|
الجزء الثاني من الرواية: الراء 2
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5384 - 2016 / 12 / 27 - 09:37
المحور:
الادب والفن
فضولي، أستثير أكثر مع بوح " خدّوج " باسم أخيها غير الشقيق كمصدر لمعلومتها فيما يخصّ نزهة أوريكا. ما لم يكن بإمكان " سيمو " علمه، هوَ أنّ امرأته مَن كانت البطلة الحقّة للنزهة، التي جرت في يوم نهاية الأسبوع المنصرم. على أنني بنفسي كنت أجهل حقيقة، أنه يومٌ فاصل في حياتي ثمّة في المدينة الحمراء: " الشريفة "، عليها كان أن تعودَ يومذاك وفي رحمها بذرة من صلبي، ستنمو خفيةً قبل أن تفضحها علاماتٌ لا يمكن أن تخطئها العينُ البصيرة والخبيرة. لقد رميتُ بذرتي، هناك في قلب الطبيعة البكر، كما كان حال الانسان الأول. وما فتأتُ أتساءل عن مغزى الأمر، طالما أنّ خيمة المرسم هيَ المفترض أن تكون المكان الأمثل، كونها شهدت غالبية خلواتي بمرافقة الخانم. وإنها الخيمة، مَن ضمتني معهما في عشية رحلتنا المقررة إلى أوريكا. لقد أقترحت " سوسن خانم " أن ننتقل إلى مرسمي، متحججة بالحرّ غير المألوف لتلك الأمسية الربيعية بعدما خلّفت كرة الشمس آثار رمياتها في صالة الجناح: " كذلك سنكون ثمة بمنأى عن جهاز التلفزيون، المثير للأعصاب بأخبار القتل والفوضى "، ندّت عنها بشيء من السخط. فقبل قليل، كانت الصالة مكاناً لمناقشة محتدمة بيننا حول ذيول حرب الكويت، التي كانت قد توقفت منذ نحو أسبوعين. الأخبار باللغة الفرنسية، كانت إذاك تعرض بين حين وآخر مشاهد من المحافظات العراقية الثائرة وفيها صور من أفراد البيشمركة يلوّحون بعلامة النصر، هانفين: " كردستان حرّة..! ". وكانت الخانم قد عقّبت مغيظةً، وربما لكون التهلل بادٍ على وجهي: " ماذا يريد هؤلاء زيادة عن الحكم الذاتي، الذي لم يحصلوا على جزء قليل منه في الدول المجاورة للعراق؟ " " هؤلاء من أقوام المنطقة، وكانوا سادتها قبل مغادرة العرب لبواديهم " " البابليون، كانوا سادة العالم القديم منذ آلاف السنين وهم المذكورون في التوراة وليسَ الأكراد؟ " " نعم، بإفتراض أن أهل بابل من أرومة عربية! " " وأنت، ما رأيك؟ " " لنقل، أنهم كانوا أسلاف العراقيين. ولكن أسلاف الكرد، الميديين، هم من قضوا على بابل " " وكيف عرفتَ أنّ هؤلاء هم أسلافكم؟ " " عرفتُ ذلك من قراءاتي لبحوث تاريخية وأثرية، مترجمة للعربية، ولكنها محجوز عليها في المكتبات ولا تصل لتلاميذ المدارس ممن تحشى أدمغتهم بالأساطير والخرافات... " " هه! فأنت تعتبرني من أولئك التلاميذ، إذاً؟ "، قاطعتني وهيَ تفحّ سخريتها المسمومة. ثم أردفت دون أن تغيّر من نبرتها: " إنك تنفخ بنفس مزمار داوود، اليهوديّ! وأجزمُ بأن معلوماتك هيَ الممتحّة من الأساطير والخرافات، التي يقيؤها المستشرقون المغرضون عن العرب ". فلما قالت ذلك، فإنني آثرتُ الزهدَ بالنقاش. في الأثناء، كنتُ ألحظ مدى الدهشة، وربما الإثارة، المستولية على ملامح مرافقة الخانم. وهيَ ذي تتململ، لتخرق الصمتَ بالقول منقلة نظرتها بين الطرفين المتجادلين: " في المغرب، لا يمكن استبيان الفرق بين العرب والشلوح إلا إذا غادر المرءُ المدن باتجاه الجبال والبوادي القصية. ففي المدن، يتزاوج كلا العنصرين ويتفاهمان باللغة الدارجة ". ردّت مخدومتنا بضحكة ساخرة، قبل أن تتوّجه لمرافقتها بالقول: " يا لك من بلهاء..! ألا تعلمين أنّ المغربية الدارجة، إن هيَ إلا لهجة من اللهجات العربية؟ ". شاركتها " الشريفة " بضحكة متسامحة، ثم عقّبت بملاحظة ذكية: " فلو أنّ الأمر كما تقولين، فلِمَ بقيتِ لفترة طويلة وأنت عاجزة عن فهم محكيتنا الدارجة؟ ". نظرت إليها الخانم بخفة، ولم تلبث أن أشاحت بوجهها إلى جهة المنضدة لتتناول مروحة يد اسبانية ثمينة، مذهبة الأطراف: " دعونا من هذا النقاش، العقيم..! الرأيُ عندي أن نصعد إلى الترّاس، فالهواء هنا أضحى ككتلة من الطين تخنق الأنفاس ". مضينا بأثر مخدومتنا، مجتازين الرواق الضيّق، بين مرجين من اللوحات الفنية المتخللة بأغراس نباتات الزينة، الشوكية والمزهرة. " الشريفة "، كانت تمشي مباشرةً خلف المرأة المتسلطة. عندئذٍ، بدت هيَ كأنها ثملة بعبق العطر الفاخر، المتفشي في جسد مخدومتها اللدن، المكسو بسترة سبور عملية، ناصعة البياض. أما المرافقة نفسها، التي كانت تخطر بقفطانٍ بنيّ اللون، فإنها كالعادة جعلت من مؤخرتها الرجراجة مثاراً لأقاويل رغبتي. لم نكد نصل إلى عتبة مدخل الترّاس، إلا والخانم تلتفت إليّ لتسألني: " الغد هوَ السبت، أليسَ كذلك؟ ". وأستطردت بالقول: " فلتذهب إلى شقتك الآن من غير تأخير، لأننا ثلاثتنا سنبكّر غداً في الإنطلاق إلى أوريكا! ". قالت ذلك بلهجتها الآمرة، وكما لو أنها سبقَ واتفقت معنا على موعد النزهة. وهيَ ذي تخاطب مرافقتها، آنَ صارت بباب المرسم: " أما أنتِ، فبإمكانك البقاء قليلاً في صحبتي ". تفكّرتُ فيما كنتُ أعود أوباً، نازلاً الدرجات الرخامية العريضة، بمعنى حركة الخانم الأخيرة وما إذا كانت على خلفية نقاشنا السياسيّ. كنتُ سعيداً، من ناحية أخرى، لقرار رحلة الغد. على ذلك، استبعدتُ أيّ تفكيرٍ سيء يمكن لشيطان الغيرة الإيحاء به للمدنف بالعشق.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجزء الثاني من الرواية: الراء
-
الجزء الثاني من الرواية: القاف 3
-
الجزء الثاني من الرواية: القاف 1
-
الجزء الثاني من الرواية: القاف
-
سيرَة أُخرى 42
-
الجزء الثاني من الرواية: الصاد 3
-
الجزء الثاني من الرواية: الصاد 2
-
الجزء الثاني من الرواية: الصاد
-
الجزء الثاني من الرواية: الفاء 3
-
الجزء الثاني من الرواية: الفاء 2
-
الجزء الثاني من الرواية: الفاء
-
الجزء الثاني من الرواية: العين 3
-
الجزء الثاني من الرواية: العين 2
-
الجزء الثاني من الرواية: العين
-
الجزء الثاني من الرواية: السين 3
-
الجزء الثاني من الرواية: السين 2
-
الجزء الثاني من الرواية: السين
-
الفردوسُ الخلفيّ: النون 3
-
الفردوسُ الخلفيّ: النون 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: النون
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|