|
ندوة حول انفلونزة الثقافة
صادق الطريحي
الحوار المتمدن-العدد: 1424 - 2006 / 1 / 8 - 10:41
المحور:
كتابات ساخرة
اقيمت مؤخرا في منظمة " العصور الحديثة "، وهي احدى منظمات المجتمع المدني المنتشرة في طول البلاد وعرضها، ندوة حول انفلونزا الثقافة، وهي الندوة الاولى في العراق كما تقول المنظمة، حضرها عدد ليس بالقليل، لكنه يفوق عدد الذين يحضرون اماسي الأتحاد، وقد ظن بعظهم أن الندوة حول انفلونزا الطيور، كان الحضور والمشاركون مزيجا من الروزخونية والليبراليين الجدد والدينقراطيين (المصطلح لجاسم المطير) وضباط شرطة سابقا، وبعض من منتسبي الأحزاب الحاكمة والكيانات المرشحة للانتخابات. ادار الندوة الصديق ... الذي كان من رواد اماسى الاتحاد، قال لي وقد لاحظ دهشتي، ان اماسي الاتحاد اتم، لكن اعطيات المنظمات ادسم! . وبعد أن رحب بالجميع، قال: هذه ندوة ديمقراطية، يسمح لكل احد منا ابداء رأيه ، دون أن يستهزء باراء الآخرين أو أن يتفوه بكلام غير لائق، ثم دعا أحد المحاضرين للكلام فقال: يوجب المنهج العلمي الحديث، ان نعطي تعريفا للمصطلحات الواردة في الندوة، والمصطلح الأول هو الانفلونزا، وهو مرض يصيب الجهاز التنفسي للانسان، ويجعل الفرد يشعر بألم في العضلات، وفتور في القوة مع ارتفاع في درجة الحرارة ، ويعد أجدادنا القدماء اول من وصف هذا المرض وبيان اعراضه وعلاجه، واطلقوا عليه اسم أنف العنزة، لأن السائل المخاطي يسيل من أنف المريض كما هو انف العنزة، والدليل على ذلك أن طلبة اقسام اللغة العربية في الجامعات العراقية مازالوا يكتبون اسم هذه الندوة هكذا (انفلونزة الثقافة)، وعندما جاء المحتلون الى بلاد الاسلام، وسرقوا ما سرقوا من خيرات البلاد، سرقوا اسم هذا المرض وطرائق علاجه بالأعشاب، واستخلصوا من شجرة اليوكالبتوس علاجا له، ثم اعادوه الينا على شكل مرض الانفلونزا مع اقراص البراسيتول، واما لفظ الثقافة فمأخوذ من الرمح الثقيفي، وهو المرهف، الحاد، المنسوب الى امرأة من ثقيف كانت ماهرة في بري الرماح، وقد اخذ هذا اللفظ كترجمة للكلمة culture والتي تعني الحضارة ايضا بحسب تعريف " تايلر" صاحب اول تعريف للثقافة وأشهرها، غير اننا سنأخذ اليوم بتعريف الشاعر " نجيب سرور" الذي ثبته في قصيدته " حكماء مقهى ريش"، وهنا اعترض احد المستمعين فقال انه يفضل استعمال كلمة ادب أومتأدبين بدل ثقافة او مثقفين كي لانفقد الصلة مع التراث، اضافة ان كلمة ثقافة مأخوذة من قبيلة ثقيف، التي ينتمى اليها الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي!. واضاف مستمع آخر إنه لايفهم الصلة بين انفلونزا الطيور وانفلونزا الثقافة، ويرى انه لاتوجد صلة حقيقية غير مايتحذلق به المثقفون، او المتأدبون في المصطلح الحديث، فرد احدهم ان الصلة حقيقية وقائمة ولاريب فيها، تؤيدها الأسباب والمسببات والنتائج المتشابهة، فقد توصلت الابحاث العلمية أن سبب انفلونزا الطيور هو فايروسH5N1 ، الذي ينتقل عن طريق الطيور البرية المهاجرة، فيصيب الطيور الشرقية الوادعة التي تنتظر الذبح الحلال على الطريقة الزرقاوية، وقد ثبت ايضا، أن النظريات الفلسفية التي جاء بها اليونان، ثم النظريات الأدبية الحديثة، العابرة للقارات، التي جاء بها اصحاب مدرسة براغ او الشكلانيون الروس أو نظريات النحو التوليدي أو نظريات الاتصال الفائق للعادة، هي سبب انفلونزا الثقافة، على الرغم من أنها تصلنا متأخرة عن مولدها عدة عقود، أو بعد موتها هناك، فبالأمس القريب، تأثر العرب بالمنطق الأرسطي، فقسموا الكلمة أقساما ثلاثة، ووضعوا لكل قسم حدودا، ثم أنهم لايلبثون ان يجدوا الفاظا لايمكن ان تحد بتلك الحدود، فيحارون ماذا يفعلون؟ وها نحن نلحظ حتى اليوم، مايعاني منه النحو بسبب اصطناع الفلسفة وتكلف المنطق وكثرة التأويل، وعدم فهمنا للنحو جميعا الا من عصم ربي، فقام احد الحاضرين وقال: ان الأستاذ قال حقيقة كانت غائبة عنا، لذا علينا ان نحرم دخول الفلسفة، وكتبها ونمنع تعلمها وتعليمها كما فعلت المملكة العربية الاسلامية السعودية، التي حرمت دخول الفلسفة الى بلاد نجد والحجاز! ثم اضاف المحاضر أن العرب قد أحسوا بخطر الفلسفة الداهم وشرها المستطير، الأمر الذي دعا اباحيان التوحيدي أن يحرق كتبه، غير متأسف عليها، وما كتاب " تهافت الفلسفة " الا ّدليل عقلي وبرهان نظري واستنباط صحيح المقدمات والنتيجة على مانقول! فاعترض احد الحاضرين وقال: ولم لانأخذ برأي العالم العربي " ابن رشد " الذي اظهر بكتابه " تهافت التهافت " عبث " الغزالي" وقصور نظره؟ فرد عليه أن " ابن رشد " يعد من المحدثين واصحاب البدع و.. وكاد ان يحتدم النقاش لولا تدخل مقرر الندوة الذي دعا مشارك آخر الى الحديث، فقال: الحقيقة أنه ليس العرب وحدهم من يعانون من انفلونزا الثقافة ، بل الفكر الغربي كذلك، خذوا مثلا اشكالات جائزة نوبل واخفاقاتها، وتأثير السياسة فيها، وكيف أنها تجاوزت قمم في الأدب العالمي الى تلال صغيرة، وكيف انها حشرت الفلسفة في نطاق الأدب فمنحت الى " برجسون " ذات مرة وهو احد الفلاسفة، حتى رفضها الكاتب العظيم " برنارد شو"، وعندما منحت الى " نجيب محفوظ"، كان ذلك بعد توقيع مصر لمعاهدة السلام مع اسرائيل، واذا لم يكن هناك اديب يستحق الجائزة قبل نجيب محفوظ، فلم لم تمنح الى العلامة " جواد علي " مثلا وهو مؤرخ عظيم لايقل كفاية أو قوة اسلوب عن " تيودور ممسين" مؤرخ الدولة الرومانية، لولا وجود فايروس السياسة المسبب لانفلونزا الثقافة؟ وهنا اعترض احد الشعراء المغمورين فقال: ان تدخل السياسة والآيديولوجيا في الثقافة عامة، وفي الشعر خاصة، لهو اشد تأثيرا واكثر ايلاما في الشرق منه في الغرب، ألم يرفع احد الأحزاب في العراق عبدالوهاب البياتي الى مصاف الشعراء الكبار، وهو لايساوي شيئا أمام أي شاعر ستيني، أو امام السياب الذي مات جوعا لأنه ترك ذلك الحزب، وكتب مجموعة من المقالات في مجلة الحرية ضده؟، كما يقول "احسان عباس"، أولم يرتفع شاعر كبير كسعدي يوسف ـ ولا احد ينكر ابداعه ـ بفضل هذا الحزب، أو بفضل انتمائه لهذا الحزب، ليصبح شاعرا عالميا، على الرغم من انه كثيرا ما يكرر نفسه اليوم، كما تقول" فاطمة المحسن"، ثم ليقول اخيرا انني الشيوعي الأول والأخير في العالم!. فقلت في نفسي لقد صدق والله، فلقد حاولت غير ذات مرة، أن اكمل قراءة رواية " الأم"، فأخفقت في الوصول الى ثلثها، وكنت أخشى ان اقول انها رواية عادية، أو أقل، خوف ان يقال عني جاهل، حتى أخبرني أحد النقاد اليوم، أنها رواية ضعيفة، ولم تشتهر الاّ لأن "غوركي" أصبح رئيسا لإتحاد الأدباء السوفيت! وما كنت أجد شيئا جميلا أو صوتا متفردا في " هاشميات الكميت"، ولم استطع ان أعلن رأي، خوف أن ادان، حتى قرأت رأي استاذ الجيل " البصير" بالكميت وهاشمياته في كتابه "عصر القرآن"، فتيقنت من أن رأي صحيحا، وهنا أعطي الحديث لمتكلم جديد فقال: اذا لم يكن سبب انفلونزا الطيور، غضب من الله سبحانه وتعالى، فهو بسبب فايروس غامض، صنعته المختبرات العلمية للدول المتحكمة باقتصاد العالم، بعد ان لحظت التزايد المستمر للسكان، المتوافق مع معادلة " مالثوس"، فقررت التخلص من العدد الزائد من السكان بعد أن فشلت عيادات تنظيم الاسرة في تقليله! أما انفلونزا الثقافة، فهي محاولة لطمس الهويات الثقافية للشعوب، واشاعة عولمة الثقافة، ودليلنا على ذلك، هو أن انفلونزا الطيور، منتشرة الآن في الصين، وذلك للضغط عليها للتخلص نهائيا من الثورة الثقافية التي أشعلها الرئيس " ماو"، خوفا من العولمة الثقافية التي كان يحدس بها، وهي تقترب من سور الصين العظيم،...وقال آخر أن سبب انفلونزا الثقافة، هي تلك الملخصات الثقافية التي اشاعها الكتبة الكبار من اهل مصر، قبل الحرب الثانية وما بعدها، و.. وهنا تململ بعض الحاضرين، وكأن الوقت قد أزف لشيء ما، فانهى المقررالندوة، وشكر السادة المشاركين، ثم دعانا جميعا لتناول المرطبات، وما اعدته المنظمة من طعام سفري للحاضرين، مع " يكات " من الورقات الخضر، فشكرنا جميعا هذه الانفلونزا الثقافية الجميلة!.
#صادق_الطريحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في البدء كانت الحلة الى شهداء مجزرة -ابن نما-
-
إمرأة تنظر في مرآة الورد
-
من يوميات عبد الله
-
مقابلة مع الناقد والمترجم العراقي باقرجاسم محمد
-
عصب ملتو
-
نحو مشروع نهضوي وطني جديد
-
مشروع اتحاد الأدباء الجان
-
سبع عشرة نفسا في تابوت احمر /الكائن 1845
-
سبع عشرة نفسا في تابوت احمر/الكائن1845
-
الدستور العراقي والجامعة العربية وعمرو ...
-
قصيدة-السمك في العيد-
-
من خطاب أوديب عند أبواب طيبة
-
وطن التمر الى/ الشهيد أحمد يحي بربن
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|