|
لوال دي أوول.. مغني «هيب هوب» يعالج قضايا جنوب السودان بأغنياته
قور مشوب
الحوار المتمدن-العدد: 5385 - 2016 / 12 / 28 - 22:21
المحور:
الادب والفن
«حيثما سأموت، سأموت، وأنا أغني» فلاديمير ماياكوفسكي
لا توجد مقولة، أفضل من هذه، لتوصيف مسيرة لوال دي أوول، مغني الهيب هوب الجنوب سوداني، فمنذ بدايته، عبرت مسيرته الفنية بالعديد من المنعطفات. عادةً، لا يكاد الجدل الذي يدور لفترة طويلة حول أي أغنية جديدة لدي أوول، لينتهي، حتى يزيد من هذا الجدل الذي يأخذ منحنى آخر مع إصداره لأغنية جديدة. لذا، من يتوقف هنا، حتماً، لن يعرف القصة الكاملة لما حدث له، وما يواجهه أيضاً، منذ بدايته لمسيرته الغنائية، وحتى الآن.
هذا: «ملك أفريقيا» في ولاية ماريلاند، في الولايات المتحدة الأمريكية، ولد لوال وترعرع هناك. لكنه، في عام «2009»، إختار القدوم إلى جنوب السودان من أجل إحتراف الغناء بشكل رسمي. وهو شيء، بالنسبة له، كان يمثل بوابته الوحيدة للمساهمة في إعمار وطنه، ومعالجة مختلف القضايا الوطنية. في 2009، حينما وصل لوال دي أوول مطار جوبا، قادماً من كندا، لم يكن هناك أحدٌ يعرفه جيداً، بل، أنه، لم يرتب، حينها، لإختيار اسمه الفني، الذي سيغني به لاحقاً. لوال دي أوول يستخدم صوته وأغنياته من أجل نشر رسائل السلام والمصالحة بإستخدام الموسيقى، لأنها الشيء الذي يلعب دوراً كبيراً في مجتمع جنوب السودان. لهذا، فإنه يستخدم مواهبه في التعبير، عن مشاعره وآراؤه حول وطنه، والتأكيد على أهمية الهوية الوطنية، من خلال أغنياته. أحياناً، يمزج لوال في الكثير من أغنياته، ما بين اللغة الإنجليزية ولهجة «عربي جوبا»، ولكن، الإنجليزية تطغى تماماً على معظم أغنياته. الهدف من هذا، هو التأكيد على شمولية الرسالة المهموم بها لوال، وهو أمر يبدو ماثلاً في وصول صوته إلى الكثيرون من الناس في جنوب السودان. لذا، وبعد ثلاث سنوات، أنتج لوال دي أوول أغنيته الجديدة «King around here»، أو «الملك حول هنا»، والتي استوحى منها اسمه الفني «ملك أفريقيا».
داخل الدائرة الحمراء في كل أغنياته، سواء القديمة منها أو الجديدة، أو التي لم تخرج إلى النور بعد. ثمة شيء لا يحتاج إلى كثير عناء لملاحظته. وهو، أن لوال، قد رسم لنفسه دائرة أشبه بالخط الأحمر، لا يغادرها أبداً، وتحت أي ظرف. على الدوام، ظل لوال يقوم برسم صورة واقعية عن جنوب السودان أولاً، يقوم فيها بتسليط الضوء على العديد من المشاكل التي تعاني منها بلاده. سواء، قبل الإستقلال عن السودان أو بعده. ومن ثم، يقوم بمعالجة هذه المشاكل عبر أغنياته واختراع حلول لها. هذا الشيء، ظل ثيمة ثابتة، لا تتغير أبداً في كل موضوعات أغنيات لوال، منذ بدايته لمسيرته الغنائية. هذا، يعبر عنه لوال قائلاً :«أنا أقول الحقيقة التي يشعر بها مواطني جنوب السودان. أنا أشعر بأن لدي القدرة لرسم تلك الصورة، وأعطاء الرسالة التي ينبغي». لذا، ظلت موضوعات إنعدام الأمن، والتعليم، والصحة، وتفشي القبلية والمحسوبية، وغياب التنمية، والسلام، والإستقرار، وغيرها ، حاضرة على الدوام في أغنياته. هذه الموضوعات، تمثل الأساس القوي الذي بنى عليه لوال مسيرته، فهي تعتبر من أهم الأشياء التي ظل ينادي بها بها طويلاً. كل هذا، يمكن ملاحظته بالوقوف عند كل أغنيات لوال، لأنها تمثل السبب الرئيسي لقدومه إلى بلاده. فهذه القضايا، تعتبر حاضرة في أغنيات لوال التالية «King around here»، و«My Home»، و«Watch Out»، و«Alright, you gone learn today» ، و«Hooriyah». لوال أيضاً، قام بمناقشة قضايا سرقة المواشي التي إنتشرت كثيراً في السنوات الأخيرة، في أغنية «King around here».
إلى الزعيم في مرقده اللصوص هم من أنجبوا للوطن القتلة. فالذين حملوا السلاح ما كانوا يطالبون بالديمقراطية، بل بديمقراطية الإختلاس وبحقهم في النهب، ما دام لا سارق اقتيد إلى السجن. ينظر كثيرون، إلى هذا القول، على إنه السبب في إنفجار الوضع في جنوب السودان، في ديسمبر من العام «2013». هذا أيضاً، عبر عنه لوال رفقة نانسي شان، في أغنية «Give Peace a Try». إذ يشرح رؤيته قائلاً :«نحن بحاجة إلى ملتقى مشترك بدلاً من مجموعات في بعض الحشود»، مع تشديده الكامل، على حاجة البلاد الماسة إلى رؤية موضوعية عند النظر إلى مستقبل جنوب السودان. بالطبع، لوال لم يكتفي بهذا. إذ قام بعد الإستقلال في عام «2011»، بإصدار أغنيتين على التوالي هما «Where did we go» و«Letter 2 DR John pt2»، يطرح من خلالهما العديد من التساؤلات المنطقية ، حول مصير جنوب السودان بعد الإستقلال وما تحتاجه من أجل التقدم والتطور. لوال، وفي أغنية «Letter 2 DR John pt2»، قام بإهداء نيل جنوب السودان للإستقلال عن السودان، إلى الراحل، الدكتور جون قرنق، مؤسس الحركة الشعبية. لكنه، لم ينسَ أيضاً، التساؤل عن مصير ما بعد الإستقلال، وشكر كل من أسهم في تحقيقه من القادة والسياسيين على مدى التاريخ. في ظل إستمرار الحرب، ظهر لوال في دويتو آخر رفقة كاسي بلانكو، بعنوان «Lahadil Mlten» ، يتساءل فيها : إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ أغنية : L.U.A.L Ft. Qwashi and Slo-Letter 2 DR John pt 2
لوال: «أنا تعبان» في أكتوبر الماضي، عاد لوال إلى الواجهة مجدداً بعمل غنائي جديد، إذ أطلق برفقة مجموعة من الفنانين الشباب، أوبريت غنائي بعنوان «أنا تعبان». هذا العمل، كان للتعبير والإحتجاج عن الوضع الذي وصل إليه جنوب السودان، عقب توقيع إتفاق سلام هش بين سلفاكير ميارديت، رئيس البلاد ودكتور ريك مشار، زعيم المتمردين ونائبه السابق، في شهر أغسطس. لكن، الاتفاق لم يصمد طويلاً لأن الطرفين عادا إلى مربع الحرب مجدداً. الأغنية حملت رسالة مفادها «لقد تعبنا من الحرب والموت والنزوح». لكنها، تطالب أيضاً، بنبذ القبلية والكراهية والعنصرية، بين أبناء الشعب الواحد.
الهيب هوب في أنقى صوره «كن صامتاً.. أو ميتاً». فكل حكم، يصنع وحوشه، ويربي كلابه السمينة لتطارد الفريسة، نيابة عنه.. وتحرس الحقيقة. كانت هذه، أصعب حقيقة اصطدم بها لوال دي أوول في جنوب السودان، ولكنه، رغم كل ذلك، لم يأبه لكل التهديدات التي تعرض لها، مطالبة بتوقفه عن الغناء، أو التغني بالأغاني العاطفية، وما شابه ذلك، وهي نوعية تعتبر من الأغاني التي لا تتواءم تماماً مع إيمانه والهدف الذي يتطلع إليه، وهو معالجة قضايا البلاد عبر أغنياته. الرد من لوال، كان بإصدار أغنيتين جديدتين هما «Hooriyah» و«Can’t Live In fear»، وهو ما زاد من شعبيته، خاصة الأخيرة، والتي جاءت بالتزامن مع إحياء أحداث «11/سبتمبر/2001»، ليؤكد من خلال الأغنيتين إلتزامه بواجبه تجاه وطنه، وتأكيداً على استمراره في التغني بذات اللونية التي اشتهر بها، في جنوب السودان. هذه الحالة، التي يصف من خلالها لوال نفسه، قائلاً :«أنا، مغني هيب هوب من جنوب السودان، ومهمتي هي أخذ هذه الصناعة، إلى مستوى آخر، عبر العاصفة» . هنا، يروق لدى كثيرين، وصف القضية التي يتماهى معها لوال دي أوول، وإهتمامه بمسألة جنوب السودان وسعيه لحل قضاياه المختلفة عبر أغنياته، بأنها تمثل التجسيد الحقيقي للهيب هوب في أنقى صوره، وهو ما يتضح جلياً في حقيقة، إنه لم يذب تماماً في حركة الهيب هوب التي يرفع رايتها مغنو الراب، في مختلف أنحاء العالم. لوال يبرر إصراره قائلاً :«إذا كنت تتحدث بطريقة هادئة، يمكنك إحداث الكثير من التغيير». لوال، لا يكتفي، بالقيام بدوره في الغناء بأسلوب إيقاعي محافظ فحسب، بل، إنه، يتعداه لتنفرد قصائده، بنبرة سياسية تتواءم مع الواقع الماثل في جنوب السودان، في وقت تعبر فيه قصائده، عن تطلعات الجميع، في آن واحد، بمختلف ميولهم، وبغض النظر، عن إتفاقهم معه، من عدمه، في الوسيلة التي يتطلع بها، لتحقيق ذلك. ويضيف :«إذا أستطعنا توحيد الشباب، ستكون لدينا الإرادة، إرادة كافية لإستعادة البلاد» .
مع لوال، ظالماً أو مظلوماً لا شيء يدعو لوال للخوف. إذ يبدو واضحاً، السبب الذي يجعله يحظى بتأييد واسع، من قبل كل فئات مجتمع جنوب السودان وهو شيء إختبره بالفعل. دي أوول، دخل إلى قلوب الكثيرين من الباب الكبير، بسبب اللونية التي يتغنى بها، ولمشروعه الفني والقضية التي يعتبرها رسالة له. وهو ما يتضح، في إختياره الوتر الحساس، وقوله علانية ما يخشى الكثيرون قوله ويرونه أمامهم من أخطاء إرتكتبتها جميع القيادات الوطنية في حق الشعب. هذا، عرض لوال لمضايقات من جهاز الأمن بإستمرار، وذلك بعدما تحدى الحكومة والجهاز أيضاً، بالإستمرار في التغني بهذا الشكل وبدون إذن. أحياناً، كان لوال يدفع الثمن بخضوع أغانيه للرقابة ومنعها ومصادرتها وعدم منحه التصديق لإحياء حفلات في العديد من المدن، منها العاصة جوبا. طريقة أخرى، لجأ إليها جهاز الأمن لمحاولة منع لوال من الغناء في جنوب السودان، وذلك عبر توزيع خطابات لعدد كبير من إستديوهات التسجيل، تتضمن قائمة بالأغاني المسموح بالتغني بها، بالإضافة إلى العديد من العقبات التي كان الهدف الرئيسي منها منع لوال من الإنتشار والغناء نهائياً. في إحدى الحفلات، اقتحم مجموعة من الجنود الحفل بهدف إيقافه. لكن، لوال واصل الغناء رغم ذلك، وعاد أكثر قوة وإصراراَ. هذا، زاد من التضييق على لوال، لتقوم الحكومة بحظر أغنية «Dowla Jadit»، والتي تعني دولة جديدة، وهي تعتبر بالفعل واحدة من أكثر أغنيات لوال شعبية في البلاد. السبب في ذلك، يعود إلى إنتقاد دي أوول الدائم للمسؤولين في الحكومة في حال فشلهم في كل شيء، بالتبرير بالقول«نحن أمة جديدة»، كذريعة. كل هذا، يعلق عليه لوال قائلاً :«يحاولون إخافتي. هم يريدون مني التغني بأشياء لا معنى لها، أو الحديث بشكل زائف عن أشياء وهمية». ويضيف :«هذا ليس واقع جنوب السودان. سوف يقتلونني، ولكن، كل هذا لن يغير من الواقع شيئاً. لن أتغير أبداً، ولن أستسلم لعمليات الترهيب المستمرة». بالطبع. لوال ليس وحده، فالكثيرون يقفون معه، وهو شيء حدث على أرض الواقع، إذ تم تهريبه عبر البوابة الخلفية من المكان الذي يقيم فيه الحفل، في أكثر من مناسبة من أجل تجنب عملية إعتقاله. فهو، يعتبر لدى الكثيرون «صوت من لا صوت لهم» في مواجهة الحكومة.
#قور_مشوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|