أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خسرو حميد عثمان - آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (20)















المزيد.....



آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (20)


خسرو حميد عثمان
كاتب

(Khasrow Hamid Othman)


الحوار المتمدن-العدد: 5390 - 2017 / 1 / 2 - 14:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إنتفاضة تشرين الثاني والعَدْ التنازلي لنظام الحكم الملكي والحزب الشيوعي في العراق:
قد يبدو العنوان غريباً وحمقاء في الربط بين انتفاضة تشرين الثاني 1952 والعد التنازلي لكلٍ من الغريمين، حد كسر العظم والإفناء المتبادل، نظام الحكم الملكي في العراق والحزب الشيوعي العراقي في أن واحد.
عند الإمعان في قراءة ما جاء في المصادر التسعة حول تشكيل منظمة « راية الشغيلة» من رحم الحزب الشيوعي العراقي عام 1953 ( الحلقات 5،4،3/19) نرى بأن الجميع يشتركون في أن التصدع حصل بعد الإنتفاضة وفي سجن بغداد" بسبب إصدار بهاءالدين نوري(باسم) الميثاق الجديد للحزب، باستثناء أرا خاجادور الذي يُعيد جذور المشكلة إلى نقرة السلمان(الحلقة3 الفقرات:2-2 الى 6 -2) و حنا بطاطو عندما يكتب: (وكان نشر مسودة الدستور في كانون الأول قد أثار نقاشاً حاميا داخل الحزب، وأدّى إلى تطور، وإكتمال، خلافات كانت موجودة في السابق بشكل جنيني. وفي النهاية تصدعت الصفوف.) الحلقة (2/19)
في الوقت الذي تحاشى حنا بطاطو الإقتراب من الخلافات الجنينة الذي أشار إليها من دون أن يذكر السبب، أورد أرا خاجادور، على النقيض منه، تفاصيل تُفيد، حسب وجهة نظره، في مجملها بأن تنظيم السجن تريَّف، تغلب الكم على النوع، على غرار ترييف المدن الذي حدث في العراق نتيجة الهجرة الواسعة للفلاحين من الريف الى المدينة، عندما يكتب آرا خاجادور:
[كيف نشأت راية الشغيلة؟
ـ كنّا في سجن نقرة السلمان، ثم وصل عدد من الرفاق منقولين من سجن الكوت بعد إعدام الرفيق فهد، وغص سجن نقرة السلمان بالرفاق الجدد القادمين من سجن الكوت، ولابد أن أشير هنا الى حقيقة أن مستويات الرفاق الذين كانوا في سجن الكوت، خاصة القياديين منهم، لم تكن مثل نظرائهم في سجن نقرة السلمان من حيث الوعي والثقافة والإنضباط الحزبي. وبات عدد الرفاق القدامى في سجن نقرة السلمان 41 من 200 سجين تقريباً.
ومن تقاليد سجن نقرة السلمان تنظيم دروس عامة للسجناء، وقد ساهم الرفيق فهد في تشخيص الرفاق الذين يتولون المهمات الأساسية في السجن، حيث تولى الرفيق سالم عبيد النعمان إلقاء محاضرات في القضايا التنظيمية، والرفيق محمد حسين أبو العيس في الإقتصاد السياسي.
نشأت بعض الصراعات بين الرفاق الجدد، خاصة القادمين من سجن الكوت حول بعض القضايا التي تهم حياة السجناء كالمأكل والملبس وغيرهما. ولكن تلك القضايا إرتبطه بسلوك بعض المسؤولين تحديداً. وبدأت العلاقة تتزعزع بين القيادة داخل السجن وقيادة الحزب في خارج السجن نتيجة لتصرفات بعض القياديين، ونشأت عدة تكتلات، قسم منها لم تبقى سرّاً.
إن من أسباب نشوء حالة الضعف القيادي على مستوى الحزب، كان نتيجة للقمع الحكومي والنفوذ الإستعماري على الحكم بصفة عامة، وكانت الضربات الأمنية تتركز على المدن الرئيسية: بغداد؛ البصرة؛ والموصل، وتبقى الكوادر في المناطق البعيدة ككردستان في شمال العراق وفي مناطق الريف البعيدة في الفرات الأوسط التي كانت بعيدة نسبياً عن يد القمع والتصفيات، فحافظت تلك المناطق على كوادرنا وعلى الإتصالات مع السجناء عبر عوائلهم، ومثل تلك الفرص كانت ضعيفة في المدن الكبيرة.
المهم، جاء من أربيل الرفيق ...... حميد عثمان .......الى بغداد ليتولى القيادة، ولم يمضي عليه الكثير من الوقت حتى ألقي القبض عليه، وبعد صموده أمام أجهزة القمع حكم عليه بالسجن المؤبد، وسيق الى سجن نقرة السلمان. فعُيّن خلفاً له رفيقاً آخر لقيادة الحزب، وللحفاظ على إستمرارية عمل الحزب. .......................... تولى حميد عثمان مسؤولية الهيئة القياديه لتنظيم السجن، ولكن لم تمر فتره طويله حتى أُثيرت المشاكل من جديد، هذا على الرغم من أنه إستطاع بأن يكون رفيقاً محبوباً من قبل السجناء بفضل تواضعه وإهتمامه بالسجناء وتبادله الرأي والهموم معهم. ونال من هيئة السجن دعم إبراهيم شاؤول، وهو مثقف نظري، والعلاقة الودية مع شاؤول إستفاد منها حميد عثمان لمساعدته في تجاوز ضعفه بالمجال الفكري النظري والسياسي وتفاصيل الحياة التنظيمية في بغداد والمدن الأخرى، حيث أكثر الرفاق من غير المدن الرئيسية. هكذا إشتدت الصراعات وعدم الإنسجام في الحياة اليومية بين الرفاق وظهرت حالة تشبه وجود فريقين، فقد عقدت الأغلبية إجتماعاً تمخض عنه قرار بالإنفصال في مجال المعيشة.
إنتقلنا نحن الأغلبية إلى القلعة الشمالية مع الرفاق القدامى، أما الذين كانوا في سجن الكوت فقد إنتقلوا إلى القلعة الجنوبية. وبحكم إرتباط مركز الحزب مع حميد عثمان، أرسل الرفيق معلومات عما حصل في السجن إلى قيادة الحزب خارج السجن، وجاء الجواب حاسماً: كان عليكم أن تنفصلوا عنهم قبل قراركم الأخير بمده أطول.
كما أرسل الرفيق بهاء الدين نوري، وهو يمثل مركز الحزب في بغداد كتاب تاريخ الحزب الشيوعي البلشفي، ترجمة الرفيق خالد بكداش سكرتير الحزب الشيوعي السوري، ووضع بهاء خطاً أحمر تحت سطر يرد فيه قول ستالين: "الرفاق الذين كانوا في سيبيريا ورجعوا بعد ثورة إكتوبر قد تخلفوا"، في إشارة الى الرفاق في السجون.] من هو سلام عادل؟ (2) - آرا خاجادور.
أستطيع أن أزعم بكل ثقة بأن آرا خاجادور لم يكن موفقاً، أو لم يُحاول عمداً، لإعطاء صورة واضحة ومقنعة لماحصل في نقرة السلمان، ولكي نقترب من ما حصل وأبعاده ننقل شهادتين. أولهما ل(زكي خيري) والآخر ل(حسقيل قوجمان) اللذان عاصرا تلك الأحداث في سجن نقرة السلمان لكي نقترب من الصورة الحقيقة لما كانت تحدث هناك:
1- يكتب زكي خيري في كتابه (صدى السنين...) ما يلي حول الموضوع بعد إختزالي للفقرات والعبارات التي لاتتعلق بالموضوع مباشرة؛ إما لكونها إعتمدت على التكهنات والأحكام الافتراضية الغيبية أومحاولات الكاتب لابراز قدراته الثقافية ...آلخ لإعطاء المجال للقاريء إستنباط الحقيقة المجردة من هذه الشهادات:
دخلت سجن نقرة السلمان وأنا على استعداد لاداءِ أي واجب يناط بي........وذات يوم أخرج مسؤول التنظيم سالم عبيد النعمان أحد الكتب المخبأة وكان بالأنكليزية وهو جزء من «الأيدولوجية الألمانية» لماركس وانجلز لاترجمه سراً في سرداب الربيئة الجنوبية في السجن القديم. وفي مقدمة الكتاب يسخر ماركس وانجلز من مبالغة الايدولوجيين الالمان بدور الايدولوجيا فيقول: أن هؤلاء يعتبرون الايدولوجيا سبب كل شيء بما في ذلك غرق الناس في الماء فلولا ايمانهم بقانون الجاذبية الذي اكتشفه نيوتن لما غرقوا!
أنجزت ترجمة الكتاب وسلمته إلى سالم عبيد سراً لينفرد بقراءته وليلقي المحاضرات وكأنها وحي نزل عليه من السماء فيؤهل نفسه لملء الفراغ الذي تركه فهد مؤسس الحزب و منظمه الامر الذي يقتضي حسب ظنه أن يقوم هو نفسه أمام الانظار بكل المهمات التي كان فهد يضطلع بها. وكان هذا طموحاً مشروعاً بالنسبة له لو لا أنه لم يملك شيئا من مؤهلات فهد أو جهاديته ولا سيما تواضعه. وحاول أن يحل محل فهد في تدريس مادة الاقتصاد السياسي متجاهلاً وجود محمد حسين ابو العيس الذي تخرج على يد فهد في تدريس هذه المادة. كما كان في السجن أكثر أهلية من سالم عبيد على تدريس الاقتصاد السياسي.
أخرج سالم عبيد كتاب ماركس« الرأسمال» من المخبأ وطلب مني أن أساعده ليحضر الدروس من الكتاب ولكي لا يعرف الرفاق أن أحداً يساعده واختار حجرة صغيرة في قبو السجن لنلتقي فيها لنتدارس فيها الموضوع وكأننا كنا نتآمر على سلامة الدولة فى منتهى السرية ومع ذلك فشل في اقناع الرفاق بأنه قادر على تدريس هذه المادة الصعبة جداً.
وحاول أن يقلد فهد في حركاته وسكناته وحتى وضع يده عندما يمشي وكانت أحد يدي فهد مصابة فيميلها قليلاٍ. ولكنه تحاشا كلياً أن يقلد فهد في تعامله مع الرفاق أو في خدمته لنفسه بنفسه أو تواضعه في إبداء المعرفة أو في معيشته البسيطة.
كان في السجن كنوز من المواهب والمؤهلات مخفية تحت ستار من التواضع ونكران الذات والخجل والانطواء على الذات.
...............
وكان سالم عبيد مشغولاً عن هؤلاء الرفاق بسمره يثرثر في مجلسه الخاص في مخزن الأرزاق حيث كان فهد يعمل لخدمة السجناء السياسيين.
كان ماء الشرب شحيحا في نقرة السلمان حيث السجن ومقر شرطة البادية الجنوبية وعوائلهم كل هذه المئات من الشفاه تنتظر مياه الشرب الذي ينقل بسيارة واحدة من عيون خارج «النقرة » أي المنخفض. وعندما تأتي السيارة بحصة السجناء من الماء كان رفاقنا يخرجون بالدور حسب الخفارة لينقلوا الماء بالصفائح « تنكات» مملوءة معلقة على طرفي قضيب طويل من الخشب يحملونها على اكتافهم ويهرولون به الى داخل السجن معتنين كل العناية لئلا تنال الارض نصيبها من قطرات الماء.......وقد حدث ذات مرة أن رشقة من الماء انطلقت إلى الأرض من الصفائح التي يحملها رجب عبدالكريم الطالب الحقوقي فقامت قيامة مدير السجن على هذا «الهدر» ووجه كلمة مهينة إلى الرفيق فلما علم سالم عبيد بذلك فقد زمام نفسه وأصدر ايعازاً مرتجلاً منفعلاً صاعقاً بالكف فوراً عن الأكل. وكان الرفاق ملتمين حول القصاع بالكف فوراً عن

الاكل. وكان الرفاق ملتمين حول القصاع وقد بدأوا تواً بالآكل بين تناول الملعقة الثانية والثالثة. وكان الايعاز العسكري الفوري الصارم:
اتركوا القصاع في فناء السجن!
وأعلن الاضراب عن الطعام حتى الموت أو حتى ينقل مدير السجن الجلاد عبدالجبار أيوب......
وتورطت المنظمة في اضراب مرتجل فجائي لم يفكر فيه أحد قط بما فيهم القائد الآمر الناهي الذي أوعز بالإضراب. والاضراب عن الطعام حتى الموت امتحان عسير يستلزم اعداداً جيداً وقناعة صادقة من الجميع. .....
جاء مدير شرطة البادية إلى السجن وطلب وفداً من السجناء المضربين عن الطعام فاستدعانا (أنا وكاظم حمادة) سالم عبيد لينتدبنا للمفاوضات. وكان طلبه الرئيس كما أبلغنا طرحه طلب الوعد بنقل مدير سجن نقرة السلمان ليحل محله مدير آخر! وكان انتدابنا نحن الاثنين غريباً جداً فلا انا ولا كاظم حمادة من العشرة المبشرة أو الحواريين او ذوي الحضوة بل كنا معدودين من اشباه الانتهازيين اليمينين أن نكون أسوأ بنظر « زملاء فهد الخلصاء» وعلى رأسهم سالم عبيد نفسه. ..وانتهت المفاوضات بالفشل وألقى سالم عبيد اللوم علي أنا وشرع بحملة تشهير ضدي. فيما بعد فهمت خطته: أن ينهي الاضراب بعودة «ما كان إلى ما كان عليه» أما مطلب نقل مدير السجن فتعويذة للحفاظ على ماء الوجه أمام الرفاق إذ كان مقتنعاً أن هذا المطلب لن يتحقق لان عبدالجبار أيوب اختير خصيصا لاذلال الشيوعيين....
واستمر الاضراب بعد ذلك بأيام قلائل أخرى وانتهى بشروط «جديدة» وهي استعادة المكاسب القديمة: المخزن والمطبخ واجراء تحسين طفيف في تجهيز ماء الشرب. ........
أما حصيلة ما نالني من وراء الاضراب فكانت القاباً معكوسة: حاد متزمت، متطرف، استفزازي وحتى «يساري» ومع ذلك تكرر انتدابي لمثل هذه المهمات غير المشكورة مرة بعد أخرى.
جاء المجلس العرفي العسكري إلى نقرة السلمان. وكان أحدالمتهمين الذين جاء المجلس العرفي لمحاكمتهم سالم عبيد النعمان بنفسه بدعوى قضية نشأت داخل السجن. وبث مدير السجن إشاعة عن طريق السجناء العاديين الذين يخدمونه مفادها« أن العرفي جايب ويا مشنقة سفرية» فتطير سالم عبيد ولم يطمأن لاي أحد سواي ليبددله مخاوف. وكانت الدعوى لا تستحق حكم الإعدام بأي حال من الاحوال ولا تتعدى قراءة نشيد ثوري. فرحت إطمئنته وقلن له:.....قلت له ذلك ....وخفت أن ينهار أمام العدو. وقد علمت فيما بعد من قاسم احمد العباس زميل عبدالرزاق الزبير في السجن....أن سالم عبيد في تلك المحاكمة كان قد أعطى تعهداً للحكومة بعدم ممارسة السياسية بعد خروجه من السجن، والعهدة على الراوي. وفعلاً لم يمارس السياسة بعد خروجه من السجن.
كان هذا الاضراب حدثا طارئاً على السجناء السياسيين الذي خلفه فهد، جو الدراسة والاستراحة بالنسبة للمناضلين.... وبعد الاضراب عاد وضع السجناء السياسيين إلى ما كان عليه. وجرى النضال ضد سؤ قيادة عبيد وبيروقراطيته الفظة وانعزاله عن حياة الرفاق البسطاء ومحاباته لبعض المناضلين دون غيرهم و إخفائه المكتبة ووقفه النشاط التثقيفي واختزاله إياه إلى أدنى حد. ... وتولى قيادة المعارضة حميد عثمان الذي جاء مؤخراً إلى السجن وإستقبله سالم عبيد استقبال الفاتحين الابطال على آساس الاشاعات القائلة أن حميد عثمان صمد صمود الابطال بوجه التعذيب الذي لم يسبق له مثيل، بحيث اندهش حميد نفسه بذلك الاستقبال ولكنه سرعان ما تمالك نفسه وعاد ليلعب بدهاء دور البطل الاسطوري. وكان زملاء سابقون من أربيل والسليمانية في النضال قبل السجن ومنهم عزيز محمد التفوا حوله. وبدأت المعارضة تستقطب حلقة بعد أخرى من الرفاق في السجن حتى شملت الاغلبية الساحقة. ودخل السجناء السياسيون في دوامة تدور في فناء السجن ليل نهار. واعتكفت هيئة الكادر الحزبي باستثنائي أنا في أحد أقبية السجن لتحل النزاع بالمداولة. واستمرت المداولات اياماً بلياليها حتى تعمقت الخلافات إلى حد الانقسام . وتم الانقسام وتم بالاتفاق وانحاز «باسم» الذي كان يقود الحزب إلى كتلة الأكثرية «اليسارية» بقيادة حميد عثمان رغم التنافس بينهما. فقد عقد اجتماع في سطح الربيئة الجنوبية ألقى فيها ممثلا الكتلتين وجهتي نظر كتلتيهما. وكان محمد حسين أبو العيس على رأس الاقلية «اليمينية» واتهم الرفاق الكرد واليهود من جماعة الاكثرية بالتكتل على اساس طائفي أو قومي فأساء إلى «اليسار» وقد طلب الممثلان من الرفاق أن يصوتوا بارجلهم: فمن كان مع «اليسار» ترك الربيئة الجنوبية وحمل فراشه وحاجاته وولى إلى الربيئة الشمالية ... وكنت من أوائل المنضمين إلى «اليسار».
دب النشاط في حياة المنظمة وأخرجت المكتبة الماركسية المخفية وترجمت بضعة كتب عن الانكليزية ومنها كتاب ستالين«موجز تأريخ الحزب الشيوعي السوفيتي» وكتابه «الماركسية والمسألة القومية ومسألة المستعمرات» ولم أكلف بغير الترجمة وبتدريس قواعد الترجمة. إذ لم أكن يساريا في نظر حميد عثمان بل إنتهازيا يمينيً! ولم أدع من أي طرف من الطرفين لحضور اجتماعات الكادر القديم الذي اتفق أخيرا على اقتسام المنضمة مقاسمة رضائية. واثارت تعليقاتي المستقلة استياء الطرفين. وقد أسأت إلى حميد عثمان بالذات إذ نبهت بعض الرفاق من الاكثرية بحضوره ضد تقديس الفرد عندما كانوا يكيلون له المديح جزافاً.
وجاءت ذكرى ثورة اكتوبر وكنا نحتفل بها سنويا فكلفت بالقاد كلمة بالمناسبة. فتناولت تأريخ الحزب الشيوعي عن الطبعة الانكليزية، ولخصت الفصول السبع الاولى بما فيها فصل الثورة والقيت التلخيص الذي استمر ساعتين وكان الصمت مخيما على الجميع وكأن الطير على رؤوسهم الطير، وفي الختام قلت لهم ان ما سمعوه هو بالحرف الواحد منقول من موجز تاريخ الحزب البلشفي ففوجئوا بهذه الصراحة.( وبالمقابل يروي حسقيل قوجمان رواية مختلفة عن هذا الموضوع. نقلت هذه الفقرة من شهادة زكي خيري وسأنقل رواية حسقيل قوجمان )
ترجمنا في السجون العديد من كتب ماركس وانجلس ولنين ولمؤلفين ماركسين آخرين. واستنسخنا المئات من الدفاتر عنها ليقرأها السجناء السياسيون ونسخ مصغرة على ورق رقيق أرسلناها للحزب. وكان أبرز خطاطينا بالخط المجهري والعادي: حسين الرضي وعزيز وطبان وعزيز سباهي.........
كنا في السجن نحلم بالثورة كما نتصورها بيد أننا لم نكن نحلم بها فقط بل كنا نعد أنفسنا لها......كان لنا في السجن الصحراوي في قلب الجزيرة سوق عكاظ يتبارى فيه الادباء والشعراء من عرب وكرد.....
بعد هذا الانتعاش بين السجناء السياسيين استيقظت الآمال لنقل السجناء من سجن نقرة السلمان الصحراوي إلى سجن أخر في إحدى المحافظات حيث يكون الاتصال بعوائل السجناء أسهل نسبياً......

2- يكتب حسقيل قوجمان في ذكرياته عن السجون السياسية العراقية حول ما حصل في سجن نقرة السلمان :
كانت الثقافة السياسية في الفترة الأولى من فترات سجن نقرة السلمان ضئيلة فقيرة لم تثمر عن اية فوائد. فحين وصلنا الى السجن كان حسين ابو العيس قد اطلق سراحه وهو الذي كان معيدا مع فهد في تدريس الاقتصاد السياسي وقيل عنه انه خير من يتقن هذا الموضوع. وسيرا على قاعدة أن المسؤول الأول، فهد، كان هو المثقف الأول للمنظمة، استمر هذا التقليد ولم يسمح لأي عضو في المنظمة بالتثقيف عدا المسؤول الأول أو أقرب المسؤولين اليه. وبما أن الكتاب السياسي الوحيد الظاهر في السجن في تلك الفترة كان كتاب ليون تييف المار الذكر فقد تقرر تدريس الاقتصاد السياسي من قبل سالم عبيد النعمان على أن يكون معيده في اليوم التالي نافع يونس الشخصية الثانية في قيادة المنظمة. وبما أن كلا هذين القائدين كانا جاهلين في الاقتصاد السياسي وفي الثقافة الماركسية عموما فقد بقي هذا الموضوع عقيما اذ كان سالم عبيد يعتذر في أغلب الأحيان بسبب مرضه أو لوجوده في اجتماع ولم يبلغ عدد المحاضرات التي حضرناها خلال 1949 و 1950 عشر محاضرات كان واضحا فيها أن كلا المحاضرين لا يفهمان الموضوع الذي يريدان تدريسه. ولم يكن اي نوع اخر من التثقيف السياسي والنظري خلال فترة سالم عبيد النعمان سوى دورة لدراسة كراس سوفييتي سيأتي ذكرها. سارت الحياة في فترة سالم عبيد النعمان سيرا روتينيا سوى اضراب عن الطعام دام 24 يوما بدون اية فائدة. . وكنا نستخدم علب السجاير للكتابة. كان النشاط الثقافي من هذا النوع فرديا وشخصيا. فقد كان التثقيف السياسي العام ضئيلا وعقيما كما رأينا. حتى دراسة الاقتصاد السياسي بصورة شخصية لم تكن متوفرة اذ لم يكن باستطاعتنا الحصول على النسخة الوحيدة الموجودة من الكتاب. واقتصرت قراءاتنا في تلك الفترة على ما أفلحت المنظمة في ادخاله من الكتب العامة الى السجن كالقصص والروايات وبعض الكتب الأدبية والتأريخية وغيرها. كانت هناك محاولات شخصية تطوعية لتدريس اللغة العربية خاصة لبعض السجناء الاميين ولكن هذه الظاهرة لم تتخذ صورة منظمة من الأعلى.  كانت المنظمة مهملة للتثقيف السياسي الى درجة ان بعض الكوادر المتقدمة في المنظمة كانوا يتباهون ويجاهرون بجهلهم النظري. فنشأ في تلك الفترة مفهوم "الحفاة ذوي السليقة الثورية". شعار كان بعضهم يتبجح به علنا. وهو يعني أن هؤلاء القادة رغم جهلهم المطبق للنظرية الماركسية لهم سليقة ثورية تدلهم على الطريق الصحيح دونما حاجة الى النظرية. .في أحد الأيام كنت أسير مع أحد السجناء فأخبرته أنني أدرس اللغة الانجليزية لكي أستطيع يوما دراسة الاقتصاد السياسي اذا توفرت في السجن كتب تبحث الموضوع بهذه اللغة. فشعر هذا السجين بان قولي مخالف لقواعد المنظمة وشكاني الى قيادة المنظمة. فدعاني سالم عبيد وسألني عما قلت لهذا السجين فأجبته فقال "ماذا أليس هناك من يعرف الاقتصاد السياسي؟" فقلت لـه ان الحزب بحاجة الى أن يدرس كل اعضائه الاقتصاد السياسي وليس من الغريب أن يرغب اي عضو في دراسة هذا العلم. فكان جوابه "لا تتحدث مع السجناء بهذا الموضوع لأن مستوياتهم لا تتحمل مثل هذا الكلام".وفي الثلاثين من كانون الأول 1949 كنا جالسين جماعة نغني ونحكي بعض النكات للتسلية. فقلت لهم أن هذا اليوم هو ذكرى زواجنا. فما كان من أحد السجناء الا أن يجيبني "اننا يا رفيق جئنا الى الحزب فنسينا أن لنا عوائل غير الحزب" عجبت لذلك وأجبته "أنا جئت للحزب لأني أحب عائلتي وأريد تحريرها من الاضطهاد ولكن اذا تعارضت مصلحة العائلة مرة مع مصلحة الحزب فاني أضحي بمصلحة العائلة لمصلحة الحزب." فما كان من هذا السجين الا أن شكاني الى القيادة فدعاني سالم عبيد النعمان لمحاسبتي فحكيت  لـه ما حدث بالضبط وسألته ان كان انتماؤنا للحزب تخليا عن عوائلنا. فكان جوابه المألوف في أن مستوى السجناء لا يتحمل مثل هذه النقاشات وبأني يجب أن ابتعد عن مثل هذه المواضيع.في ذكرى ثورة اكتوبر في السابع من تشرين الثاني 1949 احتفلنا حسب التقاليد السجنية. والاحتفال في مثل هذه المناسبات يتألف من شقين. الأول هو اجتماع خطابات يلقيها بعض السجناء حسب اختيار المنظمة. والثاني حفلة غناء وطرب وتوزيع السجاير والحلويات الى ساعة متأخرة من الليل. وفي هذه الذكرى القى زكي خيري وحده خطابا عن تأريخ ثورة اكتوبر مع ذكر العديد من التواريخ والوثائق. دام الخطاب حوالى6 ساعات على جلستين ثلاث ساعات في كل منهما وعجبنا في حينه من سعة علم هذا السياسي الكبير وعظم ذاكرته. ولكننا بعد انقسام المنظمة الى منظمتين وظهور كتاب تأريخ الحزب البولشفي علمنا ان الخطاب كان ترجمة حرفية للفصل السابع من التاريخ.مرة دخل الى السجن كراس باللغة الانجليزية يحتوي على مقالات كتبها أحد قادة الحزب الشيوعي البريطاني وهو أستاذ جامعي في الفيزياء كان يكتب مواضيع علمية بلغة العمال لتبسيط الموضوع العلمي بدون أن يشوه من مستواه العلمي. وطبيعي كنت أول من تناول الكراس وقراه أكثر من مرة. كانت في الكراس عدة مواضيع تتناول عددا من العلوم الشيقة أذكر منها طريقة التخاطب بين النحل وسير الحياة في خلية النمل وتجربة أجراها على نفسه عن المدة التي يستطيع بها انسان ان يبقى حيا في متر مكعب من الهواء. ولكن الموضوع الذي أعجبني اكثر من غيره هو أن الطائرة تستطيع الطيران ابطأ من سرعة الصوت أو أسرع منها ولكنها لن تستطيع الطيران بسرعة الصوت لأنها في هذه الحالة تغرق في دوامة من الموجات الصوتية وتتحطم. أعجبني هذا المقال فحكيته في فرقة الطعام. وسمع حامد مسؤول الفرقة كبير "الحفاة ذوي السليقة الثورية" القصة ولم يفهم منها سوى الادعاء بوجود طيران اسرع من الصوت. وقد دلته سليقته الثورية الى خطورة مثل هذا الادعاء على منظمة شيوعية فدعى اللجنة المسؤولة الى اجتماع طارئ بحثوا فيه هذا الموضوع الخطير وبدون أن يكلفوا أنفسهم عناء قراءة المقال الذي كتبه عالم كبير وقائد شيوعي توصلوا الى قرار. وفي اليوم التالي دعينا الى اجتماع حضره جميع السجناء تحدث فيه رئيس المنظمة سالم عبيد النعمان وقال انه تسري بين اعضاء المنظمة احاديث عن طيران اسرع من الصوت. فاجتمعت اللجنة ودرست الموضوع من جميع جوانبه واتخذت قرارا بأنه لا يوجد ولا يمكن أن يوجد طيران اسرع من الصوت..كان بين السجناء الذين حكم عليهم في السجن مع الرفيق فهد سنة 1947 فنان كبير اسمه رشاد حاتم استطاع خلال وجوده في سجن الكوت ان يحصل على كمية كافية من مواد الرسم التي يحتاجها ونقلها معه الى نقرة السلمان. استطاع هذا الفنان ان يرسم لوحات زيتية كبيرة ورائعة لمختلف مناحي الحياة السجنية. كان هذا الفنان يجلسنا كنماذج اثناء الرسم فسجل عشرات اللوحات التي تصور حياة السجناء اثناء ادائهم مهامهم السجنية. عجبت في حينه من انه لم يرسم اية صورة لاي سجين من السجناء ولا حتى العناصر القيادية. وحتى في لوحاته التي رسمها عن حياة السجن لم يرسم اي وجه يمكن منه ان يستدل على شخصيته. ولكني ادرك اليوم ان هذا الفنان كان ذكيا بعيد الافق. فلو انه رسم وجوها واضحة للاشخاص في لوحاته لكانت قيمها الفنية تتضاءل اذا ما هبطت مكانة ذلك الشخص الحزبية او السياسية. ولكن عدم وجود صور واضحة للاشخاص يبقي القيمة الفنية للوحة على ماهي مهما تغيرت الظروف. ...
في أواسط سنة 1951 ظهرت حركة انتقاد داخل اللجنة العليا حول سياسة المنظمة وتقرر أن يتوجه كل من الاتجاهين الى جميع الأعضاء ويشرح فيها وجهة نظره  وأن يمنح كل شخص فرصة اختيار الجانب الذي يستحسنه وأن تنقسم المنظمة بدون صدامات وبصورة سلمية الى منظمتين. كان أحد الاتجاهين بقيادة سالم عبيد النعمان والاتجاه الثاني بقيادة حميد عثمان. وقد اتجهت الأغلبية الساحقة نحو حميد عثمان ولم ينضم الى سالم عبيد النعمان سوى حوالى عشرين عضوا من مجموع 250. وجرى الانقسام بدون تصادم وبقيت بين المنظمتين علاقات عادية وتبادل ادبيات عادية وادبيات ماركسية، اي ان الكتب المتوفرة اصبحت مشتركة قابلة للتبادل.في نقرة السلمان بنينا أول عود في تاريخ السجن..
الفترة الثانية في سجن نقرة السلمان
كانت هذه الفترة الثانية في نقرة السلمان من أروع الفترات في تاريخ السجون. فقد دأبت القيادة الجديدة على رفع مستوى الاعضاء السياسي والنظري. وظهر أن المنظمة كانت تحوز على عدة كتب نظرية احتفظت بها سرا في الفترة الأولى. فقد ظهر كتاب تأريخ الحزب البولشفي وترجمت ثلاثة فصول منه الى العربية استنسخت بعدة نسخ للسماح لمن يريد مراجعتها بالحصول عليها متى شاء. وبدأ تدريسها في حلقتين قام بالتدريس فيهما ابراهام شاؤول وزكي خيري. ولم يدرسوا في هذه الفترة موضوع الاقتصاد السياسي رغم وجود الكتاب ولكن الكتاب كان متوفرا  لمن يريد قراءته. وظهر لأول مرة كتاب الرأسمال باللغة الانجليزية. تقرر اعطاء الراسمال الى اربعة اشخاص يجيدون الانجليزية هم زكي خيري، ابراهام شاؤول، يعقوب منشي، وحسقيل قوجمان. خصص لكل منا نحن الاربعة وقت معين. وكان الوقت الذي خصص لي أسوأ الاوقات اي بين وجبة الظهر وموعد شرب الشاي في حوالي الرابعة بعد الظهر. وهذا هو الوقت الذي كان فيه جميع السجناء عدا السجناء الذين يشتغلون في اعداد الطعام ينامون لأخذ قسط من الراحة في الجو الصيفي الحار. ولكني كنت سعيدا بذلك وبدأت فورا في دراسة الراسمال وتحقيق حلمي القديم. كانت لغة الراسمال صعبة بالنسبة لي واضطررت في البداية الى ايجاد ما يقرب من خمسين كلمة في الصفحة الواحدة بالقاموس لكي استطيع فهم المادة ولكن ذلك لم يثبط من عزيمتي على دراسة هذا الكتاب العظيم. وبعد أيام ضجر شركائي الثلاثة من مجرد استلام وتسليم الكتاب الذي لم يكلفوا أنفسهم عناء فتحه والقراءة به فأخبروني بأن احتفظ بالكتاب الى ان تتاح لهم فرصة مناسبة لقراءته وبذلك بقي الكتاب لدي كل الوقت واستطعت أن أدرس فيه مدة ثلاثة أشهر. وسحب الكتاب عند اعلان الاضراب عن الطعام الذي سيأتي ذكره ولم يظهر كتاب الراسمال مرة اخرى طوال مدة السجون. لذا استطيع القول بثقة تامة بانني كنت الوحيد الذي قرأ كتاب الراسمال في السجن.وظهر الى جانب الراسمال كتاب الايديولوجية الألمانية لماركس وانجلز وبقي هو ايضا تحت وسادتي طيلة تلك الفترة وكنت الوحيد الذي قرأه.خلال تلك الفترة القصيرة من حياة المنظمة الجديدة حدث حادث كان لـه تأثير كبير على شخصيتي في المستقبل. دخلت الى السجن وجبة كبيرة من الصحف المحلية كانت مخزونة لدى الادارة. وفي احدى هذه الصحف كان مقال طويل بعنوان "المادية الجدلية ثورة في العلم" بقلم ع.ع. لم أقرا المقال لأني كنت مشغولا في قراءة الراسمال والايديولوجية الالمانية. ولكن المقال خلق ضجة في المنظمة وصار الحديث يجري عنه بأنه مقال عظيم كتبه ماركسي كبير. وذات يوم جاءني أحد السجناء من المقربين للقيادة وسألني ان كنت مستعدا لقراءة المقال معه لأنه لا يستطيع فهمه لوحده. فقلت لـه يجب أن يأخذ موافقة القيادة على ذلك أولا. وبعد يومين جاءني وقال ان القيادة سمحت له بقراءة المقال معي. وبدانا في قراءة المقال فرأيت انه مقال لا ماركسي وليس فيه شيء من الديالكتيك الماركسي الحقيقي. فتوقفت عن القراءة بعد قراءة فقرتين من المقال واخبرت صاحبي بأني لا استطيع الاستمرار في قراءة المقال لأنه ليس ماركسيا في نظري ولا يستحق هذه الضجة التي اثيرت حوله. واستمر الضجيج في المنظمة حول المقال وكان جوهر النقاش يدور حول "هل البيضة قبل الدجاجة أم الدجاجة قبل البيضة" كان النقاش في الواقع دليلا على أمرين: اولهما الجهل المطبق الذي يسود المنظمة في موضوع من أهم مواضيع الماركسية هو المادية الديالكتيكية، والثاني هو عظم رغبة السجناء في تعلم هذا الموضوع الحيوي. وكان في المنظمة دفتر موضوع تحت تصرف السجناء لقراءته يسمى دفتر الأدبيات الثورية أدخل هذا المقال ضمن  مقالاته. لم أكن آنذاك اعلم من هو ع.ع. ولكن يبدو ان قيادة المنظمة كانت تعلم من هو وأنه عضو قيادي في الحزب الشيوعي ولذلك وضعوا مقاله في دفتر الأدبيات الثورية. بعد خروجي من السجن علمت انه كان عامر عبدالله، عضو المكتب السياسي للحزب. استمر الضجيج حول هذا المقال وكنت الوحيد الذي أصر على ان المقال ليس ماركسيا ولا علميا. ولكن الضجيج بلغ درجة لم تستطع قيادة المنظمة السكوت عنه. فتقرر دعوة جميع الذين اشتركوا في النقاشات الى اجتماع لمناقشة الموضوع. وكنت احد الذين حضروا هذا الاجتماع الذي دعي اليه حوالى خمسين سجينا. كنت احب وأقدر رئيس المنظمة الجديد حميد عثمان وأعلم انه جاهل نظريا فتوقعت ان يكون هذا الاجتماع فاشلا بالنسبة اليه وسيضعه في موقف حرج ففكرت في انقاذه من هذه الورطة. رفعت يدي طالبا الكلام فقلت ليس جميع المجتمعين ممن اشتركوا بصورة فعالة في هذا النقاش. اقترح دعوة عدد قليل ممن ساهموا مساهمة فعالة في النقاش واقتصار الاجتماع عليهم فقط. فسأل حميد عثمان المجتمعين عن رأيهم باقتراحي فوافقوا عليه ولذلك أبقوا خمسة سجناء لمناقشتهم كنت احدهم رغم اني لم اشترك في النقاشات غير العلمية التي جرت. أنا كنت صريحا في موقفي ضد اعتبار المقال ماركسيا أو علميا وضد ادخال المقال في دفتر الأدبيات الثورية وقد قلت ذلك بصراحة وأمام المسؤولين. لم اعرف من هو ع.ع. ولم احاول أن أسأل عن هويته لأن ذلك لا يؤثر في نظري على حكمي على المقال لأن تقدير المقال يجري حسب مادته وليس حسب شخصية كاتبه. وعندما اجتمعنا نحن الخمسة مع حميد عثمان وابراهام شاؤول الذي يعتمد عليه حميد عثمان من الناحية النظرية سألني حميد عثمان "هل يوجد دجاجة وبيضة في الديالكتيك؟" فأجبته "نعم يوجد." فسألني لماذا اذن لم يذكر ستالين ذلك في كتابه عن الديالكتيك؟ فأجبته ان ستالين جاء بأمثلة اخرى ولكن انجلز جاء بمثال البيضة والدجاجة في أبحاثه. وعندما سمع حميد عثمان جوابي غضب وترك الاجتماع بصورة عصبية. وخلال اسبوعين لم يكن يرد حتى على تحية الصباح. ولكن النقاش حول المقال توقف بعد هذا الاجتماع لأن السجناء شعروا بعدم رضا القيادة عن هذه الضجة.شعرت بالتحدي فقررت أن انتقد المقال انتقادا تحريريا مفصلا للبرهنة على ان ع.ع. لم يكن يعرف المادية الديالكتيكية ولم يكن مقاله سوى مقال بتي برجوازي مشوه للمادية الديالكتيكية. وعندما اتممت هذا الانتقاد تماديت في التحدي ففكرت ان قراء الانتقاد قد يقولون ان الانتقاد سهل فهل يستطيع حسقيل أن يكتب مقالا احسن من مقال ع. ع. وفعلا بدأت في كتابة مقال عن المادية الديالكتيكية عبرت فيه عن أفكاري حول هذه النظرية. وحين اتممت المقال اخذت المقالين وقدمتهما لمسؤول غرفتنا جورج تلو واخبرته بالأسباب التي دعتني الى كتابة المقالين وطلبت منه ان يقرأ ما كتبته في الانتقاد وفي المقال. فطلب مني ان احتفظ بالمقالين الى ان يستشير المسؤولين. وفي المساء جاءني وطلب مني احراق المقالين. لقد ازعجني ذلك في حينه أما الآن فأنا استطيع فهم ما حدث. كان ابراهام شاؤول المرجع النظري في المنظمة وهو الذي كان عليه ان يقرا ما كتبته. ولم يكن ابراهام شاؤول من التواضع بحيث يفرح لوجود شخص قد يضاهيه أو ينافسه في هذا المضمار. احرقت المقالين حسب اوامر المسؤول ولكني ما زلت حتى اليوم اعتز بما كتبته آنذاك لأن المقالين كانا أول موضوع سياسي ونظري كتبته في حياتي.مرت الأيام وأنا اقاسي من معاملة حميد عثمان الجافة لي. فقد كنت احبه واقدره وأشعر باخلاصه للمنظمة ورغبته في تقدمها رغم جهله في القضايا النظرية. وفي عصر أحد الأيام جلست في الدور لتناول الشاي اذ كان يوزع حسب الدور. وجاء حميد عثمان وجلس بجانبي. وأخذ يعتذر عن سلوكه معي في الاجتماع وبعده. فأسعدني ذلك وقلت لـه "أنت تعرف كم احبك واقدرك وأنا اعتز كل الاعتزاز باعتذارك. ولكن هذا لا يمنعني من مواصلة انتقاد مقال ع.ع. طالما بقي في دفتر الأدبيات الثورية لأن هذا مضر بالمنظمة ومصلحة المنظمة هي المصلحة العليا" فأجابني بصراحة قائلا "ماذا أفعل؟ أنت تعرف انني جاهل في القضايا النظرية وأنا اسمع ما يقوله لي أبراهام شاؤول." وتوقف حديثنا عند هذا الحد. بعد فترة قصيرة لم تدم اكثر من ثلاثة أو أربعة اشهر بعد الانقسام تقرر اعلان اضراب عن الطعام في جميع السجون السياسية ولذلك رفعت جميع الكتب الماركسية والأدبيات الثورية وكان المقال من ضمنها ولم نره بعد ذلك كما لم نر كتاب الرأسمال ايضا. اشتركت المنظمة الثانية ايضا في الاضراب. ونجح الاضراب عن الطعام فحصلنا على حق الانتقال من نقرة السلمان الى السجون السياسية الاخرى. وكنت في الوجبة الاولى التي انتقلت الى سجن الكوت لأن المنظمة قررت أن تنقل ذوي المحكوميات الطويلة أولا.
(يتبع)
.









......




#خسرو_حميد_عثمان (هاشتاغ)       Khasrow_Hamid_Othman#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روايتان مختلفتان عن معركة جبل هندرين وحيثيات بيان 29حزيران 1 ...
- روايتان مختلفتان عن معركة جبل هندرين وحيثيات بيان 29 حزيران ...
- روايتان مختلفتان عن معركة جبل هندرين و حيثيات بيان 29 حزيران ...
- آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (7/19)
- آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟(6/19)
- آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (5/19)
- أرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة ؟ (4/19)
- آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (3/19)
- آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ ( 19/ 2)
- آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (19)
- آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (2/18)
- آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (18)
- آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (17)
- آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (16)
- آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (15)
- آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (14)
- آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (13)
- آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة ؟ (12)
- آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (11)
- آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (10)


المزيد.....




- -غير أخلاقي للغاية-.. انتقادات لمشرع استخدم ChatGPT لصياغة ق ...
- بالأسماء.. مقاضاة إيرانيين متهمين بقضية مقتل 3 جنود أمريكيين ...
- تحليل.. أمر مهم يسعى له أحمد الشرع -الجولاني- ويلاقي نجاحا ف ...
- مكافأة أمريكا لمعلومات عن أحمد الشرع -الجولاني- لا تزال موجو ...
- تفاصيل مروعة لمقابر سوريا الجماعية.. مقطورات تنقل جثث المئات ...
- يقدم المعلومات الكثيرة ولكن لا عاطفة لديه.. مدرسة ألمانية تض ...
- الجيش الإسرائيلي يستهدف مستشفيي كمال عدوان والعودة شمال قطاع ...
- قلق من تعامل ماسك مع المعلومات الحساسة والسرية
- ساعة في حوض الاستحمام الساخن تقدم فائدة صحية رائعة
- ماكرون يزور القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي ويتوجه إلى إ ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خسرو حميد عثمان - آرا خاجادور والنأي بالنفس عن الأسئلة القاتلة؟ (20)