نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 1424 - 2006 / 1 / 8 - 10:41
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
أعترف إنني لازالت أفتقد إلى صباح هادئ لا توقظني به سوى زقزقة العصافير وموسيقى فيروزية تذهب بي إلى جدار مدهون بزرقة فاتحة علقت عليه لوحة لسلفادور دالي تتحدث عن خيال مشتت لشاعر معلق على رقاصي ساعة وأمامه ثيرانا تجرها عربة مليئة بالورد والعناكب الوردية .
أنا أحب سلفادور دالي ، غير أن صباحي المليء بقيح الأخبار المجروحة لا يسمح لي بممارسة هكذا سريالية من بطر مادام انفي لا يطلق الفراشات وهو عنوان رواية لصديقي محمد الحمراني بل يطلق خميرة الخبز وروث الدجاج والدعوة إلى عمل رضاعة حليب لطفلي الذي لم يسلم بعد من حمى الأيام الباردة ..
أما دولة مالي فلا أقاربها مع خواطري سوى بالجوع الذي يعانيه شعبها وغرابة مباني الطين المخروطية في عاصمتها الرملية ، وجمعي معها يسكن في بيت لأمرئ القيس : إنا غريبان ها هنا.... وكل غريب للغريب نسيب ...
تغريبة عجيبة في زمن النيون والعولمة ووجبات ماركة امريكانا السريعة ، اطل من خلالها إلى العالم بأجفان مرتعشة فلا أرى سوى خارطة تتمزق أمامي .
آه وألف آه ..إنها خارطة بلدي . الناس يموتون بالوزن وكأنهم أكوام بطيخ تسحقها الجرارات . وكأن الإنسان هنا ليس سوى بدلة ذهبت موضتها وعليها أن تتمزق أو تنام في خزانة القبو ، وخزانة القبو في بلدي ليست سوى النعش والقبر ، ولهذا ترى إن ردود أفعالي تكون متوترة وبلادي التي اعشق كل شيء فيها حولها الذئب إلى مسلخ للبشر ، فأنا لا حاجة لي بلوحة لسلفادور أعلقها لخيال أمنيتي السريالية بأن أتصور نفسي عاريا وأبيع البصل في ميدان مدريد أو أتلذذ بتناول البوظا في بيت ثلجي بألاسكا أو اركب حنطورا وأتسلق به ظهر أبي الهول مادامت إخبار التفخيخ والبطيخ أرتني أمس صورة صبي كان يبيع الهيل قرب مرقد الإمام الحسين ع قد قسم الداناميت جسده إلى نصفين نصفا بقي قرب أكياس الهيل التي كان يفترشها على الأرض والنصف الثاني وجدوه على سطح بناية مجاورة .
أذن سيرتبك الكون ، وكذلك ردود أفعالي ولن اقدر بعد أن اسيح في حلمي مع شفاه ممثلة هوليودية أتمنى أن امتص رحيقها . وعاصمة مالي المبنية من الطين الأحمر هي مكانا مثاليا لتخليصي وأطفالي من لحظة أن ينقسم جسدي إلى نصفين ..أما الطيب سلفادور دالي ..فله المتاحف والمريدين وأنا لااصلح إلا لرغبة مشتعلة في عيون والدة صبي الهيل وهي تنتخب أمام مصور التلفزيون وتقول : كان هو الوحيد الذي يعيل عائلتنا .
الآن من يعيل هذه المرأة .؟ من يعيلني ويمنحني القدرة على مقاربة أحلامي مع القلم الورقة مادامت ردود أفعالي قد تشتت وصار كل جزء منها يعيش في بلد .
أور السومرية في 7 كانون ثاني 2005
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟