مشعل التمو
الحوار المتمدن-العدد: 1424 - 2006 / 1 / 8 - 10:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نشرت دار الخليج في عددها الصادر بتاريخ 26-12-2005 مقالا للكاتب تركي علي الربيعو , بعنوان : الأكراد وتصريحات نجاد , ونظرا لما يحمله المقال من رؤى بعيدة عن المنطق الإنساني , والمرتكزة أساسا على مفاهيم معينة يؤمن بها الكاتب الربيعو , ويحاول في كل حدث , إيجاد مدخل ينشر بها أفكاره , حتى وان كانت الفكرة لا تلاءم الموضوع المثار .
فإذا كانت تصريحات الرئيس الإيراني تتطابق مع مقولات الخميني فهذا شيء يخصه , بما هو نتاج لتلك الفلسفة , وإعادة إنتاجها , وبغض النظر عن صحتها من عدمه , أمر يخص المؤسسات الإيرانية , والكتابة عنها , يحمل وجهان وبدلالات سياسية متنوعة , سواء كان الكاتب موافقا على ضرورة نقل إسرائيل , أو يعتبر الطرح طوباويا , يُصعد في مكان , لينجو في مكان أخر ؟.
فإذا كان الربيعو حريصا على الإشادة بطرح الرئيس الإيراني , وهذا حقه , كان الأولى به أن يناقش المسالة , أما بسردية أو بتحليلية محددة , ناهيك عن أن تصريحات من هذا النوع تعكس وعيا سياسيا معينا , يتكئ على ثقافة ذات بعد واحد , ناظمها الأوحد هو المصلحة الإيرانية , وليس كما يتوهم الربيعو , بل أن الغاية هي الإفادة من الوقت في الملف النووي عبر ابتكار وإبداع طروحات تربك الجانب الأوربي المفاوض , والملف النووي الإيراني كما قيمه زعماء الخليج في قمتهم الأخيرة , بأنه يشكل بيئة خطرة على المنطقة كلها , خاصة وان " رسالة المسلم الشجاع " ترفض أن تعيد الجزر الإماراتية المحتلة من قبل نجاد وغيره من الزعماء الإيرانيين .
تصريحات نجاد التي يجعل منها الكاتب الربيعو , مدخلا لاتهام الزعماء الأكراد , لان صحافتهم لم تحرك ساكنا ولم تبحث أو تبارك نجاد في مسعاه نقل إسرائيل ؟ وهو الذي بنى عليها تحليلا ثلاثي الأبعاد , وكان إسرائيل ليست حليفة لأغلبية الدول العربية , أو أن سفاراتها أو مكاتبها التجارية , أو لقاءات مسئوليها مع الزعماء العرب , ليست موجودة, أو لم تحصل أبدا , وقد يكون السيد الربيعو غير متابع لمجريات العلاقة الإسرائيلية العربية , ليس هذا وحسب , لكن هل يستطيع أن يطلعنا الربيعو عن عدد الصحف أو الزعماء العرب الذين ساندوا النظرية النجادية هذه .
ثمة مسالة بديهية يتناساها الكثير من المثقفين العرب , وهي أن الكورد قومية متمايزة , شاء هذا , أم أبى ذاك , ومعيارية العروبة في الحكم تصلح لأصحابها , أما اختزال الشعوب وفق تلك العقيدة والمعيارية , فلا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة منطقية , بل يظهر تراكمات وخلفيات الثقافة الأحادية التي زرعها الفكر القوموي العروبي , وأنتجت الكثير من مثقفي النزعة المثالية التسلطية , الذين تتعارض مكنوناتهم مع نسق تطور العالم من جهة , ومع آلية تطور المجتمعات وتبدلها من جهة ثانية .
إن أي مجتمع يتطور عادة بتطور وعي مواطنيه وتكامله , وسعيه الدائم إلى اكتشاف وسائل مؤسسيه , بهدف توسيع دائرة التواصل والتبادل والتثاقف , وهذا السعي تنظمه مجموعة من الروابط التي تختلف من مجتمع إلى أخر , لكن هدفها الأساس هو تقوية الوشائج الاجتماعية في المجتمع , وليس نشر أوهام مرضية , أو هواجس غوبينويه ( نسبة إلى غوبينو ) تمزق وتفرق أبناء المجتمع , وهو ما يفعله الربيعو عبر إصراره على فكر وثقافة تخوين الأكراد , وهي ليست المقالة الأولى التي يبث بها فكره وهواجسه , في مسعى ينم عن نقص في الرؤية العلمية للأخر , بل فقدان لبوصلة الوعي الإنساني , وهو الوعي الذي نراهن عليه في بناء دولة مدنية , دولة الكل الاجتماعي , لتشكل البيئة والحاضنة الوطنية والقادرة على أن يكون فيها التداول الإنساني معيارا وناظما لسيطرة العقل والإدراك على الغريزة وخلفيات الثأر العام .
إن مشكلة بعض المثقفين العروبيين تكمن في كوامن العقل الباطن , الفردي أو القبلي أو لأقل العنصري تجاه المختلف والمتمايز قوميا , وهذا المحرك الغريزي يطفو مع كل أشارة أو ظاهرة أو موقف , حتى وان كان الموضوع المعالج , كيف خسر العرب الأندلس ؟ وسياقات الغريزة الباطنية تؤسس لدى الربيعو , سلوكا للفناء , عبر الدعوة إلى تأجيج العصبية الجزئية , سواء القوموية , أو الدينية , وفي الحالتين هناك تماه فيما يكتبه السيد الربيعو وبين تلك العصبية وارادتها التعسفية , ولعل تجليها يظهر في النعوت التي يطلقها على الكورد , وهي نعوت لا تمت إلى التعامل الإنساني بصله , وكذلك لا ترتبط بحيز التداول المجتمعي , وإنما تصب مباشرة في خانة العقيديات منتهية الفاعلية , لان مدركات الراهن لم تعد تتعامل بالقيم الجاهزة والتهم البعيدة عن النقد العقلاني والوعي الصحيح , حتى في التسمية يرفض عقل الربيعو تسمية كوردستان , رغم أنها تسمية ليست حديثة وإنما تعود إلى دستور عبد الكريم قاسم .
أما بخصوص العلاقة الكوردية الأمريكية أو الاسرئيلية , واتهام الأكراد بها , فقد أصبحت ممجوجة وتثير الغثيان من كثرة تردادها , واعتقد بان العولمة وتحول العالم إلى قرية كونية , يفترض الانفتاح الحضاري بين شعوب الأرض قاطبة , وإذا كانت للأكراد علاقاتهم الخاصة فهي حكما ليست على حساب شعوب المنطقة , وإنما وفق ما تقتضيه المصالح المشتركة .
إن ذهنية التحريم المحركة لوعي السيد الربيعو تضعه في تناقض فكري بين ما هو موجود في الواقع , وبين مخيلة تسكنها أوهام عصبية , والأدق قبلية , تنم عن محدودية التجربة الحياتية , وعدم امتلاك قدرة الوعي بالأخر , وبالتالي لا أمكانية لأخذ الشروط المتغيرة , والوقائع المبدلة للمجتمعات بالاعتبار , بمعنى إعادة إنتاج قيم هاجسية , ونفخ الروح العصبوية , أمر حطم بناءه تناقض الواقع , وبات في حاجة إلى قيم إنسانية , علها تعيد إليه الروح .
30-12-2005
*الناطق باسم تيار المستقبل الكوردي في سوريا
#مشعل_التمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟