال دون اللجوء لخيار الحرب ولكنها وفيما ظهر من تلميحات عنها تتحدث بشكل خجول عن المستحقات الإنسانية المشروعة للمواطن العراقي في أهمية التخلص من الطغمة الفاشية وترتيب آليات تلم بجذر المشكلة ومسبباتها ،والتي تشير دائما لمسؤولية صدام حسين المباشرة عن كل الوقائع والتداعيات.فهل يا ترى تضمن تلك المبادرة هذا الاستحقاق أم تهمله في لحظة الحسم .ويمكن القول أن لم تشمل المبادرة أو أية مبادرة مماثلة حلاً ومشروعا عقلانيا يعنى بهذا الشأن فهي بالمحصلة النهائية تعيد دورة التخريب لطمأنة مصالح أطرافها. ولن يكتب لها النجاح أو ترى النور أن أهملت محنة العراقيين ورغبتهم بالسلام والخلاص وبأية شاكلة من سلطة صدام حسين.الرغبة عند الألمان والفرنسيين بعدم إضاعة الفرصة والوقوف في وجه البلدوزر الأمريكي تتوافق مع قناعات الكثير وحسب رؤيتهم للأمر وقربها من مصالحهم السياسية والشخصية وهذا حق مشروع مع اختلاف النظرة للأمر من الزوايا المختلفة والمتقاطعة .وخير دليل هي الأصطفافات الحاصلة في هذه الأيام المتسارعة والثقيلة في آن.
المبادرة هذه تتوافق أيضا مع تمنيات الخليجيين وبلدان الإقليم الأخرى المرعوبة من تداعيات الموقف بعد سقوط صدام وليس من كيفية سقوطه .وهي في ذلك تبحث عن الفرصة لضمان مصالحها وتبديد قلقها قبل غياب صدام عن المشهد السياسي في المنطقة، وتعمل على تدارك الآمر وعدم إضاعة الفرصة لإدامة العلاقة مع الطرف الأمريكي وترميم بعض الشؤون التي سببتها إشكاليات مشاركة العدد الكبير من الخليجيين في جريمة 11 سبتمبر وكذلك التغطية على الرغبة المبطنة في الذهاب الى الحرب المقبلة دون إثارة حساسيات المتأسلمين وذوي الارتباطات الخفية بنظام صدام وجلهم يرتبط بشبكات متداخلة تفرش سطوتها داخل أجهزة السلطة في بلدان الخليج.
احتمال سقوط الفاشي صدام حسين بواسطة البلدوزر الأمريكي يسبب صداعا كبيرا لدى الكثير من بلدان الإقليم بإدراكها أن تداعيات ذلك السقوط يجلب معه الكثير من العواقب غير المحببة أو غير الحميدة خاصة في الشؤون الداخلية .ليس الأمر يتعلق بانتفاضات أو هبات تأتي تأيدا لصدام حسين .قطعا أن هذا الشأن لن يكون بالثقل الذي يتصوره بعض حسني النيات والمغررين .وليس التجاوب مع المشهد الفلسطيني والقضية الفلسطينية برمتها غير شاهد لما نذهب إليه رغم اختلاف الهدف.فتغيير اللوحة السياسية في العراق لا يعني في نهاية المطاف غير اهتزاز معنوي ومادي في الوقائع سوف ينشر ضلاله بفاعلية مؤكدة بين أوساط المحيط بشكل أو أخر مثلما كانت تأثيرات ثورة 14 تموز وما أعقبها .لذا أقول أن سقوط صدام أعتبره شخصيا ثورة كبرى دون أن أسمح لنفسي حتما بمقارنة الأمر بثورة 14 تموز لاختلاف الأهداف والغايات.
خوف بلدان الخليج وغيرها يبدو خوفا مشروعا ولكنه يتجاهل مستحقات أخرى كان يفترض تداركها عندهم منذ زمناً بعيد .فالأمر ما عاد يحتمل الإبقاء على ما كان ومثلما كان ،وكان الأجدر تلمسه ومعالجته قبل شروع الآخرين بالتلويح به.ولن يكون قطعا بمثال ما تفعله السعودية اليوم من أعداد لانفتاح سياسي يجيء لتدارك القادم من المستحقات وهي في هذا تذهب أيضا لترقيع الأزمة ودفن رأسها في الرمال لطمأنة الحليف مؤقتا والرضوخ حتى تمر العاصفة بسلام.ويبدوا أن جميع المسؤولين في المنطقة يحاولون خداع بعضهم وشعوبهم بتمويه الأمر والتأكيد بالقول أن أمريكا قادمة لتوزع حلوى الديمقراطية على العراق وجيرانه، وعلى الناس في هذه الأوطان أن تقنع بأن مسئوليها يناضلون من أجل التوافق والصلح مع تلك الرغبات بالرغم من جميع ما يحملونه من مساوئ.
نعم وجه المنطقة سوف يتغير على نمطين متطابقين متداخلين لا تخرج خيوطهما عن أصابع الإدارة الأمريكية .والمهمة مزدوجة في نهاية مطافها وسوف تكون لصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل، رغم أن بعضا منها يتوافق (بالظاهر) مع الهم العالمي للقضاء على الإرهاب وتجفيف بؤر التخلف والشعوذة.
في هذا المنحى تدرك الإدارة الأمريكية أن بؤر الإرهاب المتأسلم تكمن في الحاضن الاجتماعي الخليجي وتغذيها المدارس الدينية وما يسمى بجمعيات النفع العام المنتشرة في جميع تلك البلدان بالرغم من البهرجة الظاهرة للغطاء الخارجي الحضاري الاستهلاكي الذي يطفوا فوق سطح الحياة في تلك البلدان ويجعلها تبدو في الظاهر مجموعة تنتمي الى العالم المتحضر .ولذا فأن الولايات المتحدة الأمريكية تريد التقرب بصيغة تضمن لها معالجة الأمر بجرعات شديدة القوة تبعد بها النماذج المتخلفة التي ارتبطت بها ولعقود طويلة والتي ما عادت قادرة على مواكبة نموذج التبعية الحديث. وجريمة 11 سبتمبر جعلتها تصحوا بشكل متأخر لأدراك أن الوقت أزف لإيجاد بدائل أكثر ضمانة لتجديد الروابط وبأنماط جديدة احترازية تتجاوز عبرها حدوث هزات أو تداعيات أو أي إخفاق من شأنه التأثير في ديمومة وضمان تلك المصالح.
مع أول بوادر الخوف من شظايا الحرب القادمة على العراق وقبل أن تطلق أولى قذائفها وجد السعوديون أن الوقت حان لتسريب أولى استعداداتهم للانفتاح وتغيير المناخ السياسي الداخلي وللمرة الأولى يتكلمون عن حقوق المرأة والحريات السياسية .أذن هناك ملمحين يتنازعان سرعة الوقت وعلى الخليجيين الهرولة ورائهما وبالذات السعوديون .خياران أحلاهما مر بالنسبة للإقليم والعراق في وسطه. سلطة أمريكية مباشرة أو تحت وصايتها ونموذج لدولة عراقية أخرى بثقلها المادي والمعنوي لربما تسرق الأضواء من جيرانها وسوف تكون قلقا مشروعا ودائما لهم حتى وأن كان نموذجها يقارب شكل السلطة في الأردن المجاور .لذا فأن مهمة الجيران في لحاق التداعيات وفي أشد الأوقات حرجا تبدوا قاسية وصعبة في السياق غير المتكافئ على الإطلاق والذي تبديه الأحداث. في ذات الوقت فأنهم يتساءلون .هل بالإمكان ركوب الموجة دون بلل.
التساؤل المشروع عند الجيران الآن .هل يكفي الوقت لتفادي الضربة والخروج من المأزق الذي يعقبها وصناعة سقوط وتداعيات بغير الشاكلة التي تريدها الإدارة الأمريكية.
ممانعة السعودية للحرب يضعها في مواجهة حقيقية مع حليفتها وحاضنتها وحاميتها الأمريكية ولربما الممانعة توقع السعوديين في الخانق القاتل وهي أعرف بقدراتها لو تخلت عنها الحليفة الأمريكية، ومقدار الخسائر لا يمكن إحصائه في الجانب السعودي وأوله وليس آخره تعرض الدور السعودي داخل العالمين الإسلامي والعربي للتشكيك والأرخاص والتحجيم أن أرادت الإدارة الأمريكية حشد مناصريها من حكام هذين العالمين .
مع تسارع الوقت فأن البعض أدرك أن الأشكال ما عاد يحدد بوقت الضربة التي سوف توجه للعراق أو كم يستغرق الهجوم للإطاحة بصدام حسين، وليس معنيا أيضا بكمية القنابل التي ستسقط فوق رؤوس العراقيين وإنما المهم مجاراة الإدارة الأمريكية والانخراط في الهدف الذاهبة أليه والذي حددته بتساؤل داخلي حول كيف يتم احتلال العراق ومتى.والإدارة الأمريكية تذهب في التمويه أو الإفصاح عن هذا الوجهة بدفع الجميع للتساؤل عن حساب الأيام المتبقية والمتوقعة للضربة .ولذا يسارع الجميع بالظن أن عمل المفتشين الدوليين والمبادرة الفرنسية الألمانية وزخم الحشد المناهض للحرب ربما يشكل ورطة حقيقية للولايات المتحدة في السعي نحو هدفها المؤكد. والبعض الآخر يتوقع أن مرور الوقت وتمديده لفترة تتعدى أشهر أخرى جدير بإفساد حسابات الإدارة الأمريكية وجعلها تتخلى في نهاية المطاف عن مراميها في احتلال العراق وتنصيب من تريدهم حكاما له.
الموقف الأمريكي ورغم كل البراقع التي يتلفع بها أصبح موقفا حاسما وواضحا ولا خيارات فيه حتى وأن كشف النظام العراقي عن جميع عوراته. والنقطة المهمة في الشأن العراقي هذا وفي كل وجوهه هو أن الولد العاق ما عاد مرغوبا به وتحدد الموقف بوجوب رحيله كشخص ونظام وأن احتلال العراق قادم سلما أم حربا ودون ذلك فأن العواقب ستكون كارثيه وشديدة الوقع في الشارع الأمريكي و أيضا في ما يتعلق بأهداف الإدارة الأمريكية الإستراتيجية الدولية التي ستتعرض لأضرار فادحة لربما تجاري في محصلتها الأضرار المعنوية لحرب فيتنام .ولم تكن مرافعة كولن باول أمام مجلس الأمن غير تمهيد لحشد التأييد وراء تلك الغاية في داخل الولايات المتحدة وبقية العالم.وليس اختلاط أصوات الحمائم بضجيج الصقور وتبادل الأدوار داخل الإدارة الأمريكية ألا تنسيق تراتيبي يساهم في مساعدة الآخرين على التقرب وفهم المحاولة والتوافق معها.
تقييم السعوديون للموقف هذا جاء مباشرة بعد تقديم باول لأدلته أمام مجلس الأمن. فقد طلب السعوديون سرعة اجتماع وزراء دفاع بلدان الخليج وأيضا وزراء خارجيتها وقرروا المشاركة في التحالف الجديد والمعركة القادمة .ويبدو أن مشاركتهم بنيت على فهم ضرورة تحاشي المصيدة التي نصبتها الإدارة الأمريكية لبلدان الإقليم .وأن عدم مشاركتهم سوف تجعل الأمريكان في الأخير ينفضون يدهم من السلطة السعودية الحالية بالكامل.
دفع السعوديون بالآلاف الست من قوام عسكرييهم الذين تضمهم قوات درع الخليج المؤلفة من مجموعة كتائب عسكرية لدول بلدان الخليج العربية.وألمح الناطق الرسمي السعودي بأن المشاركة سوف تقتصر على الدفاع عن الكويت .المشاركة تلك هي في الأساس حماية لظهر القوات الأمريكية الزاحفة نحو العراق لو تطلب الأمر احتلاله عسكريا، وهي أيضا إدراكا حقيقيا للحسم الأمريكي في شأن التغيير في العراق .مشاركة السعودية في وجهتها العامة محاولة لربما تجد لها شفاعة عند الأمريكان لجعل المتطاير من شظايا الحرب ونتائجها بأقل ما يمكن من الإيذاء.ونحن في انتظار