عبد المجيد طعام
الحوار المتمدن-العدد: 5385 - 2016 / 12 / 28 - 14:08
المحور:
الادب والفن
إلى روح والد صديقي محمد درويش...روح زكية عانق الثقافة في وقت كانت الثقافة حكرا على النخبة
تحدى خوفه ، قلقه و هواجسه، انتظر عودة أبيه من العمل فقال له:"..أريد أن أخبرك بشيء مهم.." كعادته لم يثر اهتمامه ،تجاهله و اتجه نحو الغرفة ليستلقي أما شاشة التلفاز ..لا يريد أن يزعجه أحد هذا اليوم فهو يستعد لمشاهدة "ميسي" يلعب ضد "رونالدو"..إنه الكلاسيكو الإسباني استأثر به قرابة الشهر في يقظته و منامه،في حله و ترحاله...كم تمنى أن تتعطل الحياة من حوله..كره أن يسمع كلاما أو مطالب تزعج نشوة تمتعه بأهداف "ليونيل ميسي".
لم ييأس وحيد من محاولة لفت انتباه أبيه، تبعه إلى الغرفة و قال له:"أريد أن أخبرك بشيء مهم...الموضوع متعلق بحياة أو موت ! ! " رفع الأب عينيه نحوه،مستصغرا الأمر و قال له:"لديك دقائق معدودات... قبل أن يبدأ "الماتش" أخبرني بما لديك.." نظر إليه وحيد نظرة فيها الكثير من الألم ممزوجا باللوم و العتاب و قال له:"لقد خضعت لتحاليل طبية...قالوا لي إنني أحمل الفيروس.."حدق فيه أبوه ورد عليه بنبرة مستهزئة:" أنت كلك فيروسات ! !...أي فيروس متهوّر قبل أن يسكن جسدك البئيس؟؟ "
انصرف الأب بعينيه نحو التلفاز مبديا اهتماما أكبر بصفارة حكم المقابلة و هو يعلن انطلاق نزال الكلاسيكو بينما واصل وحيد حديثه المتقطع:" لقد زارت حملة طبية مؤسستنا التعليمية... أجرت تحاليل طبية على من شاء من التلاميذ والتلميذات...كنت من بينهم.."
أدرك وحيد أن أباه لا يبدي اهتماما بكلامه لكنه رغم ذلك واصل حديثه وأخبره أن طبيبا استقبله بمكتب المدير وقال له:"أنت حامل لفيروس نقص المناعة المكتسبة" و أضاف الطبيب:" لا تخف...عليك فقط أن تتبع الإجراءات العلاجية السليمة...ستتمكن من التعايش مع الفيروس و تعيش حياة شبه طبيعية..لا شك أن أسرتك ستتفهم الأمر و تساعدك على تجاوز وقع الصدمة..."
كلام وحيد لم يمنع الأب من التفاعل مع "الكلاسيكو" بل كان يحتج على اختيارات حكم المقابلة وكان يضرب برجله اليسرى كرة وهمية محاولا توجيه تسديدة ميسي نحو الهدف.. عندما أحس بانتهاء ولده من سرد حكايته استغل توقف اللعب و مال بعينيه نحوه و قال له:" ألم تجد إلا هذا اليوم لتخبرني بأنك أصبت بالسيدا ؟!...هذا الأمر لا يهمني ! !...اذهب أنت و سيداك إلى الجحيم...لا أريد أن أراك هنا مرة أخرى ...احمل حقيبتك و غادر البيت فورا.."
لا زال وحيد يتذكر كل تفاصيل تلك اللحظة القاسية رغم مرور أربعين سنة...تعايش مع الفيروس و انتصر على مضاعفاته لكنه لم يستطع أن يتعايش مع وحدته و عزلته.. ظل يعاني من آثار جرح لا يندمل..زاد الجرح اتساعا و ألما عندما وصلته رسالة من مجهول تقول:"أبوك يحتضر...يجب أن تزوره قبل أن يفارق الحياة..."
صباح 28/12/2016
#عبد_المجيد_طعام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟