|
لا تقدم إلا بفك الإرتباط بالمركز الرأسمالي
رابح لونيسي
أكاديمي
(Rabah Lounici)
الحوار المتمدن-العدد: 5386 - 2016 / 12 / 29 - 22:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ربط عالم الإجتماع الألماني ماكس فيبر بين البروتستانتية وظهور الإصلاح الديني في أوروبا علي يدي لوثر وكالفن وظهور الرأسمالية في أوروبا منطلقا من تغيير مفاهيم عدة في المسيحية وإعطاءها تأويلات ثورية وجد متقدمة ومحررة للإنسان الأوروبي، لكن يناقضه في ذلك المفكر الماركسي المصري سمير أمين الذين يرى أن نمو قوى الإنتاج هي التي أنتجت أيديولوجية جديدة داخل المسيحية ذاتها تتمثل في البروتستنانتية، وينطلق في ذلك من منهجه الماركسي الذي قلب منهج هيغل الذي ينطلق منه فيبر، والقائل بأن الأفكار هي التي تغير المجتمع. لكن بالنسبة لنا نحن المسلمين، يجب أن نطرح السؤال، هل التغيير سيتم إنطلاقا من إصلاح ديني مثل البروتستانتية، مما سيسمح لنا بثورة إقتصادية تشبه الثورة الرأسمالية والبرجوازية في الغرب التي لعبت دورا إيجابيا في وقتها قبل أن تتحول اليوم إلى عامل معرقل وإستغلالي، نعتقد أن الإصلاح الديني الذي ظهر عندنا مع محمد عبده والأفغاني كان نتيجة لظهور بذور الرأسمالية إنطلاقا من الإنتشار التدريجي للملكية الفردية في مصر، ونفس الأمر في الجزائر مثلا حيث كانت الأرض مشاعة وملكية للأعراش قبل أن يفرض قانون فارنيي الإستعماري الملكية الفردية للآراضي في 1873 بهدف تفتيت الأعراش التي كانت تقف في وجه الكولون الأوروبي الذي كان يعمل من أجل الإستيلاء على الآراضي وتحويلها كمزارع للكروم، مما أدى إلى ظهور بوادر برجوازية جزائرية، وينحدر دعاة الإصلاح الديني في الجزائر من البرجوازية المدينية المناقضة للأيديولوجية الطرقية الريفية، حيث نجد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين متفقة مع جماعة فرحات عباس المنحدرة حتى هي من البرجوازية المدينية، والتي تحمل أفكارا تنويرية وتقدمية آنذاك. لكن لا يجب أن يغيب عنا مشكلة أخرى ، وهي أن حركات الإصلاح الديني تراجعت بعد عقود في منطقتنا، وتركت مكانها للأرثوذكسية الدينية من جديد، ويعود ذلك في نظرنا إلى الإستعمار الذي بدأ يضغط على مجتمعاتنا، خاصة في مسائل الهوية، مما دفع إلى الإنغلاق كرد فعل على ذلك، وهذا ماحدث في مصر مثلا حيث ظهر رشيد رضا بفكر ديني منغلق نسبيا مقارنة بمحمد عبده، وبعد ما تحررت بلدان منطقتنا من الإستعمار تعرضت أيضا إلى ضغط أمبريالي، خاصة على الصعيد الثقافي، فدفع التوسع الرأسمالي وبروز العولمة الرأسمالية في مجالات الإقتصاد والثقافة شعوب المنطقة إلى الإنغلاق أكثر منذ نهاية الثمانينيات، خاصة في مجالات الهوية، وهو ما أدى إلى بروز تعصب هوياتي وديني وصراعات ثقافوية وطائفية داخل الدولة الواحدة، مما أصبح يهدد وحدتها نتيجة فعل ورد فعل، وقد علمنا التاريخ الرأسمالي أنه كلما توسعت الرأسمالية أكثر توحد المركز الرأسمالي مقابل تفتت أطرافه، فمثلا في بدايات القرن العشرين تكونت وتوطدت وحدات الدول الرأسمالية على أساس قومي مقابل تفتت الأمبرطوريات التابعة للمركز الرأسمالي كالأمبرطورية النمساوية-المجرية والأمبرطورية العثمانية، لأن برجوازيتها كانت ضعيفة وتابعة للمركز الرأسمالي. وإنطلاقا من ذلك كله نستنتج أن التوسع الرأسمالي الأخير والقوة العولمية التي أصبحت أيديولوجية لدولة برجوازية عالمية جديدة هي في طريق الإنشاء سيؤدي إلى تفتيت دولنا، ليسهل إبتلاعها من الدولة العالمية الجديدة، وستصبح خارج حركة التاريخ تماما، وسيدعم ذلك التفتت بالإنغلاق على الذاتـ، فلا يمكن لنا إهمال هذا العامل عند تفسير ظاهرة التطرف الديني المدمر الذي ينتج الإرهاب، فهو يدخل في إطار رد فعل على هذه العولمة الثقافية الرأسمالية، ولهذا لا يمكن إنقاذ دولنا من التفتت إلا بمقاربة صحيحة، تتمثل في الحذر من وقوع شعوب منطقتنا في نفس ما وقع فيه أهل الكهف الذين تحدث عنهم القرآن الكريم، وأشار إلى هروبهم بدينهم خوفا عليه، لينغلقوا ويناموا، ليعودوا بعد ثلاث قرون عاجزون على مسايرة العالم وتطوراته، ليعودوا إلى كهفهم للموت النهائي، فإننا يمكن تشبيه أممنا بنفس هؤلاء، فيجب الحذر من الإنغلاق المميت وضرورة العمل بذكاء للإنخراط الذكي في العولمة دون فقدام هويتنا، لكن هذا الأمر يتطلب ثورة ضد المركز الرأسمالي في الأطراف، أي تحقيق ما نسميه بفك الإرتباط مع هذا المركز، والذي يجب أن يتم ليس على أساس ديني، بل بطرح أيديولوجية عالمثالثية جديدة مرفوقة بالعمل والضغط ديمقراطيا لتحويل الكمبرادور، وهم المستوردون والمسوقون لمنتجات المركز الرأسمالي في دولنا والمعرقلون في نفس الوقت لقيام صناعة وطنية دفاعا عن مصالحهم الخاصة على حساب مصالح أوطانهم، فقد ربط هؤلاء دولنا بهذا المركز، وللأسف فقد سيطروا على مقدراتها، وزحفوا حتى سيطروا تدريجيا على دواليب وأجهزة الدولة ومؤسساتها اليوم كلية، ويضغطون من أجل وضع قوانين وإجراءات تخدم مصالحهم فقط دون أي إعتبار للفئات الشعبية المحرومة التي أضعفوها بكل الوسائل كتخديرهم بالدين وإثارة نعرات وخلافات ثقافوية وطائفية فيما بينها ومنعها من إكتساب الوعي وتنظيم نفسها للدفاع عن مصالحها وتحديد أهدافها المرحلية، والتي يأتي على رأسها اليوم وكمرحلة فقط الضغط من أجل وضع ميكانيزمات وآليات من أجل تحويل هذه البرجوازية المتمثلة في هؤلاء المستوردين إلى برجوازية وطنية تدور حول الذات ومنتجة وبانية للمصانع التي تنتج الثروة ومناصب للشغل، أي بتعبير آخر تحويلها إلى برجوازية وطنية غير مرتبطة بهذه الرأسمالية العالمية. لكن لنشير أن هذا ليس معناه دعم منا للرأسمالية، بل قلنا كهدف مرحلي، لأنه في الحقيقة لم تمر منطقتنا بعد بمرحلة الرأسمالية المرتبطة بالذات أو ما يمكن تسميته ب"الرأسمالية الوطنية"، بل ما عرفناه ونعرفه هو رأسمالية تابعة للمركز الرأسمالي أبقتنا في تخلف دائم ومزمن في كل المجالات، والتي يجب القضاء عليها بتحويلها سلميا إلى رأسمالية وطنية خادمة للإقتصاد الوطني ودفع أوطاننا إلى التطور والتقدم في في كل المجالات كما وقع في دول المركز الرأسمالي، ونستلهم في ذلك من تجربة الأمبرطور الميجي في اليابان الذي تمكن من تحويل طبقة الساموراي الإقطاعية إلى مستثمرين في الصناعة، والتي أرفقها بإصلاحات أخرى مثل التعليم في 1868، فقد كان هذا التحويل وراء المجمعات الكبرى اليابانية اليوم. نعتقد أن تعميم عملية فك الإرتباط بالمركز الرأسمالي في كل دول الجنوب المتخلف الذي يشكل مجرد أطرافا تابعة للمركز الرأسمالي وخاضعة لإستغلاله، سيؤدي حتما إلى نوع من التوازن وردم الهوة بين عالم الشمال المتقدم وعالم الجنوب المتخلف، كما سيحدث ذلك بدوره عن طريق تفاعلات دياليكتيكية ثورة إيجابية على مستوى شكل الدولة وكذلك أفكار وذهنيات شعوبنا وغيرها من المظاهر، فقد ظهر عالم الجنوب المتخلف نتيجة للتوسع الرأسمالي المدعم من الإستعمار الذي وظفته دول المركز الرأسمالي كحل للأزمات الإجتماعية التي عرفتها بسبب الأزمات الدورية للرأسمالية، وقد مكنها الإستعمار، ومانتج عنه من ربط البلدان المستعمرة بالمركز الرأسمالي من تحقيق رفاهية لكل مواطني دول المركز الرأسمالين كما قضت على كل غضب أو ثورة إجتماعية في هذه الدول، وذلك بإستغلال عرق وثروات الشعوب المستعمرة، وهو ما جنب دول المركز الرأسمالي من قيام ثورة إجتماعية فيها، وبقي الوضع مستمر على ذلك إلى حد اليوم لأن الإستعمار لم يخرج من هذه البلدان إلا بعد ما ربطها بالمركز الرأسمالي، لتستمر رفاهية شعوب هذا المركز ودوران مصانعه وآلات إنتاجه، وذلك بواسطة دعمه للكمبرادور في دول عالم الجنوب، أي هؤلاء المستوردون في دول الجنوب عامة ومنطقتنا خاصة، والذين ستزداد سيطرتهم أكثر اليوم على أجهزة الدولة في بلداننا بدعم من هذا المركز الرأسمالي وحماية لمصالحه في ظل أزمة دورية للرأسمالية حادة جدا، فهم لايتوانون عن لجوئهم إلى إستخدام أجهزة الدولة الذين سيطروا عليها بشكل غير مباشر لقمع أي حركة يرون فيها تهديدا لمصالحهم المرتبطة بمصالح المركز الرأسمالي.
البروفسور رابح لونيسي - جامعة وهران-
#رابح_لونيسي (هاشتاغ)
Rabah_Lounici#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من هم خلفاء الله في الأرض اليوم؟
-
بعد وفاة إعلامي معتقل في الجزائر-أي رد فعل-؟
-
الصحراء الكبرى في الإستراتيجيات الدولية
-
التأسيس للنزعة المغاربية بين عابد الجابري وعلي الحمامي الجزا
...
-
منطلقات لإنقاذ الجزائر من إنفجار إجتماعي
-
يوغرطة والأمير عبدالقادر-رموز للوطنية الجزائرية-
-
جرائم الإرهاب في جزائر التسعينيات-مغالطات ورهانات-
-
من وراء دفع الجزائر إلى الفوضى؟
-
ترحيب متطرفو العالم بفوز دونالد ترامب
-
العصبيات الخلدونية إلكترونيا
-
عصبيات وإرهاب -نقد مقاربة جيل كيبل-
-
نحو حرب عصبيات-إعادة إنتاج جزائر التسعينيات-
-
جذور هزيمة العقل أمام العصبيات
-
هل تعرض سيد قطب لتلاعبات مخابراتية؟
-
-مثقفو وسياسويو- العصبيات
-
لماذا رحب الإسلاميون بنظرية -صدام الحضارات- لهنتغتون؟
-
التنظيمات الإخوانية في خدمة أجندات دولية وأقليمية في منطقتنا
-
محاولات لإختطاف مالك بن نبي وتوظيفه
-
إعدام الأردوغانية للإسلام السياسي في تركيا
-
هل لأردوغان وحزبه علاقة بالإسلاميين؟
المزيد.....
-
جوائز غرامي الـ67.. قائمة بأبرز الفائزين
-
الشرع يغادر المملكة العربية السعودية.. ماذا دار في حديثه مع
...
-
تصعيد عسكري في جنين ومجموع القتلى بغزة يصل 61 ألفا ونتنياهو
...
-
مهرجان -بامبلونادا ريمنسي- يحاكي سباق الثيران الإسباني في لي
...
-
إجلاء أطفال مرضى من غزة بعد إعادة فتح معبر رفح
-
مذيعة سورية تجهش بالبكاء وتناشد الشرع المساعدة في الكشف عن م
...
-
القوات الروسية تواصل تقدمها وتكبّد قوات كييف خسائر فادحة
-
قادة الاتحاد الأوروبي يجتمعون مع ستارمر وروته لبحث تحديات ال
...
-
بيسكوف: الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته فلاديمير زيلينسكي
...
-
السعودية.. تنفيذ حكم القتل تعزيرا في مواطن بتهمة -تهريب المخ
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|